محتويات |
نورد هنا نبذة مختصرة عن أعداء الإيمان في عصر أثناسيوس وهم:
1- ظهر أريوس ودخل التاريخ فجأة، رجل متوقد الذكاء حاضر البديهة لكنه مملوء مكرًا وخداعًا يظهر خلاف ما يبطن ويتقن الدسائس والوقيعة. كان في أول أمره مجهول الذكر حتى أننا لا نعرف عن حياته سوى أنه ولد بإحدى مدن ليبيا (270-236 م.) ووفد إلى الإسكندرية في حبرية البابا ثاؤنا (البابا 16) وقد التحق بالمدرسة اللاهوتية وتبحر في العلوم الدينية والمدنية وتبحر في دراسة الفلسفة المسيحية وكان أريوس مصابًا بداء الكبرياء والغطرسة ومن غرائزه حبه للجدل والمقاومة.
2- في عام 308 م. رسم شماسًا ثم كاهنًا في عام 310 م. وفي عام 313 م. عين كاهنًا لكنيسة بوكاليا بالإسكندرية ومن المعروف أن البابا بطرس خاتم الشهداء أسقط أريوس من رتبته ثم جاء البابا ارشيلاوس وأعاده إلى الشركة! وكان أريوس يطمع بدخوله السلك الكهنوتي إلى الوصول إلى البطريركية ولكنهم خذلوه ورسم ألكسندروس الذي قام بحرم أريوس وناهض بدعته.
3- كان أريوس ذا منظر مهيب يوحى بالصرامة والنسك وكان عذب الحديث ولكن كل ذلك كان ستارًا لنفس مملوءة خبثًا ودهاءًا وغرورًا.
4- ونظرًا لما كان يظهر على وجهه الشاحب من مسحة الجمال وما كان يظهره من تقشف وتواضع وما في كلماته من قوة وما في صوته من نبرات جذابة، كل ذلك كان يبدو كأنه أعد خصيصًا للخداع فقد جذب إليه كثيرًا من العذارى. كما جذب إليه الجماهير بوعظه القدير وفصاحته ومنطقه القوى. وذلك لم يكن بمستغرب أن ينتشر أريوس كما أنه أكتسب فيما بعد إلى جانبه الأباطرة لأنه كان يخدم أطماعهم السياسية.
5- كان مزيجًا عجيبًا من النقائص التي صهرت في بوتقة الغرور والتي يتميز بها دائمًا كبار الهراطقة وأن السر الأعظم الذي يكمن وراء هرطقة أريوس وكفره وعناده الشنيع يمكن تلخيصه واختصاره في أن أريوس كان يملك معرفة دينية ولكن لم يكن يملك أخلاقًا دينية.
6- كان فصيحًا ماكرًا ونزل بالقضية اللاهوتية إلى الشارع وصار يبسطها لعامة الناس والأطفال فشوه الرأي الأرثوذكسي بصورة جعلته يبدو لأكثر الناس لا يمكن قبلوه.
7- وضع ثاليات (قصائد وأناشيد) وحشاها من أرائه الهرطوقية... وصار الناس يرددونها لحلاوة أنغامها.
8- كان يدخل الشوارع والأندية والمجتمعات ويعمل مظاهرات فانضم إليه كثير من الشعب.
9- أحدث بلبلة بين البسطاء فكان يسأل الناس "هل أنت أكبر أم أبوك"...
ومن ردود أثناسيوس في هذا "الماء من النبع... ولكن منذ أن كان النبع نبعًا فالماء فيه لم تمر لحظة من الزمان يكون فيها نبع ولا يكون ماء... وإلا كيف يكون نبع".
1- كل إنسان في الدنيا يجد من يمدحه ويجد من يحبه ويدافعوا عنه أكثر مما يدافع عن نفسه... وأحيانًا يكون تلاميذ الإنسان أخطر عليه من أعدائه.
2- هذا الموقف تعرض له يوحنا المعمدان... أتى إليه تلاميذه قائلين "هوذا الذي أنت شهدت له "المسيح" يعمد والجميع يذهبون إليه"؛ أي بعد ما كنت أنت كل شيء أصبحت بلا شيء.
1- صديق أريوس فقد كانا معًا يتلقيان دروس اللاهوت في مدرسة لوسيان بأنطاكيا.
2- كان يحسد كنسية الإسكندرية بتميزها ومكانتها الرفيعة الأولى وسط الكنائس.
