بينما يقضي الكثير من الأقباط -وأيضًا الأثيوبيين- غالبية أيامهم صائمين بكامل حريتهم خلال تدبير الكنيسة كأم محبة لأولادها، يهرب كثير من الغربيين من صليب الصوم، مقدمين أعذارًا كثيرة.
1- الصوم عمل فردي يمارس في الخفاء (مت 6: 17، 18)، ويرد على ذلك بأن ذات الوصية تنطبق على الصلاة والصدقة (مت 6: 3، 6)، ومع هذا ففي كل كنائس العالم تمارس الصلوات وتقدم الصدقات بصورة جماعية مع ممارستها أيضًا على المستوى الشخصي الخفي.
في العهد القديم التزم الشعب بالعبادة الجماعية، ليس فقط في الصلاة والتسبيح والقراءات الكتابية وإنما أيضًا في الأصوام (زك 8: 10؛ أس 4: 3، 16؛ عز8:21؛ 2 أي 20؛ 3؛ يوئيل3؛5) وفي العهد الجديد صام الرسل معًا (أع 13: 2، 3).. فلماذا يهرب المؤمنون من الصوم الجماعي تمت ستار العمل الخفي؟!
سر قوة
الكنيسة الأولى الجامعة وحدتها في
الإيمان
وأيضًا شركتها معًا حتى في
الأصوام، فالتاريخ يشهد أن
الكنيسة شرقًا وغربًا، كانت منذ العصر الرسولي تصوم يومي الأربعاء
والجمعة(166) وأيضًا
الصوم الأربعيني(167).
أما من جهة إخفاء الصوم، فإن غايته الامتناع عن حب الظهور وطلب المجد الباطل، لهذا نجد الرسول بولس لم يخف صومه، بل أعلنه، قائلًا: "في أصوام"، كما مارسه مع من كانوا في السفينة (أع 27: 21).
2- لماذا تحدد مواعيد خاصة بالصوم؟ لو تركت بدون تدبير أو تنظيم كنسي يمكن أن يحرم المؤمنون منه كل أيام حياتهم، كما حدث في أغلب كنائس الغرب. وفي العهد القديم وجدت أصوام محددة (زك 8: 19)، جنبا إلى جنب مع الأصوام الجماعية أو الشخصية في أزمنة الضيق.
3- يعترض البعض على الصوم الكنسي بالقول الرسولي: "لا يحكم عليكم أحد في أكل وشرب.." (كو2: 16)، وما جاء في سفر الأعمال: "ما طهره الله لا تدنسه أنت" (أع 10: 11-15)، وأيضًا القول: "يرتد قوم عن الإيمان... مانعين عن الزواج وأمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر" (1 تي 4: 1-3). يُرَد على ذلك بالآتي:
أ] لم يقل الرسول: "لا يحكم أحد عليكم في صوم "بل" في أكل وشرب].. فالمقصود هنا الامتناع عن الأطعمة المحرمة حسب الشريعة المرسومة، كما فعل بطرس حين رأى ملاءة عظيمة عليها كل أنواع الأطعمة فامتنع أولًا (أع 10: 11-15). وكان الرسول هنا يقاوم فكرة العودة إلى اليهود.
ب] أما عن القوم المانعين عن أطعمة معينة، فيقصد الرسول أمثال أتباع ماني والدوناتست الذين حرموا الزواج كنجاسة وأكل اللحم كدنس... لذلك قطعتهم الكنيسة عن شركتها، أما في الصوم فنحن لا نحرم طعامًا معينًا، إنما نمتنع اختياريًا لقمع الجسد وضبطه (1كو 9: 27).
هذا ويلاحظ أن طعام الإنسان الأول كان نباتيًا (تك 1: 29)، وبقي الإنسان لا يأكل اللحم إلى زمن فلك نوح (تك 9: 3) حيث هبط مستواه روحيًا... لهذا عندما يود المؤمنون تهيئة الجو الروحي لنموهم يأكلون الطعام النباتي كما فعل دانيال والثلاثة فتية في القصر، وأيضا حزقيال؛
ج] التنظيم أو التدبير الكنسي ضروري لحياة الجماعة، كما جاء في (2 يو12). وقد عرفت الكنيسة بمرونتها، إذ يستطيع المؤمنون بإرشاد أباء اعترافهم الروحيين أو يمارسوا أصوامًا أكثر وأن يعفوا منها حسب ظروفهم الروحية أو الصحية أو الاجتماعية.
_____
(165) راجع: قداسة البابا شنوده الثالث، مذكرات في اللاهوت المقارن، ج. 3.
(166) Didache 8:1.
(167) Dict. of Christian Antiq. 2:972, Hip. of Rome, Canon 20; Council of Nicea, Canon 5.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4gc82dj