المجتمع: كتابكم المقدس محرف؟
المسيحي: إن لدينا عشرات الأدلة على صحة كتابنا المقدس وعدم تحريفه. ولكن نكتفي بالقليل منها:
الدليل الأول: الذين قاموا بكتابة الكتاب المقدس أكثر من ثلاثين نبيًا وحواريًا، وكلهم مجمعون على حقائق الإيمان المسيحي. ومن أولوياتها حاجة العالم إلى الخلاص، وألوهية السيد المسيح، وجوهر الله الواحد الثالوث، وحقيقة صلب المسيح وقيامته. وذلك بالرغم من تنوع ثقافاتهم واختلاف عصورهم وطول مدة الزمن الذي كتبوا فيه وهو أكثر من ألف وخمسمائة سنة بدءًا من موسى النبي كاتب التوراة إلى القديس يوحنا الرسول كاتب سفر الرؤيا.
ولو أن الكتاب المقدس كتبه شخص واحد لأمكن الشك فيه حسب القاعدة "شاهد واحد لا يشهد" (عد35: 30) و "على فم شاهدين وعلى فم ثلاثة شهود يقوم الأمر" (تث19: 15). بل إن كانت هذه هي أيضًا القاعدة التي تؤمِّن على صدق الحقيقة في شئون البشر العادية كما يقول الكتاب "الذي يُقتل لا يُقتل على فم شاهد واحد" (تث17: 6) وكما يقول أيضًا "لا تقبل شكاية على شيخ إلا على شاهدين أو ثلاثة شهود" (1تى5: 19). فكم بالحرى تكون أهميتها في صدق رسالة الله التي يتوقف عليها مصير البشرية كلها. لذلك فتعدد كتبة الكتاب المقدس هو تعدد للشهود ومن ثم إعلان لصحته.
الدليل الثاني: إن رسالة الله إلى العالم في كتابه المقدس كانت على أيدي الأنبياء والرسل. وكان لابد أن يُظهر الله قوته فيهم لكي يقبل العالم رسالتهم ويتحقق أنهم من الله. وقوة الله لا تظهر في الكلام مثلما تظهر في العمل. فما أكثر الكلام وأبلغ الكلام الذي يمكن أن يُقال للناس. ولكنه ليس مؤيدًا بعمل من الله. وفي نفس الوقت ما أبسط الكلام الذي يمكن أن يُقال ولكنه كلام الله لأنه مؤيد بعمل قوة الله. وما هي قوة الله سوى الآيات والمعجزات، لأن جميع المعجزات هي عمل خلق والخالق وحده هو الله. وهذه كانت وسيلة الرسل في نشر الإيمان المسيحي حسب أمر المسيح لهم "اشفوا مرضى. طهروا برصًا. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. مجانًا أخذتم. مجانًا أعطوا" (مت10: 8). لذلك لم يحتاجوا إلى سلاح أو جيوش في كرازتهم بالمسيح. والكتاب المقدس كله مشحون بالمعجزات التي أيدت الأنبياء والرسل في إبلاغ رسالة الله للناس.
كذلك النبوات أمر يخص الله وحده. لأنها إنباء بالغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وحده. والكتاب المقدس ليس مملوءًا بالنبوات ولكنه مصبوغ بها. فما كانت وظيفة العهد القديم سوى التمهيد بالنبوات للعهد الجديد. وما العهد الجديد سوى تحقيق كامل لجميع نبوات العهد القديم. وما ورد في العهد الجديد مما تنبأ به المسيح عن آلامه وصلبه وقيامته وصعوده إلى السماء وعن خراب أورشليم، قد تمَّ جميعه. ولو خلا الكتاب المقدس من النبوات لانتفت النبوة من كاتبيه ومن ثم صار كلامه من عمل أناس عاديين من البشر وليس أنبياء. إذًا امتلاء الكتاب المقدس بالمعجزات والنبوات يشير إلى سماويته وأنه من الله. ومن ثم يؤكد صدقه وصحته.