3- هو المسئول الأول أمام الله والكنيسة في جميع العثرات والقلاقل التي حدثت لها من هرطقة أريوس...
4- استغل صداقته للإمبراطور قسطنطين وكذلك الإمبراطور قسطنطيوس وكذلك قربه للبلاط الملكي ليعرض قضية أريوس الفاسدة على الساحة العالمية.
5- هو الذي عمد الإمبراطور قسطنطين قبل موته.
* كان يوسابيوس النيقوميدي غير عظيم في شيء ولا كان نير الفكر "جواتكن".
1- هم أتباع مليتيس أسقف أسيوط سقط مع جماعة كبيرة في التبخير للأوثان أيام دقلديانوس 303 م. فقطعته الكنيسة من شركتها في مجمع خاص برئاسة البابا بطرس...
2- فتزعم ميليتيس جماعة إكليروس (أساقفة كهنة) وشعب.... ليس هذا فحسب بل قام برسامات متعددة من (أساقفة كهنة ورهبان) حتى زادت شيعته جدًا.
3- رفع أمرهم إلى مجمع نيقية... وأتخذ المجمع قرارًا متخاذلًا بقبولهم في الكنيسة على أن يكونوا خاضعين للبابا ألكسندروس وأن يعطى لأساقفتهم الكراسي التي تشغر بنياحة أساقفتهم الأصليين (الأرثوذكس) وبعد موافقة البابا، أما ميليتيس نفسه فاحتفظ له المجمع بلقب أسقف ولكن لم يصرح له المجمع بإيبارشية بعد إسقاطه من كرسيه... وقد ظل ضعيفًا محدود السلطان حتى نال من يوسابيوس التشجيع والمعونة والسلطان الإمبراطوري.
4- وصل عددهم إلى 35 أسقف... وقد انخدعوا بإغراءات يوسابيوس.
5- بعد نياحة ميليتيس تولى بعده يوحنا أركاف وكان أشد منه وطأة.
كان مسرحًا للوشايات الدنيئة والمؤامرات ضد الإيمان.
أ- احتار فيه الجميع هل هو مسيحي مستقيم أم ماذا؟
ب- لم يحترم كلمته في ضبط الخارجين على مجمع نيقية الذي ظل يفتخر به طول حياته ففي ظرف 3 سنوات بدأ يتذبذب هو نفسه بين الأريوسية والمسيحية الحقة وبدأ يسهل استعادة كراسيهم وسلطانهم.
ج- عنده شعور دنيء بالحقد على البابا بسبب بروز شخصيته.. لدرجة أنه قيل عنه (أن شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين).
* استغل إشبينها الكاهن يوستانيوس علاقته بها وهو أريوسي وأقنعها أن تطلب من أخيها أن يفرج عن الأريوسيين ونجحت بالفعل في التأثير عليه لأنها كانت على فراش الموت 325 م.
* قال يومًا ما عن أثناسيوس "إن أروع الانتصارات التي حققتها... وتلك التي أحرزتها على ماجنتيوس وسلقانوس لا تعادل عندي طرد هذا الوغد من رئاسة الكنيسة".
1- كان لهم جالية ضخمة ونفوذ كبير ومعروف أن بطليموس حاكم مصر أراد أن يكسب ود اليهود بترجمة كتابهم المقدس من العبرية إلى اليونانية 282 م. (الترجمة السبعينية) وهذا وحده يبين مدى نفوذهم في مصر بالإضافة أنهم يمثلون أغلبية في الجيش وموظفي الدولة والتجار...
3- يمثلون قطاع مسلحًا بالمال والدهاء والجواسيس.
3- تعاطفوا مع الأريوسيين لأن إيمانهم مشترك وهو ضد لاهوت المسيح.
4- وكذلك لأن هذا يزيدهم تقرب من الإمبراطور والسلطات الحاكمة المحلية.
5- كانوا خصمًا رسميًا لأثناسيوس من جهة العقيدة الوثنية التي كرس البابا نفسه لهدمها من الأساس وعمد الآلاف منهم.
6- وجدوا في التفكير الأريوسي ما يتمشى مع منطق فلاسفتهم بل أن أريوس لم يأت في هرطقته بجديد... بل تبنى الأفكار الوثنية وصاغها صياغة مسيحية.. وساق نصوص الكتاب المقدس في تأييدها بتفسيرات ملتوية لذا قال أثناسيوس (أن أراء أريوس أراء وثنية).
