St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   12-Sefr-Molouk-El-Thani
 

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب

سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

ملوك الثاني 2 - تفسير سفر الملوك الثاني

 

الباب الثاني

أليشع صاحب العجائب

2 ملوك 2-8

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب ملوك ثاني:
تفسير سفر الملوك الثاني: مقدمة سفر الملوك الثاني | ملوك الثاني 1 | ملوك الثاني 2 | ملوك الثاني 3 | ملوك الثاني 4 | ملوك الثاني 5 | ملوك الثاني 6 | ملوك الثاني 7 | ملوك الثاني 8 | ملوك الثاني 9 | ملوك الثاني 10 | ملوك الثاني 11 | ملوك الثاني 12 | ملوك الثاني 13 | ملوك الثاني 14 | ملوك الثاني 15 | ملوك الثاني 16 | ملوك الثاني 17 | ملوك الثاني 18 | ملوك الثاني 19 | ملوك الثاني 20 | ملوك الثاني 21 | ملوك الثاني 22 | ملوك الثاني 23 | ملوك الثاني 24 | ملوك الثاني 25

نص سفر الملوك الثاني: الملوك الثاني 1 | الملوك الثاني 2 | الملوك الثاني 3 | الملوك الثاني 4 | الملوك الثاني 5 | الملوك الثاني 6 | الملوك الثاني 7 | الملوك الثاني 8 | الملوك الثاني 9 | الملوك الثاني 10 | الملوك الثاني 11 | الملوك الثاني 12 | الملوك الثاني 13 | الملوك الثاني 14 | الملوك الثاني 15 | الملوك الثاني 16 | الملوك الثاني 17 | الملوك الثاني 18 | الملوك الثاني 19 | الملوك الثاني 20 | الملوك الثاني 21 | الملوك الثاني 22 | الملوك الثاني 23 | الملوك الثاني 24 | الملوك الثاني 25 | ملوك الثاني كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أبوّة أليشع الحانية

 

يبدأ هذا الفصل بصعود إيليا النبي إلى السماء، وتسليم العمل النبوي لتلميذه أليشع، الذي اشتهى أن يحل عليه روحين من مُعَلِّمه حتى يستطيع أن يحقق رسالته، ويواجه تيار الشر المتزايد. وهبه الله أن يتم على يديه ضعف المعجزات التي صنعها مُعَلِّمه، ليس لأنه أعظم منه، لكن لتأكيد حاجة المجتمع إلى عملٍ متزايدٍ بسبب تزايد الفساد.

لم ترد المعجزات هنا حسب ترتيب حدوثها تاريخيًا، وإنما جاءت بترتيبٍ لاهوتيٍ لائقٍ.

لم تكن المعجزات استعراضًا لإمكانياته وقدراته، إنما حملت مفاهيم لاهوتية وروحية عملية تمس حياتنا اليومية وشركتنا مع الله. لعل من أبرز ما تقدمه هذه المعجزات التي صنعها الرب على يدي أليشع النبي هو الكشف عن أبوّة أليشع الحانية.

بقوة الله الفائقة شق نهر الأردن بثوب إيليا، وفي أبوّة حانية خجل من كلمات بني الأنبياء حينما ألحُّوا عليه أن يرسلوا خمسين رجلاً ذوي بأس يبحثون عن إيليا. لم يوبخهم لأنهم سبق أن أخبروه بأن إيليا يؤخذ من رأسه اليوم، وأنهم حتى إن ظنوا بأن روح الرب قد خطفه، وذهب به إلى موضع آخر كما كان يحدث قبلاً، فلماذا يبحثون عنه؟ هل ليُقدِّموا له طعامًا وشرابًا؟ هل يخطفه روح الرب ولا يُقدِّم له احتياجاته؟!

1. اهتم ببني الأنبياء كجماعةٍ، فذهب معهم ليقطعوا خشبًا، واهتم باحتياجات كل واحدٍ منهم كما حدث عندما سقطت رأس الفأس الحديدية من أحدهم.

2. في أبوّة حانية اهتم بأرملة أحد الأنبياء التي كادت أن تُسَلِّمَ ابنيها عبدين للمرابي.

3. اهتم بالمرأة الفقيرة الأرملة كما اهتم أيضا بالمرأة العظيمة الغنية، فسأل من أجلها لتنعم بطفلٍ، وعندما مات اهتم بإقامته بالرب.

4. اهتم بالجيش، فطلب له النصرة في غيرة على مجد الرب، كما اهتم بالشعب، فطلب له أن يشبع الله احتياجاته.

5. كان يهتم بالملك كما بالأنبياء، وأيضا عامة الشعب، يحمل حبًا وأبوّة للجميع!

6. في أبوّته استخدم الحزم تارة، والحنو تارة أخرى!

كثيرًا ما تحدث الآباء عنه كرمزٍ للسيد المسيح كخادمٍ ومحب للبشر.

v كان أليشع خليفة (إيليا) أيضا رمزًا لك، إذ تعلَّم بواسطة سيده الحكيم، مهيئًا لحضورك قبل أن تُولد، بإشارات أكيدة لما سيحدث بعد ذلك، مُقدِّمًا العون والشفاء للمحتاجين، بطريقة تفوق الطبيعة[1].

الأب ميثوديوس

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أهم المعجزات أليشع ومدلولاتها الروحية

1. شق نهر الأردن بثوب إيليا

 

ص 2 ï يشير إلى سحق الشهوات بواسطة مخلصنا.

2. المياه الرديَّة تصير مياه عذبة

 

ص 2 ï مسيحنا يحول الطاقات المدمرة إلى بنياننا.

3. لعن الصبيان المقاومين للحق

 

ص 2 ï بالمسيح لا نخاف من المقاومين للحق.

4. نبوته للملوك الثلاثة ضد أرام

 

ص 3 ï مسيحنا مُشبِع الاحتياجات وواهب النصرة.

5. مباركة الزيت للأرملة

 

ص4 ï مسيحنا يملأ أوعيتنا الداخلية الفارغة بنعمته.

6. إقامة ابن الشونمية

 

ص 4 ï مسيحنا واهب القيامة.

7. الحنضل السام يصير طعامًا

 

ص 4 ï بمسيحنا نتحدى الموت.

8. إشباع مئة رجل بعشرين رغيفًا

 

ص 4 ï بمسيحنا نتحدى قوانين الطبيعة.

9. تطهير نعمان السرياني

 

ص 5 ï بمسيحنا نتمتع بالميلاد الجديد في المعمودية.

10. إخراج رأس الفأس بخشبة

 

ص 6 ï بالصليب ترتفع نفوسنا المُثَقَّلة والغارقة.

11. إصابة رجال أرام بالعمى

 

ص 7ï الذين معنا أكثر من الذين علينا (شركة السمائيين).

12. البرص ومحلة الأراميين

 

ص 7 ï اليوم يوم بشارة. الاهتمام بتمتع الكل بالفرح.

13. حث الشونمية على الهجرة

 

ص 8 ï مسيحنا ضابط الأمور يرعانا.

14. نبوته لحزائيل الأرامي

 

ص 8 ï صرخة القلب على الساقطين.


St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأصحاح الثاني[2]

نصيبان من روح إيليا النبي

يبدأ الأصحاح بانفتاح السماء لاستقبال إيليا النبي [1-11]، وينتهي بثورة الوحوش الضارية، أي الدببة، على قُطَّاع طرق صبيان يسخرون برجال الله.

بعد أن تحدث عن إيليا صاحب القلب الناري ذكر صعوده إلى السماء في مركبة نارية بخيول نارية، وكأن من يلتهب قلبه بنار الحب الإلهي، وتتقد نفسه بالغيرة المقدسة كما بنارٍ، تتأهل نفسه أن ترتفع كما بمركبة نارية، لتصعد إلى حيث يجلس الله، النار الآكلة، ويُحسب من خدامه الناريين.

صعد إيليا إلى السماء، فقد أكمل رسالته، وكان لا بد أن يوجد من يتسلم منه الخدمة، ويتحمل ذات المسئولية، وتكون له نفس الروح. إنه أليشع النبي الذي نال شهوة قلبه، ألا هي نصيب اثنين من روح سيده الناري إيليا النبي.

كما أن أخنوخ انتقل إلى السماء دون أن يذوق الموت (تك 5: 24)، هكذا أيضًا إيليا؛ بهذا ندرك أن الله وحده لديه مفاتيح الحياة والموت والقبر والقيامة.

v انتقل أخنوخ بلا شك (تك 5: 24؛ عب 11: 5)؛ وأيضًا إيليا. هذان أيضًا لم يختبرا الموت، فقد تأجَّل موتهما. لقد حُفظا لكي يختبرا الموت، ولكي بسفك دمهما يبطلان عمل ضد المسيح (رؤ 11: 3)[3].

العلامة ترتليان

يكشف لنا إصعاد إيليا إلى السماء عن أربعة أنواع من الشخصيات التي التقت به أو سمعت عن إصعاده:

1. الرفيق العامل معه: وهو أليشع، في بداية الدعوة، إذ طرح إيليا رداءه عليه ترك البقر وركض وراءه (1 مل 19: 19-21)، وخدمه لمدة حوالي عشرة سنوات. وعندما طلب منه أن يمكث في الجلجال أو في بيت إيل أو في أريحا، قال: "حي هو الرب، وحية هي نفسك إني لا أتركك" (2 مل 2: 4). لم يقبل أليشع أن يتلكأ أو يتوانى في مرافقته لإيليا والخدمة معه! لذلك تأهل أن يُنعم عليه الرب بنصيب اثنين من روح إيليا.

يُعتبَر أليشع مثلاً حيًا لمن يلتصق بالسيد المسيح، ويدخل معه في شركة، فينعم بروح القوة، ويصير أيقونة له.

v طبعتَ ملامحك علينا! لقد أوجدتنا على صورتك ومثالك! لقد جعلتنا عُملتك، لكن لا يليق بصورتك أن تبقى في الظلام. أرسل شعاع حكمتك، لتُبَدِّد ظلمتنا، فتشرق صورتك فينا[4].

القديس أغسطينوس

v ليس لخادم المسيح الكامل شيء بجانب المسيح، فإن كان له شيء بجانب المسيح، فهو ليس كاملاً[5].

القديس جيروم

v يحق لنا أن نكون هناك في حضرة الله في السماوات، نحن الذين حفظنا الدرس بينما كنا على الأرض، وذهبنا هناك إلى السماء كي نكون في محبة الله الآب، ذاك الذي عرفناه ونحن على الأرض، ولأن الله الكلمة القدوس صنع كل شيءٍ وعلَّمنا ويُعلِّمنا كل شيءٍ، وهو يُدرِّبنا في كل الأمور الصالحة[6].

القديس إكليمنضس الإسكندري

2. جماعة المشاهدين أو المتفرجين: وقد أخبرهم الروح عما سيحدث لإيليا، هؤلاء اكتفوا بالقول لأليشع. "أتعلم أنه اليوم يأخذ الرب سيدك من على رأسك؟!" (2 مل 2: 3، 5). صارت لهم معرفة صادقة من الله نفسه، لكنهم كانوا أشبه بالمتفرجين، ولم يلتصقوا بإيليا، ليتمتعوا بما تمتع به أليشع.

هؤلاء يشبهون من يؤمنون بالسيد المسيح، لكنهم لا يسلكون بروحه القدوس، يقفون عند المعرفة العقلانية دون التمتع به.

3. جماعة العاملين: إذ أُصعد إيليا في مركبة نارية لم يُقم أليشع له حجرًا تذكريًا، ولا عاش في ذكريات الماضي ولأجل الماضي، بل تحرك للعمل (2 مل 2: 19-22). هكذا صار أليشع مثلاً حيًا لمن يدرك مركزه كابن لله وسفير للسيد المسيح السماوي. بهذا تتحوّل قلوبنا الترابية إلى سماءٍ جديدةٍ. فتصير الأبدية حياة نذوق عربونها، ونلمسها في واقعنا العملي، ونشهد لها كسفراء للسيد المسيح السماوي ووكلاء السماء، إذ نشتهي أن تصير الأرض سماءً!

v حقًا لقد جاء السيد ليُلغي الأمور القديمة، ويدعونا إلى وطنٍ أعظم. إنه يصنع كل شيءٍ ليعتقنا من الأمور غير الضرورية، ومن عاطفتنا نحو الأرض. لهذا أشار إلى الوثنيين أيضًا قائلاً: "إن هذه كلها تطلبها الأمم" (مت 6: 33)؛ التي تقدم تعبها كله من أجل الحياة الحاضرة، ولا تبالي بالأمور المقبلة، ولا بأي فكرٍ سماويٍ[7].

القديس يوحنا الذهبي الفم

4. جماعة الساخرين: لقد سمع هذا الخبر كثيرون، فأثار البعض في بيت إيل صبيانًا صغارًا ليسخروا بإصعاد إيليا، إذ قالوا لأليشع: "اصعد يا أقرع" (2 مل 2: 23)، بأسلوب سخيف، كأنهم يقولون لتصعد مثل سيدك يا أقرع!

تمتعت هذه الفئات الأربع بمعرفة صادقة على إصعاد إيليا، لكن تجاوبت كل فئة بطريقة متباينة عن بقية الفئات.

 

1. حياته البهية هيَّأته للسماء

 

1.

2. لماذا أخفى إصعاده عن تلميذه أليشع؟

 

2.

3. الرب يعلن عن إصعاد إيليا

 

3.

4. أليشع لا يفارق إيليا

 

4.

5. الروح يكشف للأنبياء عن إصعاد إيليا

 

5-7.

6. أعجوبة على نهر الأردن

 

8.

7. أليشع يطلب نصيبين من روح إيليا

 

9-10.

8. الأرض الأم تودّع إيليا

 

11.

9. أليشع يبكي على فراق إيليا

 

12.

10. رداء إيليا

 

13-14.

11. موقف بني الأنبياء

 

15-18.

12. المياه الرديَّة تصير مياه عذبة

 

19-22.

13. لعن الصبيان المقاومين للحق

 

23.

* من وحي 2 ملوك 2: روحك الناري يحملني إلى سماواتك!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elijah and Elisha were on their way out of Gilgal when Elijah said, ‘Stay here, the Lord has sent me to Bethel.’ Elisha replied, ‘As surely as the Lord lives and you live, I will not leave you.’ (2 Kings 2: 1-2) - "Elijah and the chariot of fire" images set (2 Kings 2:1-17): image (1) - 2 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وكان عند إصعاد الرب إيليا في العاصفة إلى السماء، أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال. فقال إيليا لأليشع: «امكث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى بيت إيل». فقال أليشع: «حي هو الرب، وحية هي نفسك، إني لا أتركك»" (الملوك الثاني 2: 1-2) - مجموعة "إيليا والمركبة النارية" (ملوك الثاني 2: 1-17) - صورة (1) - صور سفر الملوك الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Elijah and Elisha were on their way out of Gilgal when Elijah said, ‘Stay here, the Lord has sent me to Bethel.’ Elisha replied, ‘As surely as the Lord lives and you live, I will not leave you.’ (2 Kings 2: 1-2) - "Elijah and the chariot of fire" images set (2 Kings 2:1-17): image (1) - 2 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وكان عند إصعاد الرب إيليا في العاصفة إلى السماء، أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال. فقال إيليا لأليشع: «امكث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى بيت إيل». فقال أليشع: «حي هو الرب، وحية هي نفسك، إني لا أتركك»" (الملوك الثاني 2: 1-2) - مجموعة "إيليا والمركبة النارية" (ملوك الثاني 2: 1-17) - صورة (1) - صور سفر الملوك الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

1. حياته البهية هيَّأته للسماء

وَكَانَ عِنْدَ إصعاد الرَّبِّ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ،

أَنَّ إِيلِيَّا وَأليشع ذَهَبَا مِنَ الْجِلْجَالِ. [1]

 

تمتَّع إيليا بصعوده إلى السماء في مركبة نارية، بينما مات موسى ودُفن، وقد ظهر الاثنان في تجلي السيد المسيح على قدم المساواة. إصعاد إيليا له رسالته، وموت موسى كان له رسالته، ليس لنا أن نُميِّز بين هذا وذاك، إذ كل منهما يتمم رسالة الآخر في المسيح يسوع مخلص العالم.

الجلجال: الجلجال هنا غير تلك التي ليشوع (يش 4: 19)، إنما موضع آخر. الجلجال المذكورة هنا كانت في جبل أفرايم على بعد ثمانية أميال شمال بيت إيل، وهي جلجلية الحالية، وكان فيها مقر للأنبياء (2 مل 4: 38).

كلمة "الجلجال" تعني "دحرجة". لقد ترك إيليا النبي الجلجال، أي موضع الدحرجة، وامتلأ بالغيرة، ليسكن في بيت إيل، أي في بيت الله، إشارة إلى الاشتياق للتمتع بالعالم السماوي[8].

لم يسرد لنا الكتاب المقدس شيئًا عن أليشع في الفترة ما بين دعوته للعمل النبوي (1 مل 19: 19-21) وفترة إصعاد إيليا إلى السماء، فقد كانت فترة تلمذة بروح الصلاة مع الاهتمام بالسلوك كتلميذٍ لإيليا النبي.

إذ يتطلع القديس مار يعقوب السروجي إلى منظر إصعاد إيليا النبي، يدعو الصاعد في المركبة "الجميل" أو "البهي"، ولعله يقصد بذلك الحامل انعكاس بهاء الله عليه، فتأهل لمركبة سماوية بهية، نزلت إليه خصيصًا، لتحمله إلى السماء. يدهش من هذا الترابي الذي لم تستطع الأرض أن تمسك به، ليعود مثل أبيه آدم إلى التراب. إنما انطلق هذا الأرضي السفلي ليسكن مع العلويين، ويختلط مع السمائيين. وكأن السماء اختطفته من الأرض لتعلن عن نصرته!

تمتع إيليا باللقاء مع الله على جبل سيناء، وامتلأت نفسه باللهيب السماوي. صعد بعقله إلى السماء. هكذا جاء إصعاده إلى السماء امتدادًا طبيعيًا لالتصاقه الدائم مع السماوي. فقد التصق إيليا بكل كيانه بالله، ولم يعد فيه جزء ما، سواء في نفسه أو جسده بكل طاقاته يميل حتى لرؤية العالم. جاء إصعاده ثمرة إصعاده المستمر كل أيام حياته نحو السماء دون انحدار، يرتفع دومًا على سلم الكمال الروحي. لم تكن تشغله اللقاءات الجسدية أو البشرية، فتأهل للسكنى بين العلويين. نصراته المستمرة هيأته لينطلق من عالمٍ مملوءٍ بالفخاخ. وحاله الروحي هيَّأه ليقطن بين السمائيين.

لم يقبل القدوس أن يترك مثل هذا المنتصر أن يكون خبزًا للموت! الرأس التي لم تنحنِ قط للخطية والشر انفتحت أمامها أبواب السماء، لكي لا تنحني في باب الهاوية!

v لنتحدث إذًا عن إصعاد هذا الجميل، وعن المركبة البهية التي نزلت إليه على الأرض.

وعن الجسداني الذي استحق أن يسكن مع الروحيين، وعن الترابي الذي لم يعد إلى الأرض ليصير ترابًا.

وعن السفلي الذي توجَّه في طريقه نحو العلويين، وعن ابن جنسنا الذي تركنا ليختلط مع الملائكة.

وعن المعجزة التي استولت على الأرض، لأن العلويين خطفوا واحدًا من حضنها، ليصير معهم بين أجواقهم...

يلزم أن نفتش عن سبب هذا الطريق، كيف؟ ولماذا؟ وبماذا أسرع منذ البداية؟...

بعد كل هذا الجمال السامي الذي اقتناه، أخذوه من هنا ليصعد، ويقيم بين المملوءين جمالاً.

