* ما هذا ؟ هل الاجتهاد في الصوم والمثابرة في القراءة وأعمال الرحمة والبر والشفقة والسخاء تنزع منا ولا تبقى مع فاعليها؟ مع أن الرب نفسه وعد بملكوت السموات لأجل هذه الأعمال، إذ يقول: "تعالوا يا مباركي أبي رِثُوا الملكوت المعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم. لاني جُعْتُ فأطعمتموني، عطشتُ فسقيتموني..." (مت34:25، 35). فكيف تُنزع الأعمال التي بها ينال صانعوها ملكوت السموات؟!
10- موسى: إنني لم أقل بأن جزاء العمل الصالح يزول، فالرب نفسه يقول: "من سقى أحد هؤلاءِ الصغار كأس ماءٍ بارد فقط باسم تلميذٍ، فالحق أقول لكم انه لا يُضِيع اجرَهُ" (مت42:10)، بل أؤكد أن فعل أي عمل سواء كان من ضروريات الجسد أو لضبطه... كل هذه الأعمال رغم ضروريتها والالتزام بها لكنها ستنتهي.
فالمثابرة على القراءة والزهد في الصوم لهما أهميتهما في تنقية القلب وقمع الجسد في هذه الحياة وحدها، طالما أن الجسد يشتهي ضد الروح (غل17:5)، بل وأحيانًا تنتهي في هذه الحياة وذلك كما في حالة إنهاك القوة بسبب التعب الشديد أو المرض الجسدي أو كبر السن حيث لا يقدر الإنسان على تنفيذها، وبالأكثر تنتهي هذه الأعمال عندما يلبس هذا الفاسد عدم فساد (1كو53:15)، ويُقام الجسد الحيواني جسدًا روحيًا (1كو 44:15)، ولا يعود الجسد يشتهي ضد الروح.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويوضح الرسول بولس ذلك بجلاء بقوله "لأن الرياضة الجسديَّة نافعة لقليل، ولكن التقوى (وبالتأكيد يقصد بها المحبة) نافعة لكل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة" (1تى8:4). فما قيل عنه إنه نافع لقليل هو ما لا نفعله كل حين والذي لا يمكن به في ذاته الوصول إلى الكمال الأسمى، ففي قوله لقليل يقصد به أحد معنيين:
الأول: من جهة قصر الوقت، فالرياضة الجسدية لا يمكن القيام بها في هذه الحياة الأرضية والحياة العتيدة.
الثاني: قد يكون ذلك إشارة إلى أن الفائدة أقل من الثانية، فالرياضة الجسدية تؤدى بنوع ما إلى بداية التقدم، ولكنها ليست مثل كمال المحبة التي وعد بها في هذه الحياة والحياة العتيدة.
إذن الأعمال السابق ذكرها هامة، إذ بها نصعد إلى مرتفعات المحبة. فتكون الأعمال التي ندعوها أعمال عبادة ورحمة ضرورية في هذه الحياة، حيث يوجد الظلم والجور بين البشر... لكن لا وجود لها في الحياة العتيدة حيث يسود العدل، فيتحول البشر عن الأعمال الصالحة إلى حب الله، والتأمل في السماويات في نقاء قلب دائم. وهذا الأمر اختاره الذين كرسوا حياتهم للمعرفة ونقاوة القلب، باذلين كل جهدهم لكي يخضعوا له وهم بعد في الجسد، وتكمل نقاوة قلبهم حينما ينزع عنهم الفساد وينالون وعد الرب المخلص القائل: "طوبى للأَنْقِياء القلب، لأنهم يعاينون الله".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-1-good-deeds-gone.html
تقصير الرابط:
tak.la/zarm84m