1- سنة 318 م. عندما كان البابا ألكسندروس يلقى عظة عن الثالوث ويؤكد فيها أن الله الابن يسوع المسيح الكلمة المتجسد كائن مع الآب منذ الأزل فاعترض أريوس عليه وأصر على أن الله وحده هو الأزلي أما جميع الكائنات الأخرى بما فيها الابن لابد وأن تكون مخلوقة بفعل من أفعال الإرادة الإلهية وحاول البابا أن يشرح لأريوس تعاليم الكنيسة ولكنه أبى أن يسمع فعقد البابا مجمعًا بالإسكندرية وأصدر بيانًا فيه توبيخًا شديدًا لأريوس ودعاه إلى التوبة.
2- فبينما كان ألكسندروس يعظ يومًا عن سلطان السيد المسيح له المجد في إقامة الموتى مبينًا أن الكلمة ابن الله مساو للآب وله طبيعة وذاتًا واحدة مع الآب وإذ بأريوس يعظ في مكان آخر على الآية القائلة "أبي أعظم مني" (يو 28:16) مقاومًا بذلك رأي ألكسندروس ومناديًا بأن السيد المسيح غير مساو للآب في الجوهر بل هو مخلوق بإرادة الآب وأخذ يروج بدعته وينظم مقطوعات شعرية ملحنة ولقنها لأتباعه الذين أذاعوها بين العامة.
3- ولكن أريوس ازداد تعنتا وضرب بعرض الحائط كل الفرص التي أعطته إياها الكنيسة لكي يعترف بخطئه ويعلن توبته... ولذلك عقد البابا مجمعا ثانيًا بالإسكندرية سنة 321 م. حضره 100 أسقف وأصدر حكمًا بتجريد أريوس من رتبته الكهنوتية وكل أتباعه.
1- ترك أريوس الإسكندرية إلى فلسطين وأسيا الصغرى وهناك خدع بعض الأساقفة من أصدقائه بآرائه وسمحوا له بنشرها وعقد الأساقفة مجمعين متتاليين في عام 222-223 م. قرروا فيهما إلغاء حكم البابا ألكسندروس.
2- عاد أريوس للإسكندرية مرة ثانية. سرعان ما كون لنفسه حزبًا من معتنقي تعاليمه الفاسدة وشاركه كثير من الرجال ذوى المكانة السامية دينيا ومدنيا ليس من بلدته فقط بل من أنحاء الإمبراطورية الرومانية وأخذ ينفث سموم تعاليمه بمنتهى العناد والضلال فما كان من البابا ألكسندروس إلا أن يقوم بطرده مرة ثانية من الإسكندرية من حيث كان.
3- وعندما أخذت البدعة الأريوسية تأخذ طريقها إلى الانتشار في العالم بأسره شمر أثناسيوس عن ساعد الجد وبدأ في محاربتها ودحضها وأخذ يثبت صحة الإيمان القويم في نفوس المؤمنين.
1- تفاقمت المشكلة... وتمكن يوسابيوس أن يستميل الإمبراطور قسطنطين بواسطة أخته قسطنطيا لمناصرة أريوس... فأرسل رسالة مع هوسيوس أسقف قرطبة (بأسبانيا) وكان شيخًا وقورًا يهابه الجميع بما فيهم قسطنطين إلى البابا ألكسندروس... وعقدت المباحثات الثنائية وتبين مدى خطورة الأريوسية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخر... فأعلن هوسيوس تأييده لحرم أريوس وأتباعه.
2- وافق هوسيوس على مبادرة ألكسندروس بضرورة عقد مجمع مسكوني.
3- موافقة الإمبراطور على عقد المجمع وأصدر مرسومًا إمبراطوريًا يدعوا أساقفة العالم لعقد مجمعًا كنسيًا في نيقية.
20 مايو 325 م. - 25 أغسطس 325 م.
* إن سر نصرة أثناسيوس في مجمع نيقية كان يكمن بصورة أساسية في ثقته بالمسيح الفادي الذي كان يدافع عنه فكان أثناسيوس يملك الحقيقة لا في عقله ولا في لسانه فحسب بل في قلبه في شخص يسوع المسيح إلهنا الذي كان يتكلم فيه بروحه القدوس عند افتتاح فمه.