بعد أن استنار من إيحاءات جبل سيناء، واشتعلت نفسه كاللهيب بالمشهد العلوي،

وظهرت له شكينة[9] الأسرار وطهَّرته، ولم يظل فيه جزء من العالم إلا واكتمل،

صعد ليقيم بعقله مع الله، ونزل العلي عنده ليسكن فيه.

لم يكن يكرس أوقات للكمال، لأن البهي خلط كل حياته مع الله.

لم يكن يصعد في الكمال ثم ينحدر، لأنه منذ أن بدأ ارتفع فوقُ في الكمال.

وإذ لم يوجد فيه جزء يميل ليرى العالم، أراد العليّ أن يُصعد ابنُ السفليين إلى العلى.

أراد أن يعطيه إكليل الحياة اللامائت، الذي كان قد أسقطه من آدم عندما صار عريانًا.

أراد أن يُكَلِّل الجميل، لأنه صنع جهادًا في العالم الذي هو مسرح لمن يعرفه.

أراد أن يعطي هذا المجد هدية الحياة لذاك النشيط، لأنه ركض مثل الأبطال في ساحات البرّ.

أراد أن يرفعه من المسكونة المملوءة آلامًا، إذ وجد بأنه لا يحبها، ولو أنه كان يسكن فيها.

أراد أن يُصعده، ليجعل مسكنه بين الروحيين، لأنه أبغض كل اللمسات الجسدية.

أراد أن يعطيه موضعًا في عالمه الذي لا ألم فيه، لأنه أحس بأن هذا الموضع ليس ملكه.

أراد أن يرفعه من عمقٍ مملوءٍ بفخاخٍ، إلى موضعٍ سامٍ وبهيٍ وخالٍ من الشرور.

أراد أن يُصعده، ليسكن بين جموع الروحيين، بسبب جماله الروحي.

أراد الرب الخفي أن يريح العبد الصالح: هلم يا من تعبت، استرح من تعبك وضيقك!

هلم أيها المجيد، ادخل إلى خدر الحياة الجديدة، فالموت الشره لا يستحقك لتصير خبزه!

هوذا أبواب العلي مفتوحة لك، فادخل أيها القديس، لئلا ينحني رأسك الشامخ في باب الهاوية[10].

القديس مار يعقوب السروجي

v أُخذ إيليا إلى السماء، أما بولس فإلى السماء والفردوس (2 كو 12: 2، 4)، (إذ يليق أن يكون لتلاميذ المسيح نعمة مضاعفة)، "وسمع كلمات لا يُنطَق بها، ولا يسوغ لإنسانٍ أن يتكلم بها". لكن بولس نزل ثانية من فوق ليس لعدم استحقاقه أن يبقى هناك، إنما لكي ما بعد أن تمتع بالأمور التي تعلو على الإنسان يعود ويكرز بالمسيح ويموت لأجله، فيأخذ إكليل الشهادة[11].

القديس كيرلس الأورشليمي

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elijah went with Elisha from Gilgal (2 Kings 2:1-3) صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا وأليشع يمضيان من "الجلجال" (ملوك الثاني 2: 1-3)

St-Takla.org Image: Elijah went with Elisha from Gilgal (2 Kings 2:1-3)

صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا وأليشع يمضيان من "الجلجال" (ملوك الثاني 2: 1-3)

2. لماذا أخفي إصعاده عن تلميذه أليشع؟

فَقَالَ إِيلِيَّا لأليشع:

امْكُثْ هُنَا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتِ إِيلَ.

فَقَالَ أليشع: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ.

وَنَزَلاَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ. [2]

 

"الرب قد أرسلني": بدعوة من الله انطلق إيليا النبي في ساعاته الأخيرة ليفتقد الأنبياء في محلاتهم المختلفة لكي يُثبِّتهم ويشجعهم بكلماته الوداعية.

لماذا طلب إيليا النبي من تلميذه أليشع أن يمكث في الجلجال؟

1. ربما لأنه أراد في ساعاته الأخيرة أن ينفرد حتى في تنقلاته بين الأنبياء لكي تكون له أحاديثه الخفية مع الله.

2. ولعله أشفق على تلميذه، فلم يرد أن يرى لحظات اختطافه من هذا العالم، فيجد التلميذ نفسه وحيدًا.

3. ولعله أراد اختبار محبته وأمانته، وقد أظهر أليشع النبي محبته الشديدة بقوله: "حي هو الرب، وحية هي نفسك، إني لا أتركك".

لحظات حاسمة، فقد أدرك إيليا أنه حان وقت انتقاله من وسط متاعب هذا العالم ليقف أمام الله وجهًا لوجه، ويعيش على مستوى علوي لا يحتاج جسده إلى ضروريات الحياة هنا. وفي نفس الوقت أدرك أليشع بأنه حان الوقت ليفارقه معلمه إيليا بل كما يدعوه: "أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها" [13]. لم يكن لدى أحدهما ما يقوله للآخر، فإن المشاعر تفوق كل تعبيرٍ بشريٍ.

"إني لا أتركك": أراد إيليا أن يخفي عن تلميذه أمر إصعاده إلى السماء، لا رغبة في الإخفاء ذاته، ولا عن عدم صراحة إيليا، إنما لأنه لا يطلب مجدًا من بشرٍ، حتى وإن كان تلميذه المحبوب جدًا لديه. في نفس الوقت لم يُخفِ الله عن أليشع أمر إصعاد إيليا، لذا أصرَّ أليشع على ملازمة إيليا النبي حتى اللحظات الأخيرة من أيامه على الأرض.

لم يرد إيليا أن يحتفل به أحد من بني البشر، وفي تواضعه طلب من تلميذه أن يفارقه، حتى لا يراه صاعدًا. لكن الله القدوس كشف السرّ لتلميذه ولجوقة الأنبياء. احتفل به الأنبياء على الأرض، واستقبلته الطغمات السماوية بفرحٍ عظيمٍ!

v بإشارة خفية تحرك إيليا واستعدّ، وسلك في طريقه، ليذهب إلى موضعه كما تهيأ.

وبسبب جمال تواضعه، لم يرد أن يراه أحد عندما يرتفع إلى الموضع السامي.

تواضع، ولم يكن يريد أن يرى إنسان ما احتفال إصعاده والمجد العظيم الذي يرتفع فيه.

لهذا أخفى السرّ عن تلميذه، وكان يُبعده لعلل كثيرة لئلا يُفهم.

وإذ ربط قلبه بالعلي، كان يفكر في العلى، ولم يرد أن يراه أحد من السفليين.

لم يكن يعرف مجد هذا العالم وإهانته، فحقارته وكرامته كلا شيءٍ[12].

القديس مار يعقوب السروجي

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. الرب يعلن عن إصعاد إيليا

فَخَرَجَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ إِيلَ إِلَى أليشع.

وَقَالُوا لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ، فَاصْمُتُوا. [3]

 

كان "بنو الأنبياء" يدعون معلمهم ورئيسهم أباهم. هم تلاميذ في مدرسة الأنبياء، وُهب بعضهم عطية النبوة، وكانوا على مستويات روحية متباينة.

يبدو أن صموئيل النبي هو الذي أسس هذا النظام، وإن كان يصعب التعرُّف على بدء قيام هذه المدارس وتاريخها. انتشرت مدارس للأنبياء في بلاد كثيرة، لصد تيار الفساد الروحي والإيماني الذي بدأ في عهد يربعام أول ملك لإسرائيل بعد انشقاقه عن يهوذا.

وُجدتْ هذه المدارس في رامة (1 صم 19: 19-20)، وأريحا (2 مل 2: 5)، والجلجال (2 مل 4: 38)، وبيت إيل (2مل 2: 3)، وربما في أماكن أخرى. كان عددهم كبيرًا، قيل إنه كان يوجد مئة في الجلجال (2 مل 4: 43) وعلى الأقل خمسون في أريحا (2 مل 2: 7). تتكون من مجموعات، بعضهم كان متزوجًا، وربما في بيوت خاصة بهم (2 مل 4: 1-2). والبعض غير متزوجين كانوا يقطنون في مبانٍ عامةٍ (2 مل 6: 1-2)، ويأكلون معًا (2 مل 4: 38).

تلتف كل مجموعة حول قائدٍ معين يتتلمذون على يديه، يتدربون على الحديث عن الله.

ازدهرت هذه المدارس في أيام الأنبياء صموئيل وإيليا وأليشع[13].

يتطلع كثير من الدارسين إلى بني الأنبياء أنهم كانوا على مستوى المساواة مع الأنبياء (1 مل 20: 35، 38)، وإن كان عاموس النبي يميز بين الفريقين (عا 7: 14).

يبدو أن بني الأنبياء كانوا يضمون من هم صالحون وأيضًا من هم طالحون، وربما من بينهم ظهر الأنبياء الكذبة الذين انحرفوا لسببٍ أو آخر، إما رغبة في مداهنة الملوك والعظماء، أو كسب شعبية بكلمات ناعمة كاذبة تُخَدِّر الشعب عوض حثهم على التوبة (إش 30: 10؛ إر 6: 14؛ 8: 11).

كان لبني الأنبياء نظام خاص، يدرسون الشريعة، وتاريخ شعب الله مع الشعر المقدس والموسيقى. لم يكونوا تحت نظام رهباني، ولا طلبة لتعلم اللاهوتيات. رسالتهم هي مساعدة الأنبياء في تحقيق رسالتهم، وفي وقت ما يخلفونهم.

علموا بانتقال إيليا غالبًا بإعلان إلهي، وإذ سألوا أليشع إن كان يعلم هذا، أجاب بالإيجاب، وطلب منهم الصمت. فإنه ليس وقت للحديث في أي أمر سواء خاص بانتقال إيليا أو بالخدمة، إذ كان فكره مشغولاً تمامًا بالتأمل فيما يتمتع به بالتصاقه بأبيه إيليا في الرب. لم يكن محتاجًا إلى كلمة تعزية من بشرٍ، ولا إلى تدبير أمورٍ خاصة بالخدمة. أدرك أنه عمل مقدس فائق، لا يمكن أن يكون موضوع نقاشٍ أو جدالٍ.

v إذ أراد أن يخفي جمال طريقه عن الكل، احتفل به الأنبياء أجواقًا أجواقًا وهم يتنبأون.

كان يحاول أن يختبئ بتواضعه، غير أن ربَّه البار كشفه في الطرق أمام الكثيرين.

حالما شعر أن الرب دعاه ليرتفع، عزم أن يخبئ نفسه عن المشاهدين.

 وشرع يطلب من تلميذه أن يفارقه، ويقول له: الرب أرسلني، حتى يتركه[14].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elisha refuses to leave Elijah his master (2 Kings 2:4-5) صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع يرفض تماما أن يترك معلمه إيليا النبي (ملوك الثاني 2: 4-5)

St-Takla.org Image: Elisha refuses to leave Elijah his master (2 Kings 2:4-5)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع يرفض تماما أن يترك معلمه إيليا النبي (ملوك الثاني 2: 4-5)

4. أليشع لا يفارق إيليا

ثُمَّ قَالَ لَهُ إِيلِيَّا:

يَا أليشع، امْكُثْ هُنَا،

لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى أَرِيحَا.

فَقَالَ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ.

وَأَتَيَا إِلَى أَرِيحَا. [4]

 

بينما أخفى إيليا أمر إصعاده عن تلميذه أليشع، أعلن الله من جانبه هذا السرّ للتلميذ الذي تأهَّل للنبوة. يرى القديس مار يعقوب السروجي أن هذا الإعلان جاء من قِبل الله لكي يغرف التلميذ من الكنز الذي بين يديه. فيرى في معلمه إيليا النبي الشمس التي يتمتع بنورها وبهائها، والينبوع الذي تتدفق منه مياه الحياة، يشرب منها التلميذ، فترتفع أعماقه نحو العلو. يرى فيه نارًا مملوءة بهاءً، يحتضنها فتُضرم نيران الحب في أعماقه. ويغرف من لجة الروح، فيمتلئ قوة. يراه بحرًا مملوءً بالإعلانات الإلهية، يتقبَّلها فيغتني.

لم تبقَ لحياة إيليا على الأرض إلاَّ ساعات، فيسرع التلميذ ليطلب فيجد، ويسأل فيأخذ، ليدخل إلى الباب، لأنه لازال مفتوحًا أمامه.

العجيب أن أليشع أقسم: "حيّ هو الرب، وحيَّة هي نفسك". فقد أدرك أن نفس إيليا قد اقتنت الحياة، لأنها ملتصقة بالله مصدر الحياة.

أصرَّ التلميذ ألاَّ يفارق مُعَلِّمه، ليقتني منه الغِنَى الروحي.

St-Takla.org Image: Elijah said to Elisha. ‘Stay here, Elisha; the Lord has sent me to Jericho.’ Elisha replied, ‘As surely as the Lord lives and you live, I will not leave you.’ (2 Kings 2: 4) - "Elijah and the chariot of fire" images set (2 Kings 2:1-17): image (4) - 2 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "ثم قال له إيليا: «يا أليشع، امكث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى أريحا». فقال: «حي هو الرب، وحية هي نفسك، إني لا أتركك»" (الملوك الثاني 2: 4) - مجموعة "إيليا والمركبة النارية" (ملوك الثاني 2: 1-17) - صورة (4) - صور سفر الملوك الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Elijah said to Elisha. ‘Stay here, Elisha; the Lord has sent me to Jericho.’ Elisha replied, ‘As surely as the Lord lives and you live, I will not leave you.’ (2 Kings 2: 4) - "Elijah and the chariot of fire" images set (2 Kings 2:1-17): image (4) - 2 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ثم قال له إيليا: «يا أليشع، امكث هنا لأن الرب قد أرسلني إلى أريحا». فقال: «حي هو الرب، وحية هي نفسك، إني لا أتركك»" (الملوك الثاني 2: 4) - مجموعة "إيليا والمركبة النارية" (ملوك الثاني 2: 1-17) - صورة (4) - صور سفر الملوك الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

v بما أن ذاك الصبي استحق النبوة، فقد أشار إليه الوحي، وعلَّمه خفية ألا يتركه.

قيلت هذه الأمور للتلميذ من قبل الوحي بألا يترك صحبة مُعَلِّمه:

اهتم أيها الصبي، وانهب ثروة غير محدودة، ما دام الكنز العظيم المملوء خيرات قريبًا منك.

سيرتفع الكنز، خُذ منه قدر المستطاع، وكن ثريًا، وكن معلمًا أنت أيضًا.

ما دامت الشمس معك على الأرض، خذ منها نورًا وبهاءً، وزيِّن ذاتك ببهائها.

ما دمتَ قريبًا من الينبوع الذي يتدفق حياة، اشرب منه، لأنه سيرتفع عنك إلى العلو.

ما دامت معك النار الحية ومملوءة جمالاً تمسك بها، وبها أضرم نفسك، لأنها ستختفي.

ما دامت لجة الروح تتبعك، وتجري معك، افتح لها نفسك وامتلئ من قوتها.

ما دام معك البحر المملوء بكل الإيحاءات، تاجر به، لتصير غنيًا بعدما يرتفع.

لا تفارقه إلا بعد أن تراه يرتفع، وبعد أن يعطيك شيئًا عظيمًا، فتغتني من موهبته.

أسرع فستدرك، واطلب فستجد، واسأل فستأخذ، الباب مفتوح لك: إنه يوم غناك إن كنت تتجاسر.

أشار الروح إلى الصبي خفية، فعرف هذه الأمور، ولهذا لم يرد أن يتركه...

قال له: حي هو الرب، وحيَّة هي نفسك، يا سيدي، لن أتركك وأتخلف عنك، يا أيها الرفيق الصالح...

عندما أقسم جعل نفسه مع الله، لأنه كان يعرف بأنها كانت مع الله روحيًا.

حي هو الرب، ومعه نفسك، أعني نفسك اقتنت هذه الحياة الموجودة لله.

به تحيا نفسك، وهي مختلطة وغارقة وممزوجة به، وبما أنه حي، فهي حية معه في إرادة واحدة...

لم يشأ أن يتخلف، لأنه كان يتوق أيضًا أن يقتني الغنى الروحي من رفقة المُعَلِّم البهي[15].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. الروح يكشف للأنبياء عن إصعاد إيليا

5 فَتَقَدَّمَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا إِلَى أَلِيشَعَ وَقَالُوا لَهُ: «أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاصْمُتُوا». 6 ثُمَّ قَالَ لَهُ إِيلِيَّا: «أُمْكُثْ هُنَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الأُرْدُنِّ». فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». وَانْطَلَقَا كِلاَهُمَا. 7 فَذَهَبَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ وَوَقَفُوا قُبَالَتَهُمَا مِنْ بَعِيدٍ. وَوَقَفَ كِلاَهُمَا بِجَانِبِ الأُرْدُنِّ.

 

فَتَقَدَّمَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا إِلَى أليشع، وَقَالُوا لَهُ:

أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاصْمُتُوا. [5]

أعلن الروح للأنبياء عن إصعاد إيليا إلى السماء، الأمر الذي أراد النبي إخفاءه. انطلقوا إلى أليشع يخبرونه بما أعلنه الروح، فأدركوا أن الروح أيضًا كشف السرّ لأليشع!

v لكي يكون الاحتفال بطريقه وهو يرتفع عظيمًا، كشف الروح للأنبياء عنه خفية.

خرجوا من بيت إيل ومن أريحا بإيحاءاتهم، وتكلم السرّ مع التلميذ عن مُعَلِّمه.

عندما كشف لهم الروح، كشفوا له بمحبةٍ، وقالوا: اليوم يأخذ الرب معلمك منك.

همس له كما همس لهم فأسكتهم، حتى يحفظوا السرّ الذي كان يعرفه[16].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org Image: Elijah went with Elisha to Jordan (2 Kings 2:6-7) صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا وأليشع يمضيان إلى الأردن (ملوك الثاني 2: 6-7)

St-Takla.org Image: Elijah went with Elisha to Jordan (2 Kings 2:6-7)

صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا وأليشع يمضيان إلى الأردن (ملوك الثاني 2: 6-7)

ثُمَّ قَالَ لَهُ إِيلِيَّا:

أُمْكُثْ هُنَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الأُرْدُنِّ.

فَقَالَ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ.

وَانْطَلَقَا كِلاَهُمَا. [6]

عندما بدأ إيليا عمله النبوي في أيام أخآب جاء من جلعاد شرق نهر الأردن (1 مل 17: 1)، والآن عند نهاية عمله النبوي عبر نهر الأردن راجعًا لكي يُصعد إلى السماء.

بعد زيارة مدارس الأنبياء أرسله إلى برية في عبر الأردن، ليكون إصعاده في مكانٍ منفردٍ ما أمكن، كما صعد موسى على جبل نبو بمفرده ليموت.

كان نهر الأردن رمزًا للمعمودية، حيث يعبر المؤمن من محبة العالم الساقط إلى الوعد بالميراث، أي الحياة العتيدة. لقد حقَّق السيد هذا الوعد بتجسده وعماده (مر 1: 9).

v اسم "الأردن" معناه "النزول"، فقد حقَّق الرب يسوع هذا النزول، وجعل الذين يسكنون بجوار نهر الأردن يتطهرون من عدوى الخطية[17].

