أوصى فلانا بالشيء: أمره به وفرضه عليه. والوصية هي ما يوصى به. والوصية الجديدة هي الوصية التي أوصى بها الرب يسوع المسيح تلاميذه -في الليلة التي أُسلم فيها- قائلًا لهم: "وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضًا، كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حب بعضًا لبعض" (يو 13: 34، 35) . وترد عبارة " وصية جديدة " ثلاث مرات أخرى في العهد الجديد، جميعها في رسائل يوحنا (1 يو 2: 7، 8؛ 2 يو 5). وتتكرر هذه الوصية -بصفة عامة- مرارًا في العهد الجديد (يو 51: 21، 71؛ رو 13: 8؛ 1 بط 1: 22؛ 1 يو 3: 11، 23؛ 4: 7، 11، 12)، دون أن تسمى جديدة في هذه المواضع.
وكان الرب قد سبق أن أمر تلاميذه أن يحبوا أعداءهم (مت5:43 -45). وأن يحبوا قريبهم كأنفسهم (لو10: 25 - 37). وهذه الوصية الجديدة: أن يحب التلاميذ بعضهم بعضًا، لم تكن لتلغى الوصيتين السابقتين، بل كانت لكي تكون المحبة الأخوية شهادة للذين من خارج ، إذ تقدم لهم برهانًا قاطعًا على: (1) أن أتباعه يتشبهون به في محبتهم للآخرين. (2) أن أساس المجتمع الإنساني الحي لا يوجد إلا في المسيح.
(3) بذلك يثبت أن ما قاله الرب يسوع عن نفسه وعن عمله، إنما هو الحق الواضح الذي لا يُدحض أبدًا (يو 13: 35؛ 17: 21 - 23).
وقد اختار الرب يسوع نفس الكلمة "وصية" التي تصف ناموس العهد القديم. مما يعني أن لوصيته نفس السلطان الذي للناموس. والحقيقة هي أن الناموس نفسه تضمن وصايا عن المحبة (لا 19: 18، 34؛ تث 10: 19). ووصف الرسول بولس "المحبة" بأنها " ناموس المسيح" (غل 6: 2). كما يقول الرسول يعقوب عن وصية المحبة، إنها: "الناموس الملوكي" (يع 2: 8)، و"الناموس الكامل، ناموس الحرية" (يع 1: 25؛ 2: 12).
وكان الكثيرون من اليهود -في عصر المسيح- يظنون خطأ أن الوصايا قد أعطيت لكي يصبح الناس -عن طريق حفظها- مستحقين لبركة الله (رو 9: 12؛ غل 3: 2)، لكن المسيح أوضح لهم أن المحبة هي النتيجة الطبيعية لبركة الله، وليست شرطًا لها، إذ إن الوصية -في قصد الرب يسوع- كانت تعبر عن كيف يجب أن يتصرف الإنسان الذي يعيش فعلا في فرح بركة الله، فأمر التلاميذ أن يحبوا، بنفس معنى أن الأغصان لا بُد أن تأتى بثمر طالما هي ثابتة في الكرمة، وهكذا المؤمن لا بُد أن يثمر بثباته في المسيح (يو 15: 4).
يأتي هذا الوصف لها من ارتباطها "بالعهد الجديد" (ارميا 31: 31 - 34؛ لو 22: 20؛ 1 كو 11: 25)، الذي بدأه الرب يسوع في العشاء الأخير. ففي "العهد الجديد" يكتب الله ناموسه في قلوب المؤمنين (عب 10: 16)، أي أنه يعمل فيهم بقوة الروح القدس (حز 36: 26، 27؛ 2 كو 3: 3)، ويعطيهم رغبة جديدة في السلوك في طاعته (رو 8: 4؛ غل 5: 61). "والوصية الجديدة " هي وصية المحبة التي تحقق كل مطالب العهد الجديد (رو 13: 8، 10؛ غل 5: 14). وعليه فالطاعة هي عطية لان " المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله (1يو 4: 7)، فهي ثمر الإيمان (1 يو 3: 23)، وجزء من الإنجيل ذاته (1 يو 3: 11).
