St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   22-Resalet-Botrous-2
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص أنطونيوس فكري

بطرس الثانية 2 - تفسير رسالة بطرس الثانية

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة بطرس الرسول الثانية:
تفسير رسالة بطرس الثانية: مقدمة رسالة بطرس الثانية | بطرس الثانية 1 | بطرس الثانية 2 | بطرس الثانية 3

نص رسالة بطرس الثانية: بطرس الثانية 1 | بطرس الثانية 2 | بطرس الثانية 3 | بطرس الثانية كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هذا هو الإصحاح المتطابق مع رسالة يهوذا. والتكرار يفيد معنى التحذير من الانسياق وراء المبتدعين في الإيمان. فموضوع هذا الإصحاح هو عن ظهور المبتدعين وخطورتهم وأن دينونتهم أكيدة. وغالبًا فالبدع التي يشير لها معلمنا بطرس الرسول في هذا الإصحاح هي الناشئة عن فهم خاطئ لرسائل بولس الرسول كما قال في الإصحاح الثالث (16،15:3) ولقد قال بولس الرسول مثلا في تعاليمه أن هناك ما يسمى التبرير وأننا في عهد الحرية، فأساء هؤلاء المبتدعون فهم أقوال بولس الرسول ونادوا بانحلال خلقي معتمدين على أن المسيح بدمه يغفر أي خطية، وطالما أن هناك حرية فلنفعل ما نشاء. مع أن بولس أجاب على هذه النقاط فقال "فماذا نقول. أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة. حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها" (رو2،1:6)، "فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد..." (غل13:5).

الرد البسيط على هذا الفكر هو ما حدث مع حنانيا وسفيرة، فخطيتهم هي إخفاء جزء من أموالهم بينما هم جاءوا يتبرعون بباقي أموالهم للكنيسة، ولكنهم كذبوا. فإن كان دم المسيح يخلص المؤمن مهما فعل فلماذا مات حنانيا وسفيرة؟! الله أراد أن يُظهر أن عهد النعمة ليس هو عهد الفوضى والإستهانة بالخطية، بل أن الخطية تساوي موت "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8).

ومن المبتدعين في تلك الأيام مثلًا النيقولاويين والغنوسيين، وهؤلاء وأولئك أباحوا الزنا.

 

آيات 2،1:- وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا. وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ.

ولكن = راجعة إلى (2بط21:1) وفيها قال القديس بطرس أن الروح القدس يعمل في الأنبياء الحقيقيين، ولكن كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ = فإبليس لا يكف عن الخداع بأن يعمل في أنبياء كذبة. وهذا ما رأيناه في العهد القديم (إر14:14+ 25:23). وهكذا يحدث في كل زمان. وبهذا حذر بولس الرسول أساقفة أفسس (أع30:20). وهدف إبليس تشويه الحق. بِدَعَ هَلاَكٍ = فتعاليم هؤلاء ضارة تقود للهلاك. وأساس هرطقاتهم وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ = أي يطعنون في ألوهيته أو يشككون في سلطته فيرفضون وصاياه. ويتبع انحرافهم سقوطهم وراء شهواتهم. هؤلاء يحاولون بكل وسيلة أن يلتفوا حول الوصية ليحققوا شهواتهم. المسيح إفتدانا ليس فقط لغفران الخطايا، بل ليجعل منا خليقة جديدة تحيا في البر، فمن يرتد للخطية فهو كمن أنكر المسيح.

بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ = إنتشرت أيام الرسل وبعدهم هرطقات تدعو للنجاسة كالنيقولاويين. وبسبب تعاليم هؤلاء الفاسدة جدف غير المؤمنين على المسيحية لأنهم ظنوا أن تعاليم هؤلاء الهراطقة هي تعاليم المسيحية. يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ = الرب يسوع المسيح إشتراهم من عبودية إبليس وعبودية الخطية، وبإرتدادهم للخطية هم ينكرون السيد الذي حررهم، وكأنه لم يبذل دمه لأجلهم ولأجل تحريرهم. هم أنكروا حقوقه عليهم إذ أنه إشتراهم.

أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ = هم الذين يَدَّعون علاقتهم المباشرة بالله وأن تعاليمهم مأخوذة بوحي منه، وهم في هذا كاذبون. ورأينا هذا في إيزابل التي إدعت النبوة (رؤ2: 20 – 23).

معلمين كذبة = هم هؤلاء الذين يروجون تعاليم الأنبياء الكذبة.

سيتبع كثيرون تهلكاتهم = الله ليس مطالب بأن ينحاز للأغلبية، بل كثيرين يُدْعَون وقليلين ينتخبون (مت16:20). وكان هناك ألاف أيام الطوفان ونجا في الفلك ثمان أنفس فقط. وفي سدوم وعمورة هلك الجميع ونجا 4 أنفس فقط، ثم تحولت امرأة لوط لعمود ملح بعد ذلك. فلا نضطرب إذا رأينا قليلون هم السائرون في الطريق الصحيح. وفي هذه الآية نجد كثيرون يهلكون.

 

آية 3:- وَهُمْ فِي الطَّمَعِ يَتَّجِرُونَ بِكُمْ بِأَقْوَال مُصَنَّعَةٍ، الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ مُنْذُ الْقَدِيمِ لاَ تَتَوَانَى، وَهَلاَكُهُمْ لاَ يَنْعَسُ.

هم في الطمع = هم يطمعون ربما في أموالهم. ولكن من سياق الحديث نفهم أنهم يطمعون في شهوات الجسد. يتجرون بكم بأقوال مصنعة = هم يحرفون أقوال الله ليقنعوا المؤمنين غير المتعمقين بأقوالهم وآرائهم النجسة. هم يستخدمون كلاما معسولًا عن التبرير بالدم والحرية... إلخ لإقناع الناس بآرائهم الفاسدة. لذلك فإن دينونتهم منذ القديم قائمة تنتظرهم.

 

وفيما يلي نرى دليل إدانة هؤلاء الخطاة، مما حدث مع خطاة آخرين، فالله عادل ولا يتغير.

 

آية 4:- لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ.

طرحهم = الله أدان الملائكة إذ أخطأوا، فمن المؤكد أنه سيدين هؤلاء الأشرار. وقوله طرحهم بصيغة الماضي فيه تأكيد للدينونة.

أخطأوا = إذًا هم لم يخلقوا أشرارا، بل خلقوا أبرارا ثم سقطوا.

 

آية 5:- وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ.

العالم القديم = ما قبل نوح والطوفان. نوحا ثامنا = لأن نوح كان معه 7 آخرين، ولقد دخل الفلك آخرهم. كارزا للبر = بلسانه وحياته وببنائه للفلك. فبلسانه إذ كان يؤنب الخطاة على خطيتهم وبحياته إذ كان مثالًا للطهارة. وفي بنائه الفلك كان مثالًا عمليا لأقواله عن غضب الله على الخطاة وأنه سوف يغرق العالم بطوفان آتٍ قريبًا.

والله في قداسته دان العالم الشرير أيام نوح، وأهلكه بالطوفان، ولم يشفع للعالم كثرة عددهم، بل خلص 8 أنفس فقط. فنفهم رفض الله للخطية، وعدم انحيازه للأغلبية.

ثامنا = نوح صار رأسًا للخليقة الجديدة التي صار لها الحياة بعد أن هلكت الخليقة القديمة. وبهذا صار رمزًا للمسيح رأس الخليقة الجديدة. والمسيح هو الحياة الأبدية. ورقم 8 يشير للحياة الأبدية. لذلك نجد اسم يسوع = 888 (راجع معاني الأرقام في مقدمة خيمة الاجتماع).

 

آية 6:- وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا.

الله في قداسته رفض خطية سدوم وعمورة وأحرقهما محولا إياهما إلى رماد = رَمَّد. لأن أجرة الخطية موت.

