تُعَد مهمة الاكتشاف المبكر للطفل المعوق عقليًا من المهام الصعبة التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا في حجم وكيفية الخدمات التي تقدَّم لهذه الفئة من الأطفال.
فالحقيقة التي يعرفها المتخصصون هي أن أطباء الأطفال، والممرضات المؤهلات غالبًا ما لا يعرفون العلامات المميزة للطفل المعاق عقليًا حديث الولادة، ويترتب على ذلك أن يظل الطفل على ما هو عليه من إعاقة فترة طويلة، قد تمتد حتى دخول المدرسة، وبدء تعرضه لصعوبات التعليم. وهنا نكون قد وصلنا إلى مرحلة متأخرة من التدخل، وتكون الجهود المختلفة أقل فعالية، بالإضافة إلى ضياع الكثير من الفرص على الطفل، وهي فرص كان يمكن أن تكون مؤثرة في تقدمه وقدرته على التعليم الاجتماعي والاستقلال الشخصي.
ولعله من الضروري أن نعرف أولًا ما هو المقصود بالإعاقة العقلية، حتى نتمكن من اكتشافها في وقت مبكر.
يُقصد بالإعاقة العقلية أو التخلف العقلي –كما يعرف اصطلاحًا- أن الطفل أقل ذكاءًا عن متوسط ذكاء المجتمع بقدر جوهري، بالإضافة إلى وجود آفات في سلوكه التوافقي.
والسلوك التوافقي هنا هو جوهر النقطة التي سنهتم بها. فالطفل يبدأ حياته منذ ميلاده في الارتقاء النفسي والبدني والعقلي والاجتماعي. وقد لا نلاحظ بسهولة الارتقاء البدني والعقلي، ولكننا نلاحظ الارتقاء البدني والاجتماعي. من ذلك أن الطفل في شهر معين من عمره يتوقع منه أن يتابع أمه بعينه، ويتعرف عليها دون سائر الأشخاص الآخرين، كما أنه يبكي إذا تركته بمفرده أو إذا كان في حاجة لها. فإذا لم يفعل هذا فمعنى ذلك أن هناك شيئًا ما يستحق أن تتوقف لديه الأم وتلاحظه.
إن مراحل الارتقاء التي يمر بها الإنسان تتقدم وفق نظام معين، والتأخر في الارتقاء وفق هذا النظام أو البرنامج الزمني يعني أن هناك تخلفًا، وغالبًا ما يكون تخلفًا عقليًا.
من ذلك أن الطفل الذي لا يبكي، ولا يميل على جانبه، والذي تعتقد أمه أنه طفل لا يثير المشاكل ولا يعطلها عن عملها، وأنه مثال للطفل الهادئ والمثالي الذي يقضي طوال النهار ساكنا؛ إنما هو طفل متخلف في حقيقة الأمر! ويتطلب الموقف سرعة عرضه على أخصائي يمكن أن يشير عليها بما يجب أن تفعله.
إن التأخر في الكلام، أو عدم اللعب مع الأطفال الآخرين في نفس العمر، أو القيام بحركات غير مألوفة، أو عدم القدرة على التعبير العاطفي مع الأب والأم، أو الاهتمام بالأشياء دون الناس.. كل ذلك يمكن أن يشير في فترة مبكرة إلى تخلف عقلي يتعيَّن التدخل السريع لتفادي آثاره التي تتراكم بعد ذلك بصورة تؤثر في برامج التنمية والتدريب والتأهيل لمثل هؤلاء الأطفال.