القديس أمبروسيوس

v إيليا الذي كان يعيش في ذلك الوقت مع أليشع، الذي كرَّسه نبيًا بأمرٍ إلهي (1 مل 19: 19)... كان معه في ذات طريقة الحياة بغير انفصال. إذ اقترب وقت إصعاده بمركبة نارية، فيتركه ويصعد إلى السماء بهذا الثفل الجسدي الذي يجتذبنا نحو الأرض. بعدما عبر إلى الجلجال وفي طريقه إلى بيت إيل، أمر أليشع أن يمكث في الجلجال. أما أليشع فلم يطعه، ولا أراد أن ينفصل عنه، حاسبًا أن هذه الكلمات حملته كما إلى سجنٍ تام. هذا هو السبب الذي دفع إيليا أخيرًا أن يأخذه معه.

عندما بلغ الاثنان بيت إيل، حيث قضيا أيامًا قليلة، وقد وضع إيليا مرة أخرى خطة لزيارة أريحا بمفرده، أمر أليشع ألا يأتي معه للمرة الثانية. ولكن كما حدث قبلاً استمر أليشع في عدم طاعته بإصرار، كما لو كان قد شعر كمن يتمزق عندما يُنزَع من سيده.

إذ لم يعرف إيليا ماذا يفعل وافق أن يذهب معه[18].

القديس مار أفرام السرياني

فَذَهَبَ خَمْسُونَ رَجُلاً مِنْ بَنِي الأَنْبِيَاءِ،

وَوَقَفُوا قُبَالَتَهُمَا مِنْ بَعِيدٍ.

وَوَقَفَ كِلاَهُمَا بِجَانِبِ الأُرْدُنِّ. [7]

الخمسون هنا من مدرسة الأنبياء في أريحا، فقد وُجدت مدارس كثيرة للأنبياء. إذ كان كثيرون يهربون إلى هذه المدارس ليعبدوا الرب في أمان من أخآب وعائلته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elijah and Elisha crosses the River Jordan together (2 Kings 2:8-10) صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا وأليشع يعبران معا لنهر الأردن بعد شقه (ملوك الثاني 2: 8-10)

St-Takla.org Image: Elijah and Elisha crosses the River Jordan together (2 Kings 2:8-10)

صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا وأليشع يعبران معا لنهر الأردن بعد شقه (ملوك الثاني 2: 8-10)

6. أعجوبة على نهر الأردن

وَأَخَذَ إِيلِيَّا رِدَاءَهُ وَلَفَّهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ،

فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ،

فَعَبَرَا كِلاَهُمَا فِي الْيَبَسِ. [8]

 

إذ تركزت أنظار إيليا النبي على السماء، لم يكن لنهر الأردن أن يعوقه. ضرب النهر بردائه، فصار فيه يابسًا، ليسير عليه إيليا حتى يصعد! ذاك الذي صار له طريق يعبر بها إلى السماء بمركبة نارية، لم يجد صعوبة أن يعبر في طريق جديدة في نهر الأردن!

ضرب موسى النبي البحر الأحمر بالعصا، فانشق لشعبه طريقًا حتى ينطلقوا من عبودية فرعون (رمز لإبليس) إلى البرية، على رجاء دخول أرض الموعد. وضرب إيليا النهر بردائه لينشق النهر، ويعبر إيليا وأليشع في وسط النهر على اليابس. كان ذلك لشهادة من قبل الرب لعمله خلال النبيين للتحرُّر من عبودية الشر والدخول إلى راحة الحياة مع الله.

أشار موسى النبي إلى المعمودية بعبوره البحر الأحمر (خر 14: 16-23). وأمر يشوع الكهنة حاملي التابوت أن يضعوا أقدامهم في نهر الأردن، فانشق لكي يعبر الكل إلى أرض الموعد (يش 3: 13-17). والآن يضرب إيليا النبي النهر بردائه لينشق، فيعبر المؤمن لا من عبودية فرعون، بل من عبودية الارتباط بالأرضيات، ويدخلون معه كما في مركبة نارية منطلقين بقلوبهم إلى السماء.

عند خروج الشعب من مصر انشق البحر الأحمر أمامهم ليعبر الكل إلى البرية، وذلك بعصا موسى النبي (خر 14)، وفي نهاية خدمة إيليا انشق نهر الأردن ليعبر إيليا وذلك بثوبه. فما قدَّمه الله من أجل الجماعة قدَّمه أيضًا لأجل شخصٍ واحدٍ أيضًا!

v عماده (إيليا) في الأردن هيَّأه أن يصعد، لأنه كما سبق أن أظهرنا أن بولس أُعطي اسم العماد لعبارة كهذه خلال المياه.

وخلال نهر الأردن هذا تقبَّل أليشع خلال إيليا نصيبين من روح إيليا، ربما لأنه عبر الأردن مرَّتين، مرة مع إيليا والثانية بعدما تقبَّل ثوب إيليا وضرب الماء، قائلاً: "أين هو إله إيليا؟" وانشق النهر هنا وهناك.

v يليق بنا أن نلاحظ أنه قبل أن يُحمَل إيليا في الزوبعة كما إلى السماء، أخذ رداءه وطواه ثم ضرب به الماء، فانشق إلى اثنين وعبر هو وأليشع (2 مل 2: 8)، بهذا اعتمدا في الأردن. لأن بولس كما سبق فقلت دعا عبور هذه المياه العجيب عمادًا. بهذا تهيأ إيليا للارتفاع عاليًا[19].

العلامة أوريجينوس

الرداء الذي طرحه على أليشع حين دعاه (1 مل 19: 19) إشارة إلى مشاركته في العمل النبوي، هو الذي ضرب به نهر الأردن فانشق.

يرى العلامة أوريجينوس أن أليشع ضرب الأردن مرتين كما ضرب موسى النبي الصخرة مرتين. فمن جانب يفيض علينا بالماء، فيروى عطشنا، ومن جانب آخر ينشق النهر، أي يفصل لنا كلمة الحق ويكشفها، فنتعرف على التفسير السليم لها[20].

v ارتفع إيليا إلى السماء، ولكن ليس بدون ماء. لقد بدأ بعبور الأردن بعد ذلك حملته المركبة إلى السماء[21].

القديس كيرلس الأورشليمي

v يا لعظمة فضيلة القديسين! ليس فقط بكلماتهم، بل ولا بأجسامهم فقط، بل أيضًا بثيابهم نفسها التي تظهر مُكرَّمة بواسطة كل الخليقة. فإن الثوب الجلدي لهذا الرجل شقّ نهر الأردن!

القديس يوحنا الذهبي الفم

v سار رجل التطويبات المملوء بالأمجاد، وبلغ إلى الأردن مع التلميذ المملوء تمييزًا.

الصادق والبهي والكامل والبتول والعفيف والنقي والبار والمجيد والعجيب والمملوء عجبًا عظيمًا.

سار نحو موضعه، ووضع العالم وراء ظهره، وهو متجِّه إلى السماء، ولم يعد يعرف أن ينظر إلى الأرض.

وقف على النهر وهو مملوء بقوة وجبروت، ولبس البأس وقوة الروحانية العظيمة.

ضرب النهرَ بثوبه، فجعله يابسًا، توقفت السيول التي منعها من الجريان.

توقفت طريق النهر الطليقة الرهيبة، وهدأت لتفسح المجال لطريق البهي حتى يرتفع.

تركت الأمواج الفائضة عنف عاداتها، لتسلك طريق ذلك القديس بجبروتٍ...

طريق الماء ممدودة وماشية، ولما رأت إيليا انغلقت، لئلا يتعطل طريقه.

حُبست الأمواج على العبر وهدأت، أغلقتها القوة الخفية، وتوقفت عن الجريان.

مهدتْ طريقًا جديدة مملوءة عجبًا، فعبر إيليا كمن كان على اليابسة ليسير إلى موضعه[22].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7. أليشع يطلب نصيبين من روح إيليا

9 وَلَمَّا عَبَرَا قَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: «اطْلُبْ: مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُوخَذَ مِنْكَ؟». فَقَالَ أَلِيشَعُ: «لِيَكُنْ نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ عَلَيَّ». 10 فَقَالَ: «صَعَّبْتَ السُّؤَالَ. فَإِنْ رَأَيْتَنِي أُوخَذُ مِنْكَ يَكُونُ لَكَ كَذلِكَ، وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ».

 

وَلَمَّا عَبَرَا قَالَ إِيلِيَّا لأليشع:

اطْلُبْ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ قَبْلَ أَنْ أُوخَذَ مِنْكَ.

فَقَالَ أليشع: لِيَكُنْ نَصِيبُ اثْنَيْنِ مِنْ رُوحِكَ عَلَيَّ. [9]

لم يترك إيليا مالاً يرثه تلميذه أو ابنه الروحي، لكن نال أليشع ما هو أعظم من كل أمور هذا العالم.

عندما اقتربت الساعات الأخيرة من حياة إيليا كان رفيقه الوحيد هو أليشع. وكان طلب أليشع نصيب اثنين من روح إيليا (2 مل 9: 2) مؤسسًا على التمتُّع بحق البكر، وهو أن يأخذ نصيب اثنين من ميراث الأسرة والقيادة الأبوية للعائلة بعد موت الأب. لم يطلب أليشع أن يكون أعظم من إيليا، بل أن يكون أهلاً أن يُحسب ابنه البكر.

لم يكن في طلب أليشع رغبة في ممارسة آيات وعجائب ضعف ما مارسه مُعلِّمه، مع أنه يبدو جميلاً أن تعرف أن عدد المعجزات التي سُجِّلتْ لأليشع توازي ضعف العدد الذي سُجِّلَ لإيليا تقريبًا. إنما طلب نصيبين من روحه للخدمة والشهادة لله. في بساطة وبروح التواضع، اشتهى أن يتمم رجل الله رسالة مُعَلِّمه، متطلعًا إلى إيليا النبي كنموذجٍ حيٍ أمامه.

حسب أليشع نفسه الابن الأكبر له حق ميراث نصيبين (تث 21: 17). في دالة الحب اعتبر أليشع نفسه ابنًا أكبر لإيليا النبي. وفي جرأة طلب حق الميراث، وهو أن يتمتع بنصيبين من روحه.

لم يشته أليشع النبي شيئًا سوى أن يقتدي بسيده، ويحمل روحه. لكن إيليا النبي أدرك أن ذلك ليس في سلطانه، إنما هو حق إلهي، يُقدِّمه الله الفاحص القلوب لمحبوبيه الأمناء. لم يكن أليشع يطمع أن يكون أعظم من سيده، ولا أقوى منه، لكن إذ رأى حال المملكة يزداد انهيارًا، فالأمر يحتاج إلى قدرة إلهية متزايدة تواجه هذا التيار الجارف.

الإنسان الروحي يحب الآخرين كأبناء أبكار له، فيود أن يقدِّم لهم نصيبين في وصيَّته الوداعيَّة، بل ويشتهي لأحبَّائه الروحيِّين في جرأة أن ينالوا هذا الميراث. هذا ما اشتهاه أليشع النبي حيث طلب من معلِّمه إيليا النبي: "ليكن نصيب اثنين من روحك عليَّ" (2 مل 2: 9).

لم يخفْ أليشع من أن يطلب نصيبين من روح إيليا، أي يحمل قوة مضاعفة. طلب بإيمان لشعوره بضعفه وحاجته إلى قوة مضاعفة من السماء تسنده، بجانب شعوره بانحدار الشعب المستمر في الفساد. لم يغضب إيليا النبي من هذا الطلب، بل تهللت أعماقه، وأدرك أنه ليس في سلطانه أن يُقَدِّم هذا، لكنه يفرح أن يُكَمِّل تلميذه رسالته بروح القوة.

ليتنا لا نستخف بالجيل الجديد، بل نطلب من الله أن يهبهم ما هو أعظم مما نلناه لتكون الكنيسة في المستقبل أكثر قوة، وقادرة على مواجهة كل التحديات بروح النصرة والغلبة.

يرى القديس أغسطينوس أنه إذ طلب أليشع الضعف من روح إيليا، إنما يقصد به روح الله العامل فيه، الذي يليق بنا أن نطلب عمله المتزايد فينا. أما من لم يتمتع بعد بعمل الروح فيه، فيطلب أن يعمل الروح فيه.

v الوعد (الخاص بالنمو في عمل الروح) ليس باطلاً، سواء بالنسبة للذي لم يقتنِ (الروح القدس) أو ذاك الذي يقتنيه. فمن لم يتمتع بعطية الروح يُقدم له الروح ليقتنيه، ومن اقتنى الروح يتمتع به بفيضٍ. فلو أن (الروح) غير مُقتنى بقياس أقل لدى البعض عن الآخرين، ما كان القدِّيس أليشع يقول للقديس إيليا: "ليكن لي نصيب اثنين من الروح الذي فيك فيَّ" (راجع 2 مل 9).

ولكن عندما قال يوحنا المعمدان: "لأنه ليس بكيلٍ يعطي الله الروح" (يو 3: 34)، كان يتحدث على وجه الخصوص عن ابن الله الذي لم ينل الروح بقياس، لأن الروح يسكن فيه بكل كمال اللاهوت[23].

v ذاك الذي هو حاضر في كل مكان لا يسكن في الجميع، ولا يسكن بدرجة متساوية في أولئك الذين يسكن فيهم. وإلا فما هو معنى الطلب الذي سأله أليشع أن يكون له نصيب اثنين من روح الله الذي في إيليا؟ وكيف يوجد بين القديسين البعض أكثر قداسة من الآخرين، سوى أن لهم فيض أكثر من سكنى الله؟

يلزم أن نلاحظ بدقة أن ما نقوله أنه حاضر بالكامل في كل مكان، أنه حاضر في ذاته، لا في الأشياء التي لها إمكانية أعظم لحضوره، وآخرون إمكانية أقل[24].

القديس أغسطينوس

v من يؤمن بي يعمل الأعمال التي أعملها وأعظم منها (يو 14: 12). أين تظهر تلك الكلمة التي قالها: ليس التلميذ أعظم من سيده (مت 10: 24)؟

كمثال قتل موسى فقط ثلاثة ملوك، أما يشوع فقتل ثلاثين (يش 12: 1-24).

موسى ثابر في الصلاة وتوسل، لكنه لم يدخل (أرض الموعد)، أما يشوع فدخل واشترك في الميراث (تث 24: 4-5).

هكذا كان صموئيل أعظم من عالي، ونال أليشع ضعفين من روح سيده بعد صعوده (2 مل 2: 9-12). هكذا وهب الرب تلاميذه ضعفين من آياته[25].

القديس مار أفرام السرياني

فَقَالَ: صَعَّبْتَ السُّؤَالَ.

فَإِنْ رَأَيْتَنِي أُوخَذُ مِنْكَ، يَكُونُ لَكَ كَذَلِكَ،

وَإِلاَّ فَلاَ يَكُونُ. [10]

شعر أليشع بصعوبة الخدمة الملقاة على عاتقه، فطلب نصيبين من روح أبيه الروحي. وشعر إيليا بصعوبة السؤال، لأنه ليس من حقه اختيار من يخلفه، بل من حق الله وحده.

جاءت إجابة إيليا: إن الأمر ليس في يدي، بل في يد إلهنا. إن وهبك أن تراني عند مفارقتي لك يكون ذلك لك. وكأنه يقول له: "لتكن لا إرادتي، بل إرادة أبينا الذي في السماوات!"

كان صعود إيليا النبي مخفيًا عن الأعين الجسدية، وذلك كما كانت الخيل والمركبات النارية مخفية عن عيني غلام أليشع في دوثان (2 مل 17: 6). وإذ رآه أليشع عرف إيليا النبي أن الله قد وهبه قوة النظر في الروحيات ليرى ويفهم ما لا يستطيع غيره أن يراه أو يفهمه. بهذه العلاقة أدرك إيليا النبي أن تلميذه قد تعيَّن من قبل الله ليكون رئيسًا للأنبياء، ومتحدثًا في الأمور الإلهية مع الناس.

إذ رأى أليشع سيده منطلقًا في مركبة نارية نحو السماء، صار هذا المنظر مطبوعًا في قلبه وفي ذاكرته كل أيام حياته. به تقوَّى إيمانه ليقول في وقت الشدة: "الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2 مل 16: 6). ربما قبل هذا المنظر كان أليشع متكلاً على رجل الله إيليا، أما بعد رؤيته هذا المنظر صار الله يحتل كل فكره، ويملأ كل قلبه وكيانه الداخلي.

كان ظهور المركبة النارية التي تحمل إيليا لا يراها الإنسان بعينيه الجسديتين ما لم يفتح الرب عيني الإنسان بنعمته الإلهية. فجيحزي لم يرَ المركبات والخيل النارية التي تحيط بالجبل إلا بعد أن طلب أليشع من الله أن يفتح عينيه (2 مل 6: 17). هكذا أدرك إيليا أنه إن رأى أليشع المركبات يكون قد نال من الله قوة النظر في الروحيات، وأنه قد تعيَّن من الله ليكون خليفة له كرئيس للأنبياء.

يرى القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم[26] أنه لا يمكن للإنسان أن يتمتع بنعمة إلهية ما لم يكن مشتاقًا ومترقبًا ذلك. فما كان يمكن لأليشع أن ينال نعمة مضاعفة ما لم يترقب ليرى إيليا صاعدًا، ولهذا السبب وعد الرب تلاميذه بنوالهم قوة من الأعالي بحلول الروح عليهم دون أن يحدد لهم اليوم، حتى يترقبوا وينظروا.

v شطر النهرَ وعبر البهي مع تلميذه، وكشف له كلمته بمحبةٍ، وقال له:

الآن اطلب مني، ماذا أصنع لك قبل أن أصعد؟ اسأل، فأعطيك ما تشاءه مادمتُ معك.

سأل التلميذ محب الحياة والمملوء تطويبات من مُعلِّمه كنزًا كاملاً بقلبٍ صالحٍ.

رأى أنه فتح له بابًا ليأخذ كما يشاء، ومثل حكيم سأل منه كنزًا عظيمًا.

نظر إلى معلمه الذي يقدر أن يعطي كل المطالب، فطلب وأكثر، لأنه وثق بأنه لن يردَّه.

قال له: سيدي، ليحل عليّ اثنان من روحك، وإذ بالغ قال: بالغتَ، دون أن يحرمه.

إن رأيتني عندما أفارقك سيكون لك هكذا، وإن لم تشاهدني لن يكون لك.

وضع الإرادة في يدي الرب، كما قال الابن للآب: لا تكن إرادتي بل إرادتك[27].

القديس مار يعقوب السروجي

v الملائكة التي حملت إيليا إلى السماء، حرست أليشع على الأرض. أي عجب إن كانت الملائكة التي انطلقت بالسيد، تحمي التلميذ؟

يليق بنا أن نلاحظ أن الإكرام الذي أظهروه للأب أعلنوه أيضًا للابن، فإنه هو الابن الروحي لإيليا، وارث قداسته!

ما يبرر دعوة أليشع الابن الروحي لإيليا أنه وهو صاعد إلى السماء ترك إيليا نصيب اثنين من نعمته له. فعندما أُعطي لأليشع الحق أن يسأل ما يريده قبل أن يُؤخذ إيليا منه، سأل أن يكون له نصيبان من روح إيليا. عندئذ قال إيليا "صعَّبت السؤال، لكن سيتحقق ذلك لك".

يا له من ميراث ثمين حيث يكون الميراث المتروك أكثر مما يملكه، وأن الذي يرث ينال أكثر مما يملكه المُعطي!

واضح أنه ميراث ثمين حيث هو مضاعف كما بفائدة، أهل للتقدير عندما يتحول من الأب إلى الابن. ترك إيليا نصيبين لأليشع، مع أنه هو نفسه له نصيب واحد من القداسة. إنه بطريقة عجيبة ترك إيليا نعمة أعظم على الأرض عما حملها معه إلى السماء.[28]

الأب مكسيموس أسقف تورين

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elijah's ascent in a chariot of fire, by Gustave Doré. صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود إيليا النبي في مركبة نارية، رسم الفنان جوستاف دوريه.