 

آيات 7-9:- وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ. إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ. يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ، وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مُعَاقَبِينَ.

الله في عقابه لسدوم وعمورة لم ينس لوط وأنقذه، كما أنقذ نوحا وأسرته من قبل أيام الطوفان. فالله لا ينسى أبناءه. إذًا على المؤمن أن يسلك في جهاده بنقاوة كما سلك لوط البار ونوح القديس، ويثق في المساندة الإلهية الجبارة حين يكون الوسط رديئا، فحيثما كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا (رو20:5) لقد أنقذ الله لوط ونوح في حين أهلك معاصروهم الأشرار.

الأردياء = في أصلها اللغوي الذين يعيشون بلا قانون متحللون من كل شرع أي الفاجرون. مغلوبا من سيرة الأردياء = أي يحيا في ألم وغيظ وبنفسية مرة في وسط هؤلاء الأردياء. كلمة مغلوبا تعني مغتاظا وفي ألم ومحنة.

 

سؤال:- ما الذي جعل لوط يحيا في هذا الألم؟! ألم يكن من الأسهل أن يغادر المكان ويريح نفسه من هذا الألم؟! الإجابة... أنه هو اختار هذا المكان الجيد الخصب وترك الأرض غير الجيدة لإبراهيم. فهو كان لا يريد أن يفقد هذه الأرض الجيدة وربما أن امرأته وبناته تعلقوا بهذه الأرض الجيدة ورفضوا مغادرتها، بالرغم من معرفتهم بالشرور التي فيها. وهذا ما نفهمه من قصة تحول امرأة لوط لعمود ملح، فهي كانت تنظر لهذه الأرض بشهوة أو في حسرة لتركها. ينقذ الأتقياء من التجربة = كما أنقذ لوطا ونوحا فالله قادر دائمًا أن ينقذ أتقياءه وهو يعلم كيف ينقذهم من وسط الآتون.

 

آيات 11،10:- وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِالسِّيَادَةِ. جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ، حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ­ وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً ­ لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ.

هي تكملة آية 9 التي قال فيها... ويحفظ الآثمة. معاقبين ويكمل هكذا.... ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد = أي منساقين وراء شهواتهم الفاسدة (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هؤلاء هم من أساءوا فهم الحرية والنعمة والدم الغافر فعلَّموا أن من يؤمن، فهو مهما أخطأ فدم المسيح يغفر له. ونلاحظ أن الله لم يخلق الجسد فاسدا، بل خلقه في أحسن صورة ولما خلق آدم وجد أن كل شيء حسن جدًا (تك31:1). وكان لآدم شهوة مقدسة، أي أنه كان يحب الله، ومحبته لله جعلته في فرح، إذ كان في جنة عدْنْ، وعدْن = كلمة عبرية تعني فرح وابتهاج. ولما سقط آدم تشوهت شهوته، فصار يشتهي العالم (مال ومراكز وجنس وسلطة...) فصار يحيا في غم (وهذا معنى أنه طُرِد من الجنة، مكان الفرح). وكل من ذهب وراء شهواته قيل عنه أنه ذهب وراء الجسد، فالجسد صار الأداة التي تحقق الشهوات الفاسدة. وقول الجسد هو تعبير عن الإنسان العتيق الشهواني.

والمسيح بعد الفداء صعد إلى السماء وأرسل لنا الروح القدس الذي حل علينا ليصلح الوضع، فسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) وبهذا تقدست شهواتنا، ورجعنا للحالة الفردوسية الأولى أي الفرح، لذلك نجد أن ثمار الروح القدس هي محبة فرح سلام (غل22:5).

