تعني كلمة "أحراز" amulets/charms أساسًا أي شيء يزعمون أن له القدرة على دفع أو اتقاء التأثيرات المؤذية التي كانوا ينسبونها للأرواح الشريرة، مثل الحسد والغيرة والعين الشريرة. والاستعمال الشائع للأحراز هو لبس شيء ما على جسد الإنسان يتدلى غالبًا من عنقه ليشفيه من تأثيرات الأرواح الشريرة أو ليدفع عنه خطرها. وقد وردت هذه الكلمة مرة واحدة في الترجمة العربية للكتاب المقدس (إش 3: 20).
أولًا : أنواع الأحراز:
هناك أنواع كثيرة من الأحراز تختلف في شكلها وفي المادة المصنوعة منها:
(1) وأكثر أنواعها شيوعًا هي الأحراز المصنوعة من قطع من المعدن أو الحجر، أو قصاصات من الورق أو الرقرق، تحوي كتابات ونقوشًا من الكتابات المقدسة، أو قد لا تحوي شيئًا. وكانت الأحراز المصرية في عصورها الأولى عبارة عن قطع من الشست الأخضر بأشكال مختلفة، كشكل حيوان أو غير ذلك. وكانت توضع على صدر الشخص الميت لتضمن وصوله سالمًا إلى العالم الأسفل. وقطعة الحجر التي يقع عليها الاختيار كحرز، تكون عادة خفيفة الحمل ذات شكل ملفت للنظر (كوجه إنسان... إلخ.). واستخدام مثل هذه الحجارة لهذا الغرض، لم يكن إلا استمرارًا لمذهب الأرواحية (أي أن لكل شيء روحًا).
(2) وقد استخدمت الأحجار الكريمة والخواتم... إلخ، بكثرة حتى أن كل الحلي التي يستخدمها الإنسان إنما كانت في الأصل أحرازًا.
(3) كما كان هناك اعتقاد بالفاعلية الكبيرة لبعض الأعشاب والمنتجات الحيوانية، وجذور نباتات معينة، في شفاء الأمراض ودفع الأرواح الشريرة.
وقد عرفت الشعوب القديمة بأجمعها عادة حمل الأحراز، إلا أنها ظهرت بصورة أكبر عند الشعوب الشرقية، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وما زال لها أثر بين غالبية الأمم الحديثة، وبخاصة من الشعوب المتخلفة حضاريًا، بل مازالت تستخدم عند أكثر الشعوب حضارة في عصرنا هذا كالإنجليز والأمريكان ... إلخ. وبالرغم من وجود بعض الفرق بين الحرز والتعويذة، إلا أنه في غالبية الأحيان، كانت أهمية الحرز تتوقف على النقوش أو الكتابة التي عليه. ويختلف الحرز عن الطلسم، إذ كانوا يعتقدون أن الأحراز سلبية المفعول، فكانت وسيلة للوقاية، أما الطلسم فكانوا يعتقدون أنه يضمن لمن يحمله الحصول على خير وفير، فهو يجلب النعم لمن يرتديه.
ثانيًا : الأحراز في الكتاب المقدس:
بالرغم من افتقار اللغتين اليونانية والعبرية إلى كلمة مقابلة للأحراز حرفيًا، إلا أنها ذكرت ضمنًا في العديد من فصول الكتاب المقدس. ولكن من الواضح جدًا أن الكتاب المقدس ينهي عنها تمامًا سواء في ذلك أنبياء العهد القديم أو كتاب العهد الجديد.