St-Takla.org Image: Elijah's ascent in a chariot of fire, by Gustave Doré.

صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود إيليا النبي في مركبة نارية، رسم الفنان جوستاف دوريه.

8. الأرض الأم تودِّع إيليا

وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ،

إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا،

فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. [11]

 

الطريقة التي بها تم عزل إيليا عن أليشع تُظهر قوة الله وسلطانه.

يرى بعض الآباء في المركبات النارية والخيول النارية أنها طغمات سماوية جاءت تحمل رجل الله الناري إلى السماء.

يرى القديس أغسطينوس أن إيليا سيأتي قبل يوم الدينونة، وأن اليهود سوف يؤمنون بالسيد المسيح من خلال كرازة إيليا لهم وتفسيره الكتاب المقدس[29].

إذ يُعِدّنا الله للِّقاء معه وجهًا لوجه في السماء، ونتمتع بشركة الأمجاد الأبدية، يُقدِّم لنا في هذه الحياة التمتُّع بأمجاد مستمرة كعربونٍ لما سننال.

v عندما تنفتح عيناك ترى مركبة نارية مثل إيليا، تنتظرك لتحملك إلى السماء (2 مل 2: 11)، فترنم بفرح: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر، ونحن انفلتنا" (مز 124: 7)[30].

v بالنسبة لنا نحن البشر الحياة سباق؛ نحن نصارع هنا، ونُكَلَّل في موضع آخر. لا يمكن لإنسانٍ أن ينزع الخوف بينما الحيات والعقارب تهاجم سبيله من كل جانب. يقول الرب: "لأنه قد روى في السماوات سيفي" (إش 34: 5)، فهل تتوقع أن تجد سلامًا على الأرض؟ لا، لأن الأرض تنبت شوكًا وحسكًا فقط، وترابها هو طعام للحية (تك 3: 14، 18). "فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12). نحن نطوَّق بجنود الأعداء من كل جانب. الجسد الضعيف، قريبًا يصير رمادًا، واحد مقابل كثيرين. إنه يحارب ضد خصومات رهيبة. لم يُحل (الجسد)، لم يأتِ بعد رئيس العالم، ولا يجد فيه خطية (يو 14: 30)، إلى الآن لا تصغون إلى كلمات النبي وأنتم في أمان: "لا تخشى من خوف الليل، ولا من سهم يطير في النهار..." (مز 91: 5-7).

عندما يضايقك جنود العدو، عندما يصير مزاجك مصابًا بحمى، وعندما تثور أهواؤك، عندما تقول: "ماذا أفعل؟" عندئذ تجيبك كلمات أليشع: "لا تخف، لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2 مل 6: 16). إنه يصلي: "يا رب افتح عينيه فيبصر". وعندما تنفتح عيناك ترى مركبة نارية مثل مركبة إيليا تنتظرك لتحملك إلى السماء (2 مل 2: 11). عندئذ تغنَّي بفرح: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر، ونحن انفلتنا" (مز 124: 7)[31].

القديس جيروم

v إنه النور الذي حمل إيليا في مركبة نارية، ومع ذلك إذ حملته لم تحرقه[32].

v إلهنا نار آكلة (عب 12: 20)، نار تحرق الأشرار (تث 4: 24)... الروح الذي حمل إيليا في مركبة، وطلب منه أليشع الضعف، وداود قاده الروح الصالح السخي وقوّاه[33].

القديس غريغوريوس النزينزي

v إذا كان هذا مكان صعود نفوسنا، كما في مثال إيليا، حيث تُخطَف عقولنا إلى أعلى في المركبة النارية (2 مل 2: 11)، وترتفع إلى الجمال السماوي، نفهم أن المركبة النارية هي الروح القدس الذي أتى ليمنحها للساكنين على الأرض، على هيئة ألسنة قُسمتْ على التلاميذ، سوف لا نيأس من الاقتراب من النجوم، أي من البحث في الأمور المقدسة التي تضيء نفوسنا بكلمة الله السماوية الروحية[34].

القديس غريغوريوس النيسي

St-Takla.org Image: Ethiopian icon of Elijah, from Saint Takla's Website visit to Ethiopia 2008 صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود إيليا النبي إلى السماء في مركبة نارية، من صور رحلتنا في موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا 2008

St-Takla.org Image: Ethiopian icon of Elijah, from Saint Takla's Website visit to Ethiopia 2008 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008

صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود إيليا النبي إلى السماء في مركبة نارية، من صور رحلتنا في موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا 2008 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا، إبريل - يونيو 2008

v إذ يتكلمون ضد صعود المُخَلِّص كأمرٍ مستحيل، فليذكروا كيف حمل ملاك حبقوق من شعر رأسه[35]، فبالأحرى جدًا يستطيع إله الملائكة والأنبياء أن يصعد على سحابة من جبل الزيتون بقوته الخاصة.

يمكنكم أن تتذكروا عجائب كهذه لكن لتعطَ المكانة الأولى لله صانع العجائب. فهؤلاء رُفعوا، أما هو فرافع كل الأشياء.

تذكروا أن أخنوخ نُقِلَ، أما يسوع فصعد.

تذكروا ما قيل بالأمس عن إيليا أنه أُصعد في مركبة نارية (2 مل 2: 11)، أما مركبات المسيح فربوات ألوف (مز 68: 17).

أخذ إيليا ناحية شرق الأردن، أما المسيح فصعد شرق وادي قدرون.

ذهب إيليا كما إلى السماء، أما المسيح ففي السماوات.

طلب إيليا أن يُعطَى لتلميذه الطوباوي نصيب مضاعف من الروح القدس، أما المسيح فمنح رسله نعمة الروح القدس هكذا حتى أنهم لم يأخذوه لأنفسهم وحدهم، بل وهبهم أن يمنحوا المؤمنين أن يشتركوا معهم فيه بوضع الأيدي![36]

القديس كيرلس الأورشليمي

v إذ ضبط إيليا شهوة الجسد، منع المطر عن الزناة... إذ لم تسيطر عليه نيران شهوة الجسد لذلك أطاعته النيران التي في الأعالي.

وإذ أخضع على الأرض شهوة الجسد ارتفع إلى حيث القداسة تقطن في سلامٍ.

v اشتاق إيليا إليه (إلى السيد المسيح)، وإذ لم يره على الأرض، إذ تطهر بالإيمان بكل ما في الكلمة من معنى، صعد إلى السماء ليراه.

موسى وإيليا نظراه. صعد الوديع من الأعماق، ونزل الغيور من العلا، وفي الوسط شاهدا الابن. إنهما يرمزان لسرّ مجيئه.

موسى رمز للأموات، وإيليا رمز للأحياء الذين يطيرون ليلتقوا معه عند مجيئه.

الموتى الذين ذاقوا الموت يجعلهم في الأول، والبقية التي لم تُدفن يختطفون في النهاية ليلتقوا معه[37].

القديس مار أفرام السرياني

v إذ كان قلب (إيليا) في السماء، اعتاد طائر السماء أن يُحضر له مؤونة. وإذ أخذ شبه ملائكة السماء، كان الملائكة أنفسهم يحضرون له خبزًا وماءً. وإذ وضع كل أفكاره في السماء، أُصعد إلى السماء بمركبة نارية، وهناك أُعد له مكان إلى الأبد"[38].

القديس أفراهاط

v إذ تنبأ إيليا النبي عن طهارتك، وإذ كان يحاول أن يتمثل بها بالروح، التف بإكليل الحياة النارية، فكوفئ بما هو أعظم من الموت بحكم إلهي[39].

الأب ميثوديوس

St-Takla.org Image: Elijah goes to heaven: "And it came to pass, as they still went on, and talked, that, behold, there appeared a chariot of fire, and horses of fire, and parted them both asunder; and Elijah went up by a whirlwind into heaven" (2 Kings 2:11) صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود أيليا إلى السماء: "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء" (ملوك ثاني 2: 11)

St-Takla.org Image: Elijah goes to heaven: "And it came to pass, as they still went on, and talked, that, behold, there appeared a chariot of fire, and horses of fire, and parted them both asunder; and Elijah went up by a whirlwind into heaven" (2 Kings 2:11)

صورة في موقع الأنبا تكلا: صعود أيليا إلى السماء: "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء" (ملوك ثاني 2: 11)

v الروح هو الذي حمل إيليا في مركبة، وطلب أليشع نصيبين منه[40].

v يقول البعض: "لكن إيليا يُرى بأنه لا يحتضن حبًا جسديًا"، ولهذا فإنه حُمل بمركبة إلى السماء. وظهر مُمَجَّدًا مع الرب (مت 3: 17)، وسيأتي كسابقٍ لمجيء الرب (ملا 5: 4)[41]

v صالحة هي أجنحة الحب، الأجنحة الحقيقية التي ترفرف على أفواه الرسل؛ أجنحة النار التي تنطق الكلام النقي (مز 12: 6).

على تلك الأجنحة طار أخنوخ حين اُختطِفَ إلى السماء (تك 5: 24).

وعلى هذه الأجنحة انطلق إيليا حينما صعد بالمركبة النارية والخيول النارية إلى الأماكن العلوية (2 مل 2: 11).

على هذه الأجنحة قاد الرب الإله شعب الآباء البطاركة بعمودٍ من نار (خر 13: 21).

للسيرافيم هذه الأجنحة، فحينما أخذ ساروف جمرة النار من على المذبح، ولمس بها فم النبي، أزال آثامه، وطهر خطاياه (إش 6: 6-7).

بنار هذه الأجنحة تطهَّرَ أبناء لاوي (ملا 3: 3)، وتعمدت قبائل الأمم كما يشهد يوحنا، حينما قال عن الرب يسوع: "سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت 3: 11؛ يو 1: 33).

حقًا أراد داود لحقويه وقلبه أن تُحرَق (وتُصفَّى بالنار مز 26: 2)، إذ عرف أنه لا ينبغي أن يخشى أجنحة الحب النارية.

لم يشعر الفتية العبرانيون في أتون النار المتقدة (بحرارة) النار، والسبب معروف أن لهيب الحب أعطاهم برودة (دا 3: 50).

ولكي نعرف أكثر أن للحب الكامل أجنحة، اسمعوا المسيح يقول: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها؟" (مت 23: 37)[42].

v (إيليا) وحده منحته السماء وهو على الأرض مركبة بخيل نارية، هكذا عاد من الأرض إلى السماء[43].

 القديس أمبروسيوس

v اشتعال الروح، هو الذي يُشعل القلوب نارًا. فإن النار الإلهيّة غير الماديّة لها فاعليّة لإنارة النفوس وتمحيصها، كما يُمتحَن الذهب النقي بنار البوتقة. ولكن (النار الإلهيّة) تحرق كل شرّ مثل الأشواك والقيود، "لأن إلهنا نارًا آكلة" (عب 12: 29) "معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله، في نار لهيب، وللذين لا يطيعون إنجيله" (2 تس 1: 8).

هذه النار هي التي عملت في الرسل حينما تكلموا بألسنة ناريّة (أع 2: 25).

هذه النار هي التي أحاطت ببولس، بالصوت الذي أنار عقله ولكنها أعمت بصره (أع 9: 3). فلم تكن رؤيته لقوة ذلك النور بدون الجسد.

هذه النار ظهرت لموسى في العليقة، وهذه النار، في شكل مركبة هي التي اختطفت إيليا من الأرض (2 مل 2: 11).

وداود المبارك كان يطلب فاعليّة هذه النار حينما قال: "امتحني يا رب، جرِّبني، محِّص كليتيَّ وقلبي" (مز 26: 2)[44].

القديس مقاريوس الكبير

St-Takla.org Image: Then it happened, as they continued on and talked, that suddenly a chariot of fire appeared with horses of fire, and separated the two of them; and Elijah went up by a whirlwind into heaven. (2 Kings 2:11-12) صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا يصعد إلى السماء في المركبة النارية (ملوك الثاني 2: 11-12)

St-Takla.org Image: Then it happened, as they continued on and talked, that suddenly a chariot of fire appeared with horses of fire, and separated the two of them; and Elijah went up by a whirlwind into heaven. (2 Kings 2:11-12)

صورة في موقع الأنبا تكلا: إيليا يصعد إلى السماء في المركبة النارية (ملوك الثاني 2: 11-12)

يستخدم القديس إيرينيؤس في حواره ضد الهراطقة الذين ينكرون قيامة الجسد قصة صعود إيليا إلى السماء كنبوة عن قيامة الجسد.

v اُختطف إيليا أيضا وهو بعد في الشكل الطبيعي معلنًا بالنبوة عن صعود الروحيين، وأنه لن يقف شيء ما كعائقٍ أمام أجسادهم التي ستنتقل وتصعد. فإنه بذات الأيدي التي بها قد تشكلوا في البداية يتقبلون الانتقال والصعود[45].

القديس إيرينيؤس

v أخنوخ وإيليا اللذان لم يواجها حتى الموت... انتقلا من هذا العالم، ولهذا السبب عينه فهما مُعينان للحياة الأبدية. لأي إيمان هذان الحدثان (انتقالهما) يشهدان سوى إلى مستقبلنا وقيامتنا التامة؟

لنستعر كلمات الرسول، إنهما كانا مثالين لنا (1 كو 10: 6).

كُتب عنهما لكي ما نؤمن أن الرب أكثر قوة من كل النواميس الطبيعية الخاصة بالجسد[46].

v أخنوخ انتقل دون شك (تك 5: 24؛ عب 11: 5)، وأيضًا إيليا (2 مل 2: 11)، فلم يختبرا الموت. إنه تأجَّل بكل تأكيدٍ. إنهما محفوظان لآلام الموت، حتى بدمهما يُحطِّمان ضد المسيح (رؤ 11: 3)[47].

العلامة ترتليان

v مرة أخرى، وُهب الزواج من أجل تكاثر الجنس البشري.

بعد ذلك إيليا راكب المركبة التي تنفث نارًا، والمقيم في السماء ألم يحتضن البتولية؟ ألم تكن له فضيلة تُعلن عن صعوده الفائق؟ من الذي أغلق السماء؟ من الذي أقام ميتًا؟ من شق الأردن؟ (2 مل 2: 14)؟ أليس إيليا البتول؟

أليس أليشع تلميذه بعدما أخذ البرهان عن مساواته في الفضيلة طلب أن يرث نصيب ضعفين؟

ماذا عن الثلاثة فتية؟ أليس بممارستهم البتولية صاروا أقوى من النار، وأجسامهم خلال البتولية صارت مقاومة للنار؟

أليس جسم دانيال تشدد هكذا بالبتولية حتى لم تستطع أسنان الوحوش المفترسة أن تتمكن منه (دا 3: 20)؟ أليس عندما أراد الله من الإسرائيليين أن يروه، أمرهم بتطهير الجسم (خر 19: 15؛ عد 6: 2)؟ أليس الكهنة كانوا يتطهرون حتى يقتربوا من مقدس الهيكل ويقدموا ذبائح؟ ألم يدعُ الناموس الطهارة نذرًا عظيمًا؟[48]

الأب يوحنا الدمشقي

v شهي أنت أيها الصوم، طوبى لمن انتصر بك، فبك توجد كل الأسرار وكل الأنماط...

بك جمل إيليا وتنقى، واقتنى جناحين، وطار وصعد إلى موضع لا يدخله الموت (2 مل 2: 11).

القديس مار يعقوب السروجي

يقدم لنا القديس مار يعقوب السروجي حديثًا رائعًا على لسان الأرض توجهه لابنها إيليا، الذي ولدته، لكنه صار محصيًا بين السمائيين. شعرت أنها لا تستحق أن يسير عليها ابنها، فقد عاش طاهرًا، بينما امتلأت كل أرجائها بالفساد.

v امضِ أيها السفلي الذي اختلط بالعلويين، وأُحصي معهم، ربيتك فكبرت، بك أفتخر لأني ولدتك.

امضِ أيها الجميل، وكن لي عربونًا بين الملائكة، وادخل كقربان بكر أمام العظمة.

لتتذكرني جموع العلي بسببك (فتقول): الأرض ربَّت هذه الثمرة، وأرسلتها إلى موضعنا.

هذا العنقود من تلك الجفنة التي خرَّبها آدم، وقد جمع الحلاوة من بين الأشواك لنستعذبها.

هذه السنبلة تسلقت من ذلك الحقل الملعون، وسمنت هكذا بين الزوان ولم تُضر.

امضِ أيها القديس، الذي لم أكن استحق خطواتك، بسبب الزنا الفاسد الذي يُمارَس كل يوم.

امضِ بسلام، لأن أختي السماء اشتهت جمالك، وخطفتك مني، لأنها تستحق جميع الجميلين (الأبرار).

امضِ، لأنك أذهلتني بتصرفاتك وقضاياك وعِشرتك الروحية التي كنت اعتبرها بهية.

امضِ بسلامٍ، لأنني حزينة لأنك تركتني، وأنا أفتخر بهذه الثمرة التي تربت عندي[49].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elisha cried out, ‘My father! My father! The chariots and horsemen of Israel!’ In grief he took hold of his garment and tore it in two. (2 Kings 2: 12) - "Elijah and the chariot of fire" images set (2 Kings 2:1-17): image (11) - 2 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "وكان أليشع يرى وهو يصرخ: «يا أبي، يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها». ولم يره بعد، فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين" (الملوك الثاني 2: 12) - مجموعة "إيليا والمركبة النارية" (ملوك الثاني 2: 1-17) - صورة (11) - صور سفر الملوك الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Elisha cried out, ‘My father! My father! The chariots and horsemen of Israel!’ In grief he took hold of his garment and tore it in two. (2 Kings 2: 12) - "Elijah and the chariot of fire" images set (2 Kings 2:1-17): image (11) - 2 Kings, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "وكان أليشع يرى وهو يصرخ: «يا أبي، يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها». ولم يره بعد، فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين" (الملوك الثاني 2: 12) - مجموعة "إيليا والمركبة النارية" (ملوك الثاني 2: 1-17) - صورة (11) - صور سفر الملوك الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

9. أليشع يبكي على فراق إيليا

وَكَانَ أليشع يَرَى وَهُوَ يَصْرُخُ:

يَا أَبِي يَا أَبِي، مَرْكَبَةَ إِسْرَائِيلَ وَفُرْسَانَهَا!

 وَلَمْ يَرَهُ بَعْدُ.

فَأَمْسَكَ ثِيَابَهُ، وَمَزَّقَهَا قِطْعَتَيْنِ. [12]

 

دعاه أليشع "مركبة إسرائيل وفرسانها"، لأن الرب يستخدمه ليرشد الشعب، ويُحذِّرهم من خطط الأعداء، ويهبهم النصرة.

جاءت كلمة "مركبة" في الأصل بصيغة الجمع "مركبات"، لا ليركب مجموعة من المركبات، إنما لترحب به السماء ويتهلل به السمائيون. هذا معناه أن إيليا كان يُعتبَر أعظم سلاح يكشف عن قوة الله في ذلك الحين، في الدفاع عن إسرائيل.

لم يعد يرى إيليا بعد. حدث لإيليا ما حدث مع موسى النبي؛ حيث اختفى، ولم يعرف أحد قبره حتى اليوم (تث 34: 6).

v رأى التلميذ أنهم فصلوا مُعَلِّمه من عن يمينه، فصرخ بأصوات مملوءة بالألم، لأنه انفصل عنه.

بكى الوارث، ورافق أباه الروحي، وحُرم الوارث من العِشرة المملوءة فوائد.

صرخ الابن الحكيم وهو يولول: يا أبي، يا أبي، ومزَّق ثوبه، لأن الأب الروحي انفصل عنه.

دعاه مركبات وفرسان كل الشعب، لأن به انتصر إسرائيل في كل المعارك.

