يقولون أن مار مرقس ذكر صياح الديك مرتين في حادثة نكران بطرس للرب (مر 14: 68، 72)، بينما ذكر باقي الإنجيليين صياحه مرة واحدة. ويؤخذ من هذا أن بطرس لم ينتبه سريعًا. وذكر هذا الضعف، دليل علي أن بطرس أملاه علي مرقس تواضعًا!!
وربما يكون مرقس قد أورد صياح الديك مرتين من باب تدقيقه الشديد في ذكر التفاصيل. ففي معجزة الخمس خبزات والسمكتين بينما يذكر متى ويوحنا مجرد اتكاء الناس علي العشب (مت 14: 19، يو 6: 10)، ويزيد لوقا اتكاءهم فرقًا خمسين خمسين (لو 9: 14)، يذكر مرقس اتكاءهم "رفاقًا رفاقًا علي العشب الأخضر.. صفوفًا صفوفًا، مئة مئة وخمسين خمسين" (مر 6: 39، 40).
ومع ذلك فلنحلل حادثة الإنكار هذه، ونرى على ماذا تدل..
ففي الإنكار الأول نري إنجيل مرقس اخف لهجة من لوقا ويوحنا. في إنجيل مرقس قال بطرس للجارية "لست أدري ولا أفهم ما تقولين" (مر 14: 68) وفي إنجيل لوقا قال عن المسيح "لست اعرفه يا امرأة" (لو 22: 57) وهذا نكران أصرح وأصعب. وبالمثل في إنجيل يوحنا قال إنه ليس من تلاميذ المسيح.. (يو 18: 24). فلو كان مرقس الرسول يريد إظهار ضعفات بطرس تواضعًا، لاستخدم هنا أسلوب لوقا أو يوحنا!!
وفي الإنكار الثاني نري إنجيل مرقس أخف الأناجيل لهجة، إذ يقول في اختصار " فأنكر أيضًا". أما متى فيقول عنه " فأنكر أيضًا بقسم أن لست أعرف الرجل" (متى 26: 72). ولوقا ويوحنا ذكرًا أيضًا تفاصيل هذا الإنكار.. وفي الإنكار الثالث لم يزد مرقس شيئًا عما رواه متى..
إن حادثة نكران بطرس ذكرتها جميع الأناجيل الأربعة. وكان إنجيل مرقس أخفها لهجة. فهل ننسي كل هذا من أجل صياح الديك مرتين؟! بل أن صياح الديك هذا يعقب عليه مرقس قائلًا عن بطرس " فلما تفكر به بكي" (مر 14: 72) أما متى ولوقا فيذكران هذه الخطية في عمقها ويقولان عن بطرس إنه خرج إلي خارج، وبكي بُكاءً مُرًا (مت 26: 75؛ لو 22: 62).
إننا نقول بملء الثقة، ومن واقع الكتاب، إن إنجيل مرقس هو اقل الأناجيل الأربعة في شرح وذكر ضعفات بطرس الرسول. وسنضرب لذلك بعض أمثلة:
أ- مثال لذلك: في انتهار الرب لبطرس ذكر مرقس قول الرب "اذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (مر 8: 33). أما متى فذكر هذه العبارة كلها، وأضاف عليها قول الرب أيضًا لبطرس " أنت معثرة لي" (مت 16: 23). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فلو كان بطرس هو الذي أملاه ذلك تواضعًا، لسجل تلك العبارة أيضًا.
ب- لم يذكر إنجيل مرقس اندفاع بطرس وتسرع هو أخطاءه في الكلام، وتهديد الرب له بقوله "إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب" مما أورده يوحنا بالتفصيل (يو 13: 6-10).
ج- لم يذكر إنجيل مرقس في أعجوبة التجلي "وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم. فلما استيقظوا رأوا مجده" مما رواه القديس لوقا (لو 9: 32).
د- ولم يذكر إنجيل مرقس ما قاله الرب لبطرس " ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك" (لو 22: 32).
ه- وبم يذكر إنجيل مرقس توبيخ الرب لبطرس بعد قيامته إذ سأله ثلاث مرات باسمه القديم "يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" حتى "حزن بطرس لأنه قال له ثالثة: أتحبني" (يو 21: 17).
هؤلاء الإنجيليون الذين ذكروا ضعفات بطرس بأكثر وضوح، لم يقل أحد أن بطرس أملاهم ذلك تواضعًا منه، أو أنهم نقلوا أناجيلهم عن عظات بطرس.
إنما هي كلمة الحق يوحي بها الله لقديسيه، بعيد عن روح المجاملة، وبعيدة عن الدافع الشخصي أيًا كان..
لعله بعد هذا نستطيع أن نجيب: هل هناك علاقة بين القديس بطرس وإنجيل مرقس؟ وليفهم القارئ..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6wffsc2