فمن يسلك بالروح هو الذي تخضع روحه للروح القدس، فيقود الروح القدس الروح الإنسانية، والروح الإنسانية تقود الجسد فيتجه الإنسان للسماويات وكلما ينمو الإنسان في النعمة، ويخضع للروح القدس الذي يسكب محبة الله فيه تتقدس شهواته ويقول مع بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح.." (فى23:1). والعكس فالإنسان الشهواني الجسداني الذي قال الرسول عنهم هنا.... يذهبون وراء الجسد، هذا الإنسان غير خاضع للروح القدس بل يعاند الروح القدس ويقاومه، وشهواته فقط هي التي تقود جسده.

وهؤلاء قال عنهم أنهم يستهينون بالسيادة = وجاءت كلمة السيادة في ترجمات أخرى (Government بمعنى حكومة أو توجيه أو سيطرة) أو (من لهم السلطة Authority). والمقصود الرياسات الكنسية. فهؤلاء الجسدانيون يستهينون بالرياسات الكنسية ويهاجمونهم ويدينونهم ويتكلمون عليهم، والهدف من وراء ذلك هو الهجوم على الإيمان الصحيح والمعتقدات الصحيحة التي تنادي بها الرياسات الكنسية. فلهدم الإيمان الصحيح، هم يهاجمون الرياسات الكنسية ويعلمون الناس الاستهانة بهم لترويج معتقداتهم الفاسدة. هم حينما علموا تعاليمهم باستحالة هلاك المؤمن مهما أخطأ، هاجمتهم الكنيسة، فما كان منهم إلا أنهم سخروا من الرياسات. وما السبب وراء كل ذلك = هم معجبون بأنفسهم = هم متكبرون معجبون بأفكارهم، لا يقبلون الخضوع لما تسلمته الكنيسة جيلا بعد جيلا، بل هم لا يرتعبون أن يفتروا على ذوي الأمجاد (ترجمت Glorious ones وترجمت Dignities أي أصحاب المناصب). فهذه الرياسات الكنسية والمناصب الكنسية لهم قطعًا أمجاد فهم خدام الله. وهؤلاء الأشرار لم يقتدوا بالملاك ميخائيل الذي لم ينتهر الشيطان بنفسه، بل ترك الحكم والدينونة لله بالرغم من ثبوت خطية الشيطان (شرح هذه النقطة في رسالة يهوذا).

والملائكة في هذا يطبقون قول السيد المسيح حرفيًّا "لا تدينوا"، فإذا كان الملائكة وهم أعظم قوة وقطعًا أكثر طهارة وَبِر ومعرفة من البشر، رفضوا أن يدينوا الشيطان = لا يقدمون عليهم لدى الرب حكم افتراء، فكيف يجرؤ هؤلاء على هذا أن يدينوا الرئاسات الكنسية؟! حقًا إن وراء كل هرطقة ، كبرياء أو إعجاب بالذات.

 

آية 12:- أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِمْ.

كحيوانات غير ناطقة = أي يسلكون بحسب غريزتهم الطبيعية أي شهواتهم، دون أدنى محاولة للتسامي أو الضبط لهذه الشهوات، بل هم مندفعون وراء شهواتهم.

يفترون على ما يجهلون = المبتدعين ليس فقط يجهلون الأمور بل يجهلون أن من يهاجمونهم لهم هذا المجد عند الله، لذلك هم في تجاسر يفترون مقاومين الحق. وهؤلاء سبب هلاكهم ليس خارجا عنهم بل هم سيهلكون في فسادهم = أي هم أسلموا أنفسهم بأنفسهم للهلاك، هم صاروا كالحيوان الذي يدخل المصيدة برجليه (هم يضعون للحيوان قطعة لحم في المصيدة ليصطادوه، لأنه سيدخل بدافع شهوته وراء اللحم، لكن دخوله سيكون لهلاكه) وهؤلاء انجذبوا وراء شهوتهم كما انجذب الحيوان وراء اللحم، ولكن هم ذاهبون وراء هلاكهم.

مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ والهلاك = بحكم الطبيعة فهذه الحيوانات هي فريسة للصيادين فتهلك. هم يهلكون لأن عقولهم تسحبها الشهوات كما تسحب الخيول الجامحة راكبيها. أما الإنسان فقد خلق الله له عقلا ليفكر ويعيش مع الله، العقل يعينه في أن تكون له علاقة مع الله.

