أنواع الآلام التي قبلها المسيح:-
يوجد نوعان أساسيان للآلام التي قبلها:
النوع الأول:
هي الآلام التي دخلت إليه من واقع قبوله للطبيعة البشرية بكل إعوازها وضعفها.
فآلام الجوع والعطش والتعب وحزن النفس من جراء الاتهامات والمطاردات والمصادمات والخيانات والشتيمة والإهانة، كل هذه قبلها المسيح كما يقبلها أي إنسان، فقد صار مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها:" بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عب4: 15).
هذا النوع من الآلام قبلها اضطرارًا من جهة الحب والحق والاتضاع، والتزامًا من جهة المشورة الإلهية التي حتمت بالتجسد ولكن لم يكن مضطرًا لقبولها، ولا تحتم عليه الالتزام بها من جهة خبث الناس وشرهم أو جور الطبيعة واختلال موازينها، فهو كان قادرًا على أن يمنعها ويرد عليها ويلغى سطوتها وكل آثارها، فالذي سار على الماء كان في قدرته أن لا يتعب من السفر على الأرض، والذي قال للسامرية أنه قادر أن يعطى ماء حيًا وكل من يشرب منه لا يعطش أبدًا بل ينبع فيه إلى حياة أبدية كان قادرًا أن لا يطلب منها ليشرب ويستقى بفمه من دلوها النحاسي، والذي أطعم الخمسة آلاف من الجموع من خمس خبزات كان قادرًا أن لا يجوع أو على الأقل أن لا يطلب طعامًا ليرد به جوعه، والذي أقام لعازر من الموت كان قادرًا أن يُميت أو يُخرس فم الأشرار من الكتبة والفريسيين والرؤساء الذين تربصوا به وأهانوه وأخرجوا عليه كلامًا شريرًا.
وهكذا يتضح أنه قَبِلَ هذه الآلام في جسده ونفسه قبولًا طبيعيًا بالتزام الحب، وبدافع الاتضاع والمشاركة لنا في آلامنا التي بحسب هذا الدهر "مُجرب في كل شيء مثلنا"، ولكن ليس بحتمية الالتزام أو الخضوع لشر الأشرار وجور الفجار أو ضعف الطبيعة أو تسلط المقادير. إذن فهي آلام لمجرد الشركة في طبيعتنا، دخلت إليه دخولًا طبيعيًا، فقبلها هو حبًا لنا وتكريمًا لضعفنا ومذلتنا.
النوع الثاني:
هي آلام الفداء! آلام الصليب والموت! هذه قبلها هو بإرادته وحتمَّها هو على نفسه تحتيمًا "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27)، وقبل حتميتها من الآب بحسب مشورة ما قبل الدهور كلها: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" (يو18:11).
فالصليب محسوب حسابه قبل الزمن: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" (1بط1: 18 - 20).
وصلب السيد المسيح له المجد على خشبة الصليب، هذا أيضًا كان مرسومًا ومكمَّلًا في التدبير الإلهي كفعل كامل تم في المشورة العلوية، ولا ينتظر إلا استعلانه بحسب الواقع البشرى.
"... الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذبح." (رؤ13: 8).
وهكذا فإن آلام الصليب الفدائية لها في الحقيقة وجهان:
وجه بشع أرضى، يمثله حقد اليهود وشرُّهم المريع وعداوتهم وكذبهم ونميمتهم، مع ظلم وعنف القضاء الأممي.
ووجه الصليب سمائي، ينضح بالحب والمسرة والبذل الإلهي الفائق الوصف من نحو العالم: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو3: 16)، وإنصافًا للحق وتكميلًا للبر الأبدي وخلاصًا عميقًا متسعًا يشمل كل الدهور.
ولكن الوجه البشع الأرضي لم يثنى المسيح قط عن أن يتمم مطالب الوجه السمائي المملوء حبًا وطاعة ومجدًا وكرامة للآب وخلاصًا عميقًا أبديًا للإنسان!!
لذلك فبسبب حقيقة الوجه السمائي للصليب، صار قبول المسيح لعار الصليب بكل صنوف المهانة والهوان والإذلال المريع، صار يُعتبر انتصارًا رائعًا للحب الإلهي ولمجد الله في السماء وخلاص الإنسان على الأرض!!
فالصليب كان طريق الاتضاع، بل والمذلة الإرادية المذهلة التي أوصلت المسيح إلى قمة الانتصار والمجد السمائي ومعه الخليقة الجديدة، ملايين المفديين من بنى الإنسان الذين رفعهم إلى ذات المجد وذات الانتصار وأدخلهم معه إلى الحياة الأبدية في شركة الآب في الفرح الأبدي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5ddnxvy