1- كانت هناك أسباب روحية خطيرة من أجلها تسامح الله في قيام تعدد الزوجات.
أما السبب الأول الخطير فهو مقاومة طغيان الوثنية:
تلك الوثنية التي كانت قد انتشرت بشكل مريع، حتى كادت تكتسح العالم كله بدون استثناء. ولذلك كانت فكرة الله في اختيار شعب يعبده تقوم على ثلاثة عمد أساسية، وهى عزل هذا الشعب، وإنماؤه، وتعليمه. أما سياسة العزل فبدأت عندما قال الله لإبراهيم "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك..." (تكوين1:12،2). وكان العزل لازِمًا حتى لا يتأثر شعب الله بالوثنية فيعتنقها نتيجة لاختلاطه بالوثنيين.
وكان من مظاهر هذه السياسة: السكن المنفرد، وعدم التزاوج مع شعوب الأرض الوثنية، وعدم التعامل معهم. وحرص إبراهيم على تنفيذ هذا في في تزويجه لابنه إسحاق (تكوين3:24-4) كما حرص عليه اسحق في تزويج ابنه يعقوب (تكوين 1:28-4). وعندما كان شعب الله يكسر قاعدة العزلة هذه، كان يقع في عبادة الأوثان ويحل عليه غضب الله، كما حدث ذلك مرات سجلها سفر القضاة. ولكن سياسة العزل وحدها عن الشعوب الوثنية لا يكفى، لأن الشعب المؤمن إذ كان قليلًا وضعيفًا، حتى إن هو اعتزل عن الوثنيين يمكن أن يطغوا هم عليه ويستعبدوه لهم ويخضعوه لعبادتهم. فكان لابد أن تصحب عملية العزل عملية إنماء في العدد، حتى يستطيع الصمود أمام قوة أعدائه، وحتى يرث أرضهم وينشر فيها عبادة الله. وعملية الإنماء صحبها بالضرورة تعدد الزوجات، لأن الأمر لم يكن سهلًا، إذ هو تكوين شعب من فرد واحد.
ولهذا كان إنجاب البنين وقتذاك عملًا مقدسًا. لأن المقصود به كان حفظ الإيمان بالله من الضياع، والوقوف أمام خطر العبادات الفاسدة. وهكذا نرى حقيقة هامة وهي:
في تعدد الزوجات -قبل مجيء السيد المسيح- لم يكن المقصود هو الزوجات، وإنما البنين الذين تلدهم الزوجات والبنون لم يقصدوا لذاتهم، وإنما لحفظ الإيمان في عالم وثنى. فخرج الأمر إذن عن الغرض الجسدي إلى الغرض الديني. ومن الواضح أن هناك فرقا بين الحالة هنا، والحالة أيام آدم وأيام نوح بعد الطوفان. ففي هذه الحالة الأخيرة كانت الأرض خالية، ولكنها كانت نقية ليست فيها وثنية تهدد الإيمان السليم بالفناء (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فكان يمكن للإنسان أن ينمو على مهل في ظل قصد الله السامي بشريعة "الزوجة الواحدة". أما في أيام إبراهيم فكان العكس هو السائد: كانت في الأرض شعوب كثيرة من الناس. وإذ كانوا كلهم وثنيين، صاروا خطرا على القلة الضئيلة جدا التي تعبد الله. ولذلك كان يبدو أن تعدد الزوجات بالنسبة لعابدي الله لازم ليرفع نسبتهم العددية ولو قليلًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r99sakj