قيل إن الله خلق الإنسان على صورته (تك 1: 26، 27). والمقصود من ذلك بما يمكن للبشر من صفاته الروحية (كو 3: 10) وقيل أن المسيح صورة الله (كو 1: 15) أي واحد معه في الجوهر الإلهي. وكان بنو إسرائيل القدماء يزينون سقوف بيوتهم وحيطانهم بصور وألوان (ار 22: 14؛ حز 23: 14). وقد ندّد حزقيال أشد التنديد بما جرى في مخادع تصاوير شيوخ بني إسرائيل المظلمة (حز 8: 12). وربما كانت الإشارة في ذلك إلى تصوير الأصنام في البيوت والقبور ومواضيع العبادة كعادة المصريين والآشوريين.
أولًا -في العهد القديم:
(1) كان أمر الله الصريح الواضح: "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك إله غيور" (خر 20: 4, 5) كما يحذرهم قائلًا: "فاحتفظوا جدًا لأنفسكم. فإنكم لم تروا صورة ما يوم يوم كلمكم الرب في حوريب من وسط النار، لئلا تفسدوا وتعملوا لأنفسكم تمثالًا منحوتًا صورة مثال ما شبه ذكر أو أنثي، شبه بهيمة ما مما على الأرض، شبه طير ما ذي جناح مما يطير في السماء، شبه دبيب ما على الأرض، شبه سمك ما مما في الماء من تحت الأرض. ولئلا ترفع عينيك إلي السماء وتنظر الشمس والقمر والنجوم كل جند السماء.. فتغتر وتسجد لها وتعبدها" (تث 4: 15- 19). ومع ذلك كثيرًا ما عصى بنو إسرائيل هذا الأمر الصريح مما دعا الأنبياء إلي توبيخهم (انظر حز 8: 8-12؛ 23: 14؛ إرميا 22: 14).
(2) لقد "خلق الله الإنسان علي صورته، علي صورة الله خلقه" (تك 1: 26 و27، 5: 2، 9: 6). ومع ان الكثيرين من المفسرين يرون أن صورة الله في الإنسان تبدو في العقل والابتكار والكلام والطبيعة الروحية، فالأرجح أن الإنسان ككل -وليس بعض الجوانب منه فقط- خلق علي صورة الله، فالإنسان هو الصورة المادية لله غير المادي، لأن "الله روح " (يو 4: 24). فدور الإنسان كسيد الخليقة قام على أساس أنه علي "صورة الله" قد خلق (تك 1: 27, 28) . فالجنس البشري -ككل هو ممثل الله. بل وبعد السقوط، يتكلم الكتاب المقدس عن الإنسان بأنه "صورة الله"، ولذلك يسفك دمه. لأن الله علي صورته عمل الإنسان (تك 9: 6).
ثانيًا -في العهد الجديد:
يبني العهد الجديد علي أساس العهد القديم، فالعبارتان في الرسالة الأولى إلى الكنيسة في كورنثوس (1 كو 11: 7)، ورسالة يعقوب (يع 3: 9) تؤكدان استمرار مركز الإنسان في نظام الخليقة "كصورة الله ومجده" رغم السقوط.
ولكن العهد الجديد، يركز -بصورة خاصة- على شخص الرب يسوع المسيح "الذي هو صورة الله غير المنظورة" (كو 1: 15؛ 2 كو 4: 4)، وهي عبارة تصور العلاقة الفريدة بين "الابن والآب" منذ الأزل فهو "الكلمة" منذ الأزل (يو 1: 1-18)، وبذلك فهو وحده القادر أن يعكس تمامًا مجد الله غير المنظور. ويقول الرسول بولس -بالروح القدس- في رسالته إلي فيلبي: "الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله" (في 2: 6-11). ونقرأ في الرسالة إلي العبرانيين: "الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 3).
فكلمة "صورة " هنا لا تعني مجرد الشبه -كما في حالة الإنسان- بل تعني المساواة الكاملة، فهو "رسم جوهر الله" وفيه صار "غير المنظور" منظورًا، "فالابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبَّر" (يو 1: 18) وهو "آدم الأخير" (1 كو 15: 45) رأس الخليقة الجديدة التي تستمد حياتها منه. فيسوع المسيح هو "صورة الله "الفريدة، وفي نفس الوقت هو المثال الذي سيتغير إليه الذين يدينون له بمعرفتهم لله وبحياتهم في الله (رو 8: 29؛ 1 كو 15: 49؛ 2 كو 3: 18؛ 1 يو 3: 2).
وترتبط عبارة "صورة الله "ارتباطًا وثيقًا "بالإنسان الجديد" (أف 4: 24؛ كو 3: 10؛ غل 3: 27، 28). ويذكرنا هذا بالجوانب الاجتماعية الهامة في ما تعنيه "الصورة "، كما تنعكس في حياة المؤمنين، سواء في شركة الكنيسة أو في سيادته علي الطبيعة [(عب 2: 8) في إشارة إلي المزمور الثامن (مز 8)].
وهناك بعد أخروي يجب عدم إغفاله، فإن التحقيق الكامل لخطة الله للإنسان في المسيح، ينتظر ظهور المسيح حين تتحول صورة الترابي الفانية إلي صورة الرب يسوع المسيح الكاملة (1 كو 15: 49؛ في 3: 20، 21)، وهكذا يستعيد الإنسان صورة الله تمامًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8xgd7yh