أولًا (1) تمهيد: لعل موضوع الخلود من أهم المواضيع الكتابية التي تتطلب الدقة في التعبير وتحديد المعاني، فكثيرًا ما تستخدم كلمة "خلود" للتعبير عن بقاء النفس أو العنصر الروحي في الإنسان بعد موت الجسد، تأكيدًا لحقيقة أن الموت ليس نهاية كل شيء، فالنفس باقية، وهو المقصود بصفة عامة عند الحديث عن الحياة الأخرى أو الآخرة.
ولا يحتاج الأمر إلى تأكيد أن الكثير من الشعوب تفتقر إلى معرفة المفهوم الصحيح لخلود "الروح" بالمعنى المعروف الآن، فقدماء المصريين على سبيل المثال قد ميزوا بين عناصر الحياة في الإنسان، مثل "الكا" 𓂓 و"البا" 𓅽 وغيرهما، وهي عناصر لا تموت، وكانت في اعتقادهم أطيافًا شبيهة بالذات الأرضية، أو أنها "قرين" للإنسان، فلم تكن في حاجة إلى أن تتغذى بالأطعمة أو أن تقدم لها القرابين.
ولكن ثمة أمرًا أكثر أهمية، وهو أن حالة "العنصر" الباقي من الإنسان بعد موته، لا يمكن أن يسمى "حياة" أو "خلودًا". إنها حالة مختلفة عن الموت ولكنها في معظم الأحوال حسب عقيدة تلك الشعوب حالة من الغموض والخمود والضعف والاكتئاب، فهي حالة يخشاها الإنسان ويرتعب منها لا أن يرجوها.
ولكن بعض الشعوب الوثنية الأرقى حضارة، تفهم"الخلود" على أنه حالة من السعادة لأنها تخلصت من ثقل الجسد وقيوده. وقد أدى هذا المفهوم إلى فكرة تغلغلت في كثير من الأفكار الحديثة عن "خلود النفس" وعدم فناء العنصر الروحاني. وينسحب هذا المفهوم لدى البعض على الماضي والمستقبل، باعتبار هذا العنصر بطبيعته غير قابل للفناء.
(2) المفهوم الكتابي: يختلف المفهوم الكتابي عن الخلود اختلافا كبيرًا عن سائر المفاهيم الأخرى، فالنفس تبقى حقًا بعد الجسد، إلا أن هذه الحالة من التحرر من الجسد لا ينظر إليها مطلقًا على أنها "حياة" كاملة، لأن "الخلود" في الكتاب المقدس ليس هو مجرد بقاء النفس أو الدخول إلى عالم الموتى :"شئول" أو "هادز"، فهذه الحالة في حد ذاتها ليست "حياة" أو "سعادة".
إن "الخلود" الذي يعنيه الكتاب المقدس هو خلود الإنسان ككل روحًا وجسدًا معًا، فهو يتضمن الخلاص من حالة الموت، فهو ليس مجرد حالة من الوجود في المستقبل، مهما طال ذلك، لكنه حالة من السعادة نتيجة للفداء وامتلاك الحياة الأبدية، فهو يشمل القيامة والحياة المكمَّلة في الروح والجسد معًا، وسنتناول الموضوع في مختلف وجوهه.
ثانيًا الاعتقاد الطبيعي:
(أ) أصل هذا الاعتقاد: إن الاعتقاد ببقاء الروح بعد الموت ظاهرة عالمية. ولكن إلى أي شيء يرجع هذا الاعتقاد؟
يفترض علماء الأنثروبولوجيا أن أصل هذا الاعتقاد يرجع إلى الأحلام أو الرؤى التي توحي باستمرار وجود الموتى. ولكن قبل أن نقول إن الحلم يوحي ببقاء الروح، يجب أن يكون هناك اعتقاد بوجود الروح، وهو ما لم يتوفر دائمًا. لكن يبدو أن هناك تفسيرًا بسيطًا يكمن في "الوعي"، فحتى الإنسان البدائي، في داخله شيء ما، يجعله يفكر ويحس ويريد، وهذا الشيء يختلف عن الأعضاء الجسدية. وعند الموت يزول التفكير والإحساس بينما الجسد ما زال موجودًا. إذًا أليس من الطبيعي افتراض أن هذا الشيء يستمر موجودًا في حالة أخرى بعيدًا عن الجسد؟ قد تساعد الأحلام على هذا الاعتقاد، لكنها لا تخلقه. وبغير افتراض وجود مثل هذا الأصل الأعمق لهذا الاعتقاد، لا يمكن تعليل انتشاره في كل العالم واستمراره.
