ليست الغيرة القوية هي فرض حياة الكمال على الناس، حتى لو كانوا لا يستطيعون السلوك فيها!
فقد حاول الكتبة والفريسيون أن يفعلوا ذلك، فلامهم السيد المسيح له المجد لأنهم كانوا "يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بأصبعهم" (متى 23: 4). وكانوا بهذا يغلقون ملكوت السموات قدام الناس. فلا هم دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون (متى 23: 13).
ليست الغيرة هي لوم الناس على عدم السلوك في المثاليات، إنما الغيرة هي مساعدتهم على السلوك فيها.
هي إعطاء قوة للضعيف، ورجاء لليائس، وثقة لمن يظن حياة البر فوق مستواه. هي الأخذ بيد كل إنسان، ورفعه إلى المستوى الذي نريد له. وذلك بأن تثبت له أن الحياة الروحية سهلة وممكنة، وتزيل منه الخوف...
ولا يأتي ذلك إلا بالتدرج مع التائب والمبتدئ.
والتدرج له في الكتاب المقدس أمثلة عديدة: منها ما قاله الرسل في أول مجمع مقدس عقدوه في أورشليم بشأن قبول الأمميين في الإيمان. أي هؤلاء الآباء القديسون، وفي حنو ورحمة وحكمة:
"أن لا يُثقل على الراجعين إلى الله من الأمم" (أع 15: 19 )
"بل يُرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام، والزنا، والمخنوق والدم" (أع 15: 20).. وهكذا لم يضعوهم أمام وصايا عديدة تجعل الطريق صعبًا أمامهم.
وهكذا قال بولس الرسول أيضا لأهل كورنثوس:
"لم استطع أن أكلمكم كروحيين، بل كجسديين، كأطفال في المسيح. سقيتكم لبنا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1كو 3: 1،2).
الغيرة المقدسة لا تعنى أن تجعل المبتدئ يجتاز الطريق الروحي كله في فتره واحدة، فهذا غير ممكن عمليا. إنما خذ بيده خطوة خطوة يصل. وهكذا كلما يجد لذة في الحياة الروحية، يشتاق أن ينمو فيها، ويكمل طريقه. ولا يأتي ذلك بالضغط أو بالأمر، إنما بالنمو الطبيعي. وحسنًا قال أبونا يعقوب عن غنمه الرخصة وبقرة المرضعة:
"إن اسْتَكَدُّوهَا... ماتت في الطريق" (تك 33: 13).
حتى السيد المسيح نفسه قال لتلاميذه " إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، ولكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يو 16: 12).. وهكذا كان يعلن لهم كل شيء في حينه، حينما يمكنهم أن يستوعبوا... واستخدم الرب مبدأ " في ملء الزمان" (غل 14: 4).
ولذلك فالغيرة لا تعنى القسوة في القيادة والإرشاد.
لا تعنى تشامخ الذين يعرفون، على الضعفاء الذين لا يقدرون. ولا يمكن أن تعنى مطلقًا أن تطالب المبتدئ بالوصول إلى القمة، وإلا أشبعته تو بيخًا وانتهارًا باسم الغيرة المقدسة. إن لكل إنسان مستواه " كما قسم الله لكل واحد مقدارًا من الإيمان" (رو 12: 3). فلا نطالب الكل بمستوى واحد باسم الغيرة. وإنما كل واحد حسب قدرته وإمكانياته ومواهبه.
وربما ما لا يستطيعه الآن، يستطيعه فيما بعد.
إذن لا تثبط همة أحد. بل شجع الكل، وتدرج مع الصغير حتى يكبر، ومع الضعيف حتى يقوى،.. في غير كبرياء (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، وفي غير فريسيَّة. كن حانيًا ولا تكن جانيًا. اعمل على تقوية الضعيف بدلًا من أن تنتهره...
ومع تشجيع الخطاة والتدرج معهم، ضع أمامك قاعدة روحية هامة في فهم هذه النقطة وهى:
المقصود هو تسهيل الوصايا، وليس التساهل في الوصايا.
ونحن نقول في صلوات القداس الإلهي "سهل لنا طريق التقوى". والمدرس الناجح يسهل أمام تلاميذه فهم العلوم. وهكذا الناجح يسهل طريقه تنفيذ الوصايا، دون أن يتساهل فيها، أي في كسرها... حاشًا...
لذلك فلتكن غيرتك ممزوجة بالحكمة. واذكر قول الكتاب:
"رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30).
ننتقل إلى نقطة أخرى في (كيف تعمل الغيرة؟) وهى عملها مع الله...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7v6a39f