St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   29-Sefr-Marathy-Ermia
 

شرح الكتاب المقدس - القمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر مراثي إرميا - المقدمة

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب المراثي:
تفسير سفر مراثي إرميا: مقدمة سفر مراثي إرميا | مراثي إرميا 1 | مراثي إرميا 2 | مراثي إرميا 3 | مراثي إرميا 4 | مراثي إرميا 5

نص سفر مراثي إرميا: مراثي إرميا 1 | مراثي إرميا 2 | مراثي إرميا 3 | مراثي إرميا 4 | مراثي إرميا 5 | مراثي إرميا كامل

قال الجامعة (سليمان الحكيم): "اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ النَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ الْوَلِيمَةِ، لأَنَّ ذَاكَ نِهَايَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَالْحَيُّ يَضَعُهُ فِي قَلْبِهِ. اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ، لأَنَّهُ بِكَآبَةِ الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ. قَلْبُ الْحُكَمَاءِ فِي بَيْتِ النَّوْحِ، وَقَلْبُ الْجُهَّالِ فِي بَيْتِ الْفَرَحِ" (جا2:7-4) وهذا الكلام هو عكس ما يؤمن به العالم، فرأى أهل العالم لنأكل ونشرب، لنفرح ونضحك لأننا غدًا نموت. ولنقرأ ثانية ما قاله سليمان الحكيم ثم نأتي لقراءة هذا السفر في حزن مقدس على خطايانا التي هي سبب آلام المسيح وآلامنا وآلام الكنيسة.

 

1- يجب أن تكون لنا تراتيل فيها حزن مقدس على خطايانا، فيها نبكي على خطايانا وأثارها؛ فهذا يحرك مشاعرنا وقلوبنا فنصبح مستعدين لتلقي الحقائق الإلهية. فالتوبة تصهر القلب فيكون كالشمع مستعد لأن تطبع عليه الحقائق الإلهية كالختم. أما الإنسان اللاهي الضاحك، الإنسان غير النادم الذي لا يبكي على خطاياه يكون قلبه صلبًا غير مستعد لهذا.

 

2- في ملخص سريع لأحداث سفر إرميا. فقد أخطأت أورشليم خطايا بشعة كثيرة فأسلمها الله لجيش بابل بقيادة نبوخذ نصر الذي حاصرها ثم بعد أحداث أليمة من مجاعات وأوبئة سقطت في يد ملك بابل فدمرها وأحرقها ونقض أسوارها ودمَّر هيكل الرب وبيت الملك وقتل من قتل وسبا من سبا ولم يترك سوى المساكين في الأرض. فمن يقارن بين حال أورشليم قبل سقوطها أيام مجدها وبين حالها بعد خرابها لا بُد وسيرثيها كما فعل النبي، ورثاء النبي على ما حدث لأورشليم يثبت صدق نبواته، ويثبت صدق مشاعره نحو بلده وأهله وأنه كان غير راغب في تحقيق نبواته بل يتمنى توبة شعبه. وحين رأى بروح النبوة ما سيحدث قال [يا ليت عيني ينبوع ماء لأبكي] (إر 9: 1). والآن بعد أن حدث ما تنبأ به ها هو يبكي بمشاعر صادقة وهذا يثبت كذب الاتهامات التي وجهوها لهُ بالخيانة وأنه في صف ملك بابل. وهو لم يفرح بأن صدقت نبواته ولا بالانتقام ممن اضطهدوه. بل أن قلبه المملوء حبًا وحنانًا بكى لآلام من عذبوه فكان خيرًا من يونان النبي الذي غضب حين سامح الله نينوى إذ قدَّموا توبة.

 

3- إن بنية هذه القصيدة الرثائية جديرة بالملاحظة. فالإصحاحات 4،2،1 في لغتها الأصلية وهي العبرية مرتبة ترتيبًا أبجديًا. وكل إصحاح منها مؤلَّفْ من 22 آية شعرية، تبدأ كل منها بأحد أحرف الأبجدية العبرية على التوالي أما الإصحاح الثالث، حيث نجد أوفى اعتراف بخطيتهم وحزنهم، فقوامه 66 آية، ثلاث لكل حرف أبجدي، أي أن كل واحدة من الآيات الثلاث الأولى تبتدئ بحرف الألف- وكلًا من الآيات الثلاث التواني تبتدئ بحرف الباء.... وهكذا أما الإصحاح الخامس فهو غير ملتزم بالأبجدية ولكنه مكون من 22 آية أيضًا وكل آية نصفين مترادفين وفي الجزء الثاني إجابة أو مرادف للجزء الأول. وذلك حتى يسهل حفظها غيبًا وتستعمل في صلواتهم. وهناك ملحوظتان:

أ‌. هناك استثناء فالأبجدية متبعة تمامًا في الإصحاح الأول ولكن في الإصحاح الثاني والثالث والرابع سبق حرف PE حرف AJIN بينما هو يتبعه في الأبجدية فلماذا؟ حرف الـPE هو الذي يستخدم للتعبير عن رقم (70) فكأن النبي يريد أن يحفر في أذهانهم أن عودتهم من السبي ستحدث بعد 70 سنة.

