St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

2- مقدمة

 

هذا الكتاب الذي يؤرخ لكنيسة الرسل، إنما يروي لنا قصة المسيحية الأولى: نشأتها وانتشارها، عقائدها وإيمانها، طقوسها وممارساتها، روحانيتها وتراثها، دستورها وأبطالها... ونحن إذا أردنا أن نتعرف على المسيحية تعرفًا دقيقًا وسليمًا، فعلينا بتلك الحقبة المبكرة من تاريخها، نعكف عليها وندرسها... فكنيسة الرسل هي الكنيسة الأم لكل كنائس العالم، والعصر الرسولي هو النبع الأصلي للمسيحية في صفائها... وحياة هذه الكنيسة وإيمانها، وعقائدها وممارساتها وطقوسها ومبادئها، وكل ما يتعلق بها، هي ما يجب أن تتمسك به كل كنيسة مسيحية... ومن هنا كانت خطورة وأهمية هذا البحث الذي يضمه هذا الكتاب...

ونحن في معالجتنا للموضوع، لم نتعرض لكنيسة بالذات، إنما تحدثنا عن الكنيسة المسيحية عامة... كان هناك هدف نسعى إليه منذ بداية العمل حتى نهايته، ألا وهو البحث العلمي الخالص لوجه الحقيقة، ولا شيء سواها... ومن هنا فإن هذا الكتاب يصلح كتابًا للجميع، من كل كنيسة ومذهب وطائفة، حتى لو اصطدم أحد فيه برأي أو تعليم يخالف ما تعتنقه الكنيسة أو الطائفة التي ينتمي إليها... ويزكي الكتاب في عموميته ما راعيناه في مادته وأسلوبه. فهو يجمع بين الدراسة العلمية الأصلية، وبساطة العرض والأسلوب، مع الابتعاد -قدر الطاقة- عن التعقيدات التي غالبًا ما تتسم بها دراسة كل قديم... وهكذا جاء الكتاب، كتابًا للجميع... لطالب اللاهوت ولكل باحث عن الحقيقة...

St-Takla.org Image: The Christian Church in the Apostolic Age, Book cover - by Bishop Youannas, Bishop of Gharbia, Egypt. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية، مصر.

St-Takla.org Image: The Christian Church in the Apostolic Age, Book cover - by Bishop Youannas, Bishop of Gharbia, Egypt.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية، مصر.

ويزيد من أهمية البحث، ما تعانيه المسيحية من انقسام وفُرقة، يظهران في تعدد الكنائس والمذاهب في نطاق المسيحية بصورة مذهلة ومخجلة في آن واحد معًا، وانحراف الكثير منها في الإيمان أو مبادئ المسيحية الأصلية... ولا علاج لهذه الحالة المحزنة التي وصل إليها العالم المسيحي، إلا بالالتجاء إلى الكنيسة الأولى، الكنيسة الأم، كنيسة الرسل، والتطلع إليها كمثل أعلى في كل شيء، ودراسة كل ما يتعلق بها، للأخذ به وتطبيقه والسير على نهجه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ما أحوج كنائس المسيحية ومذاهبها إلى مراجعة مبادئها -بحسب الحالة- في مجالات الإيمان والعقيدة والروحيات... نحن جميعًا -وبلا أدنى استثناء- بحاجة إلى العودة إلى ما كانت عليه الكنيسة الأولى من حرارة الإيمان وبساطة الحياة، والغيرة الملتهبة على خلاص النفس، والشركة القوية مع الرب، والعمل الدائب في الكرازة... ويوم تفعل الكنائس والمذاهب المسيحية ذلك بروح المحبة والرغبة الخالصة في إحقاق الحق، تزول الفُرقة وتنعدم الانقسامات، وتستريح أحشاء ربنا يسوع وقديسيه... نعم، إن هذا هو السبيل السوي والإلهي لتحقيق إرادة الرب في أن يصبح الجميع واحدًا...

وقد راعينا في تصنيف الكتاب -على قدر ما استطعنا- أن نعرض للملامح الرئيسية لكنيسة الرسل: في التاريخ والكرازة والخدمة والإيمان والعقيدة والطقس والأسفار المقدسة وغيرها... وكان هدفنا من ذلك أن تكتمل الصورة حتى ما تظهر بوضوح. لكن ليس معنى ذلك أن جميع هذه النقاط أستوفيت بحثًا... لأننا لو فعلنا ذلك لاحتاج الأمر إلى موسوعة، تخرجنا عن دائرة التاريخ، والكتاب من الناحية الموضوعية كتاب تاريخي بالدرجة الأولى. فنحن في تعرضنا للعقيدة والطقس مثلًا، إنما نؤرخ لهما، ولا نبحث فيهما بحثًا موضوعيًا خاصًا. ومن هنا نقول، أن الكتاب عرض لمواضيع بحاجة إلى مزيد من البحث، كموضوع الطقوس وممارسات العبادة في كنيسة الرسل الذي عرضنا له في الباب الخامس من الكتاب... ليت الرب يحرك قلوب بعض الباحثين الغيورين، حتى ما يوفوا هذه النقاط حقها.