أخذ المعطف، وقَبِلَ الوارث الصالح روحَه، وحُرِم من مُعلِّمه الذي ركب الأعالي ورُفع[50].

القديس مار يعقوب السروجي

v احتمل إيليا الجوع والخيانة ومخاوف الموت، وأتعابًا مُرَّة. ومع ذلك فهو وحده توجَّه من الأرض إلى السماء بمركبة نارية بخيل نارية...

لقد أخفى أي استحقاقٍ له لنوال هذه الخدمة، وقدَّم النعمة الممنوحة للقائد المقدس فوق كل اعتبارٍ إنسانيٍ[51].

v تقول النفس: "لقد جَعَلَتْني كمركبات عميناداب" (نش 6: 12) LXX. (عميناداب = عمي كريم، أو قوم شريف، أو أمير شعبي، أو مركب أميري).

النفس هي مركبة تحمل سيدها الصالح، لها خيول صالحة أو رديئة. الخيول الصالحة هي فضائل النفس، والرديئة هي الشهوات الجسدية، لهذا يكبح السيد الصالح الخيول الرديئة، ويسحبها إلى خلف بينما يحث الصالحة (للتقدُّم إلى الأمام).

الخيول الصالحة أربعة: التعقل والاعتدال والثبات والعدل.

والخيول الرديئة هي الغضب والشهوة والخوف والظلم.

أحيانًا تكون هذه الخيول في تعارُض مع بعضها البعض، كأن يتهيّج الغضب أو الخوف، فيعوق أحدهما الآخر ويبطئ الاثنان في تقدمهما. أما الخيول الصالحة فتنطلق طائرة، ترتفع عن الأرض إلى أماكن علوية؛ فترتفع النفس خصوصًا إن كان لها النِير الحلو والحمل الخفيف للقائل: "احملوا نيري عليكم، لأن نيري حلو، وحملي خفيف" (مت 11: 29-30).

إنه السيد الذي يعرف كيف يسوس خيوله، فيحافظ الكل على نفس الخطوة (ليسير الكل في انسجام). فإن كان التعقل سريعًا جدًا، والعدل بطيئًا جدًا يحث الأكثر تكاسلاً بسوْطه. وإن كان الاعتدال لطيفًا جدًا والثبات حادًا جدًا، يعرف كيف يوحِّد غير المنسجمين حتى لا يفقدان تقدمهما.

حسنًا قيل: "قد جَعَلَتْنِي كمركبات عميناداب"، وهو اسم معناه "أب شعب"، وأب الشعب هو أيضًا أبو نحشون (عد 1: 7؛ 2: 3)، معناه "من الحية أو الثعبان". تذكروا الآن من عُلِّق على الصليب كحية لخلاص كل البشر (يو 3: 14، عد 21: 9)، فستذكرون التي لها الله حاميها والمسيح قائدها هي في سلام؛ لأن تلك اللفظة "قائد" وردت في كتابنا المقدس: "يا أبي، يا أبي، قائد (مركبة) إسرائيل" (2 مل 2: 12)[52].

القديس أمبروسيوس

مع كل ما بلغه أليشع من نضوج روحي، وما ناله من بركات، لم يحتمل في ضعفٍ فراق إيليا، فأمسك بثيابه، ومزقها قطعتين علامة حزنه الشديد على فراقه، فإنه سيُحرَم من إيليا مُعلِّمه، لكنه أمسك برداء إيليا، وشعر أن إله إيليا لن يفارقه.

أدرك أليشع ما تحمله نفس إيليا من قداسة، وأيضًا جسده الذي تأهل أن يركب مركبة نارية تصعد به إلى السماء، وآمن أنه حتى رداء إيليا يحمل قوة بها يشق نهر الأردن. هكذا يُقدِّس الله نفوس أولاده وأجسادهم وثيابهم حتى ظلهم كما نرى في سفر الأعمال، حيث كانت الخرق التي كانت على جسد الرسول بولس المريض وظل الرسول بطرس، تصنع آيات وعجائب. إنه عمل الله الذي يُقدِّس كل ما لمؤمنيه!

كان إيليا النبي بالنسبة لإسرائيل كمركبات وفرسان، بل وأفضل منها، لأنه به كان الرب يرشد شعبه ويحذرهم ويهبهم النصرة.

يقدم لنا القديس أثناسيوس الرسولي مقارنة بين إصعاد إيليا إلى السماء وصعود السيد المسيح إلى السماء.

v كانت الملائكة تظهر في كل حين: عندما ولد، وعندما قام، وعندما صعد إلى السماوات. إذ يقول الكتاب: "إذا رجلان قد وقفا بهما بلباس أبيض"، ولبسهما هذا يعلن عن فرحهما. وقد قالا للتلاميذ: "أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء..." (أع 10:1-11)".

ركِّزْ انتباهك معي! لماذا قالا هكذا للتلاميذ؟! ألم يرَ التلاميذ ما هو حادث أمامهم؟ ألم يقل الإنجيلي: "هذا ارتفع وهم ينظرون"، فلماذا وقف الملاكان بهما وأخبراهما عن صعوده إلى السماء؟!...

السبب الأول: لأن التلاميذ بدأوا يحزنون، لأن المسيح سيتركهم... "ليس أحد منكم يسألني أين تمضي، لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم" (يو 5:16-6)... لأجل هذا وقف الملاك بمن حزنوا عند الصعود ، مُذكِّرًا إياهم بأنه سيأتي أيضًا مرة أخرى. "إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء". كأنه يقول لهم: أنتم تحزنون، لأنه صعد. لا تحزنوا بعد، فإنه سيعود. وقد قال لهم ذلك حتى لا يفعلوا ما فعله أليشع مُمزِّقًا ثيابه عندما رأى سيده يصعد إلى السماء (2 مل 12:2). لأنه لم يقف به أحد يقول له بأن إيليا سيعود مرة أخرى. وحتى لا يفعلوا هذا وقف بهما الملاكان وعزياهم، ونزعا عنهم الحزن الذي ملأ قلوبهم. هذا هو سبب ظهور الملاكين.

وأما السبب الثاني: فهو ليس بأقل من الأول، إذ أضافا قائلين: "يسوع هذا الذي ارتفع عنكم" لماذا؟ لقد ارتفع إلى السماء. والمسافة بينهم وبين السماء شاسعة، تعجز قدرة أبصارهم عن أن ترى جسدًا يرتفع إليها... لهذا فإن الملاكين وقفا بهم وأوضحا لهم حقيقة الصعود إلى السماء، حتى لا يظنوا أنه أُخذ إلى فوق حيث يوجد إيليا، بل بالحق صعد إلى السماوات. ولهذا السبب قيل لهم: "هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء". فلم يضف هذا القول بغير سببٍ. لكن إيليا أخذ إلى فوق كما إلى السماء، لأنه خادم، أما يسوع، فقد صعد إلى السماء (حيث العرش الإلهي) إذ هو الرب. واحد صعد في مركبة، والآخر في سحابة. عندما دُعي العبد أُرسلت إليه مركبة، أما الابن فإذ له العرش الإلهي وليس أي عرش بل عرش أبيه، وقد جاء في إشعياء: "هوذا الرب راكب على سحابة" (إش 1:19)... وإذ صعد إيليا سقط عنه رداؤه لأليشع (2 مل 13:2). وإذ صعد يسوع أرسل النعم لتلاميذه لهم جميعًا، وليس لنبيٍ. يوجد كثيرون من هم مثل أليشع، بل ومن هم أكثر من أليشع مجدًا.

القديس أثناسيوس الرسولي

v لنقم أيها الإخوة المحبوبون، ولنرفع أعين نفوسنا تجاه ذاك الذي سيعود، إذ يقول لنا بولس: "لأن الرب نفسه بهتافٍ، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله ينزل من السماء... ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1 تس 16:4).

ولكن ليس الكل (يتمتع بهذا)، بل بعضنا يصعد إلى السماوات وآخرون يبقون... اسمعوا ماذا يقول المسيح؟ "اثنتان تطحنان على الرحى. تؤخذ الواحدة، وتُترَك الأخرى" (مت 41:24)... فهل نحن أيضًا نصعد؟!...

وعندما أقول "نحن" أحسب نفسي لستُ (مستحقًا) أن أكون بين الذين يصعدون. لأنني لست هكذا بلا إحساس أو فهم حتى أتجاهل خطاياي. وإذ أخشى أن أتلف فرح هذا العيد المقدس، لهذا فإنني أبكي بدموعٍ مُرةٍ عندما استرجع في ذهني هذه الكلمات وأتذكر خطاياي.

وإذ لا أريد أن أنزع فرح هذا العيد، فإنني أنهي عظتي تاركًا فرح هذا العيد يشع في أذهانكم دون أن يُحتجَب، فلا يبتهج الغني كثيرًا بغناه، ولا يتضايق الفقير بسبب فقره، بل يصنع كل إنسانٍ عمله أيا كان حسبما يمليه عليه ضميره.

لأن الإنسان السعيد ليس هو الغني، ولا الفقير إنسان بائس، بل بالأحرى مُطوَّب، ومثلث التطويبات، ذاك الذي يكون مستحقًا أن يصعد على السحاب ولو كان أفقر الجميع.

وهو بالحق بائس ومثلث البؤس، ذاك الذي يُحسَب مع المفقودين، ولو كان أغنى من جميع الناس[53].

القديس يوحنا الذهبي الفم

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Elisha with the fallen mantle of Elijah (2Kings 2:13) صورة في موقع الأنبا تكلا: إليشع يحمل رداء إيليا النبي الذي سقط (ملوك الثاني 2: 13)

St-Takla.org Image: Elisha with the fallen mantle of Elijah (2Kings 2:13)

صورة في موقع الأنبا تكلا: إليشع يحمل رداء إيليا النبي الذي سقط (ملوك الثاني 2: 13)

10. رداء إيليا

13 وَرَفَعَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ، وَرَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الأُرْدُنِّ. 14 فَأَخَذَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ وَضَرَبَ الْمَاءَ وَقَالَ: «أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِيلِيَّا؟» ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ أَيْضًا فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ، فَعَبَرَ أَلِيشَعُ.

 

وَرَفَعَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ،

وَرَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى شَاطِئِ الأُرْدُنِّ. [13]

سبق أن أخذ رداء إيليا يوم دعاه للخدمة (1 مل 19: 19)، ثم ردَّه إليه، لأن لم يكن قد حان الوقت لكي يخلفه.

سقوط الرداء يشير إلى عبور الروح والقوة من إيليا إلى أليشع. هكذا اجتاز رداء المسيح إلى الكنيسة بعد أن صعد إلى السماء. ففي يوم الخمسين حلَّ الروح القدس على الكنيسة، معطيًا معنى حقيقيًا للكلمات التي تكلم بها المسيح لتلاميذه: "من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها، لأني ماضٍ إلى أبي" (يو 14: 12).

يرى القديس جيروم في سقوط الثوب الجلدي من إيليا عند إصعاده إلى السماء صورة حيَّة للمؤمن الذي يريد أن يرتفع قلبه إلى السماء، أن يخلع عنه شهوات الجسد، فكما ارتدى آدم بعد سقوطه القميص الجلدي يريدنا عدو الخير – الحيَّة القديمة – أن نرتدي الشهوات المميتة.

v عندما صعد إيليا في مركبة نارية إلى السماء ترك رداءه الذي من جلد الغنم على الأرض... مادمنا مشغولين بأمور العالم، ما دامت نفوسنا مُقيَّدة بممتلكات وإيرادات مالية لن نقدر أن نُفكِّر بحرية في الله... الآن فإن إلقاء المال جانبًا هو للمبتدئين في الطريق وليس للذين صاروا كاملين... أما أن يقدم الإنسان نفسه لله فهذه علامة المسيحيين والرسل. هؤلاء يشبهون الأرملة التي ألقت من أعوازها فلسيْها في الخزانة. وبتقديم كل ما لديهم للرب، يُحسَبون أهلاً لسماع كلماته: "تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" ( مت 19: 28)[54].

v ألا يليق بنا أن نبكي ونتنهد عندما تدعونا الحيَّة كما سبق أن دعت أبوينا الأولين، أن نأكل من الثمرة الممنوعة. وبعدما طُردنا من فردوس البتولية تريد أن تُلبسنا رداءً من الجلد، ذلك الذي تركه إيليا خلفه على الأرض عند عودته إلى الفردوس. قل لنفسك: ماذا أفعل بملذات الحواس التي سرعان ما تنتهي؟ ماذا أفعل بأغنية السيرانة Sirens[55] العذبة والخطيرة جدًا على من يسمعها؟[56]

v هذا هو السبب لماذا يجد الأغنياء صعوبة في ملكوت السماوات. لأنه ملكوت يتطلب من مواطنيه نفسًا تُحلِّق في الأعالي، متحررة من كل الأربطة والمعوقات. يقول الرب: "اذهب وبع"، ليس جزءًا مما لك، بل "كل مالك، وأعط الفقراء"، وليس أصدقاءك أو أقاربك أو أنسباءك...

عندما تضع يدك على المحراث لا تنظر إلى الوراء (لو 9: 62).

عندما تقف على السطح، لا تفكر في ثيابك التي في البيت، لكي تهرب من يد سيدتك المصرية (تك 12:39).

اُترك ثوب هذا العالم. حتى إيليا في انتقاله السريع إلى السماء لم يستطع أن يأخذ معه ثوبه، بل ترك في العالم ثياب العالم[57].

القديس جيروم

v ترك إيليا ثوبه (من جلد الغنم) لتلميذه، أما ابن الله إذ صعد ترك لنا جسده!

بالحقيقة طرح ثوبه قبل أن يرتفع، أما المسيح فتركه لنا من أجلنا، واسترده عند صعوده.

ليتنا لا نطرح نحن (ثوبه). ليتنا لا نحزن ولا نخاف من صعوبة الأزمنة؛ فإن ذاك الذي لم يرفض أن يُسفك دمه من أجل الجميع، وسمح لنا أن نشترك في جسده ودمه مرة أخرى، ماذا يرفض أن يفعله من أجل أماننا؟![58]

القديس يوحنا الذهبي الفم

St-Takla.org Image: He also took up the mantle of Elijah that had fallen from him, and went back and stood by the bank of the Jordan. Then he took the mantle of Elijah that had fallen from him, and struck the water, and said, "Where is the LORD God of Elijah?" And when he also had struck the water, it was divided this way and that; and Elisha crossed over. (2 Kings 2:13-14) صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع يعبر الأردن (ملوك الثاني 2: 13-14)

St-Takla.org Image: He also took up the mantle of Elijah that had fallen from him, and went back and stood by the bank of the Jordan. Then he took the mantle of Elijah that had fallen from him, and struck the water, and said, "Where is the LORD God of Elijah?" And when he also had struck the water, it was divided this way and that; and Elisha crossed over. (2 Kings 2:13-14)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع يعبر الأردن (ملوك الثاني 2: 13-14)

فَأَخَذَ رِدَاءَ إِيلِيَّا الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ،

وَضَرَبَ الْمَاءَ وَقَالَ:

أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُ إِيلِيَّا؟

ثُمَّ ضَرَبَ الْمَاءَ أَيْضًا،

فَانْفَلَقَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ،

فَعَبَرَ أليشع. [14]

يترجم البعض هذه العبارة بأن ضرب الماء كان مرة واحدة فقط وليس مرتين. غير أن البعض يرون أن أليشع ضرب الماء برداء إيليا ولم يحدث شيء، لكنه إذ قال: "أين هو الرب إله إيليا؟!" ثم ضرب النهر مرة أخرى بالرداء انفلق إلى هنا وهناك. حدث هذا ليؤكد الرب لأليشع أن القوة ليست في الرداء نفسه، وإنما في رب إيليا.

يلذ للكتاب المقدس، كلمة الله، أن يُنسَب الله لأتقيائه سواء على مستوى الجماعة أو الأشخاص، حتى يشتهي كل مؤمنٍ أن يُنسَب الله إليه، كما يُنسَب لإخوته، وإلى كل الكنيسة.

لم يكن ثوب إيليا إلا رمزًا لقوة الله التي التحف بها النبي. هذا الثوب بالنسبة لإيليا يعادل عصا موسى وهرون (خر 4: 1-9؛ 7: 9).

v لقد سُجِّل عن الله أنه إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب (خر 3: 6). إنه بالحقيقة يريد أن النور يُنسَب لا لأحد إلا للبشر، إذ يُقال: "الحياة هي نور الناس" (يو 1: 4). على هذا القياس قد يُظَن أنه إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب؛ إنه ليس إله إلا لهؤلاء الآباء الثلاثة وحدهم. لكنه هو أيضًا على الأقل "إله إيليا" (2 مل 2: 14). وكما تقول يهوديت: "إله أبي شمعون" (يهوديت 9: 2)، وهو إله العبرانيين (خر 3: 18؛ 5: 3).

على هذا القياس إن كان هذا لا يمنعه من أن يكون إله آخرين، فإنه ليس شيء يمنع نور الناس أن يكون نور خلائق أخرى بجانب البشر.

العلامة أوريجينوس

v عاش إيليا في البرية وكذا يوحنا (المعمدان). كانت الغربان تعول الأول، أما الثاني ففي البرية داس كل إغراء للملاهي، وأحب الفقر، وأبغض الترف.

لم يسعَ الواحد لكسب رضاء أخآب الملك، وازدرى الثاني برضاء هيرودس الملك.

رداء الأول شق مياه الأردن (2 مل 2: 14)، والثاني جعل هذه المياه مغسلاً يهب خلاصًا.

الأول يظهر مع الرب في المجد، والثاني يحيا مع الرب على الأرض.

الأول يسبق مجيء الرب الثاني، والثاني يسبق مجيء الرب الأول.

الأول أسقط الأمطار على أرض جفتْ لمدة ثلاث سنوات، والثاني غسل تراب أجسادنا في مياه الإيمان خلال ثلاث سنوات.

تسألونني: ما هي هذه السنوات الثلاث؟ فأجيبكم بما قيل "هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرًا في هذه التينة ولم أجد" (لو 13: 7)...

السنة الأولى هي عهد الآباء حيث بلغ الحصاد مدى لم يتحقق بعد ذلك، والسنة الثانية هي عهد موسى والأنبياء، ثم السنة الثالثة لمجيء إلهنا ومخلصنا "ليكرز بسنة الرب المقبولة" (لو 4: 19)[59].

القديس أمبروسيوس

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Now when the sons of the prophets who were from Jericho saw him, they said, "The spirit of Elijah rests on Elisha." And they came to meet him, and bowed to the ground before him. (2 Kings 2:15) صورة في موقع الأنبا تكلا: بنو الأنبياء يقابلون أليشع النبي (ملوك الثاني 2: 15)

St-Takla.org Image: Now when the sons of the prophets who were from Jericho saw him, they said, "The spirit of Elijah rests on Elisha." And they came to meet him, and bowed to the ground before him. (2 Kings 2:15)

صورة في موقع الأنبا تكلا: بنو الأنبياء يقابلون أليشع النبي (ملوك الثاني 2: 15)

11. موقف بني الأنبياء

15 وَلَمَّا رَآهُ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا قُبَالَتَهُ قَالُوا: «قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ». فَجَاءُوا لِلِقَائِهِ وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ. 16 وَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا مَعَ عَبِيدِكَ خَمْسُونَ رَجُلًا ذَوُو بَأْسٍ، فَدَعْهُمْ يَذْهَبُونَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَى سَيِّدِكَ، لِئَلاَّ يَكُونَ قَدْ حَمَلَهُ رُوحُ الرَّبِّ وَطَرَحَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ، أَوْ فِي أَحَدِ الأَوْدِيَةِ». فَقَالَ: «لاَ تُرْسِلُوا». 17 فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى خَجِلَ وَقَالَ: «أَرْسِلُوا». فَأَرْسَلُوا خَمْسِينَ رَجُلًا، فَفَتَّشُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ. 18 وَلَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ مَاكِثٌ فِي أَرِيحَا قَالَ لَهُمْ: «أَمَا قُلْتُ لَكُمْ لاَ تَذْهَبُوا؟».

