(1) مُصَالَحَة بين متخاصمين أو مختلفين (رو 5: 11). وقد تمت هذه المصالحة بين الله والناس بواسطة موت الرب يسوع المسيح على الصليب.
(2) الأمر الذي يُنْتِج المُصَالَحَة بين المتخاصمين أو المختلفين ومن العهد الجديد نرى أن ذبيحة المسيح هي التي أنتجت المصالحة بين الله والناس (راجع أيضًا خر 30: 16؛ لا 4: 20، 26، 31، 35).
تَرِد كلمة “كفَّر" ومشتقاتها أكثر من مائة مرة في العهد القديم، والكلمة في العبرية هي “كَفَر" (فهي نفسها في العربية) وكَفَر الشيء (في العبرية وفي العربية أيضًا). ستره وغطَّاه وكفَّر عن السيئة: سترها حتى تصير كأن لم تكن والكفَّار: ما يستغفر به الإثم و"الكُفر": القار الذي تُطْلَى به السفينة حتى لا ينفذ إليها الماء. وأول مرة وردت فيها الكلمة العبرية "كَفَر" في الكتاب المقدس، جاءت في أمر الرب لنوح: “أصنع لنفسك فلكًا.. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار (تك 6 :14) فكلمة تطليه أي تغطيه، هي كَفَر في العبرية: فالكفَّارة هي ما يستر به الإثم والخطية، وقد تُرْجِمَت الكلمة في العربية إلى “يستعطِف” (تك 32:20؛ أم 16:14) و"يغفر" (كما في تث 21:8؛ مز 78:38؛ 79:9...) ويصفح (كما في تث 32: 13؛ إرميا 18:23.. إلخ...) ويستر (أم 16:6).
(1) لزوم الكفارة:
كان لا بُد من الكفارة لثلاثة أسباب: (أ) عمومية الخطية. (ب) خطورة الخطية (ج) عجز الإنسان عن الخلاص منها.
ونجد تأكيدًا للنقطة الأولى في الكثير من أقوال الكتاب، مثل: “لأنه ليس إنسان لا يخطئ” (1مل 8:46)، "وليس من يعمل صلاحًا ولا واحد" (مز 14:3)، "ولأنه لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطى" (جا 7:20). وقال الرب يسوع: “ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (مرقس 10:18) ويكتب الرسول بولس: “الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله” (رو 3:23)، وغير هذه الكثير من الأقوال المماثلة.
كما نرى خطورة الخطية في أقوال تبين كره الله لها، فيصلي حبقوق قائلًا: "عيناك اطهر من أن تنظرا الشر، ولا تستطيع النظر إلي الجور" (حب 1:13). كما أن الخطية تفصل بين الإنسان والله (إش 59:2؛ أم 15:59) وقال الرب يسوع إن خطية التجديف على الروح القدس ليس لها “مغفرة إلى الأبد” (مر 3:29). وقال عن يهوذا الإسخريوطي: “كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد” (مر 14:21) فالإنسان الطبيعي -دون تجديد- عدو لله في الفكر، في الإعمال الشريرة (كو 1:21) ولا ينتظر الخاطئ غير التائب إلا “دينونة مخيفة وغيره نار عتيدة أن تأكل المضادين” (عب 10:27).
والإنسان عاجز تمامًا عن معالجة هذه الحال، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وهو لا يستطيع أن يخفي خطيته (عد 32:23)، كما لا يستطيع أن يطهر نفسه منها (أم 20:9). ولا تستطيع كل أعمال الناموس أن تجعل الإنسان قادرًا على أن يقف غير مدين أمام الله (رو 3 :20، غل 2:16). ولو ترك ليعتمد على نفسه، فلن يخلص البتة، ولعل وجوب الكفَّارة هو أكبر دليل على هذا. فإذا كان ابن الله قد جاء إلى الأرض ليخلص البشر، فلا بد أنهم كانوا خطاة وفي مأزق جد خطير.
