عناوين:
(إظهار/إخفاء)
جماعة مقدّسة في الإسكندرية
في سكون البرية
تذمر في البرية
ظهور ملاك لغني بالإسكندرية
كان فرونتون في طليعة الذين عمَّروا الصحراء، فقد أراد أن يختبر الخلوة بالله ويعيش تلك العيشة العجيبة التي صار لها بريق خاص داخل قلوب الآلاف من أبناء مصر وبناتها.
نشأ في الإسكندرية وكان وجيهًا غنيًا مرموقًا، ولكنه كان فوق هذا كله مسيحيًا مَلَك عليه السيد المسيح، وبالتفاهم مع بعض أصدقائه الذين تزايد عددهم يومًا بعد يوم، اتفقوا على الحياة المُثلى في المدينة كما أوضحها الإنجيل المقدس. فكانوا يجتمعون معًا ليشجّعوا بعضهم بعضًا على السعيّ نحو الكمال وتمكّنوا من النمو الروحي نموًا مستمرًا.
على أن الشوق إلى العزلة أخذ يتزايد داخل نفس فرونتون، فدعا أصدقاءه وقال لهم: "لماذا الاستمرار في حياة المدينة مادمنا قد تنازلنا عن أموالنا سعيًا وراء الحياة الأبدية؟ هلموا نوزع ما تبقى لدينا ولنذهب إلى الصحراء ليخلوا كلٌ منا إلى نفسه وإلى ربّه في سكون البرّية".
تردّد صدى كلماته في قلوبهم فسارعوا إلى التنفيذ وقصدوا إلى نتريا ولم يأخذوا معهم غير أدوات الزراعة وبعض البذور والخضراوات، وقال فرونتون لأصدقائه: "لنكن مطمئنين إلى عناية الله، فقد قال اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم". وتعاهدوا على ذلك، فكانوا يقضون أيامهم بين الصلوات والاشتغال بالزراعة، وامتلأت قلوبهم غبطة وسلامًا، واعتبروا ذلك علامة من السيد المسيح على رضاه عنهم.
غير أن عدو الخير لم يتركهم ينعمون بهذه الغبطة وهذا السلام طويلًا، فأخذ يصور لهم حياتهم كما كانت في المدينة مقابل الضيق الذي يعيشونه. ألَم يكونوا يسلكون بخوف الرب وفي طريق الصلاح، فلماذا كل هذا العناء؟ وهذه الوسوسة الشيطانية جعلت البعض منهم يتذمّرون.
لازم فرونتون الصمت ولجأ إلى الصلاة بحرارة على الرغم من علمه بهذا التذمر، وذات يوم جاءه مندوبون عن المتذمرين، وما أن رآهم وقبل أن يلفظوا بكلمة قال لهم: "يا اخوتي إلى متى تُضجرون الله بهواجسكم؟ ألا تعلمون أن الآب السماوي لا يترك بارًا يموت جوعًا؟ أما رأيتم كيف أنمى بذورنا وخضراواتنا؟"
في نفس الوقت وفي شامل رأفته أرسل الله ملاكًا إلى رجل سكندري غني جدًا وقال له:
"أنت تعيش في غاية من الترف، قم لفورك وأرسل خبزًا إلى خدامي العائشين في الصحراء". فلما استيقظ جمع أهل بيته وقصَّ عليهم الحلم وأعلن استعداده للتنفيذ، وأنه يجهل المكان الذين يعيشون فيه، وأعلن الجميع جهلهم به أيضًا. وتكرر الأمر السماوي في الليلة التالية، وألهم الله أحد أصدقائه بأن يقول: "أنت تملك عددًا وفيرًا من الجمال، فحمِّل البعض منها ما تريد إرساله، ودَع شخصًا واحدًا يخرج بها من المدينة وحينما يصل بها إلى مشارف الصحراء يتركها تسير كيفما تريد. فإن كان الأمر من الله فعلًا ستذهب هذه الدواب إلى رجال الله بنفسها". (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). ووافق الجميع على هذا الاقتراح وحمَّلوا خمسة وستين جملًا مختلف الأطعمة، ثم ربطوا الجمال إلى بعضها البعض من ذيولها وركب أحد الخدم حمارًا وسار أمام القافلة، ثم سار إلى جانبها حين دخل الصحراء. وبعد أربعة أيام ركع الجمل الأول أمام مقر القديسين.
لاحظ فرونتون حركة الجمال وامتلأ قلبه شكرًا وتسبيحًا، وكان الجميع يصلّون داخل الكنيسة الصغيرة التي شيّدوها، فأراد أن يدعهم يستكملون الصلاة في هدوء، لذلك وقف عند الباب بقامته العريضة، وحالما انتهوا من تضرعاتهم أوقفهم أمام الجمال التي كانت قد جلست كلها في صف طويل ثم قال لهم: "والآن أيها الإخوة هل مازلتم في تذمركم؟ لقد أوكل الله غنيًا سكندريًا للعناية بنا، وهو قد أطاع الأمر الإلهي. فهيّا نرفع الأحمال عن ظهور هذه الحيوانات كي تستريح". وانشغل الجميع بهذا العمل وقد امتلأت قلوبهم تعجبًا أمام سهر الآب السماوي عليهم.
رأى فرونتون من باب اللياقة أن يعيد نصف التقدمات إلى صاحبها تعبيرًا له عن شكرهم، فبعدما أخذوا احتياجاتهم وضعوا الباقي على ظهور الجمال وتركوها لتعود.
مرّت ثمانية أيام دون أن يبدو أثر للقافلة، وبدأ بعض الأصدقاء يلومون الغني على تسرعه. وبينما هم في هذا اللوم إذا بصوت الجمال يتردّد على مسامعهم، فتطلّعوا من النوافذ وإذا بالقافلة تتهادى نحوهم. ولما تسلّم الغني ما أعاده إليه رجال الله أقام وليمة للفقراء، وظل مدى حياة فرونتون يرسل له ولاخوته في مواعيد محددة الأطعمة اللازمة لهم.
العيد
يوم 29 بشنس.
_____
*
المرجع
السنكسار الأمين، 29 بشنس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/Saints/Coptic-Orthodox-Saints-Biography/Coptic-Saints-Story_1290.html
تقصير الرابط:
tak.la/9r4f522