سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
في
غالبية الحالات لا تهجم الخطيئة علي الإنسان دفعة واحدة بكل قوتها, إنما تزحف
إليه زحفا حتى تصل إليه بشيء من التدريج, لذلك فلينظر كل شخص من أين تأتيه
الخطية, ويراقب تطورها, ويحترس.
* ومراحل الخطية تبدأ غالبًا باتصال, ثم انفعال, فاشتعال فتتصل الخطية بأي
شخص عن طريق العثرات أو التهاون أو الصدفة, أو المعاشرات الرديئة, أو لقاءات الحياة العادية, فان أعطاها مجالا, قد تؤثر عليه فينفعل بها سواء
أكان انفعالا فكريا أو عاطفيا أو بطريق الحواس, فإن تهاون مع هذا الانفعال,
يشتد فيتحول إلي اشتعال.
وفي هاتين المرحلتين تكون مؤثرات الخطية قد انتقلت من الخارج إلي الداخل, وفي
هذا خطورة, وقد يتطور الأمر إلي ما هو أشد.
* يتطور الأمر إلي صراع داخلي, ربما ينتهي إلي تسليم وسقوط انه صراع بين
الضمير والخطيئة, أو بين الروح والمادة, وهذا الصراع يدل علي الإنسان,
رافض للخطيئة, وأنه يقاوم, وهي مرحلة متعبة, ولكنها أفضل من الاستسلام
للخطأ والسقوط, وهكذا يكون الإنسان قد أوقع نفسه في هذا الصراع بتهاونه في
المراحل السابقة.
والصراع مع الخطيئة غير مضمون النتيجة..
* ويتوقف علي مدي مقاومة الشخص, وعلي تدخل النعمة لإنقاذه, فقد تدركه
المعونة الإلهية, وتنتشله بطريقة ما مما هو فيه. وقد يتعب من الصراع
ويفشل, ويلقي سلاحه ويستسلم ويسقط. وذلك لأن الخطية من طبيعتها أنها
لا تستريح حتى تكمل.
* فان سقط الشخص في ذلك الصراع مع الشر, لا يتركه
الشيطان بل يستمر في
محاربته له, حتى تتكرر الخطيئة, وحتى تتحول إلي عادة أو إلي طبع فيه,
ويصل إلي الوضع الذي لا يستطيع فيه أن يقاوم!
* وهذا ما نسميه بالعبودية للخطية حيث يخضع لكل ما يقترحه الشيطان عليه, كعبد
له وللخطية التي سيطرت عليه, ثم لا يكتفي عدو الخير بأن يجعل فريسته عبدًا
له, إنما يتطور إلي ما هو أبشع.
* تتطور العبودية إلي مذلة العبودية!
أي إلي الوضع الذي يشتهي فيه الشخص الخطية التي تسيطر عليه, ولا يجدها!
ويطلبها متوسلا بكل قواه يتوسل ولا يتوصل كمن يطلب شهوة المال, أو شهوة
الجسد, فلا يجدها, أو كمن يطلب العظمة أو الكبرياء, أو الانتقام أو
التشفي, ويسعي بكل رغبات قلبه لعله يجد، وكأنه يتوسل إلي الشيطان, أو يتسوَّل من الشيطان, أن يمنحه الخطيئة! وهذه مذلةـ وقد يتمادي الشيطان في
غروره, ويحتقر هذا الشخص الذليل!
فلينظر كل شخص في أي مرحلة من هذه المراحل هو كائن؟ وليختصر الجهاد
والصراع, ويبعد عن الخطوة الأولي.
فهذه أسهل له وأربح وأكثر ضمانًا, كما أنه بابتعاده عن أول مرحلة من مراحل
الخطية يدل علي عدم قبوله لها بسبب نقاء قلبه.. ويريح نفسه من التفاوض مع
الشيطان بعدم التعامل معه.
* قد ينتصر إنسان علي فكر شرير بعد صراع مرير, ولكنه في أثناء الصراع يكون
قد نجس ذهنه وربما قلبه.