وحتى هذا الافتراض الفطري الغريزي لا يمكن أن يؤخذ برهانًا على البقاء بعد الموت، أو أن يؤدي إلى فكرة الخلود بصورة كافية، فهو في أفضل الأحوال كما سبق القول ليس إلا صورة طيفية للحياة على الأرض.
(ب) براهين فلسفية:
(1) النفس روحانية: ليست جميع الحجج الفلسفية لإثبات خلود النفس (أو بقائها) على نفس الدرجة من القوة. والحجة المبنية على أساس الجوهر الميتافيزيقي للنفس (كما يقول أفلاطون) لم تعد مقنعة الآن، ومن جهة أخرى يمكن استخدامها ضد النظرية المادية للروح على أسس لا يمكن دحضها، لإثبات أن النفس أو الروح العاقلة المفكرة في الإنسان ليست مادية في طبيعتها. ومتى قبلنا هذا الرأي، فليس ثمة دليل ولا يمكن أن يكون على أن الموت أو التحلل الجسدي، يمكنه أن يقضي على هذه الروح الواعية. فالافتراض يجب أن يكون على العكس من ذلك تمامًا. وقديمًا قال "شيشرون" إن الموت ليس بالضرورة تعطيل لقوى الروح. واستخدم "بتلر" (Butler) التشبيه للبرهنة على ذلك. ويسلم العلماء الحديثون مثل "مل" (J.S.Mill) و"هكسلي" (Huxley) ووليم جيمس (James) بحقيقة أن الخلود لا يمكن دحضه أو إنكاره، وعليه فإنكار الخلود الذي نسمع عنه من جهات متعددة ليس له ما يبرره. ولكن الاحتمالات تختلف عن اليقين، وحتى الآن لا يوجد ما يثبت أن الروح في بقائها بعد الموت توجد في حالتها الجديدة في حالة من السعادة مرغوبة.
ويقال إن اليونانيين القدماء قد استخدموا الحجج الميتافيزيقية للبرهنة على عدم فناء النفس وعلى خلودها بمعنى أنه ليس لها بداية ولا نهاية. ولكن هذه ليست العقيدة المسيحية، فليس للنفس في ذاتها طبيعة عدم الفناء، بل هي مثل باقي الكائنات وكل الأشياء تعتمد في استمرار وجودها على الله، فإذا استرد الله قوته الحافظة، تفنى جميعها على الفور. فاستمرار بقاء النفس أمر لا شك فيه، ولكن يلزم إثبات ذلك على أسس أخرى.
(2) طاقات الطبيعة البشرية: توجد أدلة أقرب للعقل على الخلود أو بتدقيق أكثر على الحالة المستقبلية للوجود، وهذه الأدلة مستمدة من القدرات الكبيرة للطبيعة البشرية وإمكاناتها التي لا تستطيع الحياة الأرضية القصيرة أن تتيح لها المجال الكافي لممارستها، إذ من سمات الروح وجود عنصر اللانهائية بها، لذلك فهي تتطلع إلى إللانهائي، فلا يمكن لأفضل ما يقدمه العالم أن يشبعها. كما أن في الروح إمكانية التقدم بلا حدود، ولا يمكن أن يشبعها شيء.
هذه الاعتبارات هي التي جعلت "كانط" (Kant) يضع الخلود ضمن ما يؤمن به من عقائد رغم شكوكه النظرية في كل شيء. كما دفعت "ج.س.مل" (Mill) إلى الحديث عن الخلود كالرجاء الوحيد الذي يمنح مجالًا كافيًا للقدرات والعواطف الإنسانية، لأن الطموح للأسمى لم يعد يخمده الإحساس بتفاهة الحياة الإنسانية أو الشعور المدمر بأنها لا تساوي شيئًا.
