من يسقط بالجسد تحت سلطانهم (أي يجربون في الجسد) يصيرون في خطر عظيم واضطراب شديد، أما الذين تسقط أرواحهم تحت سيطرتهم فيسقطون في الخطايا والشهوات هؤلاء حالهم أردأ. لأنه كما يقول الرسول أن من يُغلب من أحد يصير عبدًا له.
نحن نعلم أنه حتى القديسين يسمح الله أن تسقط أجسادهم تحت سلطان الشيطان وتحل بهم نكبات كثيرة، ذلك من أجل الهفوات (لتأديبهم) لأن الرحمة الإلهية لا تطيق أن يكون فيهم وسخ أو دنس إلى يوم الدينونة، فينقيهم من كل شائبة، مُقدمًا إياهم إلى الأبدية مثل الذهب أو الفضة المصفّاة، غير محتاجين بعد إلى تنقية، فيقول الله "وأنقي زغلكِ.. وأنزع كل قصديركِ.. بعد ذلك تُدعَين مدينة العدل القرية (المدينة) الأمينة" (إش 25:1، 26). وأيضًا كما تُمتحن الفضة في البوطة والذهب في الكور هكذا يَمتحن الرب القلوب (أم 3:17). وأيضًا "لأن الذي يحبُّهُ الربُّ يُؤَدّبهُ ويجلد كل ابن يقبلهُ" (عب 6:12).
أ. نرى هذا بوضوح في حال النبي رجل الله المذكور في الكتاب الثالث من الملوك الذي افترسه أسد من أجل أنه أخطأ مرة بعدم الطاعة عن غير قصد بل بإغواء غيره (1مل18:13). فيقول الكتاب المقدس: "هو رجل الله الذي خالف قول الرب فدفعهُ الرب للأسد فافترسهُ وقتلهُ حسب كلام الربّ الذي كلمهُ بهِ" (امل26:13). في هذا المثال نجد العقاب من أجل عدم الطاعة مع الإهمال، كذلك المكافأة من أجل برّه أيضًا. لأن الرب سلّم بنيه في هذا العالم للمهلك وفي نفس الوقت كان الحيوان المفترس بالنسبة لفريسته مترفقًا وعفيفًا إذ لم يجرؤ أن يتذوق شيئًا من الغنيمة التي أُعطيَ له سلطانًا عليها.
ب. نجد نفس الأمر ببرهان واضح جدًا وجلي في حالة الأبوين بولس وموسى اللذين عاشا في بقعة من البرية تدعى Calamus لأن الأول (بولس) قد سبق فقطن في البرية التي صارت قاسية عوض مدينة Panephysis, هذه التي صارت برية قاحلة عن قريب كما تعلم، إذ هبت ريح شمالية من المستنقعات فأغرقت الحقول وكل الإقليم بماء مالح، حتى صارت القرى كجزائر وهجرها سكانها. في هذه المنطقة تقدم الأب بولس في نقاوة القلب وسط هدوء البرية وسكونها، حتى إنني أقول أنه ما كان يسمح لنفسه أن يرى وجه امرأة، بل ولا ملابس هذا الجنس. فعندما كان ذاهبًا إلى قلاية أحد الشيوخ مع الأب أرشيبوس الذي كان يقطن معه في نفس البرية، حدث أن قابلتهما امرأة. وفي الحال نفر من مقابلتها حتى أنه ترك عمله من جهة زيارته لصديقه الذي بدأ فيها وهرب راجعًا إلى قلايته بسرعة كمن يهرب من وجه أسد أو حيوان مفترس. ولم يبالِ بصرخات الأب أرشيبوس وتوسلاته الذي كان يرجوه أن يعود ليكمِّلا رحلتهما إلى الرجل العجوز. ومع أن هذا حدث بسبب شغفه نحو حياة الطهارة ورغبته في النقاوة، لكن هذا تم بغير معرفة، لأنه تعدّى اتباع الترتيب والنظام بدقة مناسبة (بغير اعتدال)، إذ تصور أنه ليس مخالطة النساء (التي هي بحق ضارة للرهبان)، بل حتى مجرد شكل هذا الجنس يلزم مقته. من أجل هذا نال هذا العقاب، وهو أن جسده كله ضُرب بالفالج، ولم يعد أي عضو من أعضاء جسده قادر علي القيام بمهمته، ليس فقط يداه وقدماه بل ولسانه الذي به يتكلم، وفقدت أذناه السمع، ولم يصر فيه من الإنسان سوى الشكل بغير حراك ولا أحاسيس. انحدر إلى هذا الحال حتى عجز الرجال عن خدمته، رغم العناية الفائقة التي بذلوها معه، وصار محتاجًا إلى خدمة النساء الممتلئة ترفقًا (في التمريض)، فأُرسل إلى دير عذارى قديسات. ولم يكن قادرًا حتى علي الأكل والشرب، فكانت النسوة يخدمن إياه حوالي أربع سنوات إلى نهاية حياته.
وبالرغم مما كان يعانيه... إلا أنه كانت له نعمة من الصلاح حتى كان المرضى يأخذون زيتًا مما يدهن به جسده بل تدهن به جثته (التي تكاد أن تكون ميتة) وبه كانوا يبرأون للحال من كل آلامهم. وبهذا ظهر بوضوح حتى لغير المؤمنين أن ضعف أعضائه حدث بسماح من عناية الله ومحبته، وأن نعمة الأشفية قد وُهبت بالروح القدس شهادة لنقاوته وإعلانًا عن استحقاقاته.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أما الشخص الثاني الذي أشرنا إليه أنه ساكن في هذه الصحراء، فمع أنه رجل معروف وعجيب، إلا أنه عوقب عن كلمة واحدة نطق بها بحدة إلى حدٍّ ما في جدال مع الأب مكاريوس... فقد أُسلم إلى شيطان مهلك، للحال ملأ فمه بدنس (قروح)، وذلك لكي لا يبقى فيه أيّ غضن من خطئه الذي حدث في لحظة. و ما أن أمره الأب مكاريوس أن يصلي، للحال فارقه الروح الشرير ورحل عنه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-7-allow.html
تقصير الرابط:
tak.la/m86hphy