فالعلاقة الوثيقة بين العهد الجديد والوصية الجديدة، قد تفسر لنا جزئيا، لماذا تسمى وصية المحبة "بالوصية الجديدة" فتجسد المسيح قد بدأ عصرًا جديدًا، فالظلمة قد مضت، والنور الحقيقي الآن يضئ (1 يو 2: 8). وقبيل مغادرة الرب يسوع المسيح لتلاميذه، ترك لهم هذه الوصية الجديدة لتكون نبراسًا لهم على توالى الأيام إلى أن يجيء ثانية (1 يو 4: 17). فيلزم أن طاعة هذه الوصية الجديدة، تميزهم كتلاميذ له في أثناء غيابه بالجسد عنهم (يو 13: 35؛ 17: 21 - 23)، فكانت وصية المحبة جديدة بمعنى أن لها وظيفة خاصة في زمن العهد الجديد.
وما جعله عهدًا جديدًا، إنما هو أن الرب يسوع قد أعلن الله الأب بوضوح غير مسبوق، ولا مثيل له (يو 1: 18؛ 10: 30؛ 17: 6 - 8)، فلم يستطع نبي - من قبل - أن يقول: الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 41:9)، ولذلك يطلب الرب يسوع من تلاميذه: كما أحببتكم أنا، تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا" (يو 13: 34). وقد كانت هذه -بأي مقاييس بشرية- وصية جديدة، فلم أن أحب إنسان حبًا كما أحبنا الرب يسوع " إلى المنتهى (يو 13: 1). فأن نحب مثله، كان وصية جديدة. فعظمة محبة الرب يسوع، جعلته " يضع نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13). ولذلك يذكر يوحنا أنه نتيجة لذلك، "ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة" (1 يو 3: 16). فالمحبة هكذا، تعنى أنه لا يمكن للمؤمن أن يغلق أحشاءه أمام مؤمن آخر في احتياج (1 يو 3 : 17)، بل بالحري يُسر بأن يبذل ما يملك لمعونة الآخر وبركته.
والوصية الجديدة تطلب من المؤمنين، لا أن يحبوا فقط، بل أن يشتركوا في محبة الله، فقد صلى الرب يسوع للآب: "عرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو 17: 26). وقد نبعت هذه الصلاة من آمرين ذكرهما الرب يسوع: "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم" (يو 15: 12)، "وكما أحببني الآب كذلك أحببتكم أنا" (يو 15: 9). فأن نحب كما أحبنا المسيح، هو أن نحب نفس محبة الله الآب للابن الرب يسوع المسيح (يو 17: 26). وكما يذكر يوحنا: "إن أحب بعضنا بعضًا، فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكملت فينا" (1 يو 4: 12؛ ارجع أيضًا إلى 2: 5). وبذلك تكون "وصية المحبة" جديدة، لأنها تدعونا لا أن نعكس صورة هذه المحبة فحسب، بل زن نمارس عمليا محبة الله الآب لابنه - وهي محبة لم تظهر بمثل هذه القوة، قبل تجسد الرب يسوع المسيح وموته لأجلنا على صليب الجلجثة.
فلماذا إذًا يقول يوحنا: "أيها الإخوة لست أكتب إليكم وصية جديدة، بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء" (1 يو 2: 7، 8) وعبارة " من البدء" (1 يو 2: 24؛ 3: 11؛ 2 يو 6) تشير -بلا شك- إلى بداية اختباء قرائه المؤمنين ، عند سماعهم لكلمة الإنجيل لأول مرة فيريد يوحنا أن يقول: إنه لا يعلِّمهم شيئًا لم يعلموه من قبل، وإن وصيته لهم هي نفسها"الوصية الجديدة القديمة" التي سمعوها منذ بدء إيمانهم. ولعله أراد أن يشدد على أنها قديمة بسبب الأنبياء الكذبة في الكنائس (1يو 4:1)، الذين كانوا يقودون الناس إلى الهرطقة، بالمناداة " بتعاليم جديدة متنوعة" (2 يو 9). فأفضل وقاية من هذا الخداع هو إطاعة ما علمه الرب يسوع "من البدء" بما في ذلك هذه "الوصية الجديدة القديمة" (2 يو 6، 7).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/xmtxt9v