1- انعقد هذا المجمع في مدينة نيقية القريبة من القسطنطينية.
2- كان الانعقاد رسميًا في 20 مايو 325 م.
3- وقام المجمع بإسناد منصب الرئاسة إلى هوسيوس أسقف قرطبة وكان شيخًا وقورًا مهيبًا حاز ثقة الإمبراطور وفاز باحترام الجميع.
4- وكان أعظم الحاضرين شأنًا هو البابا ألكسندروس بابا الإسكندرية وهو البابا الوحيد الذي كان يحمل هذا اللقب داخل المجمع في ذلك العصر وكان معه رئيس شمامسته وسكرتيره الخاص أثناسيوس كما حضر معه الأنبا بلامون أسقف هرقلية بأعالي النيل والأنبا بفنوتيوس أسقف طيبة الذين قلعت عيناهما وكويت حواجبهما بالحديد المحمى بالنار في أيام الاضطهاد.
5- وكان معظم الأساقفة الحاضرين للمجمع من الشرق وعددهم 310 أسقف وثمانية أساقفة فقط من الغرب ليصبح المشاركين في أعمال هذا المجمع هو 318 أسقف.
* وكان بين الحاضرين للمجمع نساك من الصحراء ورجال ذاقوا مرارة الاضطهاد والتعذيب، كذلك كان هناك بعض الفلاسفة الوثنيين الذين ساقهم حب الاستطلاع إلى هذا المحفل العظيم.
* وحضر أريوس المبتدع الكافر وكان وقت انعقاد المجمع يناهز الستين من عمره وكان معه أنصاره ومنهم يوسابيوس أسقف نيكوميديا.
* يمكننا أن نحدد الدواعي والبواعث التي قام على أساسها مجمع نيقية في الأمور الآتية:
1- وضع حد نهائي للخلاف الذي قام بين كنيسة الإسكندرية من جهة وبين أريوس وأتباعه من جهة أخرى حول لاهوت السيد المسيح.
2- تحديد يوم عيد القيامة.
3- قضية إعادة معمودية الهراطقة.
4- قضية انشقاق ملاتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط).
5- زواج رجال الإكليروس.
1- تم عقد المجمع في قاعة من قاعات قصر الملك وهو بناء من الأبنية الرومانية الفخمة.
2- افتتحت الجلسات رسميًا يوم 20 مايو 325 م.
3- ثم بعد ذلك أخذ المجمع يزاول قضاياه وموضوعاته فنظر في قضية أريوس المبتدع الكافر وحدثت مجادلات كثيرة ونقاش حاد ورفعت الجلسة الأولى دون الوصول إلى قرار ما.
* قدم أريوس المبتدع الكافر أفكاره ومعتقداته في اليوم التالي لانعقاد المجمع المقدس وفتح فمه الدنس وافترى على السيد المسيح له المجد بأنه لم يقم منذ الأزل إلهًا بل هو كائن وسيط بين الله والإنسان. أخرجه الله من العدم لكي يخلق به بقية الخلائق وانه كابن ليس مساويًا للآب في الأزلية وليس من جوهره.
* وقد حبك دعواه في عبارات خلابة وقرأ على المجمع بعض أبيات من قصائده وبعض أناشيده وما أن سمع الأساقفة هذه الأقوال حتى هاج الجميع لما حوته من بدع وأضاليل وإذ أخذ أريوس يدافع عن معتقده زاد سخط المجمع بانقضاض البعض منهم على الأوراق التي كانت تحتوى على الترانيم وتمزيقها ليس من أجل المغالطات اللاهوتية التي تضمنتها فقط بل أيضًا لاستخفاف أريوس بالحقائق الدينية عامة.
* وهنا انبرى أثناسيوس وأفحم أريوس بردوده القوية وحججه الدامغة التي أظهرت فساد وضلال آرائه.
* وأخذت الدهشة الأساقفة من موقف أثناسيوس العظيم الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره وفرحوا فرحًا عظيمًا لفصاحته وبلاغة عباراته ونبوغه وقدرته العظيمة على إثبات الإيمان المستقيم. ليس ذلك فحسب بل نظر إليه الإمبراطور قسطنطين مندهشًا من علمه وبلاغته وقال له "أنت بطل كنيسة الله" ودعى الإمبراطور الجميع للهدوء.
