أتاني احد الشباب في يوم من الأيام يطلب مني أن أشركه في خدمة المسنين بالكنيسة, فرحت به جدا لأننا وبصعوبة بالغة ننجح في العثور علي من يحب مثل تلك الخدمة.
فالكل قد يقبل علي خدمة الأطفال أو الشباب أو الشعب ونادرا ما يطلب احد مثل هذه الخدمة الشاقة التي للمسنين.
لماذا؟
لان خادم المسنين يحتاج لاقتناء بعض الفضائل بل وبعض المهارات والمعارف(المعلومات).
سالت الشاب سؤالا محددا لأعرف مدي مناسبته لهذه الخدمة فقلت له:
متى راية جدك أو جدتك آخر مرة؟
سكت الشاب وقال: منذ ما يزيد عن شهرين.
أحزنتني إجابته فلم أجد ما أرد به عليه سوي قول معلمنا بولس الرسول:
"وان كان احد لا يعتني بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن" (1تي 5: 8).
وبعدما انصرف الشاب فكرت وسألت نفسي:
ترى..
فهناك ثمة علاقة وثيقة مابين الإيمان وخدمة المسنين. فما هي؟
إن عدنا إلي تعريف الإيمان بحسب ما قاله معلمنا بولس الرسول:
"وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 1) فسنجد أن العلاقة واضحة.
فما أحوج المسنين إلي سماع كلمات الإيمان التي تكشف لهم الرجاء العظيم الذي ننتظره جميعا في السماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وان كنا لا نراه بعين الجسد غير أننا نراه الآن بعين الإيمان وبالروح.
اذكر مرة دعيت فيها للحديث إلي المسنين عن موضوع ما, وكعادتي تحدثت إليهم بلغة بسيطة لا تخلو من بعض الدعابات والتعليقات اللطيفة,فلما انتهيت من الموضوع وقف معي بعض منهم يشكرونني علي الكلمة التي قدمتها لهم ووجدت أن أكثر ما أعجبهم أني أشعرتهم بالأمل وبالبهجة ولم أحدثهم كغيري عن بعض الأمور التي تكئبهم ونقلقهم مثل الحديث عن الموت ونهاية العالم.
فالمسنون يخشون الموت ويريدون من يكلمهم عنه كجسر يوصلهم للفرح الأبدي للسماء لا كأنه النهاية المحتومة التي لا مفر منها.
فكل ما يعمله المسن فإنما يعمله بمنتهي البطء. فمن يحتمل؟ ومن يصبر؟
وبينما تمضي الحياة بإيقاعها السريع عند الشباب فمن يطيق الحياة الرتيبة التي يعيشها المسن؟
ولذلك فخدمة المسنين تحتاج لشخص طويل الأناة ولا يفقد صبره بسهولة:
"الطويل الأناة يصبر إلى حين ثم يعاوده السرور" (سيراخ 1: 29).
مشكلة غالبتنا أننا نريد أن نتكلم ونريد أن يسمعنا من نحدثه ولا نستطيع ولا نحتمل أن نسمع للآخرين.. أن ننصت لما يقولون.
"إذا يا إخوتي الأحباء ليكن كل إنسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب" (يع 1: 19).
لنرجع لما قلناه عن سمات المسنين, فهم يشعرون بالوحدة ويحتاجون لمن يسمعهم, ولديهم ذكريات وذكريات يريدون أن يتكلموا عنها وقصها. فمن يسمعهم؟
ربما يميل المسن للصمت وللانغلاق علي نفسه ولكنه وان وجد من يسمعه فان هذا سيرفع من معنوياته وسيولد فيه مشاعر ايجابية مما سيحسن من حالته النفسية.
ولا ننسي أن إنصاتنا للمسنين سيزيد من حكمتنا وتبصرنا.
"وإلا فاستمع أنت لي أنصت فأعلمك الحكمة" (أي 33: 33).
هل يتعارض كون الخادم مبتسما متفائلا مع وقاره؟
يري البعض تعارضا ولكن سفر الجامعة يحسم الأمر فيقول:
"لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماوات وقت... للبكاء وقت وللضحك وقت للنوح وقت وللرقص وقت" (جا1: 4).
فالمسن بطبيعته يحتاج لمن يبتسم في وجهه ولكنه قد يفهم المزاح علي انه استخفاف به, فان كان خادم المسنين بشوشًا وفي كلامه يبث الأمل في نفوس المسنين فانه بهذا سيكون محبوبًا بلا شك.
وقد يكون في المسنين من يحب المزاح ولكن علي الخادم أن يكون حكيما فيعرف متى يمزح؟ وكيف؟ ومع من؟ والي أي مدي يمكنه أن يمزح؟
لئلا يقول ما يساء فهمه من قبل المسن مما يجعله شخصا غير مرغوب فيه.
"تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها" (أم 25: 11).
الخدام بصفة عامة لابد وان يكونوا محبون للخدمة غير أن المسنين بصفة خاصة يحتاجون لمن يستطيعون تقديم الخدمات -العضلية أحيانًا- لمساعدتهم في الصعود إلي السرير أو في النزول منه وفي المسك بأيديهم أثناء المشي مثلا وهكذا...
العديد من الشباب والبنات يجدون أن خدمة المسنين بركة عظيمة وهي كذلك, ولكن الذي لا يعرفونه إن لتلك الخدمة مقوماتها التي تختلف عن خدمات أخري بمجالات أخري.
فمن يقبل أن يجلس تحت قدمي المسن ليلبسه الحذاء؟
ومن يقبل أن يثور في وجهه المسن عندما يغضب؟
ومن يقبل أن يتهمه المسن بأنه سرق شيئا من أشيائه؟
فمن الأمور التي تساعدنا في نجاح الخدمة مدي معرفتنا بطبيعة سن من نخدمهم, فالأطفال يختلفون عن الشباب الذين يختلفون بدورهم عن الراشدين وهكذا...
فمعرفتنا بخصائص وسمات مرحلة النمو لمن نخدمهم تفيدنا في معرفتنا احتياجاتهم ومشكلاتهم فنستطيع بذلك تقديم الخدمة لهم بأنسب وسيلة.
فلو أن احد الخدام أراد أن يخدم المسنين فعليه أولا أن يقرا عن المسنين وسماتهم ومشكلاتهم واحتياجاتهم ممل يتيح له خدمتهم بكفاءة فتثمر خدمته لمجد الله.
"... فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1كو 10: 31).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-raphael-nasr/elders/servant.html
تقصير الرابط:
tak.la/n5dxv9g