 

آية 13:- آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ. الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ.

آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ = رأينا في آية 10 أنهم يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وأفعالهم هذه هي خطية وإثم. وكل أجرتهم أي ما يحصلوا عليه هو تنعم يومٍ كلذة عابرة مؤقتة. ولكن أجرة الخطية موت، لذلك فهؤلاء سيهلكون في فسادهم.

الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً = هم يفرحون بلذة مؤقتة يحسبونها نصيبهم متجاهلين السعادة الأبدية الدائمة. والمقصود بيَوْمٍ = قصر عمر اللذة، وقصر عمر الإنسان، فإن عاش الإنسان عمره في التمتع بالملذات الخاطئة فلقد إنقضى العمر كيوم، كبخار يظهر قليلا ثم يضمحل، ولكن بعده دينونة أبدية. أما إن عاش الإنسان عمره القصير في تقوى مانعا نفسه عن هذه الملذات الخاطئة، فسيحيا في فرح كعربون للأفراح الأبدية في المجد السمائي.

أدناس = هم أدناس في ذواتهم. وعيوب = أصلها اللغوي نقط سوداء، فهم في حقيقتهم شيء مشوه. وهم يتصرفون بخداع كإبليس = صانعين ولائم معكم = كانت الكنيسة تقيم بعد القداسات ولائم محبة، وهؤلاء قلدوا الكنيسة بإقامة ولائم لخداع الناس بأنهم أعضاء في الكنيسة. وخلال هذه الولائم يبثون سمومهم.

 

آية 14:- لَهُمْ عُيُونٌ مَمْلُوَّةٌ فِسْقًا، لاَ تَكُفُّ عَنِ الْخَطِيَّةِ، خَادِعُونَ النُّفُوسَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ. لَهُمْ قَلْبٌ مُتَدَرِّبٌ فِي الطَّمَعِ. أَوْلاَدُ اللَّعْنَةِ.

لهم عيون مملوءة فسقا = تشير لمن يبحث دائمًا عن امرأة ليزني معها، فمن يستهين بكل شيء ويعيش في إباحية تصير عيناه مملوءة فسقا أي زنا ويفقد البساطة، وتصير عيناه مظلمتين لا تريان إلا ما هو شر = لا تكف عن الخطية. خادعون النفوس = بألفاظ منمقة تسمى الخطية حرية. ولكن لا ينخدع بهم سوى النفوس غير الثابتة. لهم قلب متدرب في الطمع = قلب لا يشبع من الشهوات، ويطمع حتى في امرأة أخيه. وقد تعني أيضًا الطمع في المال، ولكن سياق الكلام يشير للطمع في شهوات الجسد.

أولاد اللعنة = إذ هم يسعون وراء انحراف الناس عن إيمانهم البسيط.

 

آيات 16،15:- قد قَدْ تَرَكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، فَضَلُّوا، تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ الَّذِي أَحَبَّ أُجْرَةَ الإِثْمِ. وَلكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى تَوْبِيخِ تَعَدِّيهِ، إِذْ مَنَعَ حَمَاقَةَ النَّبِيِّ حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقًا بِصَوْتِ إِنْسَانٍ.

بلعام بن بصور = بصور هي القراءة الكلدانية للاسم العبراني بعور، فاليهود ينطقونه بعور. وربما قصد الرسول استخدام الاسم بالكلدانية إذ أن بصور تعني جسد، وكانت مشورة بلعام خاصة بإسقاط شعب إسرائيل في خطية الزنا مع بنات موآب حتى يلعنهم الله ويغضب عليهم، وحصل على أجرة في مقابل مشورته هذه = أحب أجرة الإثم إذًا قوله بلعام بن بصور (جسد) تعني هؤلاء السائرين وراء الجسد (آية 10) هؤلاء الشهوانيون كانوا في الطريق المستقيم يومًا ما، لكنهم انحرفوا وراء شهواتهم الجسدية التي أغلقت عقولهم، كما إنغلق عقل بلعام فوبخه حمار. راجع قصة بلعام في سفر العدد (22-25). وإشارة الرسول لأن حمار بلعام قد نطق تعني أن هؤلاء الشهوانيون سقطوا من درجة فهمهم للأمور إلى درجة أقل من هذا الحمار

 

آية 17:- هؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، غُيُومٌ يَسُوقُهَا النَّوْءُ. الَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ.