* وعندما بدأ الآباء في تحديد العقيدة السليمة رأوا أن أريوس وأتباعه يقبلون الألفاظ الموضوعة لكنهم يعنون بها أمرًا آخر ويؤولونها بما يكون لصالح عقيدتهم الفاسدة. وهنا كان لابد وأن أثناسيوس يتدخل واقترح أن تضاف على العقيدة هذه العبارة (Homo-ousion) ومعناها جوهر لإثبات أن المسيح من جوهر الله ومعادل له.
* وعارض الأريوسيون هذه الإضافة واقترحوا استبدالها بعبارة (Homoi-ousion) ومعناها مشابه في الجوهر وترك للمجمع الفصل أي العبارتين أصح.
* ورغم أن العبارة الأخيرة لا تزيد سوى حرفًا واحدًا على الأولى. إلا أنها تختلف عنها معنويًا اختلافًا كبيرًا وبعد مجادلات وحوارات ونقاش كبير أخذ المجمع بعبارة أثناسيوس.
* بعد توالى الجلسات اقترحت غالبية الأعضاء وضع قانون الإيمان وتم وضعه فعلًا ابتداء من عبارة "نؤمن بإله واحد" إلى عبارة "ونؤمن بالروح القدس" ووقع بالموافقة عليه 318 أسقفًا عن رضى تام وقبول وارتياح. ورفض التوقيع أريوس ومن شايعوه فقرر المجمع إيقاع الحرم عليهم ونفى أريوس إلى الإليريكون بجوار بحر الأدرياتيك وحرق جميع كتبه.
* وانتخب الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًا ثلاثة لوضع دستور الإيمان (قانون الإيمان) منهم اثنان مصريان هما البابا ألكسندروس وسكرتيره الخاص أثناسيوس أما الثالث فكان ليونيتوس أسقف قيصارية الكبادوك. فكان هذا الانتخاب بمثابة اعتراف صريح بثقة هؤلاء الآباء في مقدرة أبناء مصر وفي رسوخ إيمانهم وحسن تعبيرهم عن هذا الإيمان.
* بعد الانتهاء من مناقشة بدعة أريوس وإعلان قانون الإيمان بدأ المجمع في مناقشة بقية القضايا المعروضة.
2- تحديد عيد القيامة المجيد: قرر المجمع أن يعيد جميع المسيحيين في موعد واحد هو يوم الأحد الذي يلي الفصح اليهودي وأسند لبابا الإسكندرية مسئولية إبلاغ أساقفة العالم عن موعد عيد القيامة.
3- في مسألة ملاتيوس أسقف أسيوط: قرر المجمع حفظ حقوق بابا الإسكندرية الواجبة في رئاسته على الأساقفة الذين في إقليم مصر.
4- في مسألة معمودية الهراطقة: أيد المجمع رأى الكنائس الشرقية في عدم إعادة معمودية من هرطق عند رجوعه.. بينما لابد من إعادة معمودية من عمدهم الهراطقة.
5- زواج الكهنة: قرر المجمع السماح لمن يريد من الكهنة أن يتزوج مع الاحتفاظ ببتولية الأساقفة وعدم زواج الكهنة المترملين.
* اثبت المؤرخون بعض الحوادث في سياق حديثهم عن مجمع نيقية ندونها لعلها تعطينا فكرة متكاملة عن هذا المجمع المقدس.
* دون المؤرخ دين ستانلي في كتابة Lectures on History of the Eastern church).
1- كان ضمن الآباء الذين اهتموا بالذهاب لحضور المجمع الأسقف أسبريدون اليوناني نائبًا عن جزيرة قبرص وكان هذا الأب مشهورًا بسذاجته وبساطته الكاملة، وفي الطريق مال إلى فندق ليستريح، فوجد هناك عددًا ليس بقليل من الأساقفة الذين جاءوا لنفس الغرض وكان هذا الأسقف البسيط يحمل أمتعته على بغلين أحدهما أحمر والآخر اسود.
2- وعندما رأى الأساقفة الأنبا أسبريدون خافوا لئلا يخدعوه الأريوسيون لبساطته إذا ذهب إلى نيقية وفكروا فيما بينهم في الطريقة التي تأخره عن متابعة سيره وأخيرًا قرروا ذبح البغلين! وبعد أن نفذوا ذلك قاموا مبكرين وساروا في طريقهم إلى مقر انعقاد المجمع! ولما قام الأسقف سبريدون أمر خادمه بإعداد العدة وإحضار الدابتين بمتابعة السير وكم كانت دهشة الأسقف عظيمة عندما عاد إليه الخادم بعد قليل يقول في رعب.
