نقطة أخرى أود أن أتكلَّم فيها وإن كانت تحتاج بحثًا آخر.. ولكن دعنا نطرقها قليلًا، ألا وهي حروب الشياطين..
فبحسب مبدأ (ضمان الملكوت وعدم هلاك المؤمن) سيكون البشر نوعان فقط:
1. مؤمنون يضمنون السماء مهما كانت الملابسات، لأنهم لن يهلكوا أبدًا.
2. غير مؤمنين هالكين حتمًا بسبب عدم الإيمان، إلا إذا آمنوا ودخلوا في الفئة الأولى.
وبالتالي سيكون السؤال الهام..
* إن كان المؤمن الحقيقي سيدخل على أية حال السماء.. فلماذا يحارب الشيطان الناس؟
* إن كان غير المؤمنين هالكين.. والمؤمنون ضامنين السماء.. فلماذا يحاربهم الشيطان؟
* ولماذا حارب إبليس رب المجد نفسه؟
إن الشيطان لم يكن مُدركًا بالطبع أن السيد المسيح له المجد هو الله المتجسد، ولكنه كان يضع في الاحتمال أنه قديس ولا مانع من أن يضيّع أبديته! لذلك بادر بتجربته ليسقطه في الخطية، لكي يضيع أبديته (حسب فكر الشيطان).
النمط الذي حارب به الشيطان السيد المسيح له المجد.. هو نفس النمط الذي يحارب به المؤمنين ليفقدهم أبديتهم وليس فقط أكاليلهم كما يقولون.. فالشيطان لن يفرق معه أكاليل نخسرها أم نكسبها.. كل مشكلته ندخل السماء أم لا ندخل!!
ولأجل ذلك فهناك آيات توصينا بالتسلح ضده..
* "أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ..." (أف10:6–18).
* "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ" (عب4:12).
* "فَاخْضَعُوا للهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ" (يع7:4).
* "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1بط8:5).
إنها حرب.. هدفها من الشيطان أن نفقد أبديتنا.. ومقاومتنا ضده هي أن نحافظ على الدعوة والاختيار المعطاة لنا.. "لذلكَ بالأكثَرِ اجتَهِدوا أيُّها الإخوَةُ أنْ تجعَلوا دَعوَتَكُمْ واختيارَكُمْ ثابِتَينِ. لأنَّكُمْ إذا فعَلتُمْ ذلكَ، لن تزِلّوا أبدًا" (2بط10:1).
فليست الأعمال الصالحة وخدمة الناس فقط هي تعاليم وأوامر الكتاب المقدس ولكن أيضا الجهاد الروحي ضد الشيطان والعالم والجسد والخطية مطلوب وكذلك الجهاد في الحياة الروحية من صلاة وأصوام وميطانيات وسهر روحي وخدمة وشبع بالإنجيل.
* وهذا هو رد السيد المسيح على واحد سأله "يَا سَيِّدُ، أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟" (لو23:13).
* فقال له: "اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ" (لو24:13). أنا أعرف أن بعض الخدام الأمناء يريدون أن يخففوا عن البعيدين ويشجعوهم على الاقتراب من المسيح وهذا جيد، لكن لا ينبغي لتحقيق هذا الهدف أن نغيِّر في تعليم الكتاب، وأن يتحول هذا الرأي إلى عقيدة ننادي بها ونحارب غيرها وكأننا نكرز بإنجيل آخر، فمع التخفيف والتشجيع للمبتدئين يجب أن يظل تعليم الكتاب بخصوص الجهاد الروحي واضحا وثابتا ويجب ألا نوسع الباب "لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ!" (مت13:7).
* لذلك يقول الكتاب "جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا، وَاعْتَرَفْتَ الاعْتِرَافَ الْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ" (1تي12:6).
* ويقول مُعلِّمنا بولس الرسول عن نفسه: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ" (2تي7:4).
* "لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا" (عب1:12).
* "وَأَيْضًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا" (2تي5:2).
* "أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا" (1كو27:9).
* "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ" (رو30:15).
* "لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوع" (في12:3).
* "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي المَسيحِ يَسوعَ" (في13:3-14).
* "الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ" (كو29:1).
* "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا" (1كو24:9).
* "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ" (1كو9:3).
كيف يقولون إن المؤمن يضمن الملكوت وهو مُطالب بهذا الجهاد الروحي طوال الحياة.
إن الأمر ليس بالصعب لأن السيد المسيح قال: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ" (مت29:11)، لكنه أيضًا قال: "لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (مت30:11).
فهناك نير وحِمل ولكنه خفيف، وهناك صليب يجب أن يُحمل ولكن السيد سيحمل عني ومعي.. "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (مت24:16).
وهناك ألم وتعب ولكن ينتظرنا مجد "إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ" (رو17:8).
وهناك ضيقة في هذا العالم وفي جهادنا الروحي ولكن "خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2كو17:4).
وإن كان أحد يتهاون بجهاده سيفقد إكليله وأبديته.. "هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ" (رؤ11:3). "وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلًا يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلًا لاَ يَفْنَى" (1كو25:9).
لنا رجاء في الله أن يمنحنا الأبدية السعيدة ولكن هذا الرجاء لا يعفينا من مسئوليتنا ولا يلغي دورنا البشري في تكميل الخلاص، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: "تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ" (في12:2). "أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ" (1بط5:1).
هل بهذا الفكر يريدون إلغاء الدور الإنساني في عملية الخلاص؟ "بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ" (أف5:2).. فيكون الخلاص نعمة فقط!!
هل يريدون إلغاء دور الكنيسة.. المعمودية والاعتراف والتناول والشفاعة؟
* "لا تضِلّوا! اللهُ لا يُشمَخُ علَيهِ. فإنَّ الذي يَزرَعُهُ الإنسانُ إيّاهُ يَحصُدُ أيضًا. لأنَّ مَنْ يَزرَعُ لجَسَدِهِ فمِنَ الجَسَدِ يَحصُدُ فسادًا، ومَنْ يَزرَعُ للرّوحِ فمِنَ الرّوحِ يَحصُدُ حياةً أبديَّةً" (غل7:6-8).
* "انظُروا إلَى أنفُسِكُمْ لِئلا نُضَيّعَ ما عَمِلناهُ، بل نَنالَ أجرًا تامًّا" (2يو8).
وأخيرًا.. "تمّموا خَلاصَكُمْ بخَوْفٍ ورِعدَةٍ" (في12:2).
إن للإنسان دورًا أساسيًا في تتميم الخلاص، لأننا نخلص بنعمة الله.. ولكن يخلص فقط مَنْ يقبل هذه النعمة، ويعيش فيها، ويستجيب لها، ويحفظ وصايا الله، ويعمل بها، ويثبت إلى المنتهى... وهذا موضوع آخر نناقشه في الفصل التالي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/inherit-eternal-life/satanic-wars.html
تقصير الرابط:
tak.la/c8rc4d8