 

وَلَمَّا رَآهُ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا قُبَالَتَهُ، قَالُوا:

قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أليشع.

فَجَاءُوا لِلِقَائِهِ، وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ. [15]

أظهر أبناء الأنبياء التكريم اللائق في حضور أليشع النبي القديس، كرمزٍ التتابع الرسولي.

حُرِمَ أليشع من حضرة سيده إيليا النبي بالجسد، لكنه كان مُحاطًا بقوة الله العاملة فيه. لقد ورث رداء إيليا الذي به شق نهر الأردن، فوثق بنو الأنبياء أنه قد احتل مكانه.

لم يرَ الأنبياء الذي كانوا من أريحا المركبة والخيول النارية، لكنهم رأوا أن إيليا اختفى، ورجع أليشع وانشق النهر، فأدركوا أن قوة إيليا وسلطانه استقرا عليه، فقَبَلُوه رئيسًا عليهم.

سجد بنو الأنبياء لأليشع، ليس سجود العبادة، إنما سجود التكريم وقبول الإرادة الإلهية التي أقامته نبيًا يخلف أباه إيليا النبي.

v كان أليشع يحمل شخصين: إيليا من فوق، وأليشع من تحت[60].

القديس يوحنا الذهبي الفم

يرى العلامة أوريجينوس أنه من الضروري توضيح أن الحديث هنا عن تمتع أليشع بنصيب روحين من إيليا، وأيضًا ما ورد في إنجيل لوقا عن يوحنا المعمدان أنه يتقدم أمام الرب بروح إيليا وقوته (لو 1: 17). لا يعني أن نفس soul إيليا هي بعينها في يوحنا. فإن الكتاب يُميِّز بين النفس soul والروح spirit، كما جاء في 1 تس 5: 34 "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام، ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح". وأيضًا ما جاء في تسبحة الثلاثة فتية (دا 3: 86) "باركوا الرب يا أرواح ونفوس الصديقين". [لذلك لم يُدع إيليا يوحنا، بسبب النفس soul، بل من أجل الروح والقوة، الأمر لا يتعارض قط مع تعليم الكنيسة[61].]

St-Takla.org Image: The sons of the prophets ask Elisha to search for Elijah (2 Kings 2:16-18) صورة في موقع الأنبا تكلا: بنو الأنبياء يطلبون من أليشع أن يفتشوا عن إيليا (ملوك الثاني 2: 16-18)

St-Takla.org Image: The sons of the prophets ask Elisha to search for Elijah (2 Kings 2:16-18)

صورة في موقع الأنبا تكلا: بنو الأنبياء يطلبون من أليشع أن يفتشوا عن إيليا (ملوك الثاني 2: 16-18)

وَقَالُوا لَهُ: هُوَذَا مَعَ عَبِيدِكَ خَمْسُونَ رَجُلاً ذَوُو بَأْسٍ،

فَدَعْهُمْ يَذْهَبُونَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَى سَيِّدِكَ،

لِئَلاَّ يَكُونَ قَدْ حَمَلَهُ رُوحُ الرَّبِّ،

وَطَرَحَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ أَوْ فِي أَحَدِ الأَوْدِيَةِ.

فَقَالَ: لاَ تُرْسِلُوا. [16]

قالوا "حمله روح الرب"، إذ كان من عادة إيليا النبي أن يختفي ويظهر فجأة.

مع أن بني الأنبياء في أريحا قالوا لأليشع "أتعْلم أنه اليوم يأخذ الرب سيدك من على رأسك؟" (2 مل 2: 5) فقد تمتعوا بإعلان إلهي عن إصعاد إيليا، غير أنهم اختاروا خمسين رجلاً ذوي بأس ينطلقون في الوديان وعلى رؤوس الجبال يبحثون عنه، لئلا يكون الرب قد أخذه وطرحه في موضعٍ ما.

v من جهة إيليا ذهبوا يبحثون عنه في الجبال (2 مل 16:2)،

وإذ لم يجدوه على الأرض، أكد لهم بحثهم هذا صعوده.

بحثهم حمل لهم شهادة عن صعوده، إذ لم يجدوه!...

هكذا أيضًا وضعهم حراسًا على القبر يدينهم مؤكدًا قيامتك![62]

القديس مار أفرام السرياني

فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى خَجِلَ،

وَقَالَ: أَرْسِلُوا.

فَأَرْسَلُوا خَمْسِينَ رَجُلاً،

فَفَتَّشُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ. [17]

لماذا خجل أليشع النبي من إلحاح الرجال عليه؟

لقد عرف أن الله أعلن لهم عن إصعاده، وشهدوا بهذا قدامه، وكانوا يريدون الحوار معه قبل حدث الصعود، والآن قد صعد ورأى بنفسه ذلك، غير أنه إذ يكره الحوار الباطل خجل، فاستسلم لطلبهم حتى يلمسوا بأنفسهم أمر صعود إيليا.

v من هم هؤلاء بنو الأنبياء الذين التقوا بأليشع، وأخبروه بأن سيده سيُرفَع من رأسه، ومع هذا عندما صعد إلى السماء في مركبة نارية صمَّموا أن يرسلوا خمسين من ذوي البأس يبحثون عنه في الجبال ولم يجدوه؟

بنو الأنبياء هم اليهود الذين استلموا الشريعة، وتمتعوا بظهور الأنبياء.

لقد عرفوا خلال النبوات عن المسيح السماوي الذي ينزل إلينا ويصعد إلى سماواته.

إنهم يطلبون المسيا، لكن حسب فكرهم المادي، بحثوا عنه خلال رجال ذوي بأس، وليس بالروح القدس، لذا فشلوا في الالتقاء به.

إنهم لم يجدوه! لقد جاء إلى خاصته، وخاصته لم تقبله، لأنه لم يأتِ حسب هواهم، فحُرموا من حضرته!

v عندما انطلق إيليا من الأرض إلى الله قديمًا سبَّب حزنًا لشعب إسرائيل، لكن أليشع عزاهم عن الخسارة، إذ التحف برداء سيده[63].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

وَلَمَّا رَجَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ مَاكِثٌ فِي أَرِيحَا،

قَالَ لَهُمْ: أَمَا قُلْتُ لَكُمْ لاَ تَذْهَبُوا؟ [18]

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The men of the city of Jericho tell Elisha that the water was bad (2 Kings 2:19-22) صورة في موقع الأنبا تكلا: رجال مدينة أريحا يقولون لأليشع أن المياه ردية (ملوك الثاني 2: 19-22)

St-Takla.org Image: The men of the city of Jericho tell Elisha that the water was bad (2 Kings 2:19-22)

صورة في موقع الأنبا تكلا: رجال مدينة أريحا يقولون لأليشع أن المياه ردية (ملوك الثاني 2: 19-22)

 12. المياه الرديَّة تصير مياهًا عذبة(1)

19 وَقَالَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ لأَلِيشَعَ: «هُوَذَا مَوْقِعُ الْمَدِينَةِ حَسَنٌ كَمَا يَرَى سَيِّدِي، وَأَمَّا الْمِيَاهُ فَرَدِيَّةٌ وَالأَرْضُ مُجْدِبَةٌ». 20 فَقَالَ: «ائْتُونِي بِصَحْنٍ جَدِيدٍ، وَضَعُوا فِيهِ مِلْحًا». فَأَتَوْه بِهِ. 21 فَخَرَجَ إِلَى نَبْعِ الْمَاءِ وَطَرَحَ فِيهِ الْمِلْحَ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ أَبْرَأْتُ هذِهِ الْمِيَاهَ. لاَ يَكُونُ فِيهَا أَيْضًا مَوْتٌ وَلاَ جَدْبٌ». 22 فَبَرِئَتِ الْمِيَاهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، حَسَبَ قَوْلِ أَلِيشَعَ الَّذِي نَطَقَ بِهِ.

 

بعد شق نهر الأردن برداء إيليا الذي به أعلن الله أن أليشع مُحاط بسحابة من الشهود من بينهم مُعلِّمه إيليا سمح له بتحويل المياه الردية إلى مياه عذبة.

إلى هذا اليوم يُظَن أن المياه التي برئت هي التي تخرج من عين السلطان الحالية، وهي عذبة.

وَقَالَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ لأليشع:

هُوَذَا مَوْقِعُ الْمَدِينَةِ حَسَنٌ كَمَا يَرَى سَيِّدِي،

وَأَمَّا الْمِيَاهُ فَرَدِيئَةٌ، وَالأَرْضُ مُجْدِبَةٌ. [19]

موقع المدينة الجغرافي ممتاز والأرض خصبة، لكن المياه مجدبة تفسد الأرض، عوض أن ترويها لتصلح للزراعة. ما هذه المدينة إلا شعب الله كجماعة وكأعضاء. فقد خلق الله الإنسان صالحًا ليقيم من أعماقه جنة مقدسة له، يفرح بها، ويدعو السمائيين خدامه وأصدقاءه ليتمتعوا بثمار الروح المُفرِحة. وكما جاء في سفر النشيد: "ليدخل حبيبي إلى جنته، ويأكل شهدي مع طيبي..."، "أيها الأصحاب كلوا واشربوا."

ماذا يعني بالمياه المُرَّة؟ إن كانت المياه تشير إلى الناموس وشرائعه، فقد أفسد الحرفيون معناه ورسالته، فصار مُرَّا؛ ليس من ينزع عنه هذه المرارة سوى السيد المسيح الملح القدوس، إذ يرفعنا من الحرف إلى الروح.

كتب القديس جيروم رسالة وجهها إلى أوستوخيوم يعزيها في والدتها باولا Paula حيث عرض فيها زيارتها للأراضي المقدسة من بينها أريحا، فقال: لقد رأت أيضا ينبوع الشريعة المُر للغاية وعقيم، وقد شفاه أليشع الحقيقي بحكمته، محولاً إياه إلى بئر عذب واهب الخصوبة[64].

v تحدث الأنبياء عنه وهم مندهشون (وقالوا): حلّ عليه روح مُعلِّمه وفاض.

 طلبوا منه أن يشفي –كما من طبيبٍ روحيٍ– الأرض المريضة (الفاسدة) والمقفرة التي كانت مجدبة.

 شاهدوا فيه قوة، فسألوه أن يشفي الماء الرديء، ويفرج على كل البلد بخبرته.

 كانوا يقولون له: القرية وموقعها جميلان جدًا، والمياه رديئة، والأرض مقفرة وتضايقنا.

 قال لهم: أحضروا لي جرّة جديدة وفيها الملح، وصنعوا هذا كما قال.

 أخذها وخرج إلى الينبوع، وألقى الملح في المياه الرديئة، وأصلحها لأنها كانت مريضة (فاسدة)[65].

القديس مار يعقوب السروجي

فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَحْنٍ جَدِيدٍ،

وَضَعُوا فِيهِ مِلْحًا.

فَأَتُوهُ بِهِ. [20]

صحن Tselochith تُرجمت أحيانًا صحن (2 مل 21: 13)، مقلاة (2 أي 35: 13)، صفحة (أم 19: 24؛ 26: 25). يُفترض أنها صحن معدني مفلطح[66].

v يُرش ملح الأنبياء العذب اليوم بين الأمم.

لنقتنِ مذاقًا جديدًا الذي به يفقد الشعب القديم نكهته.

لننطق بكلام الحكمة، لا بأمورٍ خارجًا عنها، لئلا نصير نحن أنفسنا خارجًا عن الحكمة[67].

القديس مار أفرام السرياني

فَخَرَجَ إِلَى نَبْعِ الْمَاءِ، وَطَرَحَ فِيهِ الْمِلْحَ،

وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ أَبْرَأْتُ هَذِهِ الْمِيَاهَ.

لاَ يَكُونُ فِيهَا أَيْضًا مَوْتٌ وَلاَ جَدْبٌ. [21]

لم تكن قوة الشفاء في الصحن الجديد، ولا في الملح، لكن في قول الرب وكلمته العاملة في المؤمن كصحنٍ جديدٍ، قد تمتع بالحياة الجديدة المُقامَة مع المسيح يسوع. فإنه إذ يقبل المؤمن الربَ عاملاً فيه، يصير كقول الرب ملحًا للأرض، ينزع الفساد منه. سرّ عذوبة هذه المياه الرديئة هو اسم الرب، أما أليشع فمجرد أداة في يد الرب.

شفى الرب مياه أريحا بالملح، هكذا جدَّد كلمة الله المتجسد الخليقة.

يقول الأب ميثوديوس بأن ما فعله أليشع هنا يشير إلى عمل السيد المسيح. فالصحن الجديد الذي يحوى ملحًا شافيًا للمياه القاتلة من الموت، يظهر للعالم أنه يتجدد بسرّ ظهوره. فإنه قدَّم طعامًا بلا خميرٍ، كرمزٍ لميلاده بدون الدنس بزرع بشرٍ، نازعًا من الطعام مرارة الموت. أما إلقاء العناصر الطبيعية في الأردن، فيظهر مُقدِّمًا نزول ربنا إلى الجحيم، وإنقاذ الذين دب فيهم الفساد[68].

v هنا سرّ الابن: شفى المياه الرديئة، وأصلح ذلك الينبوع عندما تفقَّده.

ما أن عبر النبي النهر حتى التقى بالسرّ الذي تجلى، ووقف كنيِّرٍ لمن يتطلع إليه.

وبما أن السرّ تجلَّى جدًا، فقد اتضح بأنه لم يقم هو بالشفاء، لكنه كان رمزًا للحقائق.

القرية الحسنة الموقع هي الخليقة كلها، التي كانت جميلة قبل تجاوُز الوصية.

المياه الرديئة هي الخطيئة التي تسلطتْ على البشر، سكبت الموتَ على كل الجنس البشري، وبها أصبح مقفرًا.

تقيأت الحية الكبيرة السم في رأس النبع، ففسد كل نهر الناس، وولّد الموتَ.

ولما كانت الخليقة بطبيعتها مملوءة جمالاً، فقد أفسدتها الخطيئة لتصير بغيضة ومقفرة.

التجاوز عن الوصية أدخل الموتَ، وجعل الأرض مقفرة، بكدر (ثفالة) الخمر التي مزجتها الحية في أذن حواء[69].

القديس مار يعقوب السروجي

فَبَرِئَتِ الْمِيَاهُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ،

حَسَبَ قَوْلِ أليشع الَّذِي نَطَقَ بِهِ. [22]

رسالة كل نبي حقيقي وخادم للكلمة هي تحويل النفوس التي أجدبها روح العالم، المياه المُرَّة، لتصير فردوسًا روحيًا للرب. يتحقق هذا بإلقاء الملح فيها خلال صحنٍ جديدٍ. ما هو هذا الصحن الجديد إلا خبرة الحياة المُقامَة. وكما يقول الكتاب: "هوذا الكل قد صار جديدًا". أما الملح فهو عمل الروح القدس فينا، إذ يجعلنا ملحًا للعالم.

يليق بالمؤمن الحامل الروح أن يكون كالملح، بلمسات حبه الخفيفة يُملِّح الآخرين، كما يفعل الملح بالطعام فلا يفسد. ويليق به ألا يضع أنفه في حياة الآخرين، فيكون كمن يسكب كمية ضخمة من الملح على الطعام فيفسده. لنعمل، ولكن بلمسات هادئة خفيفة وفعالة، فلا نكون محبين للاستطلاع أو إلزام الآخرين بأفكارنا ومفاهيمنا.

v يبدو أن ذاك الينبوع المُر يعني آدم، الذي نبع منه الجنس البشري. قبل مجيء أليشع الحقيقي، أي ربنا ومخلصنا، إذ بقي الجنس البشري بلا ثمر ومُر خلال خطية الإنسان الأول.

مع أن الإناء الجديد الذي ألقي فيه ملح يمثل الرسل، لكنه بلياقة نقبل أن فيه سرّ تجسد الرب.

الآن وُضع الملح فيه، أي الحكمة، إذ نقرأ: "ليكن كلامكم ُمصَلَّحًا بملحٍ" (كو 6:4).

علاوة على هذا، حيث أن المسيح ليس فقط "قوة الله"، بل وأيضًا "حكمة الله" (1 كو 24: 1)، فإن جسد المسيح يشبه إناءً جديدًا مملوءًا من الحكمة الإلهية عندما صار الكلمة جسدًا. لذلك أُلقى الإناء الجديد بالملح في المياه المُرَّة بواسطة أليشع، وتحولتْ إلى العذوبة والأثمار. هكذا الإناء الجديد، أي الكلمة المتجسد أرسله الله الآب ليرد الجنس البشري من ينبوع مياه مُرَّة إلى مياه حلوة، ويقوده إلى الحب الطاهر عوض العادات الشريرة والعقم في الأعمال الصالحة، ويرده إلى الإثمار بالعدل.

حقًا يا إخوة ألا يبدو لكم أن الإناء الجديد المملوء من ملح الحكمة الإلهية قد وُضِعَ في المياه عندما نزل المسيح الرب إلى النهر ليعتمد؟ عندئذ تحوَّلتْ كل المياه إلى العذوبة وتقدَّست بهذا الإناء الجديد، أي جسد المسيح.

نتيجة لذلك ليس فقط صارت المياه غير عقيمة، بل أنتجت نعمة المعمودية في كل العالم مسيحيين بلا عدد كثمرٍ متزايدٍ، ومحصولٍ وفيرٍ للغاية[70].

v أُشير إلى المياه لتعني الشعب في سفر الرؤيا: "المياه التي رأيت هي شعوب وأمم" (رؤ 15: 17). علاوة على ذلك، واضح جدًا أن الإناء الذي به الملح الذي وُضع في الماء يمثل الرسل كما أشار ربنا في الإنجيل عندما قال: "أنتم ملح الأرض" (مت 13: 5). لذلك بنعمته جعل رسلاً جددًا من الإنسان العتيق، وملأهم من ملح تعاليمه وحكمته الإلهية، وأرسلهم إلى كل العالم كما إلى ينبوع الجنس البشري، لينزع عنه عدم إثماره ومرارته.

أخيرًا، فإنه منذ ذاك الوقت الذي فيه قدَّم ملح الحكمة الإلهية للقلوب البشرية اُنتزعت كل مرارة في العلاقات أو عدم إثمار في الأعمال الصالحة[71].

v نحن أيضًا أيها الإخوة المحبوبون قد تقبَّلنا دون أي استحقاق صالح سابق أعمالاً صالحة عظيمة من الرب خلال نعمته السخية، واستحققنا أن نتحول من المرارة إلى العذوبة، ودعينا من عدم الإثمار إلى الإثمار في الأعمال الصالحة[72].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v انظروا مدى عظمة استحقاقات أليشع! في إقامته الأولى في مدينة أبنائه جاء بثمرٍ كثيرٍ. فبنزع عقم المياه جعل كثيرين ينتفعون.

بتحقيق هذا لم يُطهِّر أليشع إنسانًا واحدًا، ولا قدَّم شفاءً لأسرة واحدة، بل قدَّم شفاءً لأهل المدينة كلها. لو أنه تأخر في فعل ذلك لصارت المدينة غير آهلة للسكان تمامًا... لقد قام بتطهير الناس حين طهَّر المياه. وبمباركة نبع المياه قدَّم فائدة للنبع، كما لو كانت للنفوس...