* "لقد ماتت الدابتان! ذبحهما الأريوسيون!" وهنا ذهب مع خادمه إلى الحظيرة وكان الظلام باقيًا وأمره أن يلصق الرأسين المقطوعتين بالجثتين ثم صلى ورسم علامة الصليب فنهضت الدابتين سليمتين كما كانتا!! ثم استأنف سيره وما أن أشرق النور حتى أبصر الأسقف فإذ برأس البغل الأسود قد صارت على جسد الأحمر ورأس الأحمر لصقت بجسد الأسود، فسجد لله شاكرًا ولما وصل إلى نيقية استقبله الأساقفة الذين عملوا معه هذه الحادثة كي يعيقوه عن الحضور وتأكدوا من قداسته عندما رأوا اختلاف اللونين في الدابتين.
3- عندما وقف أريوس وأعلن عقيدته الفاسدة غضب الأساقفة واندفع القديس نيقولا أحد الآباء اليونان وضرب المبتدع على فمه.
* ولما شكا أريوس أمره للإمبراطور حكم الآباء باستبعاد هذا القديس من المجمع وسجنه بعد أن أخذوا قلنسوته وإنجيله! ولكن ما أن ذهب نيقولا إلى السجن حتى ظهرت له السيدة العذراء ليلًا ممسكة بذراع يسوع المسيح ابنها الحبيب الذي اقترب من الأسقف وسلمه الإنجيل مبتسمًا كما وضعت العذراء القلنسوة على رأسه!
* وعندئذ خرج من الحبس فرحًا وذهب لآباء المجمع حيث أراهم الإنجيل والقلنسوة فتعجبوا وباركوا غيرته وأبطلوا الحكم الذي أصدروه قبلًا.
* كذلك حادثتين أخريتين ذكرتا أثناء الحديث عن مجمع نيقية في كتابات المؤرخين عن موقف الإمبراطور.
4- رأى الإمبراطور أحد الأساقفة، المسمى أكاكيوس جالسًا وحده فسأله عن سبب ذلك ولماذا يرفض الجلوس مع بقية الأساقفة، فقال أكاكيوس "أنه لا يجوز ليَ أن اشترك مع الذين يقبلون الساقطين في الخطية المميتة إذ لا غفران لهم" فنظر إليه الإمبراطور وقال له: "أنصب سلمًا يا أكاكيوس وأصعد وحدك إلى السماء".
5- انتهز البعض فرصة قدوم الإمبراطور للمجمع وقدموا إليه بعض العرائض والشكاوى في حق بعض الأساقفة، وكم كان موقف الإمبراطور عظيمًا عندما احضر موقدًا وأحرق فيه كل ما تسلم من العرائض والشكاوى قبلما يقرأها ثم قال للجميع: "لو نظرت بعيني أحدًا من ذوى الكهنوت في ريبة لسترته بإرجوانتي".
1- بعد انتهاء مجمع نيقية وعودة الأساقفة رجع البابا ألسكندروس وتلميذه أثناسيوس إلى الإسكندرية بمجد عظيم.
2- لكن لم تمض على ذلك سوى خمسة شهور وتنيح المغبوط القديس العظيم البابا ألكسندروس في (22 برمودة 17 إبريل 328 م.) وكان ذلك أثناء الصوم الكبير الذي لمخلصنا الصالح.
3- وقبل نياحة البابا وهو في النزع الأخير وكل الإكليروس مجتمعون حوله يتباركون منه أوصى البابا بانتخاب أثناسيوس خليفة له ليجلس على الكرسي المرقسي إلا أن أثناسيوس حاول الهرب من عبء هذه المسئولية المملوءة بالمخاطر والمشقات وعندما تأكد للبابا أن أثناسيوس قد هرب قال: "وهل تظن أن بهروبك يمكنك أن تفلت.. لا يمكن". ومن هنا بدأ الشعب البحث عن أثناسيوس حتى وجدوه وأحضروه من البرية حيث كان مختبئًا بها وتمت رسامة أثناسيوس بطريركًا في (8 يونيو 328 م) وبالفعل تم تنصيب أثناسيوس بطريركًا على الإسكندرية ليكون ترتيبه العشرون في عداد البطاركة العظماء وكان عمره وقتئذ لم يتجاوز الثلاثين.
