سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
أولًا(*)، شكرًا على رسالتك والأسلوب الرفيع الذي سألت به.. ولكن توجد نقطة نود توضيحها، وهي أنك تسأل في أمور مسيحية، من خلفية غير مسيحية.. فبعض طوائف الإسلام مثلًا ترفض تصوير الأنبياء وغيره.. فربما هذا هو سبب السؤال..
ولكن، المفترض في القرآن أنه نزل بدون رفض ما سبقه.. فيقول القرآن مثلًا: "فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ" (سورة يونس 49)، ويقول عن الكتاب المقدس أيضًا: "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ" (سورة أل عمران 3و4). ويقول أيضًا "وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ، وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" (سورة المائدة 46-48). وما أكثر الآيات القرآنية التي تدعو إلى الإيمان بالإنجيل والتوراة، نذكر منها غير ما سبق "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا" (سورة النساء 136).
وكانت من وصايا الله في العهد القديم ألا يصنع الإنسان تمثالًا منحوتًا، أي التصاوير التي كانت في العصور البدائية، ولكن لم يكن الرفض لمجرد الرفض.. ولكنه كان لئلا يزيغ قلب القدماء البدائيين ويعبدون ذلك التمثال أو غيره.. فيقول الله عز وجل في ذلك:
"لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ" (سفر الخروج 20: 4، 5).
"«لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ" (سفر اللاويين 26: 1).
"لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ" (سفر التثنية 5: 7-9).
فكما ترى عزيزي السائِل، النهي كان عن الصناعة بهدف العبادة، وليس الصناعة في حد ذاتها.. أي النهي عن عبادة الأوثان والأصنام وغيرها.. ولكن إن كانت تٌصنَع بهدف غير العبادة، فما المشكلة؟! بل الله نفسه تبارك اسمه قد أمر بصنع تماثيل في مسكن الله، كما نرى في سفر الخروج 25، 37، سفر الملوك الأول 6.. إلخ.
هذا من جهة تحريم التصوير.. أما من جهة قيمة الصورة ومعناها، فأنا مثلًا عندما يتوفى عزيز لديّ، وأضع صورته في محفظتي.. فهل هذا يقلل من قيمته أنني أحتفظ بورقة، أو بألوان مرسومة وليس بالشخص نفسه؟! هذا تفكير قاصر.. نحن ننظر لما وراء الصورة، ولمعناها.. وليس لشكلها، أو مادتها.. بل بما تحمله من دروس ومعاني وما تثيره في النفس من مشاعر..
هكذا هو الحال في موضوع الصور الدينية، أو تصوير الأنبياء في صور أو تماثيل أو أفلام دينية أو غيرها.. أما من ناحية معرفة صورة السيد المسيح أو غيره، فقد تناولنا هذا الأمر بالتفصيل هنا في موقع الأنبا تكلا في مقالات أخرى، مثل مقال تكريم الصور في المسيحية، ومقال من كتاب اللاهوت المقارن -1 للبابا شنوده الثالث عن موضوع الأيقونات والصور.
فيجب على الإنسان أن يأخذ الأمور بمرونة وتفكير موضوعي وعقلاني، ولا يُصاب بالوسوسة التي لا طائل لها.. فالله ينظر إلى القلب وليس إلى الظاهر.. إن صليت دقائق وأنت في سمو مشاعرك الروحية وعلاقتك مع الله عز وجل وارتفاع القلب إلى الله في خشوع وطهارة، أفضل من سنوات يصليها المرء في شكل فروض لا روح فيها.. الإنسان قد يحكم حسب الظاهر، ولكن الله ينظر إلى ما في باطن الفِكر والقلب.. فقد قال الله: "أَنِّي أَنَا هُوَ الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 23؛ سفر المزامير 7: 9).
* انظر أيضًا: صور دينية.
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت
www.st-takla.org (م. غ.) - مراجعة لغوية: سامي فانوس.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q34d7fw