وكان من حسن سياسة السلطان برقوق انه عندما تولى الملك وجه همته نحو ملوك الأحباش وجدد معهم عهود السلام وحسن الجوار وكان ملك ملوك الحبشة وقتئذ الملك داود الأول الذي جلس على سرير المملكة سنة 1381 م. أي قبل جلوس السلطان برقوق على عرش السلطنة المصرية بسنة واحدة وذلك بعد أن قامت ثورة ضد أخيه الملك "نوايا سريام ويدم أصغر" وعزلوه بعد أن حكم من سنة 1371 م. إلى سنة 1381 م.
فأشار الملك الظاهر برقوق على البابا متاؤس أن يكتب كِتابًا إلى ملك الحبشة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكان البابا يعرف أن الملك "ويدم أصغر" هو الذي على عرش هذه المملكة. وكان البابا لا يميل إلى هذا الملك لعدم استقامته وسوء تصرفه. فلما جلس ليكتب نطق الله على لسانه فعنون الكتاب باسم أخيه داود لم يكتبه باسم ويدم أصغر المتولي قبله متنبئا بذلك على جلوس داود على كرسي المملكة بدل أخيه. فأنكر عليه ذلك رسل الملك وامتنعوا عن حمل الكتاب لئلا يشعر الملك "ويدم أصغر" بهذا التغيير في توجيه الرسالة الملكية المصرية إليه فيقتلهم. ألزمهم البابا بأخذ الكتاب كما هو ومضوا به إلى الحبشة. وقبل اقترابهم من الحدود علموا أن الملك ويدم أصغر عزله عساكره من كرسي المملكة لسوء تصرفاته وأقاموا أخاه داود مكانه. فتعجبت البيعة المصرية من حكمة البابا في تصرفاته وأيقنوا أنه كان مدفوعا إلى ذلك بوحي إلهي ومجدوا الله.
ولما وصل الوفد المصري إلى عاصمة البلاد الحبشية قدموا الرسالة البابوية بفرح عظيم لجلالة الملك داود. ولما فك الملك خاتم الرسالة وجد فيها أنها مكتوبة باسمه لا باسم أخيه الذي كان يعتلى كرسي المملكة وقت كتابتها فتعجب وأخذ يسأل الرسل عما إذا كان معهم صليب هذا البابا ومنديله وقد كان البابا أعطاهما لهم وكانوا محتفظين بهذه الوديعة المباركة إلى أن يفرغ الملك من قراءة الرسالة فيقدموها إليه. فازدادوا عجبا وأخذوا يسألون الملك عن كيفية علمه بهذه الوديعة. فقال لهم الملك: "إن البابا البطريرك هو الذي أعلمني بذلك قبل وصولكم وعندي شهود يشهدون بذلك" ثم دعا للوقت عساكره وجنوده وأخته المباركة أيضا وأخذ يقص عليهم ما أبصروه قائلا: أني بالحقيقة أقول لكم يا أحبائي انه قبل أن يجلسوني ملكا على كرسي المملكة أبصرت هذا البابا في الرؤيا وقد خلع أخي من على كرسي ملكه وأقامني عوضًا عنه وقال هكذا: "ينزع الله الملك ممن لا يسير بالاستقامة ويعطيه لمن يسير بالاستقامة" بهذا التصريح وأجلسني على كرسي المملكة أعطاني هذا الصليب بيدي ودعا لي أن الله يثبت كرسي مثل داود النبي لأقضى بين الشعوب بالعدل وأحكم الأمم بالاستقامة ثم بعد ما أتم الدعاء لي باركني وانصرف عنى فانتبهت من نومي وتعجبت من هذه الرؤيا وكنت أود أن أشرح لكم هذه الرؤيا في وقتها ولكن المباركة أختي منعتني من ذلك خشية من بطش الملك أخي لئلا يشعر بذلك فيقتلني لساعتي ولهذا دعوت شقيقتي مع جميعكم لتشهد لكم بما سمعته منى من قبل.
ولما أخبر الملك داود بهذا التصريح الجلي أمام الجميع مجدوا الله المظهر عجائبه على يد قديسه البابا الجالس على الكرسي المرقسي بالديار المصرية وهو ينظر بالروح ما سيحدث من الانقلاب في أقاصي الحبشة وينطق بما سيكون من نتائج الانقلاب.
أما رسول ملك مصر فأنه لما عاد بعد ذلك مع رجال بعثته إلى مصر وأعلم الملك بما حدث من البابا تعجب أيضًا لأنه كان هو أيضًا يحبه ويجله وكذلك كان البابا يحترمه ويحبه وأقام الملك برقوق طول أيامه ولم يسمع فيه سعاية كاذبة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-metaos/pope-mattheos/ethiopia-egypt.html
تقصير الرابط:
tak.la/h7swj4x