والكلمتان العبريتان اللتان تُتَرْجَمَان بـ"تعب "أو "عمل"، تعنيان:
(أ) العمل أو الشغل في معناه الجسماني وبخاصة في مجال الزراعة.
(ب) التصرفات والأفعال الأدبية، وتُصْحَب عادة بأوصاف ونعوت لتحديد طبيعتها.
وعلى وجه العموم، يبدو أنها تُسْتَخْدَم في الكتاب للدلالة على أربعة مفاهيم رئيسية:
(1) مفهوم الإنتاج:
وقد أعلن الله من البداية حتى قبل السقوط قصده: "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تك 2: 15)، فثمة غرض مزدوج هو أن يزرع الأرض وأن يحفظها. بل حتى قبل أن يخلق الإنسان، نقرأ أنه لم يكن هناك "إنسان ليعمل الأرض" (تك 2: 5)، وأوضح الله ذلك في قوله للإنسان "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك 1: 28)، وهكذا يضع الإنسان أمام مسئوليته، ليستخدم- تحت إرشاد الله وبركته كل جوانب شخصيته [الجسدية (تك 2: 15)، والعقلية (تك 2: 19، 20)، والاجتماعية (تك 2: 18-24)، والإنتاج والتكاثر (تك 1: 28)].
(2) مفهوم التأديب:
وقد جاء هذا المفهوم للتعب لمعاونة الإنسان على استعادة ذاته بعد السقوط، فمع أن جهد الإنسان (أو تعبه) لا يمكن أن يكون بديلًا عن الكفارة الإلهية لخلاص الإنسان، إلا انه كان مرشدًا ومؤدبًا ومعاونًا للإنسان الساقط، نحو رحمة الله ونعمته المُخَلِّصَة، مثلما ذكر الرسول بولس عن الناموس (غل 3: 24، 25). لذلك فـ"اللعنة" أو "الدينونة" التي أوقعها الله على الإنسان (تك 3: 16-24) لانفصاله عن الله بسبب الخطية، تحولت في رحمة الله العظيمة، إلى بركة لِتَسْتَخْرِج من الإنسان (تحت عبء العمل الشاق الذي يجعله يتوجه إلى أهداف أسمى) أفضل وأعظم طاقاته التالي جبله الله عليها، ومن ثم تحوَّل بينه وبين الاستسلام للخمول والكسل بحكم طبيعته الساقطة والهبوط إلى أسفل الدرجات. ولعله لا يوجد شيء بعد نعمة الله المخلصة في المسيح قد أفاد الإنسان أكثر من هذا التعب الصادق المنتج. وأحيانًا كان الامتلاك هو امتداد الشخصية، فالعمل المخلص الصادق الذي ينتج ويمتلك، يسهم إسهامًا كبيرًا في تحقيق الشخصية السويَّة وإعطائها قيمتها. فإذا كان "التعب" قد فرض على الإنسان "تأديبًا" بسبب الخطية. فانه تحوَّل بنعمة الله إلى بركة عظيمة للتقويم.
(3) المفهوم الاجتماعي الاقتصادي:
إن يوم الراحة أي "السبت" يكتسب أهمية من ستة أيام العمل أو التعب (خر 20: 8، 9؛ انظر عب 4: 9، 10). ونجاح النظام الاجتماعي الاقتصادي في كل المجتمعات يتوقف على أقسام العمل المختلفة (من جهة الفارق الجنسي بين الرجل والمرأة، ومن جهة المهارة والقدرة العقلية واليدوية إلى غير ذلك) واستعداد كل فرد للقيام بواجباته المنوطة به بأمانة وكفاءة، فمن المحتم أدبيًّا على العامِل أن يؤدي عمله بأمانة، وعلى صاحب العمل أن يكافئ العامل بالمثل (لو 10: 7؛ 1 تي 5: 18). ويعلن يعقوب دينونة شديدة على صاحب العمل الذي يمنع العامِل أجرته (يع 5: 4؛ انظر لا 19: 13؛ تث 24: 15؛ مت 20: 1-16) . وقد أدت تلك الأوضاع الظالِمَة إلى قيام النقابات واتحادات العمال لحماية العاملين. ويقول كوفمان: "أن مشكلة العمل والراحة، التعب والاستجمام، الاجتهاد والكسل، رأس المال والعمل، الإنتاج والاستهلاك، الاستثمار والتوزيع، كل هذه تجد لها تفسيرًا في الوصية الرابعة ".
وقد وبخ الرسول بولس بعض المؤمنين الذين ظنوا أن الإيمان يعفيهم من العمل: "أن كان أحد لا يريد أن يشتغِل فلا يأكل أيضًا. لأننا نسمع أن قومًا يسلكون بينكم بلا ترتيب، لا يشتغلون شيئا بل هم فضوليون" (2 تس 3: 10، 11)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وجاء في "الديداك" Didache (تعليم الاثني عشر) أن النبي يجب أن يُفْصَل إذا ظل في ضيافة أحد الأشخاص أكثر من ثلاثة أيام، وعلى الأخص إذا طلب مالًا". وكما يقول كوفمان: "إن أعظم سعادة تتوقف على العمل، ولا يجب إطلاقًا أن نحسد الطفيلي أو الفضولي المسكين الذي يحاول أن يعيش بلا عمل".
(4) المفهوم الفدائي:
إن فكرة العمل كوسيلة للإنتاج والتأديب، تندمج مع المفهوم الكتابي عن العمل في الفداء، وإذا نظرنا إلى العمل بهذه النظرة، نجد أن للعمل معناه الأخروي في العهد الجديد. فمنذ البداية شَرَع الإنسان في افتداء الأرض من اللعنة التي جلبتها عليها خطية الإنسان، ولذلك بذل العرق والعمل المضني في زراعة الأرض لإنتاج ما يلزم لحياته (تك 3: 17، 18). بل أن فكرة الفداء يتضمنها الأمر: "أخضعوها (الأرض) وَتَسَلَّطُوا على.. " (تك 1: 28). وعليه فان كل جهود وأتعاب العلماء طيلة عصور التاريخ البشري، كانت جهودًا نحو الإنتاج والافتداء.
وفي العهد الجديد يصبح المفهوم الفدائي للتعب (أو العمل) أكثر وضوحًا، فالمسيح تعب وجاهد لإتمام خلاص الإنسان (لو 22: 44؛ يو 4: 34؛ 5: 17؛ 9: 4؛ 17: 4). كما نجد تحريضًا للمؤمنين على الجهاد للدخول إلى راحة الخلاص التي صنعها لهم المسيح (مت 11: 28-30؛ يو 6: 27؛ عب 4: 11). لأن عمل المسيح قد منحنا عِتْقًا من حَمْل أعباء الناموس. كما أن على المؤمنين أن يتعبوا ويجاهدوا لتوصيل رسالة الخلاص إلى غير المؤمنين (مت 28: 18-20؛ 2 كو 5: 20؛ 1 تس 1: 3؛ رؤ 2: 2). كما أن على المؤمن أن يتعب لأجل جماعة المؤمنين على الأرض (انظر 1 كو 9: 16-25؛ في 2: 16؛ كو 1: 29؛ 1 تس 2: 9)، وتعب المؤمن في الرب سينال مكافأته من الرب نفسه (1 كو 15: 58؛ رؤ 14: 13).
* انظر أيضًا: كل | إكلال، كتاب التعاليم المسيحية ومبادئ الفكر الاقتصادي لناجي جيد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/wrrd978