(2) الكفارة في العهد القديم:
كانت خطية الإنسان تقف حائلًا بينه وبين الله، ولم يكن في استطاعة الإنسان حل هذه المشكلة، ولكن الله فتح الطريق أمام الإنسان، عن طريق الكفارة التي كانت تتم في العهد القديم بتقديم الذبائح، ولكن علينا ألا ننسى أن الله يقول عن دم الكفارة: “أنا أعطيتكم إياه على المذبح للتفكير عن نفوسكم” (لا 17:11) فلم تكن الكفارة تتم على أي استحقاق في الذبيحة نفسها، بل لأن الذبيحة قد رتبها الله للتكفير.
وتوجه الذبائح أنظارنا إلى بعض الحقائق المختصة بالكفارة، فكان يجب أن تكون الذبيحة بلا عيب، مما يدل على ضرورة الكمال، كما أنها كانت مكلفة، إذ لم تكن الذبائح رخيصة، فالخطية ليست أمرًا يستهان به وكان موت الذبيحة هو الأمر العام، ويتضح هذا من الإشارة إلى الدم من ناحية، ومن ناحية أخرى في الإشارات الأخرى للكفارة فمن الواضح أنه في العهد القديم، كان الموت هو عقوبة الخطية: “النفس التي تخطئ هي تموت” (حز 18 :20)، ولكن الله في نعمته سمح بتقديم ذبيحة بديلًا عن موت الخاطئ ومن هنا استطاع كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن يلخص القضية بالقول: “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9:22).
(3) الكفارة في العهد الجديد:
يوضح العهد الجديد أن ذبائح العهد القديم لم تكن في ذاتها أساس رفع الخطايا إذ لا سبيل للفداء حتى من "تعديات العهد الأول" إلا بموت المسيح (عب 9:15)، فالصليب هو محور العهد الجيد، بل -في الحقيقة- هو محور كل الكتاب المقدس بعهديه، فكل ما قبله يؤدي إليه، وكل ما بعده يعود إليه وحيث أنه يشغل هذا الموقع المركزي، فلا عجب أن يكون موضوع الكثير جدًا من التعليم، فكتَّاب العهد الجديد، رغم أنهم كتبوا من وجهات نظر مختلفة، وبتركيز على نقاط متنوعة فإنهم يقدمون لنا العديد من جوانب الكفارة، ولكن دون أي تعارض أو تناقض وسنتناول الآن التعليم الأساسي عنها:
(أ) إنها تعلن محبة الله للإنسان:
فكل أجزاء الكتاب تعلن أن الكفارة صدرت عن محبة الله من خلال الابن الكفارة تبين لنا محبة الآب كما تبين محبة الابن ويقول الرسول بولس: “الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا” (رو 5:8). ويقول الرب -له المجد- "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3:16). ويؤكد لنا الرب بنفسه أن “ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرًا، ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر 8:31... إلخ) ومعنى هذا أن موت المسيح لم يكن أمرًا عارضًا، ولكنه كان أمرًا محتومًا في مشورات الله الازلية (أع 2:23). وهو ما نراه أيضًا في صلاة الرب في بستان جثسيماني للآب: “لتكن مشيئتك” (مت 26 :42) كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين إنه “بنعمة الله” قد ذاق المسيح الموت لأجل كل واحد (عب 2:9) ونجد هذا الشيء نفسه في كل أجزاء العهد الجديد، ويجب أن نحفظ هذا في فكرنا عندما نتأمل في موضوع الكفارة.