ب‌. في المزمور 119 نجد 22 قسمًا كل منها مكون من 8 آيات شعرية وهي تستخدم كل حروف الأبجدية العبرية. وهذا المزمور كله يمتدح ناموس الرب الكامل وإذا فهنا أن استخدام الحروف الأبجدية كلها في المزمور 119 يشير أننا نستخدم كل اللغة البشرية بإمكاناتها لنمدح ناموس الرب حتى نسلك فيه فيكون لنا كل الخير، فإن المراثي تستخدم كل الحروف أيضًا لتعبر عن الأحزان المترتبة على إهمال ذلك الناموس وكسره.

 

4- كاتب سفر المراثي "إرميا النبي" يرثي أورشليم ويُصوِّر الفظائع التي ارتكبت بواسطة البابليين والآلام التي عانى منها الشعب أثناء الحصار. وبعد أن كانت المدينة كاملة الجمال بهجة كل الأرض أصبحت محروقة ومشوهة. وهي كانت كاملة الجمال لوجود الله في وسطها أما وقد غادرها الله وفارقها بسبب الخطية فقد فقدت من يحميها فسقطت وأذلها البابليون. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وملكها سقط وهكذا كهنتها وتوقفت احتفالاتها وأعيادها وأفراحها وتسبيحها وعبادتها وأصبحت بلا أنبياء ولا رؤى وأرض يهوذا تحولت للغرباء والناس ماتوا أو أخذوا سبايا وعبيدًا بل حتى من بقى في الأرض كان عبدًا لملك بابل. كل هذا بسبب الخطية. خطية الشعب والقادة ولكن هناك معنى روحي لهذا. فأورشليم هذه تشير لآدم الذي كان كامل الجمال فهو قد خُلق على صورة الله. وكان بهجة كل الأرض وكان يرى الله ويكلمه ولكن بسقوطه فقد كل شيء ومات وسقط مسبيًا للشيطان ولم يَعُد يرى الرب ولم يَعُد يسبح الرب وفقد أفراحه. فصورة أورشليم بعد خرابها هي صورة الإنسان بعد سقوطه، وهذه المراثي ترثى خراب أورشليم وترثى أيضًا خراب الإنسان وحزن الله عليه.

 

5- يبدأ الإصحاح الثالث بـ"أنا هو الرجل الذي رأى مذلة" وقد تحيَّر علماء الكتاب المقدس في الغرب في من هو هذا الرجل فمن قائل أنه إرميا، ومن قال أنه شخصية اعتبارية تتكلم عن أورشليم ومن قال أنه ملك أورشليم صدقيا. ولكن كنيستنا المرتشدة بالروح القدس وجدت أن هذا الرجل هو المسيح ولذلك تقرأ الكنيسة هذا الإصحاح في نبوات الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة العظيمة في أسبوع الآلام. فالكنيسة رأت أن المتألم الحقيقي ليس أورشليم وليس الإنسان بل المسيح الذي حمل أحزاننا وأوجاعنا تحملها (أش4:53) وكأس غضب الله التي كانت في يد الإنسان أخذها المسيح (أش22:51) وهو قد سبق وقال "ليت عليَّ الشوك" (أش4:27). بل هو الذي كمَّله الآب بالآلام (عب10:2) المسيح تكمل بالآلام ليشابهنا في كل شيء، فنحن بسبب الخطية صرنا تحت الآلام (يع5: 17) ونحن نَتَكَمَّل بالآلام لنتنقَّى ونشبه المسيح. وإرميا هنا هو لسان الله وهكذا قال لهُ الله "فمثل فمي تكون" (أر19:15) فالنبي هنا في إحساسه الصادق بالألم، آلام الهوان والاضطهاد ثم آلام الحزن على أورشليم كان لسانًا للمسيح الذي كان حزينًا على هلاك البشر وعلى اضطهاد البشر لهُ. وكما أحب المسيح العالم هكذا أحب إرميا شعبه فاستحق أن يكون لسانًا لله. ولنلاحظ أن المسيح لم يضحك أبدًا بل كان يبكي. [فَالرَّبُّ سُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ] وهذا محبةً في البشر، لنعود نحن إلى حضن الآب (اش 53: 10).

 

6- في العبرية يسمى كل سفر بأول كلمة فيه ولذلك يسمى هذا السفر كيف. أما في الترجمة اليونانية فتم تسميته بالمراثي. ولكن تسميته كيف معبرة جدًا. والسؤال ما زال للآن: كيف تَتَحَوَّل صورة الله أي الإنسان لهذا الخراب؟ والإجابة... إنها الخطية.

