تنبأ إرميا النبي بالويلات التي ستأتي على أورشليم في زمان صدقيا الملك، لكن أعوان الملك من رؤساء مملكته اغتاظوا من النبي وطالبوا بقتله، وبالفعل سلمه لهم صدقيا الملك، فألقوه في جُبِّ ليس به ماء، لكنه مملوء وحلًا (طين) فغاص النبي في الوحل منتظرًا نهايته المأساوية، لكن عبد الملك صدقيا الكوشي (أسود البشرة) تقدم في شجاعة مدفوعًا برقة قلبه ليخرج النبي من الجبِّ، مستنكرًا ما فعله الرجال، قائلًا للملك: إن إرميا سيموت في السجن بسبب المجاعة، فلماذا نُميته نحن، وهكذا نجح في الحصول على أمر من الملك بإخراجه من الجُبّ، كقوله: "فَأَمَرَ الْمَلِكُ عَبْدَ مَلِكَ الْكُوشِيَّ قَائِلًا: خُذْ مَعَكَ مِنْ هُنَا ثَلاَثِينَ رَجُلًا، وَأَطْلِعْ إِرْمِيَا مِنَ الْجُبِّ قَبْلَمَا يَمُوتُ" (إر38: 10).
لم ينته الأمر عند ذلك، لأن الله أمر إرميا النبي أن يرسل لعبد الملك الكوشي، ليبلغه أنه سينقذه من الضيق والشدة، بسبب ما عمله من عمل رحمة، قائلًا: "وَلكِنَّنِي أُنْقِذُكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ... بَلْ إِنَّمَا أُنَجِّيكَ نَجَاةً، فَلاَ تَسْقُطُ بِالسَّيْفِ، بَلْ تَكُونُ لَكَ نَفْسُكَ غَنِيمَةً، لأَنَّكَ قَدْ تَوَكَّلْتَ عَلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ" (إر39: 17- 18).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
يتمنى الكثيرون أن يرحمهم الله وقت الشدة، ولكن الرحمة مقصورة على الرحماء، كقول الرب يسوع المسيح: "طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ" (مت5: 7). أما من لا يؤمن بأهمية الرحمة على الغير، فليس منطقيًا أن يطلب رحمة الغير عليه وقت الشدة، كقوله: "لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ" (يع2: 13). لقد وعد الرب أن يتحنن، وينقذ من يهتم بالمساكين، كقوله: "طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ. فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ... وَلاَ يُسَلِّمُهُ إِلَى مَرَامِ أَعْدَائِهِ. الرَّبُّ يَعْضُدُهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الضُّعْفِ..." (مز41: 1- 3).
القارئ العزيز... القساوة تُعجل بوقوع الضيق، وعلى العكس من ذلك فالرحمة تجلب للإنسان السلام والطمأنينة، فإنه هكذا نصح دانيال النبي نبوخذ نصر الملك، قائلًا: "لِذلِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَلْتَكُنْ مَشُورَتِي مَقْبُولَةً لَدَيْكَ، وَفَارِقْ خَطَايَاكَ بِالْبِرِّ وَآثَامَكَ بِالرَّحْمَةِ لِلْمَسَاكِينِ، لَعَلَّهُ يُطَالُ اطْمِئْنَانُكَ" (دا 4: 27). إن أي عمل رحمة تقدمه يقبله الله منك، وكأنك قد قدمته له شخصيًا حتى ولو نسيته أنت، فالله سيذكر لك مجرد كأس ماء بارد فقط، ولن يضيع أجرك أبدًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beneficent/mercy.html
تقصير الرابط:
tak.la/zrcqvp6