"... سفر النشيد هو سيمفونية حب تطرب بها النفس العابدة التي انطلقت متحررة من قيود العالم، بعد أن تحررت من سلطان فرعون الروحي أي إبليس، لتتمتع بحرية مجد أولاد الله. لهذا لا يتحدث هذا السفر عن وصايا وتعاليم، بل عن سرّ الحب الأبدي، والحياة مع العريس السماوي..."
بهذه الكلمات الحية التي تعبر عن النفس التي تطرب بعريسها السماوي قَدَّم أبينا الحبيب نيافة الحبر الجليل الأنبا يوأنس لمحاضراته عن سفر نشيد الأناشيد.
لقد عاش أبينا الحبيب حياته بالجسد متطلعًا للحظة الانطلاق لينشد نشيد الحب الأبدي. كانت هذه التأملات تعبيرًا عما يجول في قلبه، فهو الذي كتب في بستانه الروحي «إن غاية محبة الإنسان لله إنما هي حضور عَشَاءِ عُرْسِ الحَمَل. "اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ" (رؤ 19: 9). إنه يفوق تعبير الكلمات والأفكار... إن كل الفرح والسعادة في هذا العالم لا يُقارَن بعشاء عرس الحَمَل... إنه مهرجان المحبة العظيم. إن ملك الملوك ورب الأرباب يصنع وليمة عُرْسه مع عروس محبته التي هي الكنيسة بأعضائها».
(1).
ويتكلم نيافته عن العروس (النفس البشرية) فيقول «لقد وصلت العروس إلى آخر محطة وهي تستقل قِطار السماء. إنها المحطة العظمى: محطة المحبة... سترى العروس الملك في بهائه أبرع جمالًا من بني البشر» (مز 45: 2). وسيقول لها «ما أحسن حبك يا أختي العروس» (نش 4: 10)لقد القى أبينا الطوباوى نيافة الأنبا يوأنس هذه التأملات تفسيرًا لسفر نشيد الأناشيد في محاضرات على مدى ستة شهور خلال الفترة من يونيو 1983 وحتى 23 ديسمبر 1983 م. لأبنائه بإيبارشية الغربية بمدينتي طنطا والمحلة الكبرى.
ثم عاد نيافة الأنبا يوأنس ليعد هذه التأملات لإخراجها في صورة كتاب، وكان ذلك أثناء الفترة الأخيرة من حياته بالجسد لكيما يستعد لِعُرْس الحَمَل في السماء. فلقد قال عن سفر النشيد:
«إنه نشيد النفس الذي تُرَنِّم به إلى الأبد، حين تدخل إلى حضرة عريسها في السماء، وتبقى في حِجاله السماوي، لتحيا حياة التسبيح الدائم».
لقد كانت تطلعات أبينا الحبيب الأنبا يوأنس دائمًا إلى السماء وحياة التسبيح مع السمائيين. ولنيافته عبارة شهيرة: «تسبيحنا هنا على الأرض مقدمة لحياتنا الأبدية، حيث يكون كل عملنا هو تسبيح مَنْ أحبنا، حينما تختلط أصواتنا مع غير المرئيين».
حقًا لقد كان أبينا الحبيب إنجيلًا مقروء من كل أحد.. جَمَعَ بين روحانية الفضيلة وعمق المعرفة وأصالة الفهم وحكمة التدبير، مع معرفة هائلة في علوم الروح والتاريخ والطقس والعقيدة وتفسير الكتاب. وامتزج هذا كله في حياة مُعاشة على مدى عشرات السنوات في أحضان الكنيسة، خادمًا أمينًا وراهبًا ناسكًا وأسقفًا حكيمًا.
وحقًا ما قاله أبينا الكلي الطوبى غبطة البابا المعظم الأنبا شنوده يوم رثائه لأبينا الحبيب: "يمضي ويترك وراءه فراغًا كبيرًا، ليس من السهل أن يوجد مَنْ يملأه. ليس من السهل على الكنيسة أن تعد شخصًا يموت عن العالم وكل الأشياء التي في العالم وَيَتَرَهَّب، وليس سهلًا على الكنيسة أن تعد راهبًا لخدمة الكهنوت وللمسئولية ولعمل الأسقفية، وحتى أي أسقف لا يمكن أن تكون له الخبرة الطويلة التي مرَ بها إنسان خدم كثيرًا من قبل".
ونحن إذ نقوم بطبع هذا الكتاب خلال الصوم الأربعيني المقدس الذي إعتاد نيافة الأنبا يوأنس أن يتكلم فيه واعظًا للعديد من الموضوعات، إنما نثق أن نيافته سيفرح في السماء إذ يرى هذا الكتاب وقد خرج إلى النور. وَيُتَدَاوَل بين أيدي الكثيرين.
لأبينا الحبيب كاتِب هذا الكتاب النفيس نياحًا في أحضان مصاف القديسين الذين أحبهم قبلا وأحبوه. وليشفع دائمًا من أجلنا نحن أبنائه وأحبائه. بصلوات أبينا الحبيب وراعينا الأكبر غبطة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث أطال الله حياته.
نطلب
الأحد الرابع من الصوم الأربعيني المقدس (أحد السامرية): 2 إبريل 1989 م.
تذكار تجلي السيدة العذراء بكنيستها بالزيتون: 24 برمهات 1705 ش.
_____
(1) بستان الروح جـ 3، لنيافة الأنبا يوأنس، ص 54-56.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tqpxqs5