إذ يقول الرسول الطوباوي بولس إن هذه الأشياء حدثت معهم كرمزٍ (1 كو 10: 6)، دعونا نرى المعنى الحقيقي لهذا الرمز، أي أن تلك المدينة التي كانت تعاني من الجدب، وما يعنيه الصحن، وأيضًا الذي طُرح ليهب صحة.

نقرأ في نفس الرسول أن هذا قيل عن الكنيسة "افرحي أيتها العاقر التي لم تلد. اهتفي واصرخي أيتها التي لم تتمخض" (غل 4: 27؛ إش 54: 1). إذن الكنيسة هي المدينة المجدبة، لأن حال المياه كانت رديئة قبل مجيء المسيح، أي بسبب دنس شعوب الأمم، ولم تكن قادرة أن تحبل بأبناء لله بسبب عقمها. لكن عندما جاء المسيح وأخذ جسدًا بشريًا مثل صحن من الطين، أصلح رداءة المياه، بمعنى أنه نزع دنس الشعب، وللحال صارت الكنيسة التي كانت عاقرًا مثمرة[73].

الأب مكسيموس أسقف تورين

v لقد رأت (والدتك باولا Paula) أن ينبوع الناموس مُرّ للغاية وعقيم، هذا الذي شفاه يشوع الحقيقي بحكمته، محوِّلاً إيَّاه إلى بئر عذبة ومُخصبة[74].

القديس جيروم

v ألقى الملح في إناءٍ جديدٍ ليصوّر هناك الولادة الكاملة في حضن البتول الطاهرة.

 صوّر البتولَ بالجرة الجديدة التي لم تدنُ منها الوصمة نهائيًا...

 بالملح مثّل الابن الوحيد، لأنه هو الذي يملح كل تفاهة الطعام بطعمه المميز.

 بالوعاء الجديد صوّر جسد الشابة الطاهر، وبالملح صوّر الابن الذي يملح الأذواق التافهة.

 نزل الملح إلى المياه الرديئة فشفاها، وهذا يعني أن الابن شفى بميلاده جنس آدم.

 كانت القرية الحسنة كلها مريضة (فاسدة)، ومُعذَّبة، إلى أن افتقدها الملح وشفاها.

 هكذا كانت كل الخليقة الجميلة مملوءة موتًا، حتى أشرق الابن من مريم، وشفى الأحياء.

 لو لم تسكب الجرة الجديدة الملحَ على نبع المياه المريضة لما شُفيت.

 ولو لم تلد البتول ابن الله، لما قام الجنس البشري من سقطته.

 مزج الملحَ في شراب المياه ليشرب كل واحدٍ، كما مزج الله الابن بالبشر، فأحيا الكل.

 هلم وشاهد الملح تشربه المياه الرديئة، ويأكل الموتى ابنَ الله فيحيون.

 المياه بالملح، والشعوب بالجسد اقتنوا العافية، وعاشت الأرض كأريحا التي كانت مريضة...

 ألقى أليشع الملح بسرّ الابن، وأزال اللعنة، وشفى المياه التي كانت مريضة.

 وأظهر كيف يأتي ابن الله إلى العالم، وبه تُرفَع لعنة الأرض فيشفيها.

 نقض أليشع قصاص يشوع بن نون (يش 6: 26)، وأزال اللعنة من النبع بالملح الذي ألقاه.

 وصوَّر المسيحَ الذي أبطل حكم الآب، وبصليبه رفع لعنة الأرض، وبه شُفيت.

 الآب في البداية لعن الأرض بسبب آدم، ويشوع بن نون لعن أريحا عندما استأصلها.

 بذلك الملح زالت اللعنة من أريحا، وبأليشع بطل منها الموت الذي حلّ بها.

 هناك صُورت صورة عظمى لابن الله، لأنه يبطّل اللعنة، ويمنع الموت عن الإنسانية[75].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Then Elisha went up from there to Bethel; and as he was going up the road, some youths came from the city and mocked him (2 Kings 2:23-24) صورة في موقع الأنبا تكلا: صبيان صغار يسخرون من أليشع النبي (ملوك الثاني 2: 23-24)

St-Takla.org Image: Then Elisha went up from there to Bethel; and as he was going up the road, some youths came from the city and mocked him (2 Kings 2:23-24)

صورة في موقع الأنبا تكلا: صبيان صغار يسخرون من أليشع النبي (ملوك الثاني 2: 23-24)

13. لعن الصبيان المقاومين للحق

ثُمَّ صَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ.

وَفِيمَا هُوَ صَاعِدٌ فِي الطَّرِيقِ،

إِذَا بِصِبْيَانٍ صِغَارٍ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ،

وَسَخِرُوا مِنْهُ،

وَقَالُوا لَهُ: اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ! اصْعَدْ يَا أَقْرَعُ! [23]

 

كانت بيت إيل هي البلدة التي وُجد فيها عجل يربعام. وهناك أيضًا أقام بعض بني الأنبياء الذين اعتبروا إيليا سيدًا لهم ومُعَلِّمًا. من ثم كان هناك صراع ديني عنيف.

كان أليشع يغطي رأسه كعادة الشرق الأوسط في ذلك الحين. فعبارة "يا أقرع، يا أقرع" لم تكن سخرية أطفال، بل إهانة لرئيس بني الأنبياء في بيت إيل، وهي إهانة مباشرة لله. ولابدَّ أنها كانت بإيعاز من آبائهم الذين على وجه الخصوص جَنُوا العقاب الذي وقع على الصبيان.

في الهند تعبير "أصلع الرأس" لا يشير إلى عدم وجود شعر في الرأس، إنما غالبًا ما يستخدم عن أناس لهم غنى وفير.

كان العبرانيون يقدّرون الرأس الجميلة المملوءة بالشعر، ويستنكرون تمامًا الصلعة (إش 15: 2)، يستخدم تعبير "أصلع" للسخرية والاحتقار، يعني إنسانًا وضيعًا وتافهًا.

إن فهمنا عبارة "رجل اشعر" إن شعر إيليا كان طويلاً ومرخيًا، فعلى العكس كانت قرعة أليشع غير عادية.

v يبدو أن وقاحة الأولاد كانت ثمرة تعليم والديهم، الذين كانوا أثمة يحملون عداوة لإيليا ولتلاميذه. ويمكننا القول إنهم كانوا قد أُرسلوا من سادتهم ليرددوا ما قد تعلَّموه.

الكلمة التي نطق بها أليشع لتلاميذ إيليا أعلنوها للمواطنين زملائهم (في بيت إيل)، وذلك بخصوص صعود سيدهم، وقد أحزنت شعب بيت إيل بطريقة صعبة. لهذا أظن أن هؤلاء الأطفال لم يشيروا فقط إلى صلعته، إنما صبُّوا له شتائم لتشويه سمعته، حتى لا يصدق أحد كلامه، إن ردد في بيت إيل ما قد أقنع به كثيرين في أريحا[76].

القديس أفرام السرياني

 فَالْتَفَتَ إِلَى وَرَائِهِ،

وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَعَنَهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ.

فَخَرَجَتْ دُبَّتَانِ مِنَ الْوَعْرِ،

وَافْتَرَسَتَا مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَلَدًا. [24]

بعد أن تمتع أليشع النبي بقوة الله الفائقة التي تجلت في أول عمل له بعد صعود سيده، حيث ضرب نهر الأردن برداء إيليا، وحوّل المياه الردية إلى مياه عذبة بالملح الذي في الصحن الجديد، خرج صبيان المدينة، غالبًا ما كانوا شبابًا، يسخرون منه. لم يكن تصرف الفتيان هنا نوعًا من التسلية يمارسها بعض الأطفال أو الصبيان عن سذاجة، لكنهم كانوا شبانًا تحركوا لمقاومة عمل الله.

يبدو أن عددهم كان كبيرا، إذ قيل: "كان من بينهم اثنين وأربعين ولدًا". خرجوا بخطة واضحة يسخرون بكلمات لها معناها.

من هم هؤلاء الصبيان الصغار؟

1. يرى البعض أن بيت إيل كمركزٍ رئيسيٍ لعبادة العجل، لم يكن البعض يقبل دخول رجل الله إلى المدينة[77]. كان ذلك ربما خطة قد أعدها عدو الخير إبليس خلال كهنة البعل والعاملين لحساب الوثنية. فما حلَّ بالصبيان كان لتأديب عائلاتهم المقاومين للحق الإلهي.

2. يرى آخرون أنهم تلاميذ لمُعلِّم كرَّس حياته للتعليم ضد التقوى والحياة الصالحة[78].

يتساءل البعض: لماذا يسمح الله بافتراس اثنين وأربعين صبيًا بسبب كلمات سخرية نطقوا بها ضد أليشع النبي؟"

أولاً: كانوا شبابًا مثل جماعات الـgangs، غالبًا ما كانت سخريتهم هادفة نحو تحطيم الإيمان بالله الحيّ، وربما كانوا يجتذبون أعدادًا كبيرة من الشباب حولهم. لذا كانت حياة أليشع النبي في خطر لكثرة عددهم وطبيعة إثمهم وعدم احترامهم الواضح للسلطة.

ثانيًا: أراد الله بما حدث أن يتغلغل الخوف في قلوب أية عصابة أخرى مثل هذه، فلو لم يخف هؤلاء الصبيان من سخريتهم برجل الله أليشع، لصاروا خطرًا يهدد حياة جميع رجال الله.

ثالثًا: يرى البعض في قولهم لأليشع: "اصعد يا اقرع"، مكررين ذلك أنهم يسخرون مما أعلنه للشعب عن صعود مُعلِّمه إيليا. وكأنهم يقولون: "إن كان إيليا ذو الشعر الطويل قد صعد في مركبة نارية إلى السماء، فما الذي يمنع من صعودك يا أيها الأقرع؟"

أيضًا كان ذلك نوعًا من التسخيف لإيليا الصاعد في مركبة نارية نحو السماء، فقد بقي الأشرار يقاومونه حتى بعد صعوده. لم تكن السخرية موجهة ضد أليشع شخصيًا، وإنما كانت ضد رسالته النبوية والعمل الإلهي خلاله وخلال مُعَلِّمه إيليا.

ما فعله هؤلاء الصبيان كان يُمثِّل خطة خطيرة قام بها أهل بيت إيل، فقد سمعوا كيف كرَّمه بنو الأنبياء في أريحا عندما رأوه قد شق نهر الأردن بقوة الله خلال رداء إيليا، وأصلح مياه النبع بطريقة فائقة لحساب كل أهل المدينة. بهذا بدأت أريحا تشهد لصعود إيليا رجل الله. فلكي يُحطِّموا هذه الكرازة قبل وصول أليشع إلى بيت إيل أرسلوا هؤلاء الصبيان، لتحطيم نفسيته، ولكي لا يصغِ أحد من بيت إيل إلى كلماته بخصوص صعود إيليا بمركبة نارية.

استخدم الأب يوحنا الدمشقي هدا الحدث كمثال لضرورة تكريم أناس الله.

v أول شيء، الأماكن التي يستريح فيها الله القدوّس وحده في أماكن مقدّسة هي الثيؤتوكس والقدّيسون. هؤلاء الذين يتشبهون بالله قدر المستطاع، حيث اختاروا أن يتعاونوا مع الاختيار الإلهي. لذلك يسكن الله فيهم. فإنّه حقًا يدعوهم آلهة، ليس بالطبيعة ولكن بالتبنّي، مثلما ندعو قضيب الحديد الساخن مشتعلاً، ليس بطبيعته، ولكن لأنّه اشترك في العمل مع النار.

إنه يقول: "تكونون قدّيسين، لأنّي قدّوس الرب إلهكم" (لا 19: 2) هذا أولاً، وبعد ذلك اختيار الخير، فبمجرّد أن نختار الخير، يساعد الله الذين اختاروا الخير أن يزدادوا في الخير، لأنّه يقول: "وأسير بينكم" (لا 26: 12). نحن هياكل الله، وروح الله ساكن فينا (1 كو 3: 16) "وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرضٍ وكل ضعفٍ" (مت 10: 1). وأيضًا: "من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها" (يو 14: 12). "يقول الرب حاشا لي؛ فإني أكرم الذين يكرّمونني" (1 صم 2: 30) و"إن كنّا نتألّم معه، لكي نتمجّد أيضًا معه" (رو 8: 17) "الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي" (مز 82: 1).

لذلك حيث أنّهم آلهة، ليس بالطبيعة، ولكن لأنّهم شاركوا الطبيعة الإلهيّة، فيجب أن يُبجَّلوا، ليس لأنّهم يستحقّونه، ولكن لأنّهم يحملون في داخلهم ذاك الذي هو معبود بالطبيعة.

نحن لا نبتعد عن الحديد المشتعل ونرفض أن نلمسه بسبب طبيعته، لكن لأنّه اشترك مع ما هو ساخن بالطبيعة.

والقدّيسون يُبجّلون، لأن الله مجَّدهم. ومن خلاله أصبحوا مخوفين للأعداء، ومفيدين للإيمان.

هم ليسوا آلهة بطبيعتهم، ولكن لأنّهم كانوا خدَّامًا محبّين لله، لذلك نُبجِّلهم، لأن الملك يتكرم من خلال التكريم المُقدَّم لخدّامه المحبوبين. هم خدَّام طائعون، وأصدقاء مُقرَّبون، ولكنّهم ليسوا الملك نفسه.

عندما يصلّي المرء بإيمان مُقدِّمًا دعواه باسم صديق مُفضَّل، فإن الملك يقبل الدعوة من خلال الخادم الأمين، لأنّه يقبل التكريم الذي أُعطي لخادمه. لذلك هؤلاء الذين يتقدَّمون إلى الله من خلال الرسول يستمتّعون بالشفاء، لأن ظل الرسل أو مناديلهم ومناشفهم التي تلمسهم مملوءة من الدواء.

هؤلاء الذين يرغبون في عبادتهم مثل الله ممقوتون، ويستحقّون النار الأبديّة.

أما الذين بسبب عجرفتهم يرفضون أن يكرِّموا خدّام الله، فسوف يُحكم عليهم على عجرفتهم وإظهارهم عدم التكريم لله. الأطفال الذين أساءوا إلى أليشع هم مَثَل لذلك، لأن الدببة افترستهم (2 مل 2: 23)[79].

القديس يوحنا الدمشقي

رابعًا: دفع هؤلاء الشبان حياتهم الزمنية ثمنًا للفساد والرجاسات التي عاشوا فيها، ولم يقبلوا توبيخات إيليا النبي وتلميذه أليشع النبي.

خامسًا: لم يستدعِ النبي الدبتين، إنما ترك الأمر في يدي الله، الذي أرسل الدبتين من الغابة. لقد لعنهم بالرب، أي لعنهم بذاك الذين يقاومونه ويسيئون إليه. لم يطلب النقمة لنفسه، ولم يسأل شيئًا لتأديبهم، لكن الله هو الذي أرسل الدبتين من الوعر لتشهدا لخطورة مقاومة الحق الإلهي فافترستاهم.

لم يرد في الكتاب المقدس أن أليشع صلَّى لكي يُعاقَبوا بمثل هذا العقاب. كان هذا عقاب الله لدينونة هذه العصابة الغير تقية[80].

سادسًا: سمح الله بذلك لأن السخرية برجال الله أمر شائع في كل العصور، خاصة بين الأجيال الناشئة، فأراد الله تقديم درسٍ للأجيال كلها.

ما فعلوه ليس بالإهانة صغيرة، لأن هؤلاء الصبيان سخروا بنبي الله. وبما أن النبي يُمثِّل فم الله بالنسبة للشعب، لأنه يكلمهم بكلام الله، يكون خطأ هؤلاء الصبيان في نبي الله موجَّه أيضًا إلى الله في شخص هذا النبي.

سابعًا: يرى العلامة ترتليان[81] أن الله سمح بافتراس هؤلاء الصبية الساخرين بالنبي ليؤكد أنه ليس لديه محاباة، فكما يهلك الغرباء الوثنيين المقاومين للحق هكذا يؤدب شعبه حتى وإن كانوا صبيانًا صغارًا متى أصرُّوا على الشر.

ثامنًا: يربط بعض الآباء مثل القديس أغسطينوس ومار يعقوب السروجي هذا الحدث بصلب رب المجد يسوع، حيث سخر به الصالبون، قائلين: "أصلبه! أصلبه!" يقدمون لنا تبريرًا لخروج الدُبتين اللتين افترستا الصبيان الساخرين بأليشع. إذ يرون في أليشع رمزًا للطبيب الذي يشفي مياه الطبيعة البشرية التي حلّ بها الفساد، فإن الصبيان يشيرون إلى جماعة الصالبين الذين سخروا بعمل الفداء.

لقد جحد الصالبون السيد المسيح الذي جال يصنع معهم خيرًا. صاروا أشبه بصبيان غير متعقلين، يسلكون بجهالة، ويدفعون بأنفسهم تحت نير اللعنة. هذا هو حال رؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيين الذين سخروا بالسيد المسيح أثناء محاكمته، وظنوا أنهم قادرون أن يتشفُّوا فيه، إذ فضح رياءهم، عوض تقديمهم الشكر بمجيئه، والكرازة به، والشهادة لتحقيق النبوات.

v تذكروا الإنجيل (مت 27: 33) حيث صلبوه في موضع الجلجثة. أضف إلى ذلك، أولئك الذين سخروا بصليبه، افترستهم الشياطين الذين هم أشبه بالوحوش. فإن هذا أيضًا ما عناه سفر آخر، عندما كان أليشع النبي صاعدًا خرج إليه صبيان صغار وسخروا به، "اصعد يا أقرع! اصعد يا أقرع!"

أما هو فليس في شيء من القسوة، إنما خلال السرّ جعل هؤلاء الصبيان تفترسهم دبتان خارجتان من الغابة. لو أن هؤلاء الصبيان لم يُفترَسوا، هل كانوا سيعيشون حتى الآن؟...

ليته لا يسخر أحد بصليب المسيح. لقد سيطرت الشياطين على اليهود وافترستهم، فإنه في موضع الجلجثة صرخوا بأسلوب صبياني، غير مدركين ما يقولونه: "اصعد يا أقرع!" فإنه ماذا يعني "اصعد"، سوى "اصلبه، اصلبه" (لو 23: 21).

فإن الطفولة توُضع أمامنا لكي نقتدي بالتواضع، كما توضع أمامنا لكي نحذر من الغباوة[82].

القديس أغسطينوس

تاسعًا: يرى بعض المفسرين، أن كلمة "أقرع" ربما تشير إلى المصابين بالبرص، إذ كانوا يحلقون رؤوسهم. وهذا يعني أن هؤلاء الصبيان كانوا ينظرون إلى أليشع باعتباره رجل نجس، منبوذ ومكروه كالبرص[83].

يرى مار يعقوب السروجي وراء الصبيان إبليس عدو الخير الذي يحرك الخاضعين له ككلابٍ تنبح ضد المُخلِّص، وتسخر به. لم يكن ممكنًا لإبليس أن يقف صامتًا، وهو يرى الطبيب السماوي يشفي الطبيعة البشرية، ويرد لها صحتها وجمالها.

عاشرًا: كان يليق بالكل أن يُقدِّموا ذبيحة شكر لله على تحويل المياه المُرَّة إلى مياه عذبة، والأرض الجدباء إلى أرض مثمرة، لكن عوض الشكر والتسبيح لله، قدَّموا استخفافًا بالله، واستهزاءً بنبيِّه أليشع، فما حلّ بالصبيان هو ثمر طبيعي لروح السخرية بالله وبأعماله، وبالعاملين معه!

v في الوقت الذي كان فيه الطوباوي أليشع في اليهودية، لم يُكرم هو وغيره من الأنبياء بواسطة غالبية الشعب، بل وكانوا موضوع سخرية وإهانات، حاسبين إياهم مجانين يمتلكهم الشيطان. حقًا حدث في ذلك الوقت عندما أرسل أليشع أحد أبناء الأنبياء ليمسح ياهو ملكًا، قال القواد الذين كانوا جالسين مع ياهو: "لماذا جاء هذا المجنون إليك؟" (2 مل 11: 9)...