الدليل الثالث: لا يوجد اختلاف بين جميع نسخ الكتاب المقدس المنتشرة في العالم. بل هي كتاب واحد. كذلك النسخ الموجودة من القرون الأولى للمسيحية لا تختلف عن النسخ الموجودة لدينا الآن بعد مرور أكثر من ألفىْ عام. وإن كان الكتاب المقدس الموجود معنا يضم العهد القديم الذي يحوى الديانة اليهودية. وهو نفسه صورة طبق الأصل من النسخة الموجودة مع اليهود الذين سبقت ديانتهم الديانة المسيحية بآلاف السنين. وإن كان الكتاب المقدس متوافق مع تفاسير آباء القرون الأولى للمسيحية. فمن أين حدث تحريف الكتاب المقدس. ومتى حدث وكيف حدث؟
وإن كان قد حدث، فأين الكتاب المقدس الذي لم يُحرَّف، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهل لم تبق منه نسخة واحدة تشهد بقول القائلين بالتحريف. وإن لم توجد هذه النسخة غير المحرَّفة فكلام هؤلاء يحتاج إلى الدليل على صدق قولهم.
وإن عجزوا عن إتيان الدليل تصبح تهمة التحريف تهمة باطلة، ويصبح القول بتحريف الكتاب المقدس خرافة لا دليل عليها. ثم ما هو قول هؤلاء إزاء ما يعثر عليه الباحثون والمنقبون يومًا بعد آخر من نسخ مخطوطة لأسفار الكتاب المقدس في الحفريات التي تقوم بها بعثات الكشف عن الآثار. وتحقيقها يثبت أنها من القرون الأولى للمسيحية ومطابقة لما بين أيدينا اليوم مما يشير إلى أن الكتاب المقدس هو هو بعينه لم يتغير ولم يُحرَّف؟
الدليل الرابع: إن اليهودية والمسيحية والإسلام يعترفون بأن الكتاب المقدس هو من عند الله. فإن ادعى أحد أنه مُحرَّف فإنه يتهم الله بعجزه عن حفظ كتابه الذي أوحى به إذ تركه بين أيدي بشر لكي يعبثوا به ويغيروا حقائقه. وإن صح هذا الاتهام فإنه يؤكد عجز الله عن حفظه أي كتاب آخر يوحى به للناس. ومن ثم يصير العالم كله "ضلال في ضلال". وصاحب هذا الاتهام يصبح أول المُضَلَّلين. وإن كان حاشا لله أن يضلل العالم فكتابه المقدس سليم تمامًا من كل تحريف.
الدليل الخامس: إن كتابنا المقدس يحمل سلامته في ذاته. وذلك من صدق أقواله وتحقق مواعيده وعظمة تأثيره في تغيير النفس البشرية والسمو بها في مدارِج الروح وإنارتها بالحكمة الإلهية وإشباعها بالمعارف الربانية والأسرار السمائية وإسعادها بتذوق الثمار الحلوة للسلوك بوصاياه والخضوع لأحكامه. وهذا دليل عملي حي، نحيا به بل هو يحيا فينا لأنه يجعلنا على قمة العالم في الحكمة والفضيلة والروحانية.
ونحن نقدس كتابنا ونعتز به إذ نضعه فوق كل شيء ولا نضع شيئًا فوقه، ونضعه فوق رؤوسنا ونضعه تحت أصداغنا للحراسة والبركة ونعصب عيوننا بوصاياه (تث6: 8) لأنه نور لسبيلنا ومصباح لأرجلنا (مز119: 105) ونملأ به قلوبنا ونغذى به عقولنا (إر15: 16) فنجده أحلى من الشهد في أفواهنا (مز19: 10) ونسرح فيه بتأملاتنا إلى أعماق لا نهاية لها (مز119: 96). لذلك نجتهد كما فعل آباؤنا في تجليده بأفخر الأغلفة ونصنعه من أغلى مادة يكتب عليها ونزينه بأجمل الزخارف ونُقبِّله في حب بأفواهنا ونقف بإجلال وخوف في كنائسنا عند قراءته، ونقدم أمامه انحناءات التقديس والتكريم باعتباره كلمة الله المسموعة يحمل سلطان الله ويعلن إرادة الله ويكشف عن عهوده ومواعيده ويبشر بأمجاد حافظي عهوده ووصاياه. نتلوه كل يوم (مز119: 97) كما هو لهجنا نهارًا وليلًا (مز1: 2). لذلك لا يكترث الإنسان المسيحي لأي كلام يتهم الكتاب المقدس بالتحريف لأنه يعتبره كلام هراء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/question-answer/bible.html
تقصير الرابط:
tak.la/6z693rk