فئة أخرى من الأطفال المتخلفين عقليا يمكن اكتشافه أفرادها بسهوله، وهم فئة الأطفال المنغوليين، أو كما يطلق عليهم اصطلاحًا الأطفال ذوي زملة دوان. ويتسم هؤلاء الأطفال ببعض الخصائص البدنية الواضحة منذ ميلادهم، ومن هذه الخصائص الشعر الناعم غالبًا، والعيون المسحوبة التي تشبه عيون الصينيين أو اليابانيين، والأيدي الصغيرة الممتلئة، والأصابع القصيرة، والتي يحدث أحيانًا أن يكون خنصرها مكونًا من عقدتين لا ثلاثة كالطفل العادي، واللسان الكبير الذي غالبًا ما يتدلى من الفم، ومثل هؤلاء الأطفال يكون الغالبية العظمى منهم متخلفين عقليًا، ويرجع تخلفهم إلى اضطراب كروموزومي في الكروموزوم الحادي والعشرين. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). غير أن أغلب هؤلاء الأطفال -إذا لم يكن تخلفهم شديدًا- فمن الممكن استمرارهم في التعليم النظامي حتى السنة السادسة الابتدائية تقريبًا.
هناك بعض حالات التخلف العقلي التي تنتج بعد الميلاد لأسباب اجتماعية، أهمها الفقر الثقافي للوالدين، والبيئة غير المواتية التي لا توفر تنبيهات مناسبة تنمي من قدرات الطفل ومهاراته. ومثل هذه الحالات لا يسهل اكتشافها بسهولة نتيجة لكون الأسرة نفسها غير واعية بمعالم الارتقاء السوي، أو لأن الأبوين أنفسهما يعانيان من بعض التأخر في المهارات والقدرات العقلية المناسبة لهما.
إن مهمة الاكتشاف المبكر للتخلف العقلي لا تبدأ في الواقع من بداية الميلاد، بل من الممكن أن تبدأ من بداية الحمل أو مرحلة إخصاب البويضة، ذلك أن عملية اندماج الكروموزومات الذكرية والأنثوية يمكن أن يشوبها الكثير من المشكلات، فإذا حدثت في مرحلة الحمل، وهنا يكون للأبوين فرصة في اتخاذ القرار المناسب سواء كانت لديهم الرغبة في استمرار الحمل وتوقع طفل متخلف أو التخلص من الجنين في مراحله الأولى.
ومن الضروري عند هذه النقطة أن نذكر حقيقة هامة وهي أنه قد لا تكون الأم هي المسئولة عن إنجاب الطفل المتخلف، وقد لا يكون الأب أيضًا هو المسئول، فحتى المرحلة الحالية من التقدم العلمي الكبير، لم نتمكن من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى إنجاب طفل متخلف عقليًا.
إن الخطوة الأولى لاكتشاف احتمال إنجاب طفل متخلف عقليًا تبدأ قبل الزواج، وتبدأ بضرورة قيام الشباب المقبلين على الزواج بمجموعة من الفحوص الطبية التي توضح احتمال إنجاب طفل معاق عقليًا.
ويجب على الأم أن تلاحظ أن هناك مجموعة أخرى من العوامل التي تؤدي إلى إنجاب طفل متخلف عقليًا، منها إصابة الأم بالحصبة الألمانية أثناء الحمل، أو تعرض الطفل أثناء الولادة للاختناق ونقص الأكسجين، أو استخدام الجفت في إخراج الطفل من الرحم وإصابته في رأسه، أو تعرضه للإصابة بمرض الصفراء بعد الولادة مباشرة، أو تعرضه لارتفاع حاد في درجة حرارته لأي سبب لفترة طويلة تؤثر في خلايا المخ.
وعند حدوث أي من هذه الأسباب فمن الضروري استشارة الطبيب المختص حتى يمكن اتخاذ الإجراء المناسب في مقل هذه الحالات.
إن مشكلة وجود طفل معاق في الأسرة من المشكلات الهامة، والتفكير في الحد من الإعاقة من خلال الاكتشاف المبكر للإعاقة العقلية يُعَد هدفًا جوهريًا يسعى إليه كل العاملين في المجال، وكذلك الآباء والأمهات.
د. صفوت فرج – أ. علم النفس – جامعة القاهرة
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/86z2gf7