أ. إذ انطلقت الكنيسة في عصر الرسل تكرز وتبشر العالم بالخلاص كان لزامًا أن يعترف كل موعوظ بأيمانه جهرًا في صيغة مختصرة قبلما يتقبل العضوية في جسد المسيح، أي قبيل عماده مباشرة. وذلك كما فعل الخصي الأثيوبي[6] حين أعلن رغبته في العماد معترفًا "أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله".
ظهر "قانون الإيمان الكنسي" كصيغة خاصة بالمعمودية، يعترف بها طالب العماد معلنًا قبوله الحق ودخوله "الحياة في المسيح يسوع".
في الدوائر اليهودية كان يكفي لطالب العماد أن يعلن هذا القانون الإيماني البسيط أن "يسوع هو المسيا"، أي هو المخلص الذي انتظره الآباء وشهد عنه الأنبياء، فيه كملت الشريعة وتحققت مواعيد الله للبشرية. أما بالنسبة للأمم، إذ لم تكن لهم الشريعة ولا عرفوا النبوات عن المسيا يعبدون آلهة كثيرة وأرباب كثيرة، كان لزامًا على طالب العماد أن يعلن حقيقة إيمانه بأكثر وضوح: إيمانه بالله الواحد المثلث الأقانيم، وعمل المسيح الخلاصي ..
ب. إذ ظهرت غنوصيات غير أرثوذكسية تنادي بالثنائية، تحقر من المادة وتشوه حقيقة التجسد الإلهي، لم يعد "قانون الإيمان" في صورته الأولى كافيًا، أي لا يكفي إعلان أن "المسيح ابن الله الحيّ" إنما يلزم الاعتراف بـ"الحبل به من الروح القدس، ولادته من العذراء مريم، تألمه في عهد بيلاطس البنطي وموته ودفنه (وليس كما علم الغنوصيين أنه اختطف إلى السماء من على الصليب أو قبيل صلبه)، وأن الروح القدس حال في الكنيسة ...
يظهر هذا الأثر بصورة واضحة في قانون الإيمان للقديس هيبوليتس المستعمل في العماد، فقد جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس أن طالب العماد يُسأل ثلاثة أسئلة ويجيب عليها[7]:
ينزل (طالب العماد) في الماء، ويضع المعمد يده على رأسه قائلًا: أتؤمن بالله ضابط الكل؟
يقول الذي يُعتمد: أؤمن. عندئذ يعمده دفعة (يغطسه) واضعًا يده على رأسه.
بعد ذلك يقول له: أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله، الذي وُلد بالروح القدس من العذراء مريم، وصُلب في عهد بيلاطس البنطي ومات وقام من الأموات حيًا في اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب، هذا الذي يأتي ليدين الأحياء والأموات؟
وعندما يقول: أؤمن، يعمده دفعة أخرى.
وأيضًا يقول له: أتؤمن بالروح القدس وبالكنيسة المقدسة وقيامة الجسد؟ فيقول الله يُعتمد: أؤمن، فيُعتمد الدفعة الثالثة.
ج. إذ بدأت الهرطقات والبدع تنتشر لم يعد "قانون الإيمان" خاصًا بطالبي العماد، إنما صارت الحاجة ملحة لاستعماله الكنسي في العبادة الليتورچية والعبادة الخاصة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). بدأت المجامع المسكونية تضع قانون الإيمان، لأهداف دفاعية وتعليمية. ففي مجمع نيقية وُضع قانون الإيمان يحارب الأريوسية.
فإنه وإن اقترب من قانون الإيمان الأورشليمي العمادي القديم، لكنه أضاف إلى الفقرة الثانية الخاصة بالسيد المسيح هذه الصيغة: "نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، واحد مع الآب في الجوهر". هذه الصيغة لا يستطيع الأريوسيون أن ينطقوا بها، فتفرزهم عن المؤمنين. بهذا قدم مجمع نيقية للكنيسة صيغة لاهوتية مبسطة تعلن إيمان الكنيسة، يعترف بها المسيحيون ويترنمون بها ويصلونها، وليست اختبارًا لطالبي العماد.
وفي المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية أُضيف إلى قانون الإيمان النيقوي صيغة خاصة بالروح القدس: "الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء...".
بهذا صار قانون الإيمان ملخصًا للإيمان الأرثوذكسي أكثر منه اعترافًا يردده طالبوا العماد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m7dxf4v