أعلم أني أكتب إليكم كأبنائي الأعزاء، وأبناء الموعد وأبناء الملكوت، لذلك أذكركم ليلًا ونهارًا كي يحفظكم الله من كل شر، وكي تحرصوا دومًا على أن تنالوا من إفرازًا ورؤية جديدة، ولكي تتعلموا أن تميزوا بين الخير والشر في سائر الأشياء، لأنه مكتوب "وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" (عب5: 14). هؤلاء هم الذين يهديهم الله هذه الرؤية الجديدة في جميع أعمالهم، فلا يستطيع أحد، لان إنسان ولا شيطان، أن يخدعهم، لأن المؤمن يمكن أن يُخدع بستار الخير، وكثيرون خُدعوا هكذا، لأنهم لم يُعطوا بعد من الله هذه الرؤية الجديدة، لذلك يقول المبارك بولس بعد أن عرف أن هذا هو غنى المؤمن العظيم: "بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ... لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ... وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ" (أف3: 14، 16، 18)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فإذ أحبهم بولس من كل قلبه، أراد أن يعطى لأبنائه الذين أحبهم هذا الغنى العظيم من المعرفة أي الرؤية الجديدة، لأنه عرف أنها إذا أُعطيت لهم لن يتعبوا في أي عمل، ولن يخافوا أي خوف، بل سيرافقهم فرح الله ليلًا ونهارًا، وسيكون عمل الله بالنسبة لهم في شتى الأشياء "أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ" (مز19: 10) وسيكون الله معهم على الدوام، وسيكشف لهم استعلانات وإسرارًا عظيمة لا يمكن للسان أن ينطق بها.
لذلك يا أحبائي، طالما أنكم تُعتبرون أبنائي، صلوا النهار والليل كي تُعطى لكم موهبة الإفراز هذه، التي لم تُعط لكم منذ أن بدأتم هذا الدرب النسكي، وأيضًا أنا أبوكم سوف أصلي لأجلكم كي تنالوا هذه القامة، التي لم يصل إليها كثير من الرهبان، عدا نفوس قليلة هنا هناك، لكن إذا أردتم أن تنالوا هذه القامة، لا تعتادوا أن تذكروا لبعضكم البعض أسماء أي رهبان متراخيين بينكم، لكن انسحبوا من بينهم وإلا لن يسمحوا لكم أن تنمو بل سيطفئون حرارتكم.
لأن المتراخيين ليس لهم حرارة، بل يتبعون إرادتهم ومشيئتهم الخاصة، وإذا قابلوك يتحدثون عن أمور هذا العالم، يمثل هذا الحديث يطفئون حرارتكم، ولهذا مكتوب "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ" (1تس5: 10) لأنه ينطفئ بمثل هذا النوع من الحديث وبالتشتيت، لذلك عندما ترون أيًا من هؤلاء الناس، اصنعوا معه خيرًا، وكونوا بعيدين عنهم ولا تختلطوا بهم، لأنهم لا يدعون الناس ينمون في القامة الروحية.
وداعًا في ربنا يا أحبائي. في روح الوداعة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-amonas/letter4.html
تقصير الرابط:
tak.la/c3y3g28