St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   john-cassian
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس يوحنا كاسيان: حياته، كتاباته، أفكاره - القمص تادرس يعقوب ملطي

40- مناظرة 1: 14- أبناء الملكوت أحياء يتأملون ويسبحون الله حتى وإن ماتوا

 

14- أبناء الملكوت أحياء يتأملون ويسبحون الله حتى وإن ماتوا

 

من ثم ليأخذ كل إنسان في اعتباره أنه سيكون له نصيب في ذلك، فلا يشك في أنه سيشارك في الحياة الأبدية (الرب) الذي يخدمه... إذ يقول: "إن كان أحد يخدمني فليتبعني. وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي.." (يو26:12).

St-Takla.org Image: Some saints (image 109), monks, fathers - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024. صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض الآباء القديسون (صورة 109)، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

St-Takla.org Image: Some saints (image 109), monks, fathers - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض الآباء القديسون (صورة 109)، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

وكما أن ملكوت الشيطان يكون بقبول الخطية، فإن ملكوت الله يُنال بعمل الفضيلة في نقاوة قلب وبمعرفة روحية, وأينما وجد ملكوت السماوات فبالتأكيد تكون الحياة الأبدية بفرح، وحيثما وجد ملكوت الشيطان فبلا شك يوجد الموت والقبر. ومن يكون في ملكوت الشيطان لن يقدر أن يحمد الله، إذ يخبرنا النبي قائلاً: "ليس الأموات يسبّحون الرب ولا مَن ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن (الأحياء الذين نعيش للَّه وليس للخطية أو للعالم) فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر، هللويا" (مز 17:115، 18). "لأنهُ ليس في الموت ذكرك. في الهاوية (الخطية) مَنْ يحمدك" (مز 5:6). فالإنسان ليس كيفما كان، بل ولو دعي نفسه مسيحيًا آلاف المرات أو راهبًا لا يقدر أن يعترف بالله إن كان يخطئ متمسكًا بخطيته.

من يسمح لنفسه أن يصنع ما يكرهه الله لا يقدر أن يعترف بالله، أو يدعي نفسه أنه خادم الله. لأن من يحتقر وصايا الله بحماقةٍ وطياشة يسقط في الموت الذي تسقط فيه الأرملة المتنعمة الذي يقول عنها الرسول: "وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية" (1تي6:5).

على هذا يوجد كثيرون أحياء بالجسد لكنهم أموات ولا يقدرون على التسبيح لله... وهناك كثيرون قد ماتوا بالجسد لكنهم يسبحون الله بأرواحهم. إذ يقال: "باركوا الرب يا أرواح ونفوس الصديقين.." [راجع (دا 86:3) - الأسفار القانونية الثانية]، "كل نسمةٍ فلتسبح الرب" (مز 6:150)، وفي سفر الرؤيا نجد نفوس الذين قُتلوا ليس فقط تسبح الله بل وتطلب منه (رؤ 9:6، 10). وفي الإنجيل يقول الرب للصدوقيين في وضوح تام: "..أَفما قرأْتم ما قيل لكم من قِبَل الله القائل أنا إلهُ إبراهيم وإلهُ اسحق وإلهُ يعقوب، ليس الله إله أموات بل إله أحياءٍ (لأن الكل يحيا فيه)" (مت 31:22-32). وعمن يتحدث الرسول قائلاً: "..لذلك لا يستحي بهم الله أن يُدعَى إلههم لأنه اعدَّ لهم مدينةً" (عب 16:11)؟! فانفصالهم عن الجسد لا يجعلهم بلا عمل ولا يفقدهم الإحساس والشعور..

وإذا تفهمنا بدقة الكلمات التي قيلت للص: "..اليوم تكون معي في الفردوس" (لو43:23)، لظهر بوضوح أن صفات النفس لا تلازمها فحسب بل ويصير للنفس في حالتها الجديدة (بعد انفصالها عن الجسد) صفات تتناسب مع عملها واستحقاقها. فما كان الرب يَعِد اللص بذلك لو أنه يعلم بأن نفسه تفقد تمييزها وإدراكها أو تتحلل بسبب انفصالها عن الجسد. فالداخل إلى الفردوس نفسه وليس جسده. لذا يلزمنا على الأقل أن نتجنب الأقوال التي توقف تمتع النفس بالميراث.. ولقد كشف السيد المسيح أن النفوس المنفصلة عن الجسد ليس فقط تزول عنها متاعب الجسد، بل تشعر بالأمل والفرح ولا يصير بعد حزن أو خوف. إنها للحال تبتدئ تتذوق مما قد حفظ لها في يوم الدينونة العظيم، إنها لا تتحلل إلى العدم عند انفصالها من الجسد كما يظن غير المؤمنين، بل تحيَ الحياة الحقيقية ويزداد شغفها نحو التسبيح للَّه.

لنترك البراهين الكتابية قليلاً ولننظر بقدر المستطاع إلى طبيعة النفس ذاتها. فإننا لا نكون جهلاء بل متهورين ومملوءين حماقة إن كان لدينا شك في أن ذلك الجزء النبيل في الإنسان، والذي يقول عنه الرسول الطوباوي، أنه على صورة الله ومثاله[1] يصير عديمًا للحس عندما يُلقى عنه الجسد ويترك هذا العالم.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

النفس التي تهب الجسد العديم الحس أن يكون عاقلاً بمشاركته لها، خاصة إن اتبعها. والأمر عينه من جهة العقل، الذي متى تأثر بثقل الجسد يهبط عملِه، لكن النفس تُعيد إليه قُواه أحسن مما كان عليه...

وقد نادى الرسول الطوباوي بذلك معلنًا صدق قولنا مشتاقًا إلى الانفصال عن الجسد حتى يتمكن من أن يفرح بالله بأكثر غيرة، قائلاً: "..لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح، ذاك افضل جدًّا" (في23:1). "..ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغرّبون عن الرب... فنثق ونسرُّ بالأَولى أن نتغرَّب عن الجسد ونستوطن عند الربّ. لذلك نحترس أيضًا مستوطنين كنا أو متغرّبين أن نكون مَرضيِيّن عندهُ" (2كو6:5-9). إنه يعلن أن بقاء النفس في الجسد هو تغرب عن الله وابتعاد عن المسيح، ويؤمن إيمانًا كاملاً أن الابتعاد والانفصال عن الجسد فيه وجود في حضرة المسيح (وجهًا لوجه).

مرة أخرى يكشف الرسول بوضوح أن هذه الأرواح أكثر حيوية بقوله: "بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحيّ أورشليم السماوَّية والى ربواتٍ هم محفل ملائكةٍ وكنيسة أبكارٍ مكتوبين في السموات... وإلى أرواح أبرار مكمَّلين" (عب22:12، 23). ويقول أيضًا عن هذه الأرواح: "ثم قد كان لنا آباءُ أجسادنا مؤَدّبين وكُنَّا نهابهم، أَفلا نخضع بالأَولَى جدًّا لأَبي الأرواح فنحيا" (عب9:12).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] راجع (1كو7:11، كو10:3).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-1-contemplating-praising.html

تقصير الرابط:
tak.la/9g8b547