فعل الصبيان ذلك بتحريض من والديهم، فإنه واضح أنه ما كان لهؤلاء الصبية أن يصرخوا هكذا لو أن هذا لا يُسر والديهم. لذلك حزن أليشع الطوباوي من أجل هلاك الشعب، أو بالحري أراد الروح القدس خلال أليشع أن يوقف كبرياء اليهود، فجعل دبَّتين تأتيان وُتمزِّقان الاثنين وأربعين صبيًا. سبب ذلك الفعل هو أنه عندما ُيضرب الصبيان يتأدب الكبار، ويكون موت الأولاد درسًا للآباء. لعلهم يتعلمون على الأقل الخوف من النبي هذا الذي رفضوا أن يحبوه عندما صنع معجزات. على أي الأحوال تمادَى اليهود في شرورهم... فتحقق فيهم المكتوب: "لباطلٍ ضربت بنيكم، لم تقبلوا تأديبًا" (راجع إر 30: 2)[84].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v افتقد الله حتى شعبه عند جحودهم (بتأديبهم عد 11، 21). أيضًا أرسل دُبَّتين ضد الصبيان لاستخفافهم بالنبي[85].

العلامة ترتليان

يرى القديس جيروم أن الاثنين وأربعين صبيًا هم الاثنان وأربعون عامًا من صعود السيد المسيح إلى بيت إيل (السماء) إلى مجيء الدبتين فاسبسيان وتيطس وحرق الهيكل[86].

v الآن بحسب الحرف أيها الأعزاء المحبوبون يليق بنا أن نؤمن أن الطوباوي أليشع كان مدفوعًا بغيرة إلهية ليصلح الشعب أكثر منه أنه بدافع الغضب عندما سمح بتمزيق الصبيان اليهود، لم يكن غرضه الانتقام بل الإصلاح، بالحقيقة أيضًا حمل بوضوح هذا رمزًا لآلام ربنا ومخلصنا.

كما صرخ الأولاد غير المُهذَّبين نحو الطوباوي أليشع قائلين: "اصعد يا أقرع؛ اصعد يا أقرع!"، هكذا أيضًا في أيام الآلام كان اليهود مختلي العقل يصرخون بكلمات شريرة نحو المسيح، أليشع الحقيقي: "اصلبه! اصلبه! ماذا تعني: "اصعد يا أقرع!" سوى "اصعد على الصليب ناحية الجلجثة". لاحظوا يا إخوة أنه في أيام أليشع قُتِلَ اثنان وأربعون صبيًا، هكذا بعد 42 عامًا من آلام ربنا جاء دُبَّان: فاسبسيان وتيطس وحاصرا أورشليم.

لاحظوا أيضًا يا إخوة أن حصار أورشليم تم في أثناء الاحتفال بالفصح. هكذا بحُكْم الله العادل نالوا العقاب المستحق في نفس الأيام التي فيها عُلق أليشع الحقيقي، ربنا ومخلصنا، على الصليب... نقرأ في التاريخ أن ثلاثة ملايين يهودي اجتمعوا في أورشليم؛ ومليون ومائة ألف منهم قتلوا بالسيف أو الجوع، ومنهم ألف شاب اُقتيدوا إلى روما. في نصرة (للعدو) حُوصرت المدينة سنتين، وعدد كبير من الموتى أُلقوا خارج المدينة حتى صارت أجسادهم مرتفعة في علو الأسوار. هذا الخراب سبق فرُمز له بالُدبِّتين اللتين مَزَّقتا الاثنين وأربعين صبيًا الساخرين بالطوباوي أليشع. فتحقق ما قاله النبي: "ُيفسدها الخنزير من الوعر، ويرعاها وحش البرية" (مز 14: 79)، لأنه كما أشرنا بعد الاثنين وأربعين عامًا تقبلت الأمة الشريرة ما تستحقه من الُدبِّين فاسيبسيان وتيطس[87].

الأب قيصريوس أسقف آرل

v أجل، في الحقيقة هو تلميذ ذاك الجميل (إيليا)، وجماله يصدر من أفعاله حيثما سار.

صنع نصرًا بالمياه الرديئة التي شفاها، ووهب الصحة للأرض المريضة والقفرة.

بنبوته وضع حدًّا للموت وأبعده، وبعد أن ظهر جبروته خرج ليذهب.

شرع يسلك طريقه وهو يصعد إلى بيت إيل، فالتقاه هازئون تجاسروا عليه بالإهانة.

صبيان ملعونون أبناء تربية المياه الرديئة، سخروا بالطبيب الذي افتقدهم مجانًا.

ماذا كان يشبه سوى ربنا الذي احتقره اليهود بعد أن شفى مرضاهم؟

أولئك مَن كانوا يشبهون إلا هؤلاء الذين عاينوا قوات ربنا، وعادوا وشتموه وأثموا؟

أعني أولئك كانوا الصالبين سريًا، لأنه هو أيضًا كان يحمل سرّ ابن الله.

بعد أن شفى المياه الرديئة، سُخِرَ منه، مثل المسيح الذي كان يُهان بعد صنع القوات.

منع الموتَ، وعاد أبناء العبرانيين يجازونه شرًا، لأنهم يفترون على كل الحسنات.

ضمد جرحًا عظيمًا وشفاه ولم يأخذ أجرة، ولم يكفهم هذا، بل جازوه إهانة وشتمًا.

افتقد المياه وأعطى العافية للينبوع، وإذ قام الطبيب الصالح ليغادر، زوَّدوه بالإهانة.

أبناء العبرانيين أعطوه الإهانة أجرة رجليه (سلوكه)، لأنهم يكافئون الأطباء دائمًا بالشر.

لم يطالبهم أن يعطوه شيئًا عندما شفاهم، وكان يرافقه أبناء الثعابين بالشتائم[88].

القديس مار يعقوب السروجي

يرى القديس مار يعقوب السروجي أن أليشع النبي لم يطلب النقمة، ولا كان مغلوبًا من الغضب، لكنه كان يطلب تنقية البشرية من روح السخرية. يشبه هذا التصرُّف ما فعله فينحاس من أجل غيرته على تقديس هيكل الرب. ما فعله فينحاس في مظهره قتلْ اللذين كانا يستخفَّان بقدسية الهيكل، لكن في نية فينحاس كان ذلك صلاة وتطهيرًا من الزنا والفساد والاستخفاف بمقادس العليّ.

علة تعثرنا بمثل هذه التصرفات الصادرة عن رجال الله عدم إدراكنا لمفاهيمهم الروحية، وعدم معرفتنا ما في قلوبهم وأفكارهم. فما يفعله رجال الله لا يدركه الجسدانيون والنفسانيون، لأنهم لا يتمتعون بالشركة مع الله مثل الروحيين، الذين لا يفعلون شيئًا إلا خلال اتحادهم بالقدوس.

v حين تسمع بأنه لعن الصبيان، لا تظن بأن غضبه غلبه، واستعد لينتقم من الهزء.

فالشجرة صالحة كلها، ولم تصنع ثمارًا رديئة، لأن كل ثمارها حسنة.

الرجل الموجود فيه حياة الموتى والنبوة، لم يصنع سوءًا بالغضب كما نقول.

لو لم يقصد أن يفيد لما لعنهم، لما سلَّم الصبيان إلى الدُبتَين بسبب إهانته...

ألا تنظر إلى تصرفاته كيف كانت حسنة، إذ اهتم بشفاء الناس وحياتهم؟

فينحاس الذي قتل ومنع الموت من المعسكر، هل نقول إذًا أنه قاتل لأنه قتل؟

كان البهي يحمل الصلاة في قلبه، والرمح في يده، ليمنع بكل الوسائل الموتَ المتفشي.

ولا يُقال إنه قتل... بل صلَّى، فاستعمل القتل كأنه صلاة...

هكذا جميع الشرفاء وأبناء النور يتحركون بالروح، (ليقوموا) بأعمال للمساعدة.

عندما يقتلون يريدون أن يُحيوا، لأن إرادتهم أسمى من الشرور، على مثال الله.

الروحاني بعيد عن النفساني بأفعاله، ولا يقدر أن يعرف أموره عندما تُصنع.

لهذا عندما ينظر إليه يتعثر، حيث يظن شيئًا بدل شيءٍ بخصوص الروحاني.

وأنت عندما تنظر إلى أليشع، اُنظر إليه هكذا: إنه رجل مملوء كله روحًا وتمييزًا.

وإذ نسج الله نفسه، كان يصنع كل أعماله ليساعدهم بقلبٍ صالحٍ.

كان قلبه مأسورًا بالله بالروح الذي أخذه، ولم يكن يقدر أن يتحرك للعمل بدونه.

استنارت نفسه بالرب الذي حلَّ فيها، ولم يكن يتعثر، لأنه كان يسير فيه كما في أثناء النهار.

كان قد عظُم الرجل بالغنى الإلهي من ذلك الكنز الذي أعطاه إياه مُعلِّمه حين صعد.

أخذ المفتاح العظيم، يفتح ويغلق كل الخلائق، ليقوم مثل وكيل بيت الله[89].

القديس مار يعقوب السروجي

St-Takla.org Image: Then Elisha went from there to Mount Carmel, and from there he returned to Samaria. (2 Kings 2:25) صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع النبي يعود إلى بيته (ملوك الثاني 2: 25)

St-Takla.org Image: Then Elisha went from there to Mount Carmel, and from there he returned to Samaria. (2 Kings 2:25)

صورة في موقع الأنبا تكلا: أليشع النبي يعود إلى بيته (ملوك الثاني 2: 25)

وَذَهَبَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ،

وَمِنْ هُنَاكَ رَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ. [25]

كانت السامرة عاصمة المملكة، وكان لأليشع بيت فيها (2 مل 5: 3، 9؛ 6: 32). وكان يعاشر الملك والشيوخ، وله اعتبار خاص لديهم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أليشع النبي كرمزٍ للسيد المسيح

أليشع

السيد المسيح

1. نصيبان من روح إيليا (2).

رب الأنبياء.

2. استهزاء صبيان بيت إيل به (2).

خاصته لم تقبله.

3. النصرة على موآب حيث ظهر الماء على شكل دم (7).

النصرة على إبليس بمياه المعمودية الحاملة لقوة الدم.

4. مباركة الزيت (4).

غنى مسحة روحه القدوس.

5. إقامة ابن الشونمية (4).

المسيح واهب القيامة.

6. إصلاح المسلوق السام في القدر (4).

المسيح الخالق والمُصلح.

7. إشباع 100 رجل بعشرين رغيفًا (4).

المسيح خبز الحياة.

8. تطهير نعمان السرياني من برصه (5).

مطهرنا بمياه المعمودية.

9. الحديد يطفو بإلقاء عود في الماء (6).

بعود الصليب تتغير طبيعتنا.

10. كشف خطط ملك أرام (6).

يكشف حيل إبليس الخفية.

11. نبوته عن فتح كوى السماء (7).

المسيح واهب المستحيلات.

12. نبوته لحزائيل أنه سيَضطهد المؤمنين (8).

يكشف المسيح عن الضيقات القادمة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي 2 ملوك 2

روحك الناري يحملني إلى سماواتك!

v من لا يشتهي الصعود مع نبيك إيليا؟

من لا يطلب مركبة نارية وخيول نارية تحمله إلى السماء؟

فيعيش مع ملائكتك وخدامك اللهيب الناري.

هب لي أن أحمل الروح الناري، فلا أعرف التراخي والتهاون.

هوذا روحك القدوس ينزل كألسنة نارية.

يُحوِّل أعماقي إلى نار حب مُتَّقد.

كل مياه العالم لا تقدر أن تطفئها!

v ليكن لي القلب الناري، فيتأهل للصعود إليك.

يرى أبواب السماء مفتوحة أمامه، يستريح فيها.

v كما فرَّحتَ قلب إيليا الناري بأليشع،

هب لي فرحًا أن أرى الكل يمارسون عملك.

يحملون معي، لا ثوب إيليا النازل من جسده،

بل جسدك العجيب حياة أبدية.

v لأتمتع بثوبك، فأشق به نهر العالم،

وأجد لي طريقًا وسط المياه، فأعبر إليك.

أسير فيه، ولا أنحرف يمينًا ولا يسارًا.

v أتمتع بأبوّة صادقة هي عطيتك لي.

بها أقدم لا دقيقا فاخرًا في صحن جديد،

بل جسدك الذي يُجدِّد طبيعتي.

ويُحوِّل بريتي وبرية إخوتي إلى فردوس روحي.

نعم تجد فينا ثمر روحك القدوس.

تسر به، وتدعو السمائيين يتمتعون به!

v روحك الناري يهبني قوة لا تُقاوَم.

يصير مقاومي الحق أشبه بصبيانٍ لا حوْل لهم.

ليسخروا بي وليهزأوا برسالتي التي تسلمتها منك.

يا لهم من مساكين،

حتمًا ستخرج الدببة لتفترس حياتهم!

انزع يا رب كل مقاومة للحق،

أما المقاومون، فردهم إليك ويتهللون بخلاصك.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تعديل من الموقع: كان العنوان مكتوبًا " تحويل المياه المجدبة إلى مياه عذبة"، وكذا في محتوى الفقرة كلمات مثل: "المياه مجدبة"، ولكن لا يصلح استخدام كلمة "جدب" مع المياه لأنها تعني "المياه اليابسة"!  فتم تعديل الكلمات في تفسير الأصحاح ليصبح المعنى سليمًا.

 

[1] Methodius: Oration Concerning Simeon and Avura,9.

[2] راجع للمؤلف: حول ميامر القديس مار يعقوب السروجي عن لقطات من حياة القديس إيليا النبي مع تعليقات لبعض آباء الكنيسة الأولين، 2006، ف 11.

[3] Tertullian: A Treatise on the Soul, 50.

[4] On Ps. 67.

[5] Ep. 14:6.

[6] Paedagogus 3:12.

[7] In Matt. hom., 22:4.

[8] Orthodox Study Bible.

[9] كلمة عبرية تعني السكن الإلهي أو الحضرة الإلهية وسط شعبه أو في المؤمن.

[10] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 183-185.

[11] Lecture 14: 26.

[12] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 185-186.

[13] CF. James M. Freeman: Manners and Customs of the Bible, 1972, , article 326.

[14] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 186.

[15] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 186-189.

[16] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، 189-190.

[17] The Prayer of Job and David, 4:4:14.

[18] On the Second Book of Kings, 2:2-5.

[19] Comm. Jos 6:47.

[20] Origen Commentary on John , book 6:28.

[21] PG 33:433A.

[22] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 190-191.

[23] On the Gospel of St. John, tractate 74, 2-3.

[24] Letter 187:17.

[25]Commentary on Tatian's Diatessaron, 19: 8.

[26] Homilies on Acts of Apostles, 1.

[27] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 193-194.

[28] Sermon 84:2.

[29] City of God, Book 20, ch. 29.

[30] Letter 22:3.

[31] Letter 22 to Eustochium، 3.

[32] Oration 40 on Holy Baptism, 6.

[33] Oration 41 on Pentecost, 12.

[34] عظة 10 على نشيد الأناشيد ترجمة الدكتور جورج نوّار.

[35] جاء في حزقيال 8: 3 "ومد شبه يد وأخذني بناصية رأسي، ورفعني روح بين الأرض والسماء، فأتى بي في رؤى الله".

[36] Lecture 14: 25.

[37] Hymns on Nativity, 1.

[38] Demonstration 6 on Monks 5.

[39] Methoduis: Oration Concerning Simeon and Anna, 9.

[40] On Pentecost,13.

[41] St. Ambrose: Concerning Virgins, book 1:3:12.

[42] إسحق أو النفس، ف 77.

[43] The Prayer of Job and the weakness of man. 1:1:1.

[44] العظة الخامسة والعشرون، 9.

[45] Irenaeus against Heresies, 5:5:1.

[46] On the Resurrection of the Flesh, 58.

[47] A Treatise on the Soul, ch. 50.

[48] Exposition of the Orthodox Faith, ch.24.

[49] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الآب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 196.

[50] ميمر 115 على القديس مار إيليا النبي وعلى صعوده إلى السماء (راجع نص الاب بول بيجان والدكتور بهنام سوني).

راجع الخوري بولس الفغالي: يعقوب السروجي، عظات حول النبي إيليا، الجامعة الأنطونية، 2003، ص 195.

[51] The Prayer of Job and David, 1: 1.

[52] النفس أو اسحق، 75.

[53] In Ascensione PG 50.

[54] St. Jerome: Letters, 71: 3.

[55] أحد الكائنات الأسطورية التي كانت عند الإغريق، لها رؤوس نساء وأجساد طيور، كانت تُسحر للملاحين بأغانيها فتسبب في هلاكهم.

[56] Letter 22:18.

[57] Letters , to Juloan 118, Commentary on John 2: 143.

[58] Orthodox Study Bible.

[59] In luc 1: 7.

[60] St. John Chrysostom: Concerning the Statues, Hom. 2: 25.

[61] Origen: Comm. On Matth. 13:2.

[62] من تسابيح الميلاد، التسبحة الثامنة.

[63] St. Gregory of Nyssa : Funeral Oration on Meletius.

[64] St. Jerome: Letters, 108:1.

[65] الميمر 116 على أليشع وإصلاح الماء (راجع نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني). الخوري بولس الفغالي، عظات حول أليشع النبي، ص 25.

[66] CF. James M. Freeman: Manners and Customs of the Bihle, 1972, , article 327.

[67] Hymn on the Nativity, 1.

[68] Methodius: Oration Concerning Simeon and Anna, 9.

[69] الميمر 116 على أليشع وإصلاح الماء (راجع نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني). الخوري بولس الفغالي، عظات حول أليشع النبي، ص 26.

[70] Sermon 126: 2.

[71] Sermon 126: 3.

[72] Sermon 126: 5.

[73] Sermon 84:3-4.

[74] Letter 108 To Eustochium, 12.

[75] ميمر 116 على أليشع وإصلاح الماء (راجع نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني). الخوري بولس الفغالي، عظات حول أليشع النبي، ص 28-29.

[76] On the Second Book of kings, 2:20.

[77] Barnese Notes.

[78] Adam Clarke's Commentary.

[79] عن الصور المقدّسة، الدفاع الثاني، 33.

[80] When Critics ask: A popular handbook on Bible difficulties. Wheaton، III.: Victor Books. Geisler، N. L.، & Howe، T. A. (1992).

[81] Tertullian: Against Marcion, 2: 14.

[82] On ps 47 (46).

[83] When Critics ask: A popular handbook on Bible difficulties. Wheaton، III.: Victor Books. Geisler، N. L.، & Howe، T. A. (1992).

[84] Sermon 127: 1.

[85] Tertullian against Marcion, Book 2, ch. 14.

[86] Hom. 17 on Ps. 84 (85).

[87] Sermon 127: 2.

[88] ميمر 116 على أليشع وإصلاح الماء (راجع نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني). الخوري بولس الفغالي، عظات حول أليشع النبي، ص 31-32.

[89] ميمر 116 على أليشع وإصلاح الماء (راجع نص الأب بول بيجان والدكتور بهنام سوني). الخوري بولس الفغالي، عظات حول أليشع النبي، ص 35-36.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات الملوك ثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/12-Sefr-Molouk-El-Thani/Tafseer-Sefr-Molouk-El-Thany__01-Chapter-02.html

تقصير الرابط:
tak.la/ppnjkf6