غير أننا إذا تأملنا هذه الحجج بهدوء، نجد أنها لا تزيد عن كونها دليلًا على أن الإنسان مخلوق للخلود، لكنها لا تمنح ضمانًا لعدم فقدان هذا المصير، وحتى إذا منحت هذا الضمان للصالحين، فإنها لا يمكن أن تمنحه للأشرار، فالإيمان في حالتهم يجب أن يعتمد على اعتبارات أخرى.
(3) الدليل الأخلاقي: وكما أدرك "كانط" (Kant)، أننا متى دخلنا إلى المجال الأخلاقي نجد أن الخلود أو استمرار بقاء الروح يصبح يقينًا ملموسًا للعقلية الجادة، فالشخصية الأخلاقية ترتبط بفكرة القانون الأخلاقي والمسئولية الأخلاقية التي بدورها تستوجب فكرة العالم كنظام أخلاقي، والله كحاكم أخلاقي. والعالم كما نعرفه هو بدون شك، عالم الإدارة الأخلاقية بما فيه من اختبار وتأديب وثواب وعقاب وإن كان من الواضح أنها إدارة أخلاقية غير كاملة، حيث أن الأمور شديدة التعقيد في هذه الحياة بحيث لا يحس معها المرء بالعدل، فالخير يعاني بينما الشر ظاهريًا ينتصر. ولكن ضمير فاعل الشر يدينه ويؤنبه بالدينونة في المستقبل، فلابد من تقويم نهائي لكل ما هو خطأ هنا. ولكن بينما يبدو أن هذا يستلزم وجودًا في المستقبل، إلا أنه لا يضمن في ذاته البقاء الأبدي للشرير، ولا يمكن أن يعد مثل هذا البقاء خلودًا بالمعنى الإيجابي، فأمام سر الخطية تضعف استنارة العقل، لذلك يلزمنا أن نلجأ إلى الإعلان الإلهي (كلمة الله) طلبًا للنور.
ثالثًا: العقيدة الكتابية في العهد القديم:
(1) نقطة البداية علاقة الإنسان بالله: تبدأ العقيدة الكتابية عن الخلود بعلاقة الإنسان بالله، فالإنسان وقد خلق على صورة الله (تك1: 27)، خلق مؤهلًا لمعرفة الله والشركة معه. وهذا يعني أن الإنسان أكثر من مجرد حيوان، وأن حياته تتخطى حاجز الزمن، ففي حياته يكمن ضمان الخلود إن هو أطاع الله.
طبيعة الإنسان: وهذه الحقيقة ترتبط بقصة خلق الإنسان وحالته الأصلية. فالإنسان يتكون من جسم وروح، وكلاهما جزء أساسي من شخصيته، وقد خلقه الله لا للموت بل للحياة. ويتضمن تحذير الرب لإنسان عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر:"يوم تأكل منها موتًا تموت"(تك2: 17) أن الإنسان لن يموت إن هو ظل طائعا لله. وليس هذا بالطبع خلودًا للروح فقط، بل حياة في الجسد أيضًا (تك3: 22)، والمثال على ذلك أخنوخ وإيليا (تك 5: 24؛ 2مل2: 11، 12؛ انظر مز49: 15؛ 73: 24).
(2) الخطية والموت: لقد غيرت الخطية مصير الإنسان، لأن "أجرة الخطية هي موت"(رو6: 23). فالموت في مظهره المادي هو الانفصال بين الروح والجسد، وهدم وحدة شخصية الإنسان فهو بهذا المعنى هدم للخلود الذي كان مصير الإنسان أصلًا، إلا أن ذلك لا يعني فناء الروح، فالروح تبقى وإنما في حالة لا يمكن أن نطلق عليها كلمة "حياة"، فهي تذهب إلى "شئول" (الهاوية) حيث يقيم الموتى في حزن وبؤس، وحيث لا يوجد فرح أو نشاط أو معرفة بشئون الأرض ولا ذكر لله أو حمد لصلاحه، وهذه بالطبع ليست حياة الآخرة وليست خلودًا.