(ب) الجانب الكفاري في موت المسيح:
كما أن موت المسيح كان موتًا لاجل الخطية فلم يكن الأمر مجرد ثورة أناس أشرار ضده، ولا جماعة من الأعداء تآمروا ضده ولم يستطع أن يقاومهم ولكنه "أسلم من أجل خطايانا” (رو 4:25). فقد جاء خصيصًا ليموت لأجل خطايانا، وسفك دمه “من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” (مت 26:28). لقد صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا” (عب 1:3)، وحمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة (1بط 2:24)، وهو "كفارة لخطايانا" (1يو 2:2)، ولا يمكن أن نفهم صليب المسيح تمامًا إلا إذا رأينا أنه عليه كان المخلص يحمل خطايا كل الجنس البشري، وبعمله هذا، تمم كل ما كانت كل ذبائح العهد القديم مجرد ظل له، فهو الذبيحة الكاملة النهائية، وقد قال هو نفسه إن دمه هو “دم العهد (مرقس 14:24)، مما يوجه أنظارنا إلى طقوس الذبائح لفهم موت المسيح ويقول الرسول بولس إن المسيح “احبنا، وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة” (أف 5:2). كما يقول: “لأن فحصنا أيضًا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1كو 5:7). في إشارة إلى خروف الفصح، كما يقول الرسول بطرس عن دم المسيح "إنه دم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس" (1بط 1:19) ويقول يوحنا المعمدان: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو 1:29).
(ج) كان المسيح في موته نائبًا عنا أو ممثلًا لنا:
“لقد كان موت المسيح موتًا نيابيًا، فإن كان قد مات لأجل الخطية فهو أيضًا مات لأجلنا، فهو قد مات -بالتحديد- لأجلنا، إذ كان نائبًا عنا وهو معلق على الصليب وهذا ما يوضحه الرسول بولس بالقول إن المسيح: “مات لأجل الجميع فالجميع إذا ماتوا” (2كو 5:14)، فموت النائب يعتبر موتًا لمن يمثلهم وعندما يقول الرسول يوحنا:" لنا شفيع عند الآب" (1يو 2:1). فهو قول يحمل فكرة النيابة عنا، وأحد الموضوعات الرئيسية في الرسالة إلى العبرانيين هو أن المسيح لنا رئيس كهنة عظيم، إذ يتكرر هذا المفهوم كثيرًا في هذه الرسالة، وماذا كانت وظيفة كثيرًا في هذه الرسالة، وماذا كانت وظيفة رئيس الكهنة؟ إنه كان نائبًا أو ممثلًا للشعب وهكذا نجد أن فكرة النيابة قوية واضحة في هذه الرسالة.
(د) العهد الجديد يعلن أن المسيح كان بديلًا عنا: وهذا واضح في كل أسفار العهد الجديد، فيقول الرب عن نفسه، “لان ابن الإنسان لم يأت ليُخدُم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فديه عن كثيرين” (مر 10:45). ومعنى هذا أنه كان على البشر أن يموتوا، ولكن المسيح مات عوضًا عنهم، فلم يعد عليهم حكم الموت، فقد مات المسيح بديلًا عنهم، إذ كان "مجروحًا لأجل معاصينا، مسحوقًا لاجل آثامنا تأديب سلامنا عليه، وبجبره شفينا كلنا كغنم ضللنا، والرب وضع عليه إثم جميعنا" (إش 53 :5 و6). فلم تكن معاناته في بستان جثسيماني، إلا لأن الرب وضع عليه كل آثامنا، ويقول الرسول بولس:" لأنه جعل الذين لم يعرف خطية خطية، لأجلنا" (2كو 5:21). ففي موته كان أخذًا مكاننا وهذا ما جعل معاناته شديدة إذ حُسب خطية واحصى بين أثمة.
ويقول الرسول بولس أن “المسيح افتدانا من لعنه الناموس إذ صار لعنة لأجلنا” (غل 3:13). فقد احتمل هو "لعنتنا" أي انه كان نائبًا عنا في حملها لأنها "لعنتنا"، نحن وهو نفس ما يقوله في الرسالة إلى رومية: "أما الآن فقد ظهر بر الله.. بر الله بالايمان بيسوع المسيح.. متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه.. لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون بارًا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رو 3:21-26)، فالله أظهر بره أو عدله ليس في غفران الخطايا، بل في كيفية غفران الخطايا على حساب موت المسيح فالكفارة ليس معناها التغاضي عن الخطية، بل لأن الخطية قد تحمَّل قصاصها الرب يسوع المسيح على الصليب، فالصليب يعلن بر الله، وعلى أساس ما تممه المسيح يبرر الله كل من يؤمن بالمسيح، فقد مات المسيح مرة واحدة حاملًا "خطايا كثيرين" (عب 9:28، 1بط2 :24). وحمل المسيح لخطايانا معناه أنه حمل قصاص هذه الخطايا فحمل الخطية معناه احتمال عقابها (انظر حز 18:20 عد 14:34) فقد كان تيهان الشعب في البرية لمدة أربعين سنة، حملًا لذنوبهم، أي عقابًا لهم عليها.