وحتى إن طرد الفكر من عقله الواعي, قد يبقي في ذاكرته وفي عقله الباطن,
وربما يعود إليه بعد حين, أو يظهر في أحلامه أو في ظنونه.. فلماذا كل هذا
التعب؟ الوضع السليم هو التخلص منه من بادئ الأمر, قبل أن يستمر, وقبلما
يتسع نطاقه في تدمير الروحيات (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع
الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). والانتصار علي الفكر يبدأ من مرحلة الاتصال.
فليحاول كل شخص أن يبتعد عن الاتصال بمصادر الخطية.
* لذلك في أي مرحلة من مراحل الخطية وجد الإنسان نفسه, فليجاهد أنها لا
تتطور إلي أسوأ، لأن الإرادة تكون قوية في أول القتال, أعني في مرحلة
الاتصال, فإذا وصل الشخص إلي مرحلة الانفعال, تكون إرادته قد بدأت تستجيب
للخطأ, وفي الاشتعال تكون قد ضعفت, أما في مرحلة الصراع, فان الإرادة
تكون بين الحياة والموت, وان سقطت تكون قد وقعت صريعة في حربها ضد الخطية,
وفي حالة العبودية للخطية تكون الإرادة قد ماتت تماما, ويصبح الإنسان حينذاك
مسلوب الإرادة, إذن فليعلم هذه الحقيقة جيدا؛
انه كلما يخطو خطوة في طريق الخطية, تضعف إرادته وكلما يضعف, يميل إلي
الخطية ويكون قد أعطي الشيطان مكانا ووضعا داخل نفسه, وكلما يخطو خطوة أخري
نحو الخطية, تقل مخافة
اللهفي قلبه, ويكون سقوطه بالعمل متوقعا جدا..
والإنسان الحكيم لا يستهين بأية خطية, مهما بدت صغيرة.. فأي ثقب بسيط في
سفينة, قد يتسع إذا أهمل حتى يتحول إلي كارثة غرق.
لذلك فلنحترس مدققين من جهة أي تهاون أو تراخ في كلامنا أو تصرفنا, عارفين أن
من يهتم بالقليل, سيهتم بلا شك بالكثير, وكما يقول المثل الانجليزي اهتم
بالبنس, فتجد أن الجنيه يهتم بنفسه؟ Take care for the
penny, and the pound will take care of itself لذلك كن دقيقَا جدَا, فربما خطأ بسيط يجر
إلي مشاكل كثيرة, بينما التدقيق ينفعك ويعلمك الحرص.
* حقا ما أكثر الخطايا التي تدخل من ثقب إبرة!
انه لا يدعوك مثلا إلي إهمال الصلاة, لكنه قد يقترح تأجيلها بعض الوقت ريثما
تستعد, ثم يظل يؤجل ويؤجل حتى يفوتك موعد الصلاة أو تنساها. وهكذا يفعل معك
بالنسبة إلي التوبة. والخطوة الأولي إلي الخطية تختلف من شخص إلي آخر,
وتتنوع حسب الظروف, فكن يقظا من هذه الناحية, وإذا دفعت إلي الخطية
الأولي, فلا تكمل وتصل إلي الثانية.
واحترس من أن تكون الخطوة الأولى بالنسبة إليك هي الغرور والثقة الزائدة بالنفس
التي نقودك إلي عدم الاحتراس أو إلي شيء من الفتور. كذلك استفد من دراسة
الخطوة الأولى التي أسقطت غيرك, وبخاصة أولئك الذين كانوا أقوياء أو ظنوا
أنهم أقوياء, وبالاحتراس من الخطوة الأولي, تتدرب علي حياة التدقيق, وعلي
حياة الجهاد الروحي وليكن الله معك.
المرجع: مقال لقداسة البابا شنوده الثالث - جريدة الأهرام - 6 مايو 2007
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pa8v97s