السؤال الثالث عشر
هل من حكمة وراء ما تعانيه البشرية من أتعاب وأوجاع وآلام كثيرة؟
الإجابة:
الألم والتعب شوكة في جسد البشرية لم يكن يريدها الله لنا، ولا نظن أن أحدًا من أبناء البشر يرحب بالألم، ولكن الخالق قد سمح به لحكمة ما، ولكي ندرك الحكمة من وراء الألم علينا أن نتخيل العالم بدون التعب أو الألم. في النقاط التالية نتأمل التأثير الإيجابي للألم في حياة البشر.
الألم الجسدي إمكانية وهبها الله للإنسان هدفها تلافي خطورة ما وراء هذا الألم، من خطر، ومعروف في علم الفسيولوجي (وظائف الأعضاء) أنه حينما يفاجئ شخص ما بوخزه بدبوس في يده أو رجله يحدث رد فعل، وذلك بإبعاده ليده أو لرجله عن المصدر المسبب للألم، وهذا ما يسمى رد الفعل الانعكاسي للألم (reflex arc). إذًا وراء الألم الجسدي حكمة وفائدة عظمى.
عندما يفقد الإنسان الإحساس بالألم في أجزاء من جسمه، في بعض الحالات المرضية (القدمين في بعض حالات مرض السكر) قد يتعرض المريض لجرح أو حرق في قدميه دون أن يشعر، وقد تسوء حالة هذا الجرح، والمريض لا يشعر لفقدانه الإحساس بالألم، ولذا يسعى أمثال هؤلاء المرضى في البحث عن علاج يحافظ لهم على سلامة إحساسهم بالألم. إن الآلام ضرورة للبشر الضعفاء ذوي الأجساد المادية وفي النقاط التالية نشرح تلك الضرورة:
· الألم يضمن للمتألم جدية البحث عن ما وراء ذلك الألم: يمكننا تطبيق نفس النمط السابق على الكثير من أنواع الآلام سواء جسدية أو نفسية أو معنوية أو روحية، وحينئذ سنتطلع للكثير من أنواع الألم، وكأنها نظام إنذار للتنبيه (منبه) عن خطر قائم بالفعل. إن استمرار الإحساس بالألم يضمن للمتألم جدية البحث عن ما وراء ذلك الألم من خلل، أو خطأ مسبب له ومعالجته، وعندئذ يتوقف الألم بعدما يكون قد أدى دوره العظيم.
مثال:
تألم الابن الضال بالجوع والوحدة، والخزي، وصار يشتهي طعام الخنازير، ولكن هذه الآلام كانت الدافع الأساسي في رجوعه إلى نفسه وتوبته بحسب قوله: "فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ " (لو: 15: 17- 18).
يصيب الألم الأفراد والجماعات، وكل خلل وراءه ألم، فالاضطرابات النفسية للأبناء قد يكون وراءها عدم محبة الوالدين لبعضهما البعض، وكثرة الفقراء والمشردين في الشوارع -في بلد ما- قد يكون وراءه جشع الأغنياء، وأنانية الناس، أو فساد المسئولين و... و... وهكذا. إن على الأسر والعائلات والمجتمعات والدول، بل وعلى العالم أجمع الاجتهاد لمعرفة مسببات ما يصيبهم من آلام لعلهم يتخلصون من الداء فتزول عنهم المعاناة.
يختبر الإنسان الألم من طفولته، ويتعلم تلقائيًا الابتعاد عن أي مصدر للألم، لأن الألم له معاناته. لذلك يستغل الوالدان والمعلمون والمسئولون خبرة معاناة الألم في توظيفها للإنذار، وللتحذير من فعل الشر.
إن الكتاب مليء بالكثير من أمثال هذه التحذيرات، والتي نذكر منها على سبيل المثال قوله:
1. "لأَنَّ شَفَتَيِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلًا، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ، لكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَالأَفْسَنْتِينِ، حَادَّةٌ كَسَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ." (أم5: 3- 4).
2. وقوله عن أمة اليهود: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ... وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا." (مت23: 37- 38).
3. وأيضًا قوله عن الأشرار، وما ينتظرهم من آلام، وعذاب، أو عقاب أبدي: "وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ." (مت 30:25).
فإذا تخيلنا فرضًا عدم خبرة البشر بالألم، فكيف كنا سنحذر، أو ننذر الناس من الشرور المؤلمة المهلكة؟! وهل كان ممكنًا أن يستجيب الناس للتحذير من خطورة الشر دون أن يدركوا ما سيعانونه من آلام منتظرة وراء شرورهم؟!
يحتل الألم المرتبة الأولى من اهتمام المتألمين، ويتخلص كثيرون من المتألمين من الضعفات، والرذائل أثناء معاناتهم، وذلك بحسب قول الكتاب: "فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ، تَسَلَّحُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهذِهِ النِّيَّةِ. فَإِنَّ مَنْ تَأَلَّمَ فِي الْجَسَدِ، كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ" (1بط4: 1).