(3) النعمة والفداء والخلود الحقيقي: إن عمل النعمة والفداء هو أن يعيدا للإنسان الخلود بمعناه الحقيقي، فلو أن العالم ترك ليحيا في الخطية، لَمَا كان هناك رجاء في المستقبل، ولازدادت "شئول" (الهاوية) ظلامًا كلما قويت فكرة المجازاة، ولأصبح من المستحيل أن يشرق فيها النور، لكن تدخلت نعمة الله قائلة:" أطلقه عن الهبوط إلى الحفرة، قد وجدت فدية" (أيوب 33: 24)، وهكذا تغلبت رحمة الله على المصير البائس للإنسان، فأعطاه مواعيده، وقطع معه عهده، وقبله في شركته (تك3: 15؛ 4: 4؛ 5: 24؛ 6: 8، 9؛ 12: 1-3، 15... إلخ.). وبهذه الشركة ارتفعت نفس الإنسان مرة أخرى إلى حياتها الحقيقة حتى وهي على الأرض. كما تضمنت هذه الشركة رجاءً في المستقبل. فالمواعيد التي أعطيت مقدمًا كدليل على أفضال الله ومراحمه، كانت في معظمها مواعيد وقتية، أي مواعيد لهذه الحياة، ولكن كانت تحوي في داخلها (كالنواة داخل القشرة) الامتلاك الاسمي لله نفسه (مز 4: 6، 7؛ 16: 2)، كما اشتملت على رجاء الفداء، أساس كل خير.
الخلاص من شئول (الهاوية): وهنا نصل إلى لب الرجاء في الخلود كما جاء في العهد القديم، لأن شركة المؤمن مع الله لا يمكن أن يفقدها حتى وهو في الهاوية، إذ يوجد وراء ذلك خلاص من الهاوية. وكان هذا الرجاء هو الذي أعان الآباء الأولين وكتبة المزامير والأنبياء، في أسمى لحظاتهم وهم يتطلعون إلى المستقبل. وربما ساور الشك أفكارهم، وربما جاءت عليهم أوقات مظلمة، بل ربما خيَّم عليهم اليأس، ولكن كان من المستحيل أن يعتقدوا وهم في لحظات الإيمان القوي أن الله سوف يتركهم لأن "الإله القديم (الأزلي) ملجأ والأذرع الأبدية من تحت" (تث 33: 27؛ انظر مز 90: 1).
لذلك لم يكن رجاؤهم في الخلود مجرد رجاء في "خلود الروح" فقط بل كان رجاء في القيامة أيضًا، أي في الخلاص الكامل من "شئول" (الهاوية). وهذا ما نراه بوضوح في صرخة أيوب القوية: "أما أنا فقد علمت أن وليَّي حيَّ والآخر على الأرض يقوم... وعيناي تنظران وليس آخر" (أيوب 19: 25-27؛ انظر 14: 13). وفي كثير من المزامير، يظهر هذا الرجاء في صورة الخلاص الكامل من الهاوية. فنجد في المزمور السابع عشر أن الأشرار "نصيبهم في حياتهم... أما أنا فبالبر أنظر وجهك. أشبع إذا استيقظت بشبهك" (مز 17: 14) كما يقول المرنم أيضًا "إن الأشرار مثل الغنم للهاوية يساقون... إنما الله يفدي نفسي من يد الهاوية لأنه يأخذني" (مز 49: 14، 15)، كما حدث مع أخنوخ لأن الله أخذه (تك 5: 14؛ انظر أيضًا مز 73: 24). ويجب أن نذكر أن الرب يسوع عندما شرح قول الله: "أنا إله إبراهيم وإله اسحق وغله يعقوب" أردف مؤكدًا "ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 31، 32) وفي هذا ضمان القيامة.
والتعبير الجازم لهذه الفكرة، جاء في إعلان دانيال عن قيامة الأبرار والأشرار (دانيال 12: 2).
