"هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ" (إش 26: 20).
أدخل الله نوح ومن معه الفلك في الشهر الثاني من عام ستمائة من عمره، واستقر الفلك على جبل أراراط بعد توقف الطوفان، ونقصان المياه عن سطح الأرض، وبالرغم من أن المياه كانت قد جفت عن وجهِ الأرضِ، وقد تأكد نوح من ذلك، لما أتته الحمامة بورقة زيتون، إلاَّ أنه لم يخرج من الفلك، كقوله: "وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ، فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَنَّ الْمِيَاهَ نَشِفَتْ عَنِ الأَرْضِ. فَكَشَفَ نُوحٌ الْغِطَاءَ عَنِ الْفُلْكِ وَنَظَرَ، فَإِذَا وَجْهُ الأَرْضِ قَدْ نَشِفَ" (تك 8: 13).
لقد بَقَّى نوح البار ومن معه في الفلك إلى أن أخرجه الله بأمره، كقوله: "وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فِي الْيَوْمِ السَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، جَفَّتِ الأَرْضُ. وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا قَائِلًا: اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ" (تك 8: 14-16). لم يخرج نوح من الفلك، إلا حينما أمره الله بالخروج، لأن الله هو الذي أدخله الفلك، وهو الذي أغلق عليه بابه. فإن كان الله قد أغلق فمن يجرؤ أن يفتح؟! كقوله: "... الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ" (رؤ 3: 7).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لقد سلَّم نوح أمر حمايته ورعايته في زمن الكارثة لله، فكيف يتجرأ ويخرج بحسب رأيه الشخصي أو رأي إنسان؟! إن نوح لم يكن يعرف ولا يفهم ما خَلَّفَهُ الطوفان من آثارٍ؟! ولكن الله هو الذي كان يعلم دقة التغييرات التي حدثت بسبب الطوفان، وهو يعلم كيف يعد الظروف المواتية للحياة مرة أخرى بعد الطوفان، لذلك كان لا بد أن ينتظر نوح الأمر الإلهي الصادر له بالخروج، ولا يعتمد على فهمه القاصر، كقوله: "تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ" (أم 3: 5، 6).
القارئ العزيز... يتضجّر البعض من القيود التي فرضتها عليه الضيقة، ويستعجل في ممارسة حياته بطريقة طبيعية، كما كانت قبل الضيقة، لكن ذلك ليس من الحكمة.
إن التسليم لله وانتظار أوامره المقدسة أمر هام فلا تستعجل الأمور، إن كان الله قد وضع عليك بعض القيود فترة ما لحمايتك، فانتظر حتى تتأكد أن الله قد أزال الخطر من أمامك. تمثل بالقديس يوسف النجار الذي احتمل هو ومعه العذراء القديسة الإقامة في الغربة في مصر، إلى أن أصدر الله الأمر له، قائلًا: "... قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ" (مت 2: 20).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beneficent/died.html
تقصير الرابط:
tak.la/ydxnp46