هل كان مجرد إيمانًا ساذجًا بشخص الرب يسوع المسيح وخلاصه، قوامه حياة التعبد والتقوى الخالصة فقط، دون أن يلتزم المؤمن بعقائد إيمانية محددة؟
الواقع أنه يخطئ مَن يظن هذا الظن، أو يتصور الكنيسة الأولى بهذه الصورة... لقد كانت لكنيسة الرسل عقائد إيمانية أساسية محددة، صاغتها في قانون إيمان، عُرف فيما بعد باسم قانون إيمان الرسل. وقد حفظ كل راغب في العماد هذا القانون، وكان يعلنه لحظة عماده، متعهدًا بالتمسك به(1)...
يقول الأستاذ تشارلس جور(2) Charles Gore:] إن تصوير المسيحية الأولى على أنها مجرد طريق للحياة بدون عقيدة لاهوتية - أمر ليس فيه إنصاف، ولا تؤيده الأسانيد التاريخية... لقد وُجد منذ البداية إيمان عام واحد، كثيرًا ما أشار إليه العهد الجديد تحت اسم ((التقليد)) (1 كو2:11)، ((صورة التعليم التي تسلمتموها)) (رو17:6)، ((تعليم الرسل)) (أع42:2) ((صورة الكلام الصحيح)) (2 تي13:1)؛ ((الإيمان المسلم مرة للقديسين)) (يه3)... وإيمان الكنيسة كما عبر عن ذاته في الحياة والعبادة والغيرة والاستشهاد كان قويًا سليمًا، ويشير إلى أن مصدره هو تعليم الرسل وكتاباتهم..[.
كانت هناك إذن عقائد إيمانية محددة في كنيسة الرسل... وقد دافع الرسل عنها وحاربوا الخارجين عنها الذين -بحسب تعليم معلمنا بطرس- "يدسون بِدَع هلاك" وحذروا المؤمنين منهم ومن ضلالاتهم. وقطعت الكنيسة من شركتها كل مَن يخرج عن إيمانها السليم(3)... بل وصل الأمر بالقديس يوحنا الرسول -الذي كان يتصف بالرقة والوداعة- أن أمر المؤمنين بألا يسلموا على هؤلاء المبتدعين، ولا يقبلوهم في بيوتهم، وإلا اعتبروا شركاءهم في أعمالهم الشريرة (2يو11،10)...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ونجد الغيرة واليقظة على الإيمان، واضحة أيضًا في كتابات الآباء الرسوليين:
فالقديس أغناطيوس الشهيد لم يكتف بتحذير المؤمنين من سماع أقوال المبتدعين الهراطقة، بل نعتهم بأقبح النعوت فقال عنهم إنهم: ذئاب خاطفة بمظاهر خداعة، وحيوانات مفترسة في صورة بشرية، ونعوش ومقابر، وأغصان طفيلية يحمل أثمارًا مسمومة لم يغرسها الرب، وجيف منتنة. يعلمون تعليمًا فاسدًا يفسد الإيمان، ونصيبهم النار المؤبدة. ويمزجون السم الزعاف بالخمر لينشروا الموت... ويحذر أهل سميرنا قائلًا: [تجنبوهم ولا تتحدثوا معهم لا منفردين ولا مجتمعين[(4)... وهكذا يفعل القديس بوليكاربوس في رسالته إلى أهل فيلبي(5).
ونشير في هذا الفصل إلى العقائد المسيحية الأساسية في عصر الرسل... ونلفت النظر إلى أننا تعرضنا لهذه العقائد، لا نعالجها كمواضيع عقيدية يدلل على صحتها من أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ومن أقوال آباء الكنيسة في مختلف عصورها، ومن قرارات المجامع المسكونية مثلًا ، ومن وسائل الإثبات، لكننا تعرضنا لها كعقائد مسيحية في كنيسة الرسل... ولم نتجاوز في إثباتها كتابات الآباء الرسل الواردة في أسفار العهد الجديد، وأقوال الآباء الرسوليين... وفي موضوع لاهوت السيد المسيح، تركنا جانبًا أقوال المسيح نفسه الواردة في البشائر الأربع حتى لا يكون هو شاهدًا لذاته...
_____
(1) Rawson Lumbyl The History of Creeds, pp.
1-11.انظر: تفسير المؤرخ روفينوس لقانون إيمان الرسل - وقد أشرنا إليه في موضِع آخر في هذا الفصل.
(2) The Incarnation of the Son of God, pp.
93, 94.(3) انظر: (رو 16: 17، 18؛ غل 1: 6-9؛ كو 2: 4، 8؛ تي 3: 10؛ عب 13: 19؛ 2 بط 2: 1؛ 1 يو 4: 1).
(4) Ignatius, phild,
2.3.6; Smyrn., 4.5.6; Eph., 16; Trall., 6, 11.(5) Polycarp, Phil.,
7.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/faith.html
تقصير الرابط:
tak.la/527v52k