وبناء على ذلك، نؤمن بالكنيسة المقدسة، بالكنيسة الجامعة، لأن الهراطقة والمنشقين كليهما يسموون اجتماعاتهم ”كنائس“.[47] الهراطقة يدنسون طهارة الإيمان ذاته بإضمار أفكار مغلوطة عن الله، بينما ينسحب المنشوق من المحبة الأخوية بانفصال غير قانوني، برغم أنهم يؤمنون بنفس الأشياء التي نؤمن بها. وبالتالي لا الهراطقة ولا المنشقون ينتمون إلى الكنيسة الجامعة. لا الهراطقة؛ لأن الكنيسة تحب الله. ولا المنشقون؛ لأنها تحب القريب. الكنيسة مستعدة دائمًا لتغفر خطايا القريب؛ لأنها تصلي نيابة عنه ليغفر له مَن صالحنا لنفسه،[48] ماحيًا كل آثامنا الماضية، ودافعًا لنا إلى الأمام نحو الحياة الجديدة. وحتى ندخل هذه الحياة الكاملة سنكون عاجزين عن أن نحيا حياة خالية من الخطية. لكن ما يصنع الفرق هو نوعية الخطايا نفسها.
(22) لا حاجة الآن إلى التعرض إلى الفوارق بين الخطايا. لكن لا بُد أن نحرص على أن نؤمن أن خطايانا لا تُغفر لنا على الإطلاق إذا كنا متصلبين ولا نغفر تعديات الآخرين. لذلك نحن نؤمن أيضًا بغفران الخطايا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(23) هناك ثلاثة عناصر تشكّل الإنسان: الروح والنفس والجسد. مرة أخرى أحيانًا يُقال إنهم اثنان؛ لأن مصطلح ”النفس“ كثيرًا ما يُدرج تحت مسمى ”الروح“. لأن الجزء العقلاني من النفس، الذي لا يوجد في البهيمة، يُسمى الروح.
الروح هي المكون الأهم لكياننا، ثم مبدأ الحياة، المسمى بالنفس، يأتي بعد ذلك، والذي به نتحد بالجسد. وآخر الكل يوجد الجسد، الذي بسبب طابعه الحسي يشكل العنصر الأدنى من كياننا.
كل الخليقة تئن وترزح في الألم إلى الآن.[49] غير أن الروح قد أنتجت أول ثمارها، لأنها آمنت بالله، وتمتلك إرادة حسنة. هذه الروح تسمى أيضًا ”الذهن“ بالإشارة إلى ما يقوله الرسول: ”أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ الله“ (رو 7: 25). وإذ يتحدث عن نفس الموضوع، يقول في موضع آخر: ”إِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي.. شَاهِدٌ لِي“ (رو 1: 9).
لكن بينما لا تزال النفس تتلهف على الملذات الجسدانية، فهي تدعى ”الجسد“ وتقاوم الروح. هذه المقاومة لا تنبع من طبيعة النفس، لكن عن الاعتياد على الخطية. لهذا السبب قيل: ”أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ الله، وَلكِنْ بِالْجَسَدِ نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ“. هذا الاعتياد على الخطية قد طُعم في طبيعتنا[50] من خلال التوالد البشري كنتيجة لخطية الإنسان الأول. ولذلك مكتوب ”كُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ“ (أف 2: 3) بمعنى ”أبناء النقمة (العقوبة)“ التي بها صرنا نخدم ناموس الخطية.
تتكمَّل النفس في طبيعتها حين تطيع الروح وتتبعها في سعيها نحو الله. ”لكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ (النفساني) لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ“ (1كو 2: 14). لأن النفس لا تصير خاضعة للروح في عمل الصلاح بنفس سرعة إخضاع الروح لله من جهة الإيمان الحقيقي والإرادة الحسنة. على النقيض، ميل الروح إلى تبديد ذاتها على ما هو جسدي ومؤقت لا يخضع دائمًا بضبط سريع. لكن كما أن النفس ذاتها تتطهر باستعادة اتزان طبيعتها تحت سيادة الروح، التي تدعى رأس النفس -والمسيح رأس هذه الرأس- يجدر بنا ألا نتخلى عن الرجاء بأن الجسد سيُستعاد أيضًا إلى طبيعته الحقيقية.
هذا بالطبع لن يحدث بنفس سرعة شفاء النفس، مثلما أن شفاء النفس ليس بالسرعة التي تحدث في حالة الروح. لكنه سيحدث هذا في الوقت المناسب، مع ضرب البوق الأخير، عندما يُقام الموتى غير فاسدين ونحن سنتغير.[51]
وبناء على ذلك نحن نؤمن أيضًا بقيامة الجسد، ليس بسبب تجديد النفس فقط، التي تسمى الآن ”الجسد flesh“ بسبب ميلها إلى أمور الجسد. في المقابل، هذا الجسد المرئي أيضًا، الذي هو الجسد بالطبيعة- فالمصطلح أعطي للنفس ليس من طبيعتها بل من ميلها الجسداني- أقول إن هذا الجسد المرئي الي يُدعى الجسد بشكل حقيقي سيقوم ثانية، كما يجب أن نؤمن بهذا بدون شك. لأن الرسول بولس يبدو أنه يشير إلى الجسد بإصبعه حين يقول: ”لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لا بُد أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ“ (1كو 15: 53). ومع ذكره لكلمة ”هذَا“ فإنه يشير بإصبعه إلى الجسد. وبالتالي على الأمور المنظورة نقدر أن نشير بالإصبع. أما النفس فلا يمكن الإشارة إليها بالأصبع مع أنه يمكن وصفها بأنها ”فاسدة“، لأنها تفسد بالعيش غير الأخلاقي. وعندما نقرأ هذه العبارة ”وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ“ (1كو 15: 53)، فإن الإشارة تكون للجسد المرئي أيضًا، لأن الأصبع يشير إليه مرة أخرى إن جاز التعبير. وتمامًا كما أن النفس يمكن أن تدعى ”فاسدة“ بسبب عيشها غير الأخلاقي، هكذا أيضًا يمكن أن توصف بأنها ”مائتة“. في واقع الأمر، إن الموت بالنسبة للنفس هو الانفصال عن الله.[52] هذه الخطية الأولى للنفس في الفردوس نجدها في الكتب المقدسة.
_____
[47] نفس الكلام يقوله القديس كيرلس الأورشليمي في عظاته للموعوظين: ”إذا سافرت يومًا إلى مدن أخرى فلا تسأل فقط: أين بيت الرب؟ (لأن بدع الملحدين الأخرى تسمي كهوفها "بيت الرب")، ولا أين الكنيسة فقط، بل أين الكنيسة الجامعة؟ لأن هذا هو اسم هذه الجماعة المقدسة التي هي أمنا جميعًا، وعروس ربنا يسوع المسيح ابن الله الوحيد“ (القديس كيرلس الأورشليمي، العظات، 18: 26، ترجمة الأب جورج نصور، سلسلة أقدم النصوص المسيحية، ص 370- 371). (المترجم)
[48] قارن (2كو 5: 18، 19).
[49] قارن (رو 8: 22).
[50] في ترجمة أخرى ”هذا الاعتياد على الخطية صار حالة طبيعية واقعية veritable natural state“ ويعتمد في ذلك على تعبير كُنا (بالطبيعة) أبناء الغضب. (المترجم)
[51] قارن (1كو 15: 52).
[52] قارن (سي 10: 14).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-faith/universal-apostolic-church.html
تقصير الرابط:
tak.la/bfx622c