سرّ محبة الرسول لمقاوميه أنه يُمارس حياته كطبيب يترفق بهم كمرضى يحتاجون إلى الحب واللطف كعلاجٍ، أو كأبناء مخبولين في عقولهم يحتاجون إلى من يترفق بهم.
اكتشف بولس أن المحبة هي تاج الفضائل، فسعى إلى غرسها بعناية فائقة.
لا يمكن لأحدٍ أن يحب أعداءه، ولا أن يحسن إلى مبغضيه، ولا أن يتألم من أجل المسيئين إليه. لكنه إن تذكر الطبيعة البشرية المشتركة بينهم لا يبالي بالآلام التي يسببونها له، فكلما ازدادوا قسوة عليه ترفق بهم. فالأب يحزن بالأكثر ويكتئب على ابنه المختل كلما ازداد جنون الابن وعنفه.
لقد شخّص بولس المرض الذي يسبب تلك الهجمات الشرسة ضده، فازداد اهتمامه بهم ورعايته لهم كمرضى.
نسمعه وهو يخاطبنا بلطفٍ وحنانٍ فائق عن الذين جلدوه خمس مرات (2 كو24:11)، ورجموه وقيدوه وسفكوا دمه، واشتهوا تقطيعه إربًا، فيقول عنهم: "لأني أشهد لهم أن لهم غيرة الله، ولكن ليس حسب المعرفة" (رو2:10). وأيضًا ضيّق على الذين يُسيئون إليهم، قائلًا: "لا تستكبر بل خف، لأنه إن كان الله لم يُشفق على الأغصان الطبيعية، فلعله لا يُشفق عليك أيضًا" (رو20:11، 21). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وحينما رأى الدينونة الواقعة عليهم لم يسعه إلا أن يعمل ما يقدر عليه، وهو أنه بكى وناح من أجلهم بلا توقف.
لقد ناح وبكى مرارًا عليهم، وقاوم كل رغبة في مقاومتهم، وبذل كل جهده ليجد لهم شبه عذر، ولما فشل في إقناعهم بسبب قسوة عنادهم لجأ إلى الصلاة الدائمة، قائلًا: "أيها الإخوة إن مسرة قلبي وطلبتي إلى الله لأجل إسرائيل هي الخلاص" (رو1:10). ثم منحهم الرجاء في أمورٍ أفضل، قائلًا: "لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة" (رو29:11)، وذلك لئلا يفقدوا رجاءهم فيموتوا.
هذا كله يبرهن على شخصية اهتمت بخلاصهم واعتنت بهم بدرجة فائقة، فيقول: "سيخرج من صهيون المنقذ، ويرد الفجور عن يعقوب" (إش20:59؛ رو26:11).
كان رؤيته لعقوقهم مصدرًا عظيمًا لآلامه وحزنه. وكان الملجأ الدائم هو العلاج من الآلام بقوله: "سيخرج من صهيون المنقذ، ويرد الفجور عن يعقوب" (رو26:11). وفي موضع آخر يقول: "هكذا هؤلاء أيضًا الآن لم يطيعوا لكي يُرحموا هم أيضًا برحمتك" (رو31:11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yrt2y52