هناك نوعيات من البشر لا يشكرون على أيّ شيء، كل شيء يحدث حولهم لا يقتنعون به، وكل ما ينعم الله عليهم به لا يشكرون عليه أو يكتفون به، وكل ما يقدمه لهم الغير لا يُقَدِّرونه.. بل يتمرَّدون على كل شيء.. فهناك الكثير مِمَّن لا يملكون أي شيء، ولكنهم يملكون أعظم شيء وهو فضيلة الشكر؛ تجدهم شاكِرين بالشفتين وبالقلب.. تسمع منهم كلمة "نَشْكُرُ اللهَ" خارِجة من الأعماق وليس من الشفاة فقط.. ولذلك يبارك لهم الله في القليل دون أن يروا فيصبح كثيرًا جدًا.. كما حدث في كُوَّارَ الدقيق وكوز الزيت على أيدي إيليا النبي للمرأة الشونمية: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ كُوَّارَ الدَّقِيقِ لاَ يَفْرُغُ، وَكُوزَ الزَّيْتِ لاَ يَنْقُصُ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُعْطِي الرَّبُّ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" (سفر الملوك الأول 17: 14، 16). هؤلاء الشاكرين الحقيقيين يشعرون دائمًا بيد الله التي تعمَل معهم، وسَتْرَهُ الغير محدود.. يرون القليل كثيرًا، بل وفائِضًا عنهم.. فنجدهم يسرعون إلى إعطاء مَنْ هو مُحتاج.. وحسب نظرتنا البشرية المجردة، نشعر أنهم هم المحتاجون إلى مساعدة، ولكن تَتَبَدَّل كل المقاييس والموازين بشعور الإنسان بستر الله المستمر عليه، واهتمامه به وبِسَد كل احتياجاته.. هؤلاء لا يشعرون بالبرد والجوع والمرض وقسوة الحياة لأنهم يسبحون في عُمق حياة الشكر لله على دوام سَتْرَهُ..
ولكن على النقيض نجد مَنْ أوْسَع الله في رِزقهم، ومَنْ أعطاهم الله بكثرة في كل شيء: المال، الصحة، الأولاد، المناصِب العَمَلية.. نجدهم يَتَمَرَّدون دائِمًا وغير شاكِرين.. يتمرَّدون على مَنْ وعلى ماذا؟؟! تِقِف أمامهم في قمة الاستغراب والحيرة، وتسأل نفسك بل وتسألهم لماذا تَتَذَمَّرون وتَتَمَرَّدون؟! على أنفسكم، أم على الآخرين، أم على الله نفسه؟! هم يحيون في تَذَمُّر مستمر، لا يكتفون بِما عِندهم.. في حين أن الرسول ينصحنا بقوله: "كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 13: 5).
هذا التمرد يجْتَاح حياتهم بكل جوانبها: تَمَرُّد على نِظام الحُكم، وهذه النقطة ظهرت بوضوح في الآوِنة الأخيرة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. لا يوجد شيء يعجب الشعب، كل شيء في نظرهم خطأ، وما يبنيه البعض يهدمه البعض الآخر أيًّا كان.. بالهجوم اللفظي أو الفِكري أو الثوري.. فأصبح الفِكر الثوري يجتاح الكل: ثورة في الفِكر والعمل والسلوك والأخلاق.. هؤلاء الهادِمين لا يدرون لحظة أنهم يُحَطِّمون كل بِناء، ويهدمون كل صِرح شامِخ.. يهدمون بالفِعل والفِكر وبالسلوك..
* والسؤال إذًا: على ماذا تَتَمَرَّدون؟ على الخطية والشيطان؟ أم على أنفسكم؟ أم على غيركم؟ أم على الله نفسه؟!
وهنا يبرز لنا مَثَلًا واضِحًا، وهو الابن الأصغر الذي نُلَقِّبَهُ بـ"الابن الشاطِر". لقد فَكَّرَ في نفسه أن الحياة التي يحياها داخِل بيت أبيه -وهو الأصغَر في السِن- لا توافِقه، فهو يريد أن يحيا حياة الحرية بعيدًا عن قيود المَنْزِل وقيود أبيه الذي يخاف عليه، وقيود أخيه الأكبر التي لا تسمَح له بأيّ تصرُّف دون الرجوع إلى مَنْ هم أكبر منه.. يريد الحرية الخاطِئة، حرية الإرادة الغير مُمَيِّزة للخير والشر.. بل يريد حرية الخطية التي لا يوجد عليها أيّ قيود.. تَمَرَّدَ على أبيه وأراد أن يأخذ كل ما يحِق لهُ من الميراث.. أراد أن يُميت أبيه وهو حيّ.. أخَذَ ميراثه وتَمَرد على حضن الآب وحنانه، وذهب إلى كورة بعيدة ليعيش في حياة الخطية التي ﻻ تُشْبِع أحدًا.. أراد أن يحيا ولكنه أماتَ نفسه.. أراد الحرية فوقع في عبودية الخطية.. وكانت النتيجة أنه اشتهى أن يأكل من أكل الحيوانات.. هذا هو نتيجة التمرد على أحضان إلهنا الحنون الذي يرعانا ويهتم بنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/rebellion.html
تقصير الرابط:
tak.la/cfpsy2t