أعطى الله الإنسان مشاعر وأحاسيس الرحمة والرأفة تجاه إخوته من البشر، والتي تستمد فاعليتها من خلال خبرات ألم سابقة لتكون عونًا له على تقدير مشاعر الآخرين. إن خبرة الإنسان بالألم هي أعظم دافع للعطاء، وأيضًا لمشاركة المحتاجين للمعونة، وهذا ما أكده الكتاب عن الرب يسوع قائلًا: "لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ." (عب 2: 18).
إن الرفاهية الكثيرة والتنعم يؤديان لنتائج سلبية سيئة، فإن افترضنا جدلًا انعدام هذه خبرة المشقة والتعب فالنتيجة الحتمية لذلك ستكون تزايد أنانية الإنسان، وعدم اكتراثه بالغير، وبالتالي تفكك الأسر والجماعات ومحبة الذات، وما سينتج عنه من انتشار الفساد لجسد البشرية.
يحتاج الإنسان للشعور بأنه محبوب، ومن المعروف للمتخصصين في علم النفس أن من لا يتمتع بالحب خصوصًا في طفولته لا يكون ذو نفس سوية، ولكن كيف يمكن للإنسان أن يدرك حب الآخرين له، دون أن يرى بذلهم واحتمالهم لأجله؟!
إن الحب يتأكد ويظهر جليًا في نفوس المحبوبين، عندما يتألم أحد بإرادته لأجل محبوبه. لقد أظهر الرب يسوع المسيح حبه العجيب لخليقته باحتماله الألم حتى الموت لأجلها كقول الكتاب: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ." (يو15: 13)، وأيضًا قوله: "وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رو5: 8). فهل في غياب المشقات والأوجاع كان بإمكاننا التعبير عن حبنا لأحبائنا؟!
خلق الله الجسد من أعضاء كثيرة، ولكنه في وحدة واحدة، ولذلك عندما يتألم عضو ما في الجسد تتألم، وتتكاتف معه باقي الأعضاء كقول الكتاب: "فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ" (1كو12: 26). إن احتمالنا لأجل أحبائنا، ومشاركتنا لهم أتعابهم، وآلامهم تُوَحِدُنا معهم بالحب، فننصهر معهم في كيان واحد. وهذه هي الصفة الرئيسية للكنيسة، التي رأسها المسيح، الذي تألم لأجلها إلى المنتهى، وأفرادها هم أعضاء جسدها الذين يحملون آلام وأتعاب وأثقال بعضهم بعض بحسب قول الكتاب: "اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ" (غل6: 2).
أعطى الله الإنسان إمكانيات كثيرة من عقل راجح خلاق مبدع يمكنه تذليل الكثير مما يعيق راحة وسلام أبناء البشر. لقد كانت آلام الناس دافع قوي على العمل المبدع الخلاق. وصار الألم، ومتاعب ومشقات الناس الشغل الشاغل للكثيرون من ذوي النفوس النبيلة، فاجتهدوا وبحثوا عن أسبابها ونجحوا في تأسيس مبادئ علوم الطب والأدوية والاجتماع و.. و.. وقدموا الشفاء لأتعاب وأوجاع إخوتهم المتألمين.
يمس التعب والمشقة، والألم حياة الإنسان بطريقة مباشرة ومؤثرة، وذلك بعكس الأشياء المادية التي قد يخسرها، أو يتركها بني البشر طواعية فداءً عن أنفسهم كما قال الكتاب متعجبًا: "أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" (مر8: 37).
حينما يبذل، أو يتألم الإنسان من أجل الله، أو من أجل أشخاص محبوبين، أو من أجل مبادئه، أو من أجل قيمه ، أو عقائده فهو في هذه الحالة يعطي ما تألم لأجله أولوية خاصة على نفسه، ويضع من تألم لأجله في أعظم مرتبة لديه. وهذا ما شهد به الكتاب المقدس عن آباء الإيمان الذين قيل عنهم: "... وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ." (عب11:35).
لقد وضع الله الحياة والموت أمام الإنسان، وطالبه باختيار الحياة الأبدية بحسب قوله: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُك" (تث 30: 19). إن احتمالنا المشقة والألم من أجل الله يؤكد اختيارنا للحياة الأبدية، بل ويُثَّبت ذلك الاختيار، وهذا ما طالبنا به معلمنا بطرس الرسول قائلًا:" لِذلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ، لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا" (2بط1: 10).
أكد معلمنا بولس الرسول أهمية احتمال الألم والضيق في تزكية المؤمنين قائلًا: "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً" (رو5: 3- 4) وكلمة تزكية تعني الفوز بجدارة دون منافس. تعلمنا الحياة اليومية أن من يتعب للحصول على أمر ما يتمسك به أكثر منه إن لم يكن قد بذل لأجل ذلك الأمر.