هذه اللذات الجسدية مخادعة، قد تبدو لمن هم من خارج أنها مشبعة، وأنها مغرية وأنها وأنها... ولكن حين يسقط فيها الإنسان تتحول حياته إلى مرار. لذلك شبه الرسول هذا بقوله عمن يدعو لهذه الشهوات الجسدية بأنهم هم أبار بلا ماء = لهم مظهر خارجي مخادع، أو يَدَّعون أن ما يَدْعون الناس له هو مصدر سعادة لهم، لكن من يأتي لهذه الخطايا يكون كظمآن أتى لبئر لا يجد فيها ماء، فهو لن يجد فيها سعادة أو فرح إطلاقا، ربما سيجد لذة لحظة، لكن سيعقبها حزن وتعاسة بقية العمر. وبنفس المعنى يقول تشبيه آخر غيوم يسوقها النوء = هي غيوم يفرح بها الفلاح الذي ينتظر المطر، لكن سرعان ما تحملها الرياح دون أن تمطر، فهي بلا خير، بل هي تمنع نور الشمس.

وسينكشف حقيقة هؤلاء في الأبدية حيث حفظ لهم قتام الظلام، خلاصة هذه الآية أن هؤلاء في حقيقتهم ما هم إلا مخادعون، يدعون الناس لما يصورونه للناس أن فيه شبعهم وسعادتهم (أي الخطية) ولكن حين ينفذ الناس ما يقولونه لهم لا يشعرون بسعادة أو بشبع. هم إذًا أبار بلا ماء...

 

آية 18:- لأَنَّهُمْ إِذْ يَنْطِقُونَ بِعَظَائِمِ الْبُطْلِ، يَخْدَعُونَ بِشَهَوَاتِ الْجَسَدِ فِي الدَّعَارَةِ، مَنْ هَرَبَ قَلِيلًا مِنَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي الضَّلاَلِ.

هنا تشبيه آخر أو وصف آخر لخداعهم، فهم ينطقون بعظائم البطل كلمة عظائم في اليونانية تشير إلى شيء يبدو أكبر مما هو في الواقع. وفي الحقيقة فإن ما ينطقون به هو باطل وفراغ كاذب، فوراء مظهرهم الذي يشير للمعرفة لا يوجد شبع للناس ولا سعادة، أي بلا جوهر حقيقي. يخدعون بشهوات الجسد = هم يعلمون سامعيهم أن يشبعوا رغائب الجسد غير المقدسة. هم يدعون في كبرياء أنهم ذوو معرفة وحكمة.

يقدمون أمالا عظيمة وكلمات براقة عن الحرية التي أعطاها لنا العهد الجديد. وفي الحقيقة فكل فلسفتهم هي الانقياد وراء شهواتهم الباطلة.

ولكن من الذي ينساق وراءهم؟ من هرب قليلا من الذين يسيرون في الضلال = أي حديثي الإيمان الذين هربوا من الوثنية عن قريب، هؤلاء كانوا ما زالوا لم يعرفوا المسيح ويختبروه حقيقة. هم كانوا ما زالوا في سطحية الإيمان لم يدخلوا إلى العمق. لذلك قال المسيح [ادخلوا إلى العمق]: "ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ" (لو4:5).

