إذ يبلغ الإنسان مرحلة المراهقة المبكرة يبدأ يودع الطفولة بلا أسف، لا لشيء إلا لأنه يود أن يمارس حياة البلوغ كما يراها هو. إنه يود تأكيد شخصيته أمام نفسه وعائلته وأصدقائه. فحين يُطالب المراهقون بالالتزام بموعد معين للعودة إلى المنزل أو يتدخل الآباء في اختيار الأصدقاء أو الحدّ من الإطالة في المكالمات التليفونية أو الحث على الدراسة أو اختيار موديلات معينة للملابس أو صف الشعر إلخ... مثل هذه التصرفات يحسبها الآباء علامة حب واهتمام بأبنائهم بينما يراها المراهقون إهدارًا لكرامتهم وكيانهم الشخصي، يحسبونها تحطيمًا لحريتهم بل وانتحارا اجتماعيا أقسى من موت الجسد. هذا ما يدفعني للحديث عن "شخصية الشاب"، خاصة في سن المراهقة، وتكامل جوانبها، مع استمرارية نموها.
هنا أود توضيح أن شخصية المراهق هي محصَّلة عوامل كثيرة، أهمها: الطبيعة الإنسانية ذاتها خاصة في سن المراهقة، وظروف المجتمع الذي يعيش فيه المراهقون.
فمن جهة العامل الثاني، نجد الاختلاف واضحًا بين شخصية المراهق الذي ينشأ في مصر مثلًا عنه في شمال أمريكا. ففي مصر يشعر الآباء بالضرورة الملحة أن يحصل الأبناء على درجات علمية جامعية حتى يستطيعوا اقتحام الحياة العملية، فيدفعونهم على الدراسة ربما على حساب طاقتهم الصحية أو تنمية مواهبهم الفنية وقدراتهم الخاصة، أما في شمال أمريكا حيث إمكانية العمل متوفرة للمواطنين دون الحاجة إلى درجات علمية لذا يعطى الآباء اهتمامًا خاصًا بتنمية مواهب أبنائهم من سباحة وموسيقى وحب القراءة الخ... الأمور التي تسند أولادهم في سن المراهقة من الانحراف إلى حد ما. هذا الاختلاف بين التربية في البلدين ينعكس على حياة المراهق وتكوينه الشخصي. غير أن عاملًا آخر يشترك فيه المراهقون في العالم كله له أثره العميق على شخصية المراهق، ألا وهو الطبيعة الإنسانية بسمِاتها الخاصة بهذه المرحلة. أقصد بذلك نمو الجسد السريع، وظهور عواطف ومشاعر جديدة، ورغبة في الاستقلال وممارسة الحرية. حقًا يختلف المراهقون فيما بينهم من جهة الدرجة، لكن هذه السَّمات أمر حيوي يمس غالبًا حياة كل المراهقين، حتى ليحسب المراهقون أن الحياة كلها جنس وعاطفة.
قبل الحديث عن الجنس في نظر المراهق أود توضيح أهمية تكامل شخصية المراهق من كل جوانبها. لقد نوقش هذا الموضوع في خلوة مبسطة مع بعض شبابنا القبطي من أتاوا ومسيساج بكندا في أغسطس 1987، لهدفين:
الأول: يمثل هذا الشباب الجيل الأول الذي نشأ في الكنيسة القبطية خارج مصر يلزم أن يتهيأ هذا الجيل ليتخرج منه بعض القيادات الكنسية القبطية بالخارج، من أسقف وكاهن وراهب وراهبة وشماس وخدام وخادمات تربية كنسية أو من الشعب. هؤلاء يلزمهم أن يحملوا رسالة الشهادة للروحانية الأرثوذكسية في الغرب. يليق بهذه الشخصيات أن تكون متكاملة وقوية، تعرف كيف توازن بين احتياجات الطبيعة البشرية المتجددة من كل جوانبها بدون تطرف.
الثاني: يحتاج هذا الجيل إلى مناقشة صريحة عن الحياة المسيحية، فهو جيل يعيش في الغرب بكل ثقافته وفكره بينما يتربى على أيدي والدين مصريين جاءوا إلى أرض المهجر من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم، لكنهم في تخوّف شديد على روحانية أولادهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يستخدم البعض أسلوب الحزم الشديد مع أبنائهم خشية انحلالهم وانحرافهم عن الحياة الإنجيلية المقدسة، بينما يستخدم البعض أسلوب التهاون الشديد حتى لا يفلت زمام سلطانهم على توجيههم. وفريق ثالث يقف في حيرة بين الحزم والتهاون! على أي الأحوال، أود الحديث الآن لا مع الوالدين وإنما مع الجيل الجديد نفسه ليدرك سر نمو شخصيته، فيحقق رسالته.
ما أود أن أكرره هو أن هذا الحديث موجه لكل شبابنا في مصر كما في الخارج. فإنه وإن اختلفت البيئة، لكن يبقى الشباب في كل المجتمعات وعبر كل الأجيال له طبيعته الفريدة واحتياجاته التي تختلف في المظهر الخارجي لكنها واحدة في داخل النفوس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/grow/dignity.html
تقصير الرابط:
tak.la/g74dp59