لقد شهد أب الآباء يعقوب عن كثرة أتعابه وآلامه أمام فرعون حين سأله عن سني حياته قائلا: "فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي، وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِي حَيَاةِ آبَائِي فِي أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ»(تك47: 9). لقد كان أبونا يعقوب يتطلع إلى وطن سماوي آخر، وهو يستحضر أيام حياته المملوءة بالشقاء، والتي وصفها بالغربة مؤملًا في الانتقال إلى وطن دائم، لا ألم ولا تعب فيه. وكثيرًا ما لوح لنا الكتاب المقدس بالأبدية السعيدة، التي لا تعب ولا ألم فيها، وما أعذب قول القديس يوحنا الرائي: "وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤ21: 4).
يمثل الألم أحيانًا تحديًا للإنسان، ومَن يغلبه يطلب المجد كسيده الرب يسوع الذي شهد الكتاب لكماله قائلًا: "وَلكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلًا بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ." (عب 2: 9).
تظهر فضائل القديسين بصورة بهية تجذب الكثيرين عند احتمالهم للآلام وذلك لأن كل الفضائل يظهر صدقها وحقيقتها عندما تصمد أمام الألم، ولهذا مدح الكتاب المتألمين قائلًا: "مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ كَأَعْمِدَةٍ مِنْ دُخَانٍ، مُعَطَّرَةً بِالْمُرِّ وَاللُّبَانِ وَبِكُلِّ أَذِرَّةِ التَّاجِرِ؟" (نش3: 6). فالصبر لا وجود له بدون الأتعاب والمشقات، والمحبة ترتبط بالبذل، والاتضاع يدفع المتضعين للخدمة واحتمال مخدوميهم وهكذا..
عندما تعترض المشقات والأتعاب طريق الإنسان يكون أمامه اختيارين، وهما: أما أن يثبت ويتمسك بكماله، أو يخشى الألم ويتراخى عن الحق فيهلك. لقد ضرب لنا الشهداء والمعترفون والقديسون أروع الأمثلة على الثبات، ولذلك حسب لهم تمسكهم وصبرهم بالوصايا الإلهية فضل كما قال الوحي الإلهي: "لأَنَّ هذَا فَضْلٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ، يَحْتَمِلُ أَحْزَانًا مُتَأَلِّمًا بِالظُّلْمِ. لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ" (1بط2: 19- 20). لقد أعلن أيوب الصديق قبوله تحدي الألم من أجل الله قائلًا : «حَيٌّ هُوَ اللهُ الَّذِي نَزَعَ حَقِّي، وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي، إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ، وَنَفْخَةُ اللهِ فِي أَنْفِي، لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ إِثْمًا، وَلاَ يَلْفِظَ لِسَانِي بِغِشٍّ" (أي27: 1- 3).
فضيلة الصبر ضرورية لخلاص الإنسان، بل أيضًا لحياته اليومية. إنها الضامن لكمال أي عمل، ومن المستحيل تعلمَ هذه الفضيلة دون احتمال الأتعاب، وهذا ما أشار إليه الكتاب المقدس قائلًا: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ." (يع1: 2-4).
الاتضاع ثمرة أكيدة للأتعاب والآلام، لأنها تشعر الإنسان بمدى ضعفه أمام نفسه ولذلك ترنم داود النبي أثناء آلامه باتضاع قائلًا: "ارْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. اشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ، وَنَفْسِي قَدِ ارْتَاعَتْ جِدًّا. وَأَنْتَ يَا رَبُّ، فَحَتَّى مَتَى؟" (مز6: 2- 3).
الحرمان والتعب والألم يعلم الإنسان الشكر والعرفان، لأن غالبية الناس لا تقدر ما وهبه لهم الله من نعم، بل يتذمرون طالبين المزيد، ولكن التعب والمعاناة يساعدان الناس على إدراك نعم الله الموهوبة لهم فيمجدون الله ولذا كثيرًا ما يستغرب الأصحاء عندما يرون المتألمين يمجدون الله ويشكرونه. ومن أعظم الأمثلة التي تؤكد ذلك تمجيد نبوخذ نصر الملك لله بعدما أعاد له الله عقله وملكه قائلًا: "اَلآيَاتُ وَالْعَجَائِبُ الَّتِي صَنَعَهَا مَعِي اللهُ الْعَلِيُّ، حَسُنَ عِنْدِي أَنْ أُخْبِرَ بِهَا. آيَاتُهُ مَا أَعْظَمَهَا، وَعَجَائِبُهُ مَا أَقْوَاهَا! مَلَكُوتُهُ مَلَكُوتٌ أَبَدِيٌّ وَسُلْطَانُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْر" (دا 4: 2- 3).
أترك لك أيها القارئ العزيز تخيل انعدام الأتعاب، والمشقات في هذا العالم، فتُرى ماذا سيكون تأثير ذلك في حياة الناس؟ وفي تعاملات الناس مع بعضهم البعض؟ وهل سيكون ذلك لخير البشرية؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/question-2/13.html
تقصير الرابط:
tak.la/4p3qfs8