والعمق هو عمق المعرفة والحب والإتحاد الحقيقي مع المسيح والثبات فيه، هو اكتشاف شخص المسيح المشبع. والعمق هو الحل الوحيد لمن هو مستعبد لشهوات الجسد، وهذا ما علَّم به السيد المسيح، فالذي وجد اللؤلؤة الكثيرة الثمن (معرفة حلاوة المسيح) مضى وباع اللآلئ التي كان يعتز بها أولًا (شهوات الجسد).

أما هؤلاء السطحيين حينما يسمعون دعوة المعلمين الكذبة بالحرية المزيفة يصدقونهم غير عالمين أن هذا هو عين العبودية، وهكذا بعد أن اختبر أحد الهروب من نجاسة العالم بمعرفة الرب المخلصة ارتبك فيها من جديد وانغلب من شهوته. وفي هذا النص نرى إمكانية ارتداد المؤمن وهلاكه بعد أن اختبر المسيح ونعمته. لذلك علينا أن نجتهد ونسلك بأمانة وحرص وندخل بجهادنا إلى العمق لنخلص.

 

آية 19:- وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا!

الحرية في مفهوم هؤلاء هي تحرر من الناموس وسلطانه، ما دامت النعمة تغفر، ولكن هذه ليست حرية بل عبودية للشهوة والخطية. كلمة الحرية التي يستخدمها هؤلاء هي كلمة براقة تخدع المبتدئين. وكما قال السيد المسيح "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو34:8)، والقديس بولس الرسول قال "فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الإخوة. غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد" (غل13:5)، ومن ضمن الحريات الكاذبة الدعوة للتحرر من الترتيبات الكنسية كالأصوام والاعتراف.

 

آيات 20-22:- لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا، بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ. لأَنَّهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقَ الْبِرِّ، مِنْ أَنَّهُمْ بَعْدَمَا عَرَفُوا، يَرْتَدُّونَ عَنِ الْوَصِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُسَلَّمَةِ لَهُمْ. قَدْ أَصَابَهُمْ مَا فِي الْمَثَلِ الصَّادِقِ: «كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ»، وَ«خِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ».

لأنه إذا كانوا = يقصد الذين وقعوا في فخاخ العدو بعد ما هربوا = أي بعد ما آمنوا وصار لهم المسيح مخلِّصا وأعطاهم حياة جديدة ارتدوا للنجاسات الأولى.... فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل... لماذا؟

1. بعد أن عرفوا المسيح وآمنوا وتابوا واعتمدوا وعرفوا الحياة الطاهرة، تصير خطيتهم أكبر بسبب معرفتهم، أما خطاياهم قبل الإيمان فكانت عن جهل. وقد يكون لهم عذر فيها لجهلهم، أما بعد إيمانهم فخطيتهم أصبحت تعدٍّ.

2. جحودهم لما حصلوا عليه من نعمة ومواهب.

3. بعد أن اعتمدوا وخرج منهم الروح الشرير، إذ ارتدوا يعود لهم ومعه سبعة أرواح آخرين أشر منه (مت45:12) + (لو26:11).

4. مَنْ سقط وله معرفة لا يعود ينصت بعد إلى مَنْ يرشده أو يعظه (راجع عب6: 4 – 8).

الوصية المقدسة المُسَلَّمة لهم = في الناموس وبتعليم الرسل، وبالروح القدس الذي كتبها على قلوبهم (أر33:31).

الْمَثَلِ الصَّادِقِ = إقتبس القديس بطرس هذا المثل كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ من (أم11:26). أما المثل الآخر وَخِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ = ربما كان هذا مثلا منتشرا أيام الرسول، أو هو إضافة من عنده. والمراغة هي مكان التمرغ. والحمأة هي الطين الأسود الذي تتمرغ فيه الخنازير، فتفسد نظافتها بعد ما اغتسلت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات بطرس الثانية: مقدمة | 1 | 2 | 3

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/22-Resalet-Botrous-2/Tafseer-Resalat-Potrous-2__01-Chapter-02.html

تقصير الرابط:
tak.la/jv68kcc