4- ولأول مرة يجتمع 50 أسقفًا لرسامته ووضعوا الأيدي عليه وقد قام الأريوسيون بمحاولة لمنع انتخابه خوفًا من شخصيته القوية ومقاومته لهم، ولكن هيهات فلم يفلحوا وباءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع.
1- لم يكد أثناسيوس يرتقى كرسي العظيم مار مرقس حتى قام الأريوسيون وحاولوا إسقاطه وفي الجانب الآخر كان كثير من الأرثوذكسيين يقفون بكل قوة مدافعين عن الرسامة القانونية التي لأثناسيوس ومنهم القديس باخوميوس الناسك المصري الذي عندما جلس أثناسيوس على الكرسي البابوي رأى رؤيا يخاطبه روح الله قائلًا: "إني قد أقمت أثناسيوس عمودًا ونورًا لكنيستي وستناله شدائد وتلقى عليه تهم كثيرة لأجل مناضلته عن حق الديانة إلا انه بالقوة الإلهية يظفر بكل التجارب ويبشر الكنائس بحق الإنجيل.
2- وفي بداية أعماله البابوية تم تبشير الحبشة بالإنجيل المقدس على يد فرومنتيوس.
3- وانتهز البابا أثناسيوس فرصة السلام والهدوء فأخذ ينشر الكرازة داخل القطر وخارجه فبدأ بزيارة رعوية لأنحاء البطريركية مبتدءًا من الإسكندرية مارًا بالصعيد حتى أسوان.
* إن انتصار أثناسيوس في مجمع نيقية وجلوسه على عرش مار مرقس كان له أثر كبير في تألب أريوس وأتباعه عليه حتى أنهم أقسموا على التخلص من أثناسيوس بأي شكل لأجل هذا قضى القديس أثناسيوس الرسولي أكثر سني حياته في جهاد رسولي مضني ضد الأريوسية والأريوسيين كما انه في سبيل كل هذا احتمل الكثير من الآلام والاضطهادات بل لقد نفى وأبتعد عن كرسيه خمس مرات.
* وهكذا كان جهاد أثناسيوس ونفيه يتعلقان بتاريخ كل من مصر والكنيسة والإمبراطورية الرومانية بوجه عام وكانت التهم التي وجهت إليه كانت ذات طابع طائفي وسياسي وكانت تستهدف الأضرار به شخصيًا لأنه من يستطيع أن يحارب أثناسيوس في العقيدة.
* انتهز الحاقدون من الأريوسيين انتقال البابا ألكسندروس إلى فردوس النعيم وبدأوا العمل في إعادة أريوس من منفاه مستغلين في ذلك أخت الإمبراطور قسطنطين وتدعى كونسطاسيا التي أوصت أخاها وهى على فراش الموت بقبول أريوس وتمكنوا من إقناع الإمبراطور بذلك واستدعاه سنة 328 م. حيث قام بإدعاء التوبة وكتب قانون إيمانه بصيغة ملتوية أقنعت الإمبراطور الذي أصدر أمرًا بتبرئته والعفو عن الأساقفة الأريوسيين الذين نفوا قبلًا.
* وما أن جلس هؤلاء الثعالب على كراسيهم حتى عقدوا مجمعًا في أنطاكية سنة 329 م. وأصدروا حكمًا بعزل بعض الأساقفة الأرثوذكسيين كما أخذوا توصية من الملك مع إقرار إيمان أريوس وأرسلوهما إلى أثناسيوس يبلغانه بقرار المجمع ويطلبان منه قبول أريوس.
* أما أثناسيوس رفض هذه التمثيلية رفضًا تامًا وقام بطرد أريوس من الإسكندرية وسارع بالكتابة للإمبراطور قائلًا: "إنني لا يمكنني أن اقبل في كنيستي رؤوس الهراطقة المحرومين من المجمع النيقاوي وإن الكنيسة عمومًا لا تقبل في شركتها أناسًا ينكرون ألوهية يسوع المسيح".
ومنذ تلك اللحظة قام الأريوسيون بإعلان الحرب صراحة على أثناسيوس.