ويقول الرسول بولس إن يسوع المسيح "بذل نفسه فدية لأجل الجميع” (1تي2:6). أ في موته كان بديلًا عن الجميع، ونرى هذا أيضًا في ما سجله البشر يوحنا من أن قيافا رئيس الكهنة قال: “إنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها” (يو 11:5) كانت هذه الكلمات مجرد كياسة سياسية، ولكن يوحنا الرسول رأي فيها نبوة بأن المسيح سيموت عوضًا عن الشعب كله.
(هـ) جوانب أخرى للكفارة في العهد الجديد:
تركز بعض أسفار العهد الجديد على جوانب معينة من الكفارة -دون تعارض مع الجوانب الأخرى- فيرى الرسول بولس في الصليب وسيلة الخلاص، فالناس بالطبيعة مستعبدون للخطية (رو 6:17؛ 7:14) ولكنهم في المسيح يصبحون أحرارًا (رو 6 :4 و22). كما أن الإنسان يتحرر بالإيمان بالمسيح من سلطان الجسد، فقد "صلب الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5:22)، ولم يعد المؤمن “حسب الجسد يحارب” (2كو 10:3)، "فالجسد يشتهي ضد الروح" (غل 5:17)، وبدون المسيح لا ينتج الجسد إلا موتًا (رو 8:13)، و"غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم" (رو 1:18)، ولكن المسيح يخلص من كل هذه لأن المؤمنين "متبررون الآن بدمه" وبذلك "يخلصون به من الغضب" (رو 5: 9). ومع أن الناموس صالح من وجوه كثيرة لكن اعتباره طريقًا للخلاص، بشكل خطرًا داهمًا فهو يكشف للإنسان خطيته ولكنه لا يخلصه منها (رو 8:3). و" جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة" (غل 3:10). ولكن "المسيح افتدانا من لعنة الناموس" (غل 3:13). لقد كان الموت في العهد القديم عدوا مرعبًا، لا يستطيع احد أن يتغلب عليه، ولكن الرسول بولس ينشد نشيد الانتصار: "شكرًا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1كو 15:55-57) لقد وجد الرسول بولس في المسيح المخلص القوى الذي يسحق كل قوات الجحيم.
إن للكفارة جوانبها المباركة العديدة، يكفي أن نذكر مثلًا: الفداء، الغفران، المصالحة، التبرير، التبني، والمجد، وهي أمور عظيمة كان لها معانيها العميقة عند الرسول بولس.
والفكر الرئيسي عند كاتب الرسالة إلى العبرانيين -كما سبقت الإشارة- هو أن المسيح هو رئيس الكهنة العظيم لنا، كما يوضح لنا - كيف أن عمل المسيح كان فريدًا وكاملًا ونهائيًا فموت المسيح حدث مرة واحدة (عب 10 :10)، ودخل مرة واحدة إلى الاقداس فوجد فداء أبديًا (عب 9:12). وبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله (عب 10:12). وبقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين.. فلا يكون بعد قربان عن الخطية (عب 10:14، 18).
لقد كتب لنا كتاب العهد الجديد بالروح القدس -في حدود اللغة البشرية القاصرة- ما تعنيه الكفارة التي فتحت لنا الطريق إلى الحياة الجديدة في المسيح، وإلى المجد الأبدي.
* انظر أيضًا: يوم الكفارة، كتاب تدبير الخلاص للأنبا رافائيل.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7gajp4q