باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.
سنة جديدة سعيدة وعيد ميلاد مجيد. أهنئكم جميعًا الميلاد، ميلاد ربنا يسوع المسيح. واحتفالنا بالكريسماس كما احتفل به العالم كله من يوم 25 ديسمبر مع امتداد هذه الاحتفالات مرورًا برأس السنة الميلادية ثم الاحتفال به حسب التقويم الشرقي القبطي يوم 7 يناير. عيد الميلاد المجيد هو تجديد للفرح وتجديد لسعادة الإنسان. في قصة الميلاد نتقابل مع أحداث كثيرة ومع شخصيات عديدة، ولكني أريد أن أتوقف معكم عند موقفين هامين:
موقف المجوس حكماء المشرق عندما أتوا من بلاد بعيدة تتبعوا النجم حتى وصلوا إلى بيت لحم وسجدوا للمولود وقدموا له هداياهم. هذه كانت نهاية رحلتهم في رحلة أرضية. وفي المقابل، الرعاة عندما رأوا الملاك يبشرهم بالفرح العظيم، جاءوا أيضًا إلى المذود ودخلوا ورأوا الصبي وأمه، رأوا الطفل الصغير الرضيع و هو في المذود. وكانت هذه بداية رحلتهم بداية الفرح. مجموعة كانت النهاية ومجموعة كانت البداية. بداية الفرح هي بالاسم الذي ذكره الكتاب المقدس "عمانوئيل الله معنا"، صار الله معنا فصار هناك فرح. لأجل ذلك أحب أن أتأمل معكم في كلمات قليلة عن أن ميلاد السيد المسيح كان أحد أهدافه الرئيسية هو إسعاد البشر. في كل تفاصيل وعناصر القصة يوجد ما يُقَدِّم السعادة والفرح والسرور. فنحن في تسبحة الميلاد نقول: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (إنجيل لوقا 2: 14). كلمة "بالناس المسرة" تعني "بالناس السرور"، بمعنى آخر "في الناس السرور والفرح". فالسيد المسيح في ميلاده المجيد جاء ليفرح كل قلب. والآن يكون أمامنا هذا السؤال: ما هي عناصر الفرح؟ دعونا نتأمل معًا عناصر الفرح.
في أول عنصر للفرح نقابله في الميلاد المجيد هو أمنا العذراء مريم. لقد أسعدتنا بطهارتها ونقاوتها. لا يمكن أن يستطيع الإنسان إسعاد الآخرين إلا إذا كان نقيًا وطاهرًا. لا يمكن أن تأتي الثمرة الجيدة من شجرة رديئة. لا يمكن أن تأتي فرحة أي شعب إلا من خلال أنقياء وأتقياء وأطهار.
عنصر ثان هم المجوس الذين أسعدونا بزيارتهم وهداياهم. عندما أتوا ليقدموا هداياهم للسيد المسيح سبَّبوا لنا سعادة وفرحًا. يستطيع الإنسان أن يسعد الآخرين بالزيارة والمجاملة. أو حسب الوصية الإنجيلية "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 15) وذلك بتقديم الهدية سواء الهدية المادية أو المعنوية أو حتى الكلمة أو الابتسامة التي هي أغلى هدية ومتاحة للجميع.
عنصر ثالث من عناصر الميلاد هم الرعاة الذين أسعدونا بسهرهم وأمانتهم، هم أناس بسطاء جدًا كانوا موجودين بالصحراء يرعون الخراف والقطعان عندما رأوا الملاك الذي بشرهم بالفرح العظيم. قاموا سريعًا باستعداد ويقظة ونشاط وأمانة. يستطيع الإنسان أن يسعد الآخرين بأمانته وبإخلاصه في حياته وعمله. الحياة الأمينة دائمًا تسعد البشر وتسعد الله أيضًا حسب الوصية "كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 10).
عنصر رابع من العناصر التي تسعد البشر في قصة الميلاد هي القرية "قرية بيت لحم". قرية صغيرة جدًا على الخريطة وليس لها ذِكر، لكنها قد أسعدتنا لأنها أوجدت المأوى والملجأ للعذراء مريم لكي تَلِد الطفل الصغير السيد المسيح. يستطيع الإنسان أن يسعد الآخرين عندما يوجد الملجأ والمأوى كما تقول لنا الوصية "كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي" (إنجيل متى 25: 35) وهذا يمثل كل نشاط يصنعه الإنسان ليأوي فيه الفئات المحتاجة والمهمشين الذين بلا صوت، والصغار الذين بلا مأوى والكبار المعاقين والمسنين والفئات التي تحتاج إلى معونة من المجتمع لكيما يوجد لها مأوى مثلما صنعت بيت لحم. بيت لحم اليوم مدينة أو قرية ذِكرها على كل لسان لأنها أسعدتنا بأن أوت السيد المسيح ونالَت هذا الشرف.
عنصر خامس من عناصر السعادة هم الملائكة الذين ظهروا وأنشدوا. أسعدونا بالتسبحة وأسعدونا بهذه الكلمات "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (إنجيل لوقا 2: 14). وصارت هذه الآلية شعارًا وظلت آية محبوبة وأصبحت هي صوت الملائكة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. يستطيع الإنسان أن يسعد الآخرين بالصلاة وبالتسبيح وبالعبادة النقية، فبالعبادة المفرحة يستطيع أن يسعد الآخرين.
إذًا قصة الميلاد وتجسد ربنا يسوع المسيح هي من أجل خلاص الإنسان، ولكن كونها قصة فريدة فإن مسيحنا في ميلاده المجيد يجاوبنا على هذا السؤال "كيف نسعد الآخرين؟". يمكنك أن تتأمل في كل تفاصيل هذا الحَدَث الفريد لتجد فيه الملامح التي يمكن أن تنفذها وتطبقها، وتجد تدريبات روحية عن كيفية إسعاد الآخرين.
في ميلاد ربنا يسوع المسيح أهنيء جميع كنائسنا في العالم أجمع، الكنائس القبطية الأرثوذكسية وكل الآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمهات الراهبات. نهنئ كل الشعب المسيحي، نهنئ مجالس الكنائس وأيضًا الخدام والخادمات وكل الشباب وكل الأطفال وكل الأسر المسيحية. أهنئكم باسم الكنيسة القبطية وباسم الآباء والمجمع المقدس وباسم كل الهيئات هنا في مصر متمنيًا لكم عامًا جديدًا سعيدًا، لأن فرحة الميلاد ليست فرحة يوم واحد بل تمتد إلى كل أيام السنة. المسيح يبارك حياتكم بالخير والفرح وبالمحبة والسلام، وكل عام وانتم طيبون.
بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية
يناير - 2016 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/News/Coptic-Papal-Messages/Christmas-Papal-Message-for-2016_.html
تقصير الرابط:
tak.la/hgqk26j