ولا أنسى أن أذكر، أن هذا الكتاب هو ثمرة أمنية عزيزة طالما اشتهيتها كانت تلك الأمنية -وما زالت- أن أحيا في جو الكنيسة الأولى، وهي بعد بِكْر، تشيع فيها روح القداسة والإيمان والبساطة والغيرة والحب، قبل أن تدخل إليها روح العالم، وتتسلل إليها أساليبه الزمنية... وبقدر ما كانت الأمنية عزيزة ملحة، بقدر ما كان البحث ممتعًا، وإن كان في نفس الوقت شاقًا مضنيًا... ومشقة البحث كانت في المصادر التاريخية الأصلية التي كان عليَّ أن أعتمد عليها. فما كان يصلح أن أعتمد على التآليف والمصنفات الحديثة، بل على الكتابات الأولى، حتى ما يأتي البحث أصيلًا في مادته، أكاديميًا في أسلوبه ومنهجه...

وإن كانت تلك الأمنية قد تحققت بنعمة الله، وأثمرت هذا الكتاب، فثمة أمنية أخرى أسأل الرب أن يحققها بنعمته، ويمتعني برؤياها والحياة فيها... تلك هي أن تعود الكنيسة إلي بساطتها الأولى وعمق روحانيتها، وأن تفطن إلى غنى مواهبها وكنوزها وقوة مؤسسها، القائم في وسطها دائمًا، وتعكف على رسالتها السامية ومسئوليتها الخطرة في الكرازة والرعاية...

وبعد، فإني أقدم هذا الكتاب لكل النفوس المحبة التي تنشد الحق... أقدمه لطلبة اللاهوت ولكل العاملين في حقول الخدمة الكنسية... أقدمه لهم جميعا للدراسة، وليس لمجرد القراءة. فتاريخ الكنيسة في تلك الفترة المبكرة - إلي جانب أهميته القصوى - صفحة مشرقة، يلذ للمؤمنين - كنيسةً وشعبًا وأفرادًا - أن يتطلعوا إليها، ويسعوا دائبين لاسترجاعها.

أقدم الشكر خالصًا للرب أولًا، الذي طالما لمست بصورة حسية قاطعة، معونته وإرشاد روحه لضعفي أثناء تصنيف هذا الكتاب، فجاء في صورته الحالية، أول كتاب في المكتبة العربية يعالج موضوع كنيسة الرسل بصورة أكاديمية، وفي دقة وسلامة وإسهاب...

أتقدم بالشكر لأبينا الحبر الطوباوي الأنبا ثاؤفيلس أسقف ورئيس دير السريان العامر لتشجيعه لي، وتهيئه الجو المناسب في الدير للبحث والتأليف، فضلًا عن مكتبة الدير الكبيرة التي أصبحت بفضله تضم مجموعات من الكتب القيمة التي اعتمدت عليها في تصنيف الكتاب.

وأتقدم بالشكر أيضًا لحبيبنا الحبر المبارك الأنبا شنوده أسقف التعليم الديني، الذي تفضل وباشر إخراج الكتاب وطبعه ونشره، وقرره مرجعًا للدراسة في الكلية الإكليريكية... ولا يفوتني أن أشكر الإخوة الأحباء "أصدقاء الكلية الإكليريكية" لأتعابهم الكثيرة في طباعة الكتاب وتوزيعه، أيضًا كل الذين تعبوا معي في نساخة الكتاب قبل تقديمه للطبع، والذين آزروني بصلواتهم...

إذ أضع هذا الكتاب بين يدي الرب -رأس الكنيسة ومؤسسها وراعي رعاتها الأعظم- أسأله أن يتقبل هذه التقدمة المتواضعة ويشتمها رائحة سرور ورضى، ويشرق بوجهه علينا فنخلُص، ويعينني على الانتهاء من الكتاب الثاني الخاص بكنيسة الرسل، وهو عبارة عن تأملات في حياة تلك الكنيسة... أسأل روح الله القدوس الذي يرشدنا إلى كل الحق، أن يرافق كلمات هذا الكتاب، ليصير بركة لكل من يقرأه... بشفاعة أمنا العذراء الطاهرة مريم، ومصاف الرسل الأبرار وكل الكارزين، مع سحابة الشهود القديسين... ولإلهنا كل مجد دائمًا آمين.

 

 شنوده السرياني

برية شيهيت المقدسة في:

تذكار شهادة القديس متياس الرسول (17 من مارس سنة 1971 م - 8 من برمهات سنة 1687 ش)


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/introduction-1.html

تقصير الرابط:
tak.la/5r8zat9