ووسط كلّ هذا التناقض الذي يحيط بالنفس، تتساءل: أما من حَلٍّ للخطيئة؟ أما من انكسار نهائي لإبليس وأعوانه؟ أما من نورٍ أبدي يُبرِق، ليصير هو سِمة الحياة التي لا تَقبل الظلمة؟؟
وفي وسط حيرتك وترقُّبك إجابة لتساؤلاتك، تجد صوتًا خافتًا هادئًا يتردَّد صداه في أعماقك القصيَّة، صوتًا يقول لك: «إن مُدَّة كلّ أيام الأرض، زرع وحصاد، برد وحر، صيف وشتاء، نهار وليل، لا تزال». فإذ بك تنتبه أن تلك الكلمات ليست سوى الكلمات التي وردت بفم الرب في سفر التكوين (8: 22). إنها الكلمات التي خَتَمَ بها الرب على قصة الطوفان بعد أن قرَّر أن يحتمل تغرُّب الإنسان عنه في الشَرِّ، وأنه لن يعود يفنيه، لأن نسيجَ الشَرِّ قد توغَّل في كيان الإنسان يوم سقط. وأصبح الإنسان يحيا بين قطبي النور والظلمة. وصارت الحياة كلها ثنائيات تتجاذب البشريَّة؛ ثنائيات ما بين:
السقوط والقيام،
الابتعاد والاقتراب،
الانكسار والانتصار،
الحزن والفرح،
الضيق والسعة،
الأنين والبهجة،
الموت والحياة،
الجسد والروح،
الأنا والآخر،
الفرديَّة والشخصانيَّة،
الكينونة والتملُّك،
المحدود والمُطلَق،
العدم والوجود،
الزمن والأبديَّة.
إنها الحياة النسبيَّة التي نحياها، التي هي مزيجٌ من متناقضاتٍ. فالتراب يجاور الروح في الكائن البشري. إنها واقعيَّة الحياة التي يُريدنا الروح القدس أن نعيها ونتعلَّمها. فالحياة ليست أُحاديَّة الجانب؛ فهي ليست ماديَّة مُتكثفة فقط، كما أنها ليست روحيَّة بسيطة فقط أيضًا. إنها مجموعة من الثنائيات. وما يُشكِّل توجُّهنا الإنساني في مسيرتنا بين ثنائيات الوجود هو ميلنا صوب أحد طرفي الحياة، وصراعنا للتحرُّر من الطرف الآخر.
لذا يجب أن ننتبه إلى أنه بعد السقوط الذي أفسد الطبيعة كلها، دخلت الخطيَّة إلى صميم المادة المخلوقة. لذا فإن وهم النقاوة البِلُّوريَّة التي لا تشوبها شائبة هو حلمٌ بعيد المنال طالما أننا أسرى الزمن والتراب. كما أن الله لا يطالبنا بالنتائج ولكنه يطالبنا بالحركة والدفاع عن ثوب الخلاص.
فالنقاوة التي يجب أن نسعَى إليها هي وليدة صراع مستمر، آني، متواصل. وهذا الصراع هو الذي يستقطِب هبات الروح المجانيَّة لنا، خاتِمًا إياها بالنقاوة والطُهر. لكن يبقَى هبوب نسيم الروح على أعتاب قلوبنا مرهونًا بيقظتنا وصراخنا ورجاؤنا في نوال المعونة والخلاص، ويبقَى نداؤنا الذي ينطلق، ليل نهار، من صميم قلوبنا المترقِّبة شعاعًا من نور، ومن وسط غيمات شتاء الخطيئة القارس، هو: [هلمّ تفضَّل، حِل فينا، وطهِّرنا من كلّ دنسٍ] (من قِطَع الساعة الثالثة / صلوات السواعي). الروح هو مُطهِّرنا من الدنس والخطيئة وليس جهادنا. ألاَّ نُطفِئ الروح داخلنا يبقَى هو غاية كلّ جهادٍ ضدّ أعداء النور. إذًا مطلب الله منَّا ليس هو التخلُّص من الخطيئة ولكنه الصراع ضدّ الخطيئة، بينما التخلُّص من الخطيئة هو الثمرة التي يقتطفها لنا الروح من شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها.
من هنا يمكننا أن نعرف أن سِرّ انكسار الخطيئة يكمن في يقظتنا إِبَّان الصراع على الدوام ودئبنا على التخلُّص من كلّ خطيئة عَلِقَت بثوبنا النقي الذي لبسناه يوم معموديتنا. فلا نقاوة بدون صراع مع الظلمة، وذلك لأن نقاوتنا مُهدَّدة على الدوام من أعداءٍ لا ينامون ولا يهدأون ولا يضجرون من كثرة الهزائم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-sarafim-elbaramousy/toward-repentance/duality.html
تقصير الرابط:
tak.la/v696b23