 

7- كيف يكون النبي لسانًا لله، وما معنى "فَمِثْلَ فَمِي تَكُونُ" (إر 15: 19)؟

حتى يكون النبي لسانًا لله يشعر بمشاعره، يسمح الله للنبي بأن تمر به ظروف شبيهة ولنأخذ مثال لذلك. حين أراد الله أن يشرح لأبينا إبراهيم فكرة فداء المسيح طلب منهُ أن يُقدم ابنه ذبيحة وهو الابن الوحيد المحبوب وأحس إبراهيم كأب بمشاعر رهيبة من الألم وهو يصنع هذا ولكن مشاعره هذه كانت مشاعر الآب وإبنه معلق على الصليب. ورأى إبراهيم طريقة الفداء لذلك قال السيد المسيح [أبوكم إبراهيم رأى يومي وفرح] (يو 8: 56). ومثال آخر فلكي يشرح الله لهوشع كيف أنه وهو الإله القدوس يقبل أن يرتبط بشعبه وهو خاطئ ، طلب من هوشع أن يتزوج من امرأة زانية. فشَعَر هوشع المتألم المجروح بمشاعر الله فصار يتكلم بلسان الله.

ولنأتي لإرمياء النبي الباكي المحب لشعبه الذي يصلي ويشفع في شعبه والذي لم يكف عن إنذإر شعبه بالآلام القادمة إذا إستمروا في خطاياهم، حتى يدفعهم للتوبة فلا تأتي هذه الآلام. فماذا كان موقف هذا الشعب منهُ؟ لقد ضربوه ووضعوه في المقطرة مربوط اليدين والرجلين والرقبة ، وكان هذا أمام المارة الذين يسخرون منهُ . وتآمروا على قتله ووضعوه في جب طين عميق ليموت جوعًا. بل أن أهله تآمروا عليه ليقتلوه وأثاروا ضده إشاعات رديئة ، وكان هذا بأوامر من رؤساء الكهنة ورؤساء الشعب والملوك والشعب، ومع كل هذا حين خربت أورشليم فمشاعر النبي الرقيقة لم تحتمل وبكى ورثى أورشليم والشعب، لقد صار إرمياء باحتماله لألامه شريكًا في صليب المسيح. ألم يكن إرمياء بهذا لسانًا لحال المسيح الذي أحبَ شعبه حتى المنتهى وتقدم بصليبه كشفيع لشعبه بدمه فأثاروا ضده شائعات رديئة وحاولوا مرات عديدة أن يقتلوه إلى أن تمت مؤامرة الكهنة ورؤسائهم وصلبوه، وعلى صليبه ووسط ألامه سخروا منهُ. ولكنه ظلَ يشفع فيهم حتى على الصليب وقال " يا أبتاه إغفر لهم " كان المسيح باكيًا دائمًا ولم يشاهده أحد ضاحكًا أبدًا. كان يبكي على قبر لعازر وعلى أورشليم، فكان المسيح رجل أحزان. وهكذا كان إرمياء بخبراته في ألامه شاعرًا بنفس مشاعر المسيح فكان نطقه ومراثيه هي ما يريد الله أن يقوله. إذًا كانت هذه المراثي هي مشاعر حزن الله على شعبه وفيها نبوة عن آلام المسيح.

وكما رثى إرمياء هنا أورشليم وشعبها يرثي الله الإنسان، بل رثى الشيطان (إش14+ حز28). وهكذا بكى المسيح على قبر لعازر. فالله خلق الشيطان كامل الجمال، وخلق الإنسان ليحيا للأبد في فرح (جنة عَدْن / وعدْن= فرح) والشيطان تغيرت صورته، والإنسان مات وفقد الفرح.

وبينما يبكي إرمياء ما يراه في خراب أورشليم، يرثي الله لكل ما حدث في الماضي ويحدث الآن، بل لما سيحدث في المستقبل فالله لا زمني.

 

8- في بداية خدمة إرمياء قال له الله "ها قد جعلت كلامي في فمك" (إر 9:1) وبعد ما تألم إرمياء قال له الله، إن احتملت الآلام دون تذمر فمثل فمي تكون (إر19:15).

إذًا فاحتمال الآلام يجعل إرمياء مشابهًا للمسيح أو رمزًا للمسيح. وتصير كلمات فمه هي مثل كلمات فم الله. ولنلاحظ أن احتمال الصليب يرفع درجة الإنسان.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات مراثي: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5

 


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/29-Sefr-Marathy-Ermia/Tafseer-Sefr-Marathi-Jermia__00-introduction.html

تقصير الرابط:
tak.la/ar5kw6p