أولًا: وشوا به لدى الإمبراطور قائلين انه وضع على مصر ضريبة جديدة لزيادة أرباح الكنيسة وعمل تواني بيضاء من الكتان للإكليروس وهذا معناه أن أثناسيوس اغتصب حقًا من حقوق الحكومة الرومانية وهى فرض الضرائب ولكن الله سخر لأثناسيوس كاهنين كانا مع الملك فبرأه من هذه التهمة.
ثانيًا: وشوا أيضًا بأن أثناسيوس ساعد أحد أعداء المملكة يدعى فيلومينوس الذي كان عازمًا على أن يملك بلاد مصر وأن يشق عصا الطاعة على الإمبراطور إلا أن أثناسيوس قام بتبرئة نفسه أمام الإمبراطور من هذه التهمة أيضًا
* ولم يكتف الأريوسيون بذلك بل قاموا بتلفيق بعض التهم الأخرى لأثناسيوس للإضرار به وتشويه سيرته العطرة وعقدوا مجمعًا في صور عام 334 م. وطلبوا أثناسيوس ليدافع عن نفسه ونظرًا لأن البابا كان يعلم أغراضهم الخبيثة امتنع عن الحضور ولكن اضطر للحضور بأمر الملك إلا أن البابا لم ينل الاحترام اللائق نظرًا لأن كل أعضاء المجمع كانوا من الأريوسيين وتعددت التهم وافتراءاتهم الدنيئة.
ثالثًا: ادعوا عليه أنه قام بكسر كأس القس اسخيراس الهرطوقي وهدم مذبحه وحرق كتبه ولكن رغم اتفاقهم مع هذا القس سرًا لإثبات تهمتهم، فإنه ندم على موافقتهم وحضر إلى المجمع بنفسه وبرأ القديس أثناسيوس!! ثم وقع بخط يده وثيقة تفيد ذلك
رابعًا: ادعوا عليه أنه ارتكب الفحشاء مع بتول راهبة وأدخلوا امرأة زانية ادعت في مجمعهم أن أثناسيوس اغتصبها وأفسد بكارتها. فقام القس تيموثاوس تلميذ البابا أثناسيوس موهمًا إياها بأنه هو أثناسيوس إذ لم تكن تعرفه وقال لها "أنا أيتها المرأة التي زنيت بك كرهًا"، فأجابت تلك الفاجرة بجسارة أهل الشر "نعم أنت يا أثناسيوس الذي أغويتني وأفقدتني عفتي التي نذرتها للرب"، ثم تظاهرت بالبكاء طالبة من المجمع أن ينتقم لها ممن أفسد عفتها الأمر الذي أضحك الأرثوذكسيين وأخجل الأريوسيين.
خامسًا: ادعوا عليه أيضًا أنه قام بقتل الأسقف أرسانيوس أسقف هبسيل (الشطب) وقطع ذراعه واستخدمها في السحر والشعوذة. وكان هذا الأسقف مازال على قيد الحياة لكنهم اتفقوا معه على الاختفاء في الصعيد لحين الانتهاء من دعواهم وقاموا بإحضار ذراع أحد الموتى كدليل على التهمة أمام المجمع. واستطاع أثناسيوس وأتباعه القبض على أرسانيوس الذي أعترف أمامهم بكل شيء فأخفاه البابا لحين انعقاد المجمع ولما عرضت التهمة على المجمع قال أثناسيوس من منكم يعرف الأسقف أرسانيوس؟ فقالوا "كلنا نعرفه فأحضره البابا وسطهم ولما اعترفوا انه هو أرسانيوس بعينه أنزل البابا أثناسيوس الرداء عن أرسانيوس واظهر يديه صحيحتين ثم قال لهم ولمن اليد الثالثة المقطوعة؟ وهنا شعر الأريوسيون بالخزي والعار وهاجوا مضطربين مبررين موقفهم المخزي قائلين "إن أثناسيوس ساحر" وأرادوا الفتك به وقتله غير أن أحد الأمراء يدعى ديونيسيوس كان حاضرًا المجمع خلصه من أيديهم وأنقذ حياته..
* وبعد ذلك ترك أثناسيوس مدينة صور متوجهًا للإمبراطور لعرض أمره عليه ولكن لم يتمكن من مقابلته وأخيرًا انتهز أثناسيوس فرصة خروج الإمبراطور قسطنطين للنزهة فاعترض شارحًا له اضطهاد الأساقفة المجتمعين في صور له. وقد أثر الحديث الذي دار بينهما في نفