سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
هناك أمور لا يجد الإنسان مخيرًا فيها.
حقًا إن الإنسان لم يكن مخيرًا من جهة الوطن الذي وُلِد فيه، والشعب الذي نشأ بينه، ومن جهة الوالدين الذين ولداه، ونوع البيئة التي أحاطت بطفولته وتأثيرها عليه، وكذلك نوع التربية التي عومِل بها.
ولم يكن الإنسان مخيرًا من جهة جنسه؛ ذكرًا أو أنثى. ولم يكن مخيرا من جهة شكله ولونه، وطوله أو قصره، ودرجة ذكائه، وبعض المواهب التي منحت له أو التي حُرم منها، وما ورثه عن والديه.. إلخ.
ولكن الإنسان في تصرفاته وأعماله الأدبية، هو مخير بلا شك.
يستطيع أن يعمل هذا العمل أو لا يعمله. يستطيع أن يتكلم أو يصمت. بل إنه يستطيع -إن أراد- أن يصلح أشياء كثيرة مما ورثها، وأن يغير مما تعرض له من تأثير البيئة والتربية.
يمكنه أن يلقي الماضي the past كله جانبًا، ويبدأ حياة جديدة مُغايرة للماضي كله؛ يتخلص فيها كل التأثيرات السابقة التي تعرض لها منذ ولادته..
وكم من أناس استطاعوا في كبرهم أن يتحرروا من تأثيرات البيئة والتربية والوراثة التي أحاطت بهم في صغرهم. وذلك بدخولهم في نطاق تأثيرات أخرى جديدة، عن طريق القراءة، أو الصداقة والعشرة، أو بتأثير مرشدين روحيين ومعلمين جدد، أو بتأثير الدين والاجتماعات، كما حدث لأشخاص نشأوا في حياة ضائعة وتابوا، أو غيرهم نشأوا في حياة روحية وضلوا.
وحتى من جهة المواهب أيضًا..!
يمكنه أن ينمي المواهب التي ولد بها، أو أن يضعفها بعدم الاستخدام. وقد يكون إنسانًا قليل المواهب، ويستطيع أن يتعهد هذا القليل بالممارسة والاهتمام فتكبر مواهبه، أو يكتسب مواهب لم تكمن عنده، ويصير في حالة أفضل ممن ولد موهوبًا وأهمل مواهبه.
وهناك أمور كثيرة تدل على أن الإنسان مخير لا مسير.
1- إن وجود الوصية الإلهية دليل على أن الإنسان مخير.
لأنه إن كان الإنسان مسيرًا، ولا يملك إرادته وحريته، فما معنى الوصية إذن؟! وما فائدة الوصية إن كان الإنسان عاجزًا عن السير فيها، وإن كان مسيرًا على الرغم منه في اتجاه عكسي؟! وعلى رأي الشاعر الذي قال:
ألقاه في اليم كتوفًا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماءِ!
وحتى إن كان الإنسان مسيرًا في طريق الوصية، فلا لزوم للوصية إذن. لأنه سيسير في هذا الطريق بالذات، سواء وجدت الوصية أو لم توجد!!
ولكن الأمر المنطقي هو أن وجود الوصية دليل على أن الإنسان مخير، هو في حريته يتبع وصية الله أو لا يتبعها. وهذا ما نشاهده فعلًا.. بإمكان الإنسان أن يطيع وصايا الله إن أراد، أو يعصاها إن أراد. لأن الله وهبه حرية الإرادة وحرية الاختيار.
2- وجود الخطية دليل على أن الإنسان مخير.
فلو كان الإنسان مسيرًا، فهل من المعقول أن الله يسيره نحو الخطيئة؟ وبذلك يكون شريكًا معه في ارتكابها؟! حاشا. إن هذا أمر لا يقبله العقل.. ولا يتفق مطلقًا مع طبيعة الله الذي هو قدوس وصالح، يكره الشر ولا يوافق عليه، ويدعو كل الناس إلى التوبة وترك الخطية.
إذن حينما توجد خطية، يكون الإنسان قد فعلها باختياره وبإرادته، أي أنه كان مخيرًا فيما يفعله.
وإن كان الإنسان مخيرًا في فعل الشر، فإنه بالأولى وبالأحرى يكون مخيرًا في فعل الخير، ومخيرًا أيضًا في أن يتجه إلى التوبة وترك الخطية. والله يدعو الجميع إلى التوبة. ولكنه يتركهم إلى اختيارهم، يتوبون أو لا يتوبون..
3- وجود الدينونة دليل على أن الإنسان مخير وليس مسير.
مجرد وجود العقاب والثواب دليل على أن الإنسان مخير فيما يفعله. لأنه من أبسط قواعد العدل، أن لا يحكم على إنسان ما لم يكن في تصرفاته عاقلًا حرًا مريدًا. فإن ثبت انعدام الحرية والإرادة، لا يُحكَم له أو عليه، إذ انه لا مسئولية حيث لا حرية.
وبناء على هذا لا يمكن أن يحكم الله على خاطئ بالعذاب الأبدي، ما لم يكن هذا الإنسان بكامل اختياره قد شاء لنفسه السلوك الرديء وارتكبه، فأخذ لنفسه جزاء إرادته وعمله. وعلى قدر ما تكون له إرادة، هكذا تكون عقوبته.
ومحال أن يُعاقب الله إنسانًا مسيرًا، لأنه ما ذنب هذا المسير؟ العقوبة بالأحرى تكون على من سيَّره نحو الخطأ.
ونفس الكلام نقوله من ناحية الثواب. فالله يكافئ مَنْ فعل الخير باختياره، وبإرادته ورغبته (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). أما إن كان مسيرًا، فإنه لا يستحق ثوابًا.
4- وأخيرًا، نود أن نقدم أربع ملاحظات:
أولًا: إن الله يحث كل إنسان على الخير، ويرشده ليبعده عن الخطأ. سواء عن طريق الضمير conscience، أو المرشدين والآباء والمعلمين، وبكل عمل النعمة. ومع ذلك يتركه إلى اختياره يقبل أو لا يقبل.
ثانيًا: إن الله يتدخل أحيانًا لإيقاف شرور معينة، ويمنع من ارتكابها. وفي هذه الحالة لا يكون فضل لمن ترك هذا الشر، ولا يكون له ثواب.
هنا، من أجل الصالح، يسيِّر الله الأمور بنفسه، أو يحوِّل الشر إلى خير. أما في باقي أمور الإنسان العادية وتصرفاته، فهو مخير ويملك إرادته.
ثالثًا: قد يفقد الإنسان إرادته بإرادته. أي أنه ربما بإرادته يستسلم لخطية معينة، إلى أن تصير عادة أو طبعًا، يخضع لها فيما بعد ويفعل ما يريده هذا الطبع، وكأنه أمامه بغير إرادة..
ولكنها عدم إرادة، تسببت عن إرادة سابقة، فعلها الإنسان وهو مخير.
رابعًا: إن الله سيحاسب كل إنسان في اليوم الأخير على قدر ما وهبه من عقل وإدراك، وعلى قدر ما لديه من إمكانية وإرادة واختيار. ويضع الله في اعتباره ظروف الإنسان، وما يتعرض له من ضغوط، ومدى قدرته أو عدم قدرته على الانتصار على هذه الضغوط.
المرجع:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tgcxc9x