(1) العهد القديم: مما لا شك فيه أن الأقراط التي كان يتحلى بها نساء وبنات وبنو إسرائيل والتي صنع منها العجل المسبوك، لم تكن إلا أحرازًا (خر 32: 1، 2). فلأي غرض آخر كانت تستخدم الحلي في تلك البيئة الصحراوية؟ كما أن الحلي النسائية التي عددها (إشعياء 3: 16 - 26)، كانت تُسْتَخْدَم لنفس الغرض، ومما يدعم هذا الفرض، هو ما نقرأه في العدد الثامن عشر عن " الأهلة " أي المصنوعة على شكل الهلال، والتي ما زالَت بنات العرب يستخدمنها حتى يومنا هذا. وكان الحلق، و"خزائم الأنف"، و"الأساور" و"الخلاخيل" تستخدم كل منها لحماية العضو الذي ترتبط به. ولا يتضح لنا معنى تلك الأقوال الشديدة المستخدمة في الإشارة إليها، إلا إذا وضعنا في الاعتبار أنها كانت تستخدم كتعاويذ ورقية. وفي (إشعياء 3: 20) نجد أن كلمة "ليهاشيم" العبرية التي ترجمت إلى "أحراز" في العربية، قريبة جدًا من كلمة "نهاشيم" التي تعني "الحية"، مما يظن معه أنها كانت تستخدم للوقاية من لدغ الثعابين (انظر إرميا 8: 17؛ جامعة 10: 11؛ مز 58: 5). وكانت الأحراز الهلالية تستخدم للحيوانات كما كان يستخدمها البشر (قض 8: 21، 26).
وعند صعود يعقوب إلى بيت إيل، لم يطمر " الآلهة الغريبة " فقط لكنه طمر معها الأقراط التي كانت في آذانهم، مما يدل على أن الأقراط كانت في نظر الرب شبيهة بالأوثان (تك 35: 1-4).
ونجد في (سفر الأمثال 17: 8) أن الكلمة العبرية المترجمة إلى "حجر كريم" (وهي في الأصل تعني حجرًا يجلب الحظ) تعني بغير جدال حرزًا من الحجر تقاس قيمته المزعومة بفاعليته السحرية. ويقول في (الأمثال 1: 9). إن الحكمة إكليل نعمة تقي الرأس لمن يلبسها على الرأس، وتقي العنق لمن يلبسها على العنق، والكلمات التي ترجمت " إكليل نعمة لرأسك "تعني حرفيًا" شيئًا مربوطًا حول الرأس لجلب الحظ".
ونرى إشارة إلى عادة ارتداء الأحراز، في (سفر الأمثال 6: 21) حيث يحث القارئ بالقول: "اربطها (وصايا الأب والأم) على قلبك دائمًا. قلد بها عنقك" وهي كلمات تحمل في طياتها إدانة لحمل الأحراز المادية والثقة فيها.
وقد وجدت تحت ثياب القتلى من المحاربين في موقعة من مواقع الحروب المكابية أحراز على شكل الأوثان التي كان يعبدها جيرانهم (2 مك 12: 40). ومما يدعو للعجب أن اليهود كسائر الأمم القديمة كانوا يعتزون بالأحراز التي يغنمونها من الأمم الأخرى. ويحتمل أن الخاتم المذكور في (سفر نشيد الأنشاد 8: 6)، وفي (إرميا 22: 24)، وفي (حجي 2: 23) إشارة إلى حرز كان يحمل على القلب أو على الذراع.
(2) العصائب والتمائم: ولا نجد مطلقًا أي سند في الكتاب المقدس لعادة لبس التمائم والتعاويذ، فالتفسير الصحيح والفهم السليم لسياق الكلام لا يدع أي مجال للجدل حول ما جاء في (سفر الخروج 13: 9، 16) وفي (التثنية 6: 6، 8؛ 11: 18-20): "اربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على قوائم بيتك وعلى أبوابك" (تث 6: 8) فالمعنى الوحيد لهذه الكلمات هو أن يحفظوا هذه الوصايا في أذهانهم باستمرار كما لو كانت منقوشة على أذرعهم ونصب عيونهم على الدوام، وكأنها مكتوبة على قوائم الأبواب التي يمرون بها يوميًا. ومن الواضح أيضًا أن اللغة المستخدمة في (سفر الخروج 13: 9، 16) وكذلك في (سفر الأمثال 3: 3؛ 6: 21؛ 7: 3) لا تحض مطلقًا على استخدام التمائم. ومع أن جميع هذه الفصول لا تعني مطلقًا استخدام التمائم والتعاويذ، إلا أنها جميعًا تلمح إلى ذلك، وكأنها تعني: "عليك أن تجعل كلماتي أمامك دائمًا، وأن تثق فيها لتحفظك، وليس في التمائم التي يحملها الوثنيون على الرأس أو الذراع". ولو أن اليهود قد حملوا هذه التمائم منذ عصورهم الأولى، لكان من العجب ألا يشير العهد القديم ولو مرة واحدة إلى ذلك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/zzy3hh3