كانت مصر خلال القرن الرابع عشر تحت حكم المماليك، وقد توالى عليها خلاله ثلاثة منهم هم: الملك الناصر بن قلاوون، والملك الصالح، والملك المنصور.
عندما تولى الملك تفشت في مصر عدة أمراض فتكت بالإنسان والحيوان، فأوعز أحد القضاة المسلمين إليه بأن هذه الأوبئة بسبب وجود المسيحيين في البلاد، وكان هذا القاضي ابنًا لأحد المسيحيين وأسلم، وكان يكره المسيحيين، ففرض على كل فرد من الأقباط دينارًا سنويًا زيادة على الجزية التي كانوا يدفعونها، بالإضافة إلى ما كان يُجبى من كل من المسلمين والأقباط (زكاة الدولة)، زائد نفقات الاحتفال بوفاء النيل وغير ذلك... واشتد الاضطهاد تباعًا حتى عاد بقوة وأمر الأقباط بلبس العمائم الزرق وشد الزنانير على أوساطهم ومنعهم من ركوب الخيل..
وقد اختلفت الآراء حول ما أصاب الأقباط، فمنهم من قال أنه بفضل هذا القاضي ومنهم من قال أنه بسبب تكبر بعضهم وركوبهم الخيول المطهمة (الجميلة) وإذلال المسلمين، ومنهم من يقول أنه نتيجة تذمرهم وشكاياتهم من الظلم الذي وقع بهم، وهذا ما دفعهم إلى العناد ولبس العمائم البيض وتأنقوا في لباسهم وظهر بعض الموظفين منهم في الشوارع وهم راكبون الخيول فاشتد النكير عليهم من المسلمين.
وقد رأى أحد زوار القاهرة من مسلمي المغرب هذا المنظر فاستنكره وذهب ليشكو حال المسلمين وذلهم إزاء الأقباط راكبي الخيول فانقلبت الدائرة عليهم ورفدوا من وظائفهم واستهزأ الرعاع بهم في الشوارع وجعلوا يلقونهم بالحجارة وتحطمت الكثير من الكنائس.
كما كان النصارى يحتفلون في شبرا الخيمة (الخيام) بعيد وفاء النيل الذي سموه عيد الشهيد لأنهم كانوا يجتمعون في منطقة شبرا الخيمة الآن على شاطئ النيل بجوار كنيسة كانت هناك ويضربون خيامهم لعدة أيام حيث يلقون بصندوق يحوى إصبع أحد الشهداء في النيل كي يزيد فيضانه (ولذلك سميت شبرا الخيام ثم شبرا الخيمة). وفي هذه الأيام مُنِعوا من إقامة هذا العيد اعتبارًا من عام 1302.
وحدت أنه لما خلع الملك الناصر وتولى بعده بيبرس الجاشكير ولقب بالملك المظفر ثم قام بيبرس وقتله واسترد عرشه، وفي هذه الحالة ثاب إلى رشده وأحسَّ بأن ما حل به هو من ظلمة للأقباط، فعاد ليجمعهم من ظلم المماليك ويقصي الجهلة من المسلمين، إلا أن تغير موقف الملك الناصر إلى صف الأقباط لم يرق بعض المتعصبين من المسلمين فجعلوا يتصيدون لهم الأخطاء وكي يوقعوا بهم، وحدث أنه لما أراد الملك الناصر أن ينشئ ميدانا فسيحا فيما يعرف الآن بالناصرية، وكانت تشغل المكان كنيسة كبيرة جميلة البناء ومتينة فأشار عليه بعض المتعصبين بهدمها، أما هو فلم يوافقهم أول الأمر ثم أمر بأن يُحْفَر حولها حتى تسقط وحدها، إلا أنه لمتانة مبانيها لم تسقط، فاغتاظوا وفكروا في أمر آخر، فلجأوا إلى استصدار أمر بهدم بعض الكنائس لبناء عمارات بأنقاضها تعطى البلد رونقًا جميلًا، فهدموا الكثير من الكنائس والأديرة في القاهرة.
وامتدت يد الهدم إلى كنائس حارة زويلة والموسكي وبابليون، وذهبوا يهدمون فيها، فسار إليهم السلطان بنفسه ليهدئ الأحوال ويمنعهم من مواصلة هذه الأعمال وأمر بفرقة من الجند للتعرض لهم وإنقاذ مَنْ بقى من الأقباط الذين كانوا محاصرين في قصر الشمع. بل أسرع هو بنفسه إليهم ومعه أربعة من الأمراء ولم يقو عليهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). حتى أنهم كانوا يقاومونه بإلقاء الحجارة عليه، وفي النهاية هجم عليهم هجمة شديدة ففروا من أمامه هاربين. ويصف المقريزى هذه الأيام بالصعوبة وأن كثيرًا من الكنائس هدم فيقول "خرب من الكنائس كنيسة نجرائب التتر من خلقة الجبل وكنيسة الزهري في الموضع الذي فيه الآن بركة الناصرية وكنيسة الحمراء وكنيسة السبع شعايات وكنيسة بحارة الروم وكنيسة بالنبدقانيين وكنيستان بحارة زويلة وكنيسة نجراته البنور وكنيسة بالفندق وأربع كنائس بتفر الإسكندرية وكنيستان بدمنهور الوحش وأربع كنائس بالغربية وثلاث كنائس بالشرقية وست كنائس بالهنساوية وبأسيوط ومنفلوط وثية الخطيب (المنيا حاليًا) ثمان كنائس، وخرب من الديارات شيء كثير".
وقد رد بعض الأقباط على هذا العنف بإحراق بعض الأماكن في القاهرة إلا أنه قبض عليهم واعدموا، واستمرت المظاهرات واستعمال العنف والإرهاب فتره طويلة وأعادوا الأقباط إلى لبس الزي الخاص بهم في أزمان الاضطهاد.
ولم يخف اضطهاد الأقباط إلا عندما أرسل ملك الحبشة بعد أن وصله خبر ما جرى للأقباط إنذار للملك في مصر بأنه إن لم يوقف هذا التيار فإنه سيحل بمسلمي الحبشة ما يحل بالأقباط في مصر.
كان من أشهر الشخصيات القبطية الأنبا رويس الملقب بأبي فريج ولد في إحدى قرى الغربية، وترك موطنه في سن العشرين وتوجه إلى صعيد مصر وعاش ناسكًا زاهدًا فأحبه الناس ثم عاد إلى القاهرة حيث قبض عليه مع من كان يقبض عليهم، وألقي في السجن إلى أن أطلق سراحه بتدخل الأب البطريرك، فطاف يعلم ويصلي حتى تنيح بسلام في عام 1397. وأودع جسده بدير الخندق المعروف الآن بدير الأنبا رويس بالعباسية.
1- عصر المماليك |
الكنيسة
القبطية في العشرة قرون الأخيرة د. يواقيم رزق مرقص |
5- أشهر الشخصيات القبطية في العصر الأيوبي |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tpgxs6f