إن المثال الأعلى والأكمل للحياة المسيحية هو حياة الرب يسوع المسيح، فقد جاء ليتمم الناموس والأنبياء (مت 5: 17)، فقد كانت "غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن" (رو 10: 4). فبالمسيح وحده "يتم حكم الناموس فينا" (رو 8: 4)، فقد علم بسلطان وقدم توضيحًا جديدًا عميقًا للناموس (مت 5: 17-48).
ووصية المسيح الجديدة لتلاميذه هي "أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا" (يو 13: 34). ونحن نعرف المحبة وكيف نمارسها لأن الله أحبنا أولًا في المسيح (1يو 4: 19). وما وصف الرسول بولس، هذا الوصف الرائع للمحبة (1كو 13: 4-7)، إلا كما بدت في حياة المسيح. وقد قال الرب يسوع: "ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13)، وقد تمم هو ذلك بتقديم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة" (أف 5: 2). وقد أعطانا الروح القدس ليسكن فينا وليثمر في حياتنا المحبة وسائر الفضائل المسيحية التي هي ثمر الروح (غل 5: 22).
كما أن الرب يسوع هو مثالنا في التواضع (في 2: 5-8)، وفي عدم إرضاء أنفسنا (رو 15: 2-3)، وفي الوداعة والحلم (2كو 10: 1)، وفي العطاء والبذل (2كو 8: 9). وعلينا أن نكون "متمثلين بالله كأولاد أحباء" (أف 5: 1). وأن نكون كاملين كما أن أبانا الذي في السموات هو كامل (مت 5: 44-48)، وأن نكون رحماء كما أن أبانا رحيم (لو 6: 36). والمسيح مثالنا أيضًا في إرساليته للعالم، فقد قال "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا" (يو 20: 21).
والمسيح ينتظر أن يكون تلاميذه مثله في القصد والغاية، فقد أعطانا مثالًا، حتى كما صنع هو، هكذا نصنع نحن (يو 13: 1-13).
وعلى هذا الأساس يكتب الرسول بطرس: "لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا تاركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته" (1بط 2: 21). ويبدو أنه كان في ذهن بطرس تعليم المسيح عن التلمذة له التي تستلزم نكرانًا كاملًا للذات (مت 10: 38-39؛ 16: 24-26؛ لو 14: 26-33؛ 17: 33؛ يو 12: 24-26).
فاتباع المسيح يستلزم نكران الذات وحمل الصليب (مت 16: 24). وقد وضع المسيح أساس الحياة المثالية للمسيحي، بقوله: "إني في كل حين أفعل ما يرضيه" ["الآب" - (يو 8: 29)]. وأيضًا: "لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" (يو 6: 38). فهذا هو لب الحياة المسيحية - الحياة التي يظهر فيها مبدأ الصليب، في كل حياة المسيحي وسلوكه.
ويجب أن ندرك أن المسيح لم يفعل شيئًا بقصد أن يكون مثالًا فحسب، فإن مثال حياته الكاملة يدين الخاطئ، وللصليب قوة على قيادة الناس إلى القداسة، لأنه يُعلن المحبة الفائقة المعرفة التي قدمت الكفارة الكاملة عن خطايا الناس.
ويقول يعقوب الرسول: "خذوا يا أخوتي مثالًا لاحتمال المشقات والأناة، الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب. ها نحن نطوب الصابرين"، ويذكر أيوب، كمثال في الصبر (يع 5: 10-11).
كما يرسم الرسول بولس بحياته معنى "القدوة" للمؤمنين في عصره، فكتب للغلاطيين: "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل 2: 20)، وبعد ذلك يؤكد للكنيسة في فيلبي: "لي الحياة هي المسيح" (في 1: 21)، لذلك استطاع أن يقول: "كونوا متمثلين بي معًا أيها الإخوة، ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة" (في 3: 17). كما يقول لهم: "وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه فيَّ، فهذا افعلوا" (في 4: 9). وفي إحدى رسائله المبكرة. يكتب للكنيسة في تسالونيكي: "ليس أن لا سلطان لنا، بل لكي نعطيكم أنفسنا قدوة حتى تتمثلوا بنا" (2تس 3: 9؛ انظر أيضًا 2 تس 3: 7). فكانت حياة بولس مصداقًا لأقواله. ولسلطان الإنجيل على حياته. فيقول للكورنثيين: "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح" (1كو 11: 1).
ويكتب الرسول بولس إلى تلميذه تيموثاوس قائلًا: "لا يستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة" (1تي 4: 12). ويكتب لتلميذه تيطس: "مقدمًا نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة" (تي 2: 7).
ويكتب الرسول بطرس للشيوخ رفقائه أن يرعوا "رعية الله... لا كمن يسود على الأنصبة، بل صائرين أمثلة للرعية" (1بط 5: 3).
ويقول الرسول بولس للمؤمنين في تسالونيكي: "وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب إذ قبلتم الكلمة في ضيق كثير بفرح الروح القدس، حتى صرتم قدوة لجميع الذين يؤمنون في مكدونية وأخائية" (1تس 1: 6-7)، كما يقول لهم: "فإنكم أيها الإخوة صرتم متمثلين بكنائس الله التي في اليهودية في المسيح يسوع، لأنكم تألمتم أنتم أيضًا من أهل عشيرتكم" (1تس 2: 14؛ 3: 3-4؛ 2تس 1: 4-7).
ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله" (عب 12: 2).
ويجب أن تسبق شهادة المسيحي كقدوة لإخوته المؤمنين، شهادته لغير المؤمنين، في المجال الواسع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فلقد كانت هذه هي الحال مع المؤمنين في تسالونيكي، فيكتب لهم الرسول بولس: "قد صرتم قدوة لجميع الذين يؤمنون في مكدونية وفي أخائية، لأنه من قبلكم قد أذيعت كلمة الرب... في كل مكان" (1تس 1: 7-8). لقد كانت شهادتهم مبنية على ما حدث من تغيير في حياتهم، فلقد أصبح سلوكهم الجديد واضحًا أمام عامة الشعب بأنهم قد رجعوا "إلى الله من الأوثان" ليعبدوا "الله الحي الحقيقي" (1تس 1: 9)، لأنهم قد صاروا "متمثلين بنا وبالرب" (1تس 1: 6؛ انظر أيضًا 1كو 4: 16؛ 11: 1). كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالإيمان يرثون المواعيد"، كما يقول لهم: "اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب 6: 12؛ 13: 7).
وما يحكم سلوك المؤمنين هو أن يحيوا حياة المسيح لأن المسيح يحيا فيهم. فيجب أن يكونوا في كل ما يفعلون، إنما يفعلونه لمجد الله (1كو 10: 31). وأن يكونوا في كل ما يعملون "بقول" أو "بفعل" يعملون "الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به" (كو 3: 17). فالحياة المسيحية تتلخص في عمل مشيئة الله بكل محبة، "بالإيمان العامل بالمحبة" (غل 5: 6).
لقد أتى الرب يسوع المسيح "ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" وهذا هو المثال الذي يجب على تلاميذه أن يتبعوه (مت 20: 25-28). فقد ترك لنا مثالًا لكي نتبع خطواته (1بط 2: 21).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع