أولًا: في العهد القديم:
تعتبر الأربعة الأعداد الأولى من الأصحاح السادس من سفر التكوين، من أعضل مشكلات التفسير في العهد القديم. فإلى من تشير عبارة "أبناء الله"؟ هل إلى آلهة الوثنيين أو إلى حكام وثنيين، أو إلى ملائكة، أو إلى سلالة شيث؟ فعند الوثنيين أساطير مختلفة تعود إلى عصر الحوريين (نحو 1500 ق.م.) عن آلهة الطبيعة يمارسون علاقات جنسية غير مشروعة بين أنفسهم، وبعض الحالات مع البشر. فهل هذا الفصل فيه إشارة إلى بقايا مثل هذه الأساطير؟ أن السواد الأعظم من علماء العهد القديم يقرون بأن الأساطير الجنسية ليست أمرًا مألوفًا في العهد القديم يزعم بعضهم، أنها لو كانت أسطورة قديمة، فإن الكاتب قد سجلها وهو في حيرة من الأمر كأساس لدينونة الله للعالم بالطوفان، ولكن هذا الزعم يناقض تمامًا سياق العهد القديم. وهناك بعض الأدلة على أن حكام الوثنيين كان يطلق عليهم " أبناء الله ".
وفى بعض فصول العهد القديم، مثل (أيوب 1: 6؛ 2: 1؛ 38: 7). و(دانيال 3: 25)، يظهر بجلاء أن العبارة تشير إلى ملائكة أو كائنات سماوية (انظر أيضًا مز 29: 1؛ 89: 6).
ويقول البعض إن الملائكة الساقطين قد تزوجوا من بنات الناس وولدوا منهن أولادًا. ولكن لا توجد في الكتاب المقدس أدنى إشارة إلى اتصال الكائنات السماوية بالبشر بهذه الصورة، بل أن الرب يسوع قد أكد أن الملائكة لا يتزوجون (مت 22: 30)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى.
والذين يتمسكون بأن المقصود بـ"أبناء الله" هم نسل شيث يقولون إن اللفظة العبرية "ها إلوهيم" (أي"الله" بأداة التعريف) تدل باستمرار في العهد القديم على "الله الواحد الحقيقي"، وتنفي تمامًا المفهوم الوثني لهذه العبارة، ويدعمون رأيهم أيضًا بأن مفهوم علاقة البنوة بين الله ومن يعبدونه، ليست غريبة عن العهد القديم، فهي عبارة لها مفهوم واضح في العهد القديم، ففي (التثنية 32: 5)، وفى (المزمور 73: 15)، وفي (نبوة هوشع 11: 1)، نجد كلمة "أولاد " أو " بنين " أو" ابن " تستخدم للدلالة على علاقة الله بالناس، كما أن عبارة: "يقال لهم أبناء الله الحي " (هوشع 1: 10) لها دلالة عظيمة في هذا الصدد.
ثانيًا: أبناء الله في العهد الجديد:
1- الكلمات المستخدمة:
هناك كلمات يونانيتان في العهد الجديد هما: "تكون" teknon، و"هيوس" huios، وكلتاهما تدلان على "البنوية "، فأولاهما تدل على البنوية نتيجة التسلسل الطبيعي، أما الثانية، فتدل في الغالب على البنوية من الناحية القانونية. ويستخدم الرسول يوحنا الذي يركز بصورة خاصة على البنوية بالولادة كلمة "تكنون"، بينما يستخدم الرسول بولس الذي يركز على البنوية من جانبها القانوني، أو بالحري على "التبني" الذي كان شائعًا عند الرومان، ولكنه لم يكن كذلك عند اليهود كلمة "هيوس" (انظر يو 1: 12؛ 1 يو 3: 1، 2؛ رومية 8: 14، 16، 19؛ غل 4: 6، 7).
2- تعليم العهد الجديد:
ليس الناس أبناء الله بالطبيعة على الأقل بالمعنى الذي ينطبق على المؤمنين بالمسيح بل كل الذين ليسوا في المسيح، هم بالطبيعة " أبناء الغضب" (أف 2: 3)، "و أبناء المعصية " (أف 2: 2)، وهم لا يخضعون لروح الله (رو 8: 14)، بل لروح المعصية (أف 2: 2-4).
ويصبح الناس أبناء لله بالتجديد والتبني، وذلك بقبولهم المسيح مخلصًا وربا لهم (يو 1: 12، 13؛ غل 3: 26).أ ما الأخوة التي يعلِّم بها العهد الجديد فهي الأخوة المبنية على أساس الأيمان بالرب يسوع المسيح كالمخلص الإلهي الوحيد للعالم، وهو ما ينطبق أيضًا على أبوة الله. من الحق أيضًا أن كل الناس هم "ذريته" (أع 17: 28، 29) بمعنى أنهم أولاده لأنه هو الذي خلقهم، ولكن من الواضح الجلي أن العهد الجديد يميز بكل وضوح وتأكيد بين النبوة على أساس الخليفة، والبنوة على أساس الإِيمان بالرب يسوع المسيح، فهذا أمر لا جدال ولا شك فيه.
فالبنوية هي امتياز كل مؤمن بالمسيح (1 يو 3: 2)، وستعلن في كمالها عند مجيء الرب يسوع ثانية (رو 8: 23)، حين يخلع المؤمن هذا الثوب الذي يستتر به الآن، فالعالم لا يستطيع أن يدرك هذه البنوية لهذا السبب (1 يو 3: 1، 2). أما عند استعلان المسيح، فُسيستعلن المؤمنون معه في مجد كأبناء لله (2 كو 5: 10)، فلم يظهر ولا يظهر الآن ماذا سنكون، لأن استعلان أبناء الله سيتم في يوم قادم عند استعلان الرب يسوع المسيح.
وبركات البنوية أكثر من أن نتكلم عنها إلا بكل إيجاز فأبناء الله هم موضوع محبة الله الخاصة (يو 17: 23)، ورعايته الأبوية (لو 12: 27-33)، ولهم اسم وأحد كعائلة (أف 3: 14، 15؛ 1 يو 3: 1)، كما تظهر فيهم المشابهة العائلية (رو 8: 29)، والمحبة العائلية (يو 13 : 35؛ 1 يو 3: 14)، وروح البنوية (رو 8: 15؛ غل 4: 6)، والخدمة العائلية (يو 14: 23، 24؛ 15: 18)، ويخضعون للتأديب الأبوي (عب 12: 4-11)، ويستمتعون بالتعزية الأبوية (2كو 1: 4)، ولهم الميراث الأبدي (رو 8: 17؛ 1 بط 1: 3-5)(1).
ومن دلائل البنوية، الانقياد بالروح (رو 8: 14؛ غل 5: 8)، ولهم ثقة الأبناء في الله (غل 4: 5)، ولهم حرية الاقتراب إلى الله (أف 3: 12) ويحبون الإِخوة (1 يو 2: 9-11؛ 5: 1)، ويطيعون الله (1 يو 5: 1-3).
_____
(1) توضيح من الموقع: الشاهد الأخير كان مكتوبًا (انظر 1: 3-5)، وتم تصليحه إلى (1 بط 1: 3-5)، حيث يذكر (1 بط 1: 3) أن الله "وَلَدَنَا". إن رأيت أن الشاهد غير صحيح تواصل معنا لنبحث معًا في الأمر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/d32ztfq