إننا نعتقد أنهم يتعهدون هذا الصراع بقوة، لكن في مناضلتهم يكون لديهم نوع من القلق والغم، خاصة حين يقفون أمام مناضلين أقوياء أي رجال قدّيسين كاملين، وإلا فإنه لا يكون نضالاً ونزاعًا بل هو مجرد تغرير بالبشر، لأن طرف قوي والآخر ضعيف، (فالحرب الروحية شديدة) وإلا فأين يكون موضوع كلمات الرسول القائل: "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرؤَساءِ مع السلاطين مع ولاة العالم علي ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشرّ الروحيَّة في السماويَّات" (أف12:6)، وأيضًا "هكذا أُضارِب كأني لا أضرب الهواءَ" (1كو26:9)، وأيضًا "قد جاهدت الجهاد الحسن" (2تي7:4)؟!
إذ يتحدث عن حرب وصراع ومعركة، يلزم أن توجد قوة وجهاد في كِلى الطرفين، وأن يكون كلاهما مُعدًّا إما أن يضجر ويخجل من الفشل أو يبتهج بالنصرة. لو أن أحد الجانبين يحارب بيسر مع ضمان (النصرة) علي الثاني الذي يناضل بقوة عظيمة لما دعيت معركة أو صراع أو نزاع بل يكون نوعًا من الهجوم المجحف غير العادل.
بالتأكيد تُعدْ الأرواح نفسها لمهاجمة البشر بقوة لا تقل عن قوتهم لكي يضمنوا النصر عليهم... (فيسقطون هم فيما يصنعونه بنا) إذ يقول: "وعلي هامتهِ يهبط ظلمهُ" (مز16:7)، وأيضًا "لتأْتِهِ التهلكة وهو لا يعلم ولتنشب بهِ الشبكة التي أخفاها وفي التهلكة نفسها ليقع" (مز8:35)، أي في التهلكة التي دبّرها بغشه للبشر. فتسقط الأرواح في الحزن، وإذ تريد إهلاكنا تهلك هي بواسطتنا بنفس التهلكة التي يرغبوها لنا. ولكن لا تعني هزيمتهم أن يتركوننا بغير رجعة.
بالنظر إلى هذه الهجمات وهذا النضال، فإن من كانت أعين إنسانه الداخلي سليمة يراهم يتفرسون راغبين في الخراب، وإذ يخشى لئلا يصيبه هذا يصلي إلى الله قائلاً: "أَنِرْ عينيَّ لئَلاَّ أنام نوم الموت. لئَلاَّ يقول عدوّي قد قويت عليه. لئَلاَّ يهتف مضايقيَّ بأني تزعزعت" (مز13: 3، 4)، "يا ربُّ إلهي فلا يشمتوا بي. لا يقولوا في قلوبهم هَهْ شهوتنا. لا يقولوا قد ابتلعناهُ" (مز35: 24، 25)، "حرَّقوا عليَّ أسنانهم يا ربُّ إلى متى تنظر" (مز35: 16، 17)، لأنه "يكمن في المختفي كأسدٍ في عِرّيسهِ. يكمن ليخطف المسكين" (مز9:10). وأيضًا إذ تهلك قواهم ويفشلون في صراعهم معنا نقول: "ليخزَ وليخجل معًا الذين يطلبون نفسي لإهلاكها. ليرتدَّ إلى الوراءِ وليخزَ المسرورون بأذيَّتي" (مز14:40). وأيضًا يقول إرميا "ليخزَ طارديَّ ولا أخزَ أنا. ليرتعبوا هم ولا أرتعب أنا. أجلب عليهم يوم الشر واسحقهم سحقًا مضاعفًا" (إر18:17). إذ لا يقدر أحد أن يشك في أنه متى انتصرنا عليهم يهلكون هلاكًا مضاعفًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فكل قديس إذ يرى خراب أعدائه (الشياطين) ونجاحه يبتهج متعجبًا قائلاً: "أتبع أعدائي فأدركهم ولا ارجع حتى أفنيهم. أسحقهم فلا يستطيعون القيام. يسقطون تحت رجليَّ" (مز18: 37، 38)، ويصلي ضدهم قائلاً: "خاصم يا ربُّ مخاصميَّ. قاتل مقاتليَّ. امسك مجنًّا وترسًا وانهض إلى معونتي. واشرع رمحًا وصدَّ تلقاءَ مطارديَّ. قل لنفسي خلاصكِ أنا" (مز1:35-3). وعندما نقمع كل أهوائنا التي انتصرنا عليها ونبيدها نسمح لأنفسنا أن نسمع كلمات التطويب هذه: "لترتفع يدك علي مبغضيك وينقرض كل أعدائك" (مي9:5).
عند قراءتنا أو عندما نتغنى بتلك الآيات وما يشبهها مما جاء في الكتاب المقدس، فإننا إن لم نأخذها علي أنها ضد الشر الروحي (الخطية) الذي ينتظرنا ليلاً ونهارًا نفشل في أن نستخرج منها ما هو لبنياننا وما يجـعلنا ودعاء وصبورين، بل بواسطة بعضها قد نصل إلى حالة مريعة تخالف الكمال الإنجيلي تمامًا...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-7-no-fear.html
تقصير الرابط:
tak.la/4yz6y53