(4) الفكر اليهودي في العصور المتأخرة: وقد توسع اليهود فيما بعد في تفسير هذه الأفكار، واعتنقوا فكرة مستقبل سعيد ينتظر الأبرار، وربطوا هذا المستقبل بالتحديد بفكرة القيامة، كما قالوا إن الأشرار سيمكثون في الهاوية التي أصبحوا يعتبرونها مكانًا للعقاب، وسيلاقي الأمم نفس هذا المصير المظلم.
رابعًا الرجاء المسيحي: يتفق ما ورد في العهد الجديد عن الرجاء في الخلود مع ما أعلن جزئيًا في العهد القديم.
(1) الخلود في المسيح: فنحن نسمع رنين هذا الرجاء المفرح في كل جزء من كتابات الرسل: فيقول الرسول بطرس: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظ في السموات لأجلكم"(1بط1: 3، 4). ويعلن الرسول بولس: "مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل"(1 تي1: 10)، ويتحدث في رسالته إلى الكنيسة في رومية عن مجازاة "الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء فبالحياة الأبدية"(رو 2: 7).
إذًا، فهذا الخلود كما نرى هو جزء من الحياة الأبدية الموهوبة للمؤمنين في يسوع المسيح، وضمان ذلك هو قيامة المسيح من الأموات. وسنتناول الآن بأكثر تفصيل، طبيعة هذا الرجاء:
(1) بقاء الروح: الروح تبقى بعد الجسد، وقد أعلن الرب يسوع بنفسه صراحة مصير الأبرار والأشرار عندما قال لمرثا: "من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيَّا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يو 11: 25، 26). كما قال لتلاميذه:" وإن مضيت وأعددت لكم مكانَّا آتي أيضًا وآخذكم إلَّى حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو 14: 3)، وكذلك في كلمته للص التائب:" اليوم تكون معي في الفردوس"(لو 23: 24).
ويجيء خلود الأبرار والأشرار -ضمنًا- في مثل الغني ولعازر (لو 16: 19-31) وفي مواضع أخرى كثيرة (انظر مت 5: 29، 30؛ 10: 28؛ 11: 21-24؛ 12: 41... إلخ.). ونجد نفس الشيء في الرسائل. فالتعليم عن انتظار دينونة في المستقبل، يفترض هذه الحقيقة ويتوقف عليها (رو 2: 5-11؛ 2كو5: 10... إلخ.).
(2) الاتحاد مع المسيح في عالم غير منظور: إن الموت بالنسبة للمفديين رغم أنه نتيجة الخطية لا يقطع علاقة الروح بالله وبالمسيح، إذ أن الحياة الخالدة المغروسة في الروح تزدهر ازدهارًا كاملًا في حياة الأبدية وسعادتها (رو8: 10، 11؛ في 1: 21؛ كو1: 27)، وستظل الروح في حالة غير كاملة حتى القيامة: "نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا" (رو8: 23). ورغم أنها في حالة غير كاملة لكنها حالة سعيدة، فقد فقدت الهاوية كآبتها وأصبحت بالنسبة للروح فردوسًا (لو23: 43)، فهي تسكن في منازل بيت الآب (يو 14: 2؛ 17: 21)، لأنها رغم وجودها في حالة عري (أي متغربة عن الجسد) لكنها مستوطنة عند الرب (2كو 5: 8) ولها اشتياق أن تكون مع المسيح في هذه الحالة بعد الموت (في 1: 21). والصور المرسومة في سفر الرؤيا رغم كتابتها في أسلوب مجازي رفيع تعبر عن حالة من السعادة العظيمة (رو 7: 917).
