St-Takla.org  >   News  >   Coptic-Papal-Messages
 

الرسالة البابوية في عيد الميلاد المجيد - يناير 2017

قداسة البابا تواضروس الثاني  His Holiness Pope Tawadrous II

 

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آمين.

تَحِلّ علينا نعمته وبركته من الابن والى الأبد. آمين.

كل سنة وحضراتكم طيبين بهذا العام الجديد 2017 وبعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الشرقي في يوم 7 يناير من كل عام، 29 كيهك من السنة القبطية. الحقيقة إن كنا نحتفل بميلاد ربنا يسوع المسيح الذي أتى بفرح إلى العالم، لكننا نتذكَّر أبنائنا وبناتنا الشهداء الذين قدَّموا حياتهم في حادث البطرسية مؤخّرًا.  أراد السيد المسيح أن يُعيِّدوا هذا العيد وهذا العام الجديد في السماء معه.  نحن نذكرهم بالخير، ونصلي من أجل أبنائنا المُصابين والجرحى لكيّ ما يتمم المسيح شفائهم وينعموا بكل صحة وعافية، ونراهم معنا على الدوام.

في عيد الميلاد المجيد تتزاحَم التأملات.  ومنذ أن خلق الله الإنسان وتوَّجَهُ على مملكة العالم ممثلة في صورة آدم وحواء، عاش الإنسان على الأرض واتسع عدد البشر.  وظهرت الفضائل الإنسانية التي يعيش بها الإنسان.  فظهرت فضائل التعاون والمحبة والوفاء، وأيضًا ظهرت بعض الضعفات الإنسانية.  وفي مسيرة الإنسان على الأرض وحياته، ثم امتداد الخطية وتَغَلغُلها في حياة البشر، وظهور الخطايا والضعفات والصراعات والعنف في العالم، تناسَى الإنسان في حياته فضيلة من أهم فضائل الحياة الإنسانية، وهي فضيلة التطلُّع إلى السماء.  والعجيب أن كل البشر يشاهدون السماء في كل مكان.  ولا يوجد إنسان على وجه الأرض لم يرى السماء.  ولكن الأعجب أن موقف الإنسان يختلف من شخص إلى آخر.  البعض لا يهتم والبعض أحيانًا يلجأ إلى السماء والبعض الآخر أحيانًا يحتمي بالسماء.  وهناك قطاعات كبيرة من البشر تتناسَى السماء، وأيضًا هناك من البشر مَنْ يتطلَّع إلى السماء على الدوام.

في قصة ميلاد ربنا يسوع المسيح نجد هذه الفضيلة الإنسانية الراقية واضحة في حياة الكثيرين.  في حياة أمنا العذراء مريم نجدها كانت تتطلع إلى السماء على الدوام عندما قُدِّمَت حياتها في الهيكل وصارت تعيش حياة مُسَبِّحَة ومُصَلية.  عند ظهور الملاك بالبشارة السعيدة إليها نراها في نهاية الحوار مع الملاك تقول له: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (إنجيل لوقا 1: 38).  وتظهر هذه الفضيلة في الطاعة المُشتملة بالاتضاع. أيضًا في حياة الرعاة البسطاء الذين كانوا يحرسون حراسات الليل نراهم في بساطة يتطلعون إلى السماء على الدوام وهم في ساعات  الليل.  ويشاهدوا الملاك الذي يبشرهم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. فيذهبوا ليروا الصبي المقمط بأقمطة في المذود.

St-Takla.org Image: Jesus Christ the baby in the manger with animals, Nativity star, the three gifts of the Magi, by Fahmy Eshak صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع الطفل الصغير في المذود مع حيوانات، نجمة الميلاد، و هداية المجوس الثلاثة، رسم الفنان فهمي إسحق

St-Takla.org Image: Jesus Christ the baby in the manger with animals, Nativity star, the three gifts of the Magi, by Fahmy Eshak

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع الطفل الصغير في المذود مع حيوانات، نجمة الميلاد، و هداية المجوس الثلاثة، رسم الفنان فهمي إسحق

هكذا المجوس كانت صناعتهم  الفلك.  ينظرون إلى السماء على الدوام يشاهدون  النجم، يبحثون عن نجم أسمى كما تعلموا في كتبهم.  وعندما رأوا هذا النجم، تبيَّنوا أن رب الحقيقة قد جاء إلى العالم. وتطلعوا إلى السماء إلى هذا النجم، فساروا في رحلة طويلة من بلاد المشرِق حتى بيت لحم.  والنجم أرشدهم ووقف معهم وأظهَر لهم أين هو المولود ملك اليهود.

هكذا سمعان الشيخ، ذلك الرجل الذي تَعَدَّى عمره الثلاث مائة عام.  فقد أتت أمنا العذراء مريم والقديس يوسف النجار ليصنعا بالصبي يسوع حسب عادة الناموس.  فحمله سمعان على ذراعيه.  وقد كان واحد من الذين قاموا بترجمة الكتاب المقدس في العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.  فقال هذه القولة الشهيرة: ""«الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ" (إنجيل لوقا 2: 29).

