السؤال الرابع عشر
هل منهج التسليم والتقليد مقدسين، وما الدليل على ذلك؟
الإجابة:
أولا:ً معنى كلمة التقليد لغويًا، وماذا نقصد بالتقليد الكنسي؟ وما هو التسليم الآبائي؟
ثانيا:ً التقليد الكنسي مقدس لأن مصدره الله.
ثالثًا: إثباتات أن تقليدنا الكنسي له نفس أهمية ما استلمناه.
· كلمة التقليد أو بصيغة الجمع التقاليد في اللغة، والتي ترتبط كثيرًا بكلمة العادات فنقول التقاليد والعادات تعني: ما ورثناه من آبائنا وأجدادنا من عادات في الملبس والمأكل، وفي الاحتفال بالمناسبات المختلفة، وبالإجمال في أساليب السلوك في الحياة.. وتختلف هذه التقاليد من بلد لآخر.
· التقليد الكنسي: التقليد الكنسي المقدس يرتبط بكلمة التسليم الرسولي والآبائي؛ فنقول التقليد الكنسي والتسليم الرسولي وهو ما سلّمه لنا آباؤنا الرسل الأطهار من تعاليم شفاهية أي غير مكتوبة في الكتاب المقدس، واحتفظت لنا الكنيسة بهذه التعاليم وسلمتها لنا كما هي نقية.. وهذه التعاليم مهمة جدًا وهي تشمل بالأخص المبادئ العامة لطقوس الصلاة، وطقوس القداس والمعمودية، والزواج وسيامات الكهنة... إلخ.
· التسليم في الكنيسة: هو المحافظة على التقليد المقدس، أي ما سلمه لنا الآباء الرسل الأطهار، وتممه آباء الكنيسة في كل جيل وعملوا به وعلّموه وسلّموه لمن بعدهم من آباء الجيل الذي يأتي بعدهم، بدقة ودون زيادة أو نقصان.. وهكذا من جيل إلى جيل حتى وصل إلينا كما هو نقيًا، دون تدخل الأهواء والرؤى البشرية.
· إن الحكم على أي تقليد إن كان مقدسًا أم لا هو مصدره، وهذا بالتالي هو الذي سيحدد قيمته ومحتواه أو ما يهدف إليه؛ فإن كان مصدره إلهيًا فهو مقدس وإن كان مصدره بشريًا فليس له قدسية، فمثلًا العادات والتقاليد المصرية التي ورثناها عن أجدادنا المصريين عبر الزمن، والتي تحدد طريقة سلوكنا كمصريين بالطبع غير مقدسة ويمكن السلوك بها أو لا، وكذلك يمكن تغييرها لأن منها السيئ ومنها الجيد.
· تؤمن كنيستنا بأن التقليد الكنسي مقدس لأن الله هو مصدره. فالرب هو بذاته الذي علّم الآباء الرسل وسلّمهم هذه التعاليم؛ فعلّمهم على سبيل المثال كيف يعمّدون وكيف يقدّسون الجسد والدم؛ فمثلًا عندما قيل عن الرب أنه أخذ خبزًا وشكر وقسّمه، فمن منا يمكنه أن يتنبأ كيف صنع الرب هذا دون الرجوع للتقليد المقدس؟ وهكذا لم يذكر الكتاب المقدس التفاصيل، لكن الرب هو علمهم وسلمهم وأوصاهم أن يصنعوا ذلك (بحسب قوله اصنعوا هذا لذكري)، وبالطبع هو الذي أوصاهم أن يسلّموها لغيرهم. التقليد الكنسي إذًا مقدس وقيمته عظيمة جدًا لأنه جزء من عقيدتنا وإيماننا الأقدس.
· قول معلمنا بولس الرسول عن العطاء: "فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ" (أع 20: 35)، وبالبحث لا وجود لهذه الآية في البشائر الأربعة، لكنها منقولة شفاهةً عن الرب يسوع المسيح بواسطة آبائنا الرسل.
· أعطى آباؤنا الرسل الأطهار هذه التعاليم الشفاهية (التقليد) نفس أهمية التعاليم المكتوبة في الإنجيل، مطالبين المؤمنين بالثبات والتمسك بها وهذا واضح من قول معلمنا بولس الرسول: "فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا" (2 تس2: 15).
· سافر آباؤنا الرسل الأطهار في رحلات شاقة للأقطار والبلدان، وعايشوا الناس وجلسوا في وسطهم وأكلوا معهم، وتحاوروا معهم وناقشوهم وقدموا لهم تعاليم المسيح نور العالم.. وهكذا فاض روح الله القدوس بنعمته على أفواههم ولم تكن تعاليمهم مجرد كلمات مكتوبة، بل نعمة فياضة كقول معلمنا يوحنا الحبيب: "إِذْ كَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ، لَمْ أُرِدْ أَنْ يَكُونَ بِوَرَق وَحِبْرٍ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَأَتَكَلَّمَ فَمًا لِفَمٍ، لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُنَا كَامِلًا" (2 يو1: 12).
· أرسل معلمنا بولس الرسول رسالته لتلميذه تيموثاوس يأمره فيها بالبشارة وتلمذة آخرين ليبشروا هم أيضًا، وذلك بنشر ما سمعه تلميذه تيموثاوس من تعاليم شفاهية قائلًا له: "وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا." (2تي2:2).
· كان التعليم الشفاهي هو الطريقة الأسهل والمتبعة في القرون الأولى مقارنةً بكتابة الكتب أو الرسائل، والتي لم تكن أمرًا سهلًا وبالطبع كذلك الطباعة والنشر... فهل كان لابد أن تتوقف الكرازة لحين تقدم العلم والطباعة؟ لقد أذيعت كلمة الله بين الناس في العالم كله تقريبًا في مدة ثلاثين عامًا، بانتقال الأخبار السارة أي التعاليم الشفاهية، وكأن الكنيسة تملك أعظم إذاعة فضائية وذلك كقول معلمنا بولس الرسول: "لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضًا قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِاللهِ، حَتَّى لَيْسَ لَنَا حَاجَةٌ أَنْ نَتَكَلَّمَ شَيْئًا" (1تس1: 8).
· التعليم والكرازة ليسا كلامًا أو كتابة لكنه روح وحياة كقول الرب: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة"؛ ولذلك لم تكن الكرازة تنشر فقط بالكلام؛ بل أولًا بالقدوة الحياتية التي رآها الناس في المؤمنين، وبعد ذلك بالتعليم وشرح الإيمان بالكلام.. ثم أخيرًا تأتي التعاليم المكتوبة لتأخذ مكانها بجانب التعاليم الشفاهية، كما صرح بذلك معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس حين امتدحه لأنه سمع وتعلم منه، ثم أرسل له رسالتين بعد ذلك يقول فيهما: "وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي" ( 2تي 3: 10).
· يصف كتابنا المقدس الوحي الإلهي أنه كان في صيغة كلام لأناس الله القديسين وهذا يؤكد أن الآباء تكلموا بالوحي الإلهي قبلما يكتبونه: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2بط1: 21).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/question-1/14.html
تقصير الرابط:
tak.la/65g3sfa