8- اشتياق الروحانيين إلى البقاء في التأمل في الإلهيات
من الناحية الأخرى الذين يجعلون فرحهم وبهجتهم وسعادتهم تكمن في التأمل في الأمور المقدسة الروحانية فقط، هؤلاء متى استولت عليهم أفكار أخرى بغير إرادتهم إلى حين يندمون جدًا كمن تدنسوا طالبين عليه تأديبًا. وفي حزنهم لأنهم قد حولوا نظرهم إلى المخلوق التافه (الذي تحول إليه بصرهم الذهني) أكثر من خالقهم يحسبون ذلك كأنه إلحاد، مع أنهم سرعان ما يحولون عيون قلوبهم بأقصى سرعة ممكنة لمشاهدة بهاء مجد الله. إنهم لا يقدرون أن يحتملوا ظلام الأفكار المادية ولو إلى وقت قصير، ممقتين كل ما يعوق نظر أرواحهم عن النور الحقيقي.
أخيرًا عندما لقن الطوباوي يوحنا الرسول هذا الشعور لكل أحد قال: "لا تحبُّوا العالم ولا الأشياءَ التي في العالم. إن أحبَّ أحد العالم فليست فيه محبَّة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظُّم المعيشة ليس من الآب بل من العالم0 والعالم يمضي وشهوتهُ وأما الذي يصنع مشيئَة الله فيثبت إلى الأبد" (1 يو15:2 –17).
لذلك يحتقر القديسون كل هذه الأمور الخاصة بالعالم، لكن ليس من الممكن لهم ألا ينتقل فكرهم إليها ولو إلى حين وحتى الآن لا يوجد إنسان ما إلا إلهنا ومخلصنا الذي وحده يستطيع أن يحفظ ذهنه ثابتًا على الدوام في التأمل في الآب دون أن تمسه قط أية محبة لشيء في هذا العالم، ويقول عنه الكتاب أنه حتى الكواكب غير نقية في عينيه، "هوذا عبيدهُ لا يأْتمنهم وإلى ملائكتهِ ينسب حماقةً" (أي 18:4؛ 15: 15؛ 25: 5).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
9- إنني أقول بأن القديسين الذين يحرصون على تذكر الله على الدوام... يكونون كمن هم محمولين على حبل ممدود مرتفع يسيرون عليه، وذلك مثل الراقصين الذين يدعون بالبهلوانيين الذين يخاطرون بسلامتهم وحياتهم، سائرين على الحبل الرفيع بسرعة، فإذا مازلَّت قدمهم أو انحرفت ولو قليلاً جدًا يتعرضون لموت مرعب. فتكون الأرض (التي يسقطون عليها) التي هي بالنسبة للجميع أساس سلام بالنسبة لهم تمثل خطرًا شديدًا، لا لأن طبيعة الأرض قد تغيرت، وإنما لأنهم يسقطون عليها بثقل أجسادهم. هكذا أيضًا صلاح الله الذي لا يتغير لا يؤذي أحد، لكن بسقوطنا من أعلى الارتفاعات... يصير سبب موتنا. إنه يقول: "ويل لهم لأنهم هربوا عني. تَبًّا لهم لأنهم أذنبوا إليَّ" (هو13:7 ). "ويل لهم أيضًا متى انصرفتُ عنهم" (هو 12:9). لأنه "يوبّخكِ شركِ وعصيانكِ يؤَدبكِ. فاعلمي وانظري إن ترككِ الرب إلهكِ شرّ ومرّ" (إر 19:2). لأن كل إنسان "بحبال خطيتهِ يُمسَك" (أم22:5 ). ويوجه الله هذا التوبيخ بلباقة: "يا هؤلاءِ جميعكم القادحين نارًا، المتنطقين بشرارٍ، اسلكوا بنور ناركم، وبالشرار الذي أوقدتموهُ" (إش 11:50،) وأيضًا "الذي يوقد شرًا يهلك به".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-23-contemplation.html
تقصير الرابط:
tak.la/dxjdp7b