(3) القيامة:وتكمل سعادة الخلود بالقيامة، فالقيامة عنصر أساسي في تعليم المسيح (مت 22: 29-32؛ يو 5: 25-29؛ 11: 23-26). فهو نفسه رب الحياة ومانح الحياة وقد قال عن نفسه:" أنا هو القيامة والحياة"(يو 11: 25؛ وانظر أيضًا يو 5: 21، 25، 26). وقيامة الرب هي ضمان قيامة المؤمنين، فقد مات يسوع ولكنه قام ثانية من بين الأموات، وقيامته أساس اليقين الكامل في قيامة كل المؤمنين به، فهذا هو مضمون الأصحاح الخامس عشر من الرسالة الأولى إلى الكنيسة في كورنثوس. فكما أن المسيح حَّي، كذلك هم سيحيون (يو14: 19). والمؤمنون الأحياء عند مجيئه ثانية، سيتغيرون (1كو 15: 51؛ 1 تس4: 17) "والأموات في المسيح سيقومون أولً"(1تس4: 16) وسيكون جسد القيامة على صورة جسد المسيح (في 3: 21) أي سيكون جسدًا غير قابل للفساد ممجدًا قويًا روحانيًا خالدًا (1كو15: 42-53). وستكون هناك علاقة قوية بين الجسد القديم والجسد الجديد، ولكن يجب ألا نخلط بين هذا وتشابه الجزئيات المادية (1كو15: 37، 38). هذا هو رجاء المؤمنين، الذي لولاه لما اكتمل الفداء (1كو15: 16، 17).
(4)الأشرار أيضًا سيقامون: سيقام الأشرار أيضًا ولكن ليس للمجد بل للدينونة (يو 5: 29؛ أع 24: 15؛ رؤ20: 12-15)، وهذه الحقيقة تتحدث عنها كل الفصول التي تتحدث عن الدينونة الأخيرة، فسيحرم هؤلاء الأشرار من كل البركات التي سيستمتع بها الأبرار، كما أن مصيرهم كما يصفه الرب يسوع ورسله سيكون أتعس مصير من الضيق والعذاب (انظر مت 25: 46؛ مرقس 9: 43-50؛ رو2: 8، 9)، وليس هذا "خلودًا" أو "حياة" رغم الوجود المستمر.
(5) الحياة الأبدية: أما المؤمنون المباركون فسيخلدون في سعادة لا توصف، للروح وللجسد كليهما. ولا شك في أن هناك درجات في المجد، وقد ذكرت هذه الحقيقة بكل دقة في الكثير من الفصول الكتابية (انظر مت 25: 14-30؛ لو19: 12-24؛ 1كو3: 10-15؛ 15: 40، 41؛ في 3: 10-14؛ 2 تي4: 7، 8؛ 1يو2: 28)، إلا أن المؤمنين جميعهم سيكونون في حالة من الرضا الكامل والسعادة الفائقة والقداسة المطلقة (انظر مت 13: 43؛ 25: 34؛ رو 2: 7، 10؛ رؤ22: 3-5... إلخ.)، وتشمل سعادة الحياة الأبدية البركات التالية:
(أ)استعادة صورة الله، فسيلبس المؤمنون صورة المسيح (1كو 15: 49؛ 2كو3: 18؛ أف4: 24؛ كو3: 10؛ 1 يو3: 2).
(ب)القداسة الكاملة بعمل روح الله (2كو7: 1؛ في 1: 6؛ رؤ21: 27؛ 22: 4، 11).
(ج)رؤية مجد الله دون حجاب (رؤ22: 4؛ انظر مز 17: 15).
(د) التحرر من كل حزن وألم وموت (رؤ21: 3، 4).
(ه) القوة على الخدمة بلا كلل أو ملل (رؤ 22: 3).
خامسًا الاختلافات: وهكذا يتضح الفرق بين تعليم الكتاب المقدس عن الخلود والآراء الوثنية والفلسفية. فليس الخلود هو مجرد الوجود المستقبلي،وليس هو الخلود المجرد للروح، بل هو ثمرة الفداء والتجديد بعمل روح الله، وهو يشمل كل الإنسان، الروح والجسد معًا، ولا نصيب فيه للدنسين، كما أنه يعني كمال السعادة العقلية والأدبية والروحية في جو مناسب لهذا الوجود المجيد، وهذا المجد هو الجعالة العليا التي دُعي كل مؤمن للسعي إليها (في 3: 13، 14).
* انظر أيضًا: آخرة | أخرويات | إسخاتولوجي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b7m2r3k