أيضًا هناك مَثَل آخر: حنة النبية.  تلك الأرملة التي عاشَت في الزواج سبع سنوات ثم ترمَّلَت 84 سنة، بقيت موجودة في الهيكل تُسَبِّح وتصلي ليلًا ونهارًا وهي مرفوعة العينين نحو السماء.

هذه نماذِج وعينات من قصة أحداث الميلاد، تطلَّعوا إلى السماء.  ولكن ربما يكون السؤال الآن:

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ما قيمة التطلُّع إلى السماء؟

التطلُّع إلى السماء بلا شك لهُ فائدة كبيرة في حياة الإنسان.

أولًا: الإنسان الذي يتطلَّع إلى السماء هو يتطلَّع إلى الخالِق الأعظَم خالِق هذه المسكونة وهذه الخليقة. ويتطلع إلى مصدر وجوده (الإنسان مصدر وجوده السماء).  ويتطلع أيضًا إلى مُسْتَقَرّ آخرتهُ أيضًا في السماء.

ثانيًا: إن الذي يتطلَّع إلى السماء هو يتطلع إلى النور.  لست أقصد النور المادي مثل الشمس أو النجوم.  لكن يتطلَّع إلى النور المعنوي أو الرمزي وهو نور القلب.  فالإنسان عندما يملك قلبًا مستنيرًا ويعيش في الاستنارة يستطيع أن يمارس حياته بنجاح.

ثالثًا: أيضًا التطلع إلى السماء هو التطلع إلى حياة السلام الدائم. مكتوب: "طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ" (إنجيل متى 5: 9).  فالذي يتطلع إلى السماء دائمًا يأخذ السلام من ملك السلام.  وهذا السلام يستقر في قلبه، فيصير الإنسان صانعًا للسلام في كل مكان.  هو ينال هذه الصفة.  الإنسان الذي ينظر إلى الأرض دائمًا هو يسعى إلى العُنف ويسعى إلى الحرب، ويسعى إلى الصراع وإلى الأهوال.

رابعًا: أيضًا الذي يتطلَّع إلى السماء هو يتطلَّع إلى الفرح الدائم.  أفراح السماء هي أفراح مجيدة ودائمة ومستمرة ولا تعقبها أي مرارة.  أفراح الأرض تبدو أنها مبهجة لكن إلى حين وإلى وقت قليل.  وغالبًا تأتي أفراح الأرض بعدها شيء من المرارة، ولذلك ينساها الإنسان.  الذي يستمِد فرحهُ من السماء ويتطلَّع إلى السماء دائمًا يعيش في هذا الفرح.

خامسًا: ربما من أهم الفوائد التي يكتسبها الإنسان من تطلُّعه إلى السماء هو صُحبة القديسين.  السماء هي مسكن القديسين والأبرار والصديقين والذين عاشوا في القداسة.  نحن نتشوَّق لهؤلاء الذين عاشوا في القداسة ونتذكَّر كل القديسين الذين في السماء وكل الذين نتشفَّع بهم.  هذه الشفاعة تُحَمِّسنا وتُحَفِّزنا فنزداد حنينًا وشوقًا للسماء.

التطلُّع إلى السماء هي فضيلة حياتية يمكن أن تغير حياة الإنسان على الدوام.  من الأمور الجميلة أننا نحيا في عام جديد عام 2017، ورقم 7 باللغة العربية يظهر مثل الأيادي المرفوعة للسماء.  كأن الإنسان يرفع يديه نحو السماء مُتَطلِّعًا يطلب السماء.  وإذا وُجِدَتْ السماء في حياة الإنسان صارت حياته ناجحة.  نحن نصلي على الدوام في اليوم مرات كثيرة ونقول: "كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ" (إنجيل متى 6: 10).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أنا أهنئكم جميعًا: أهنئ كل الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الإكليروس.  كل الشعب ولجان الكنائس ومجالس الكنائس.  وأهنئ قِطاعات الخدام والخادمات.  وأهنئ كل الشباب والشابات وكل الأسر الموجود في كل مكان في كنائسنا والذين يحتفلون بالعيد في هذا التوقيت.  أهنئ كل الأطفال والصغار.  وأصلي أن يعطينا الله هذا العام النعمة والمعونة.

وأنقل إليكم التحية والمحبة من أرض مصر ومن أرض القديس مارمرقس الرسول الكاروز الذي كرز بلادنا وبشَّرها بالإيمان بالمسيح.  كل سنة وحضراتكم بخير، راجيًا لكم كل صحة وكل بركة من وليد المذود أن يمنحكم الفرح والسلام والرجاء على الدوام.

لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.

قداسة البابا تواضروس الثاني          

بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

يناير - 2017 م                  

اضغط على هذا الزر لترسل هذه الصفحة لصديق:


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/News/Coptic-Papal-Messages/Christmas-Papal-Message-for-2017_.html

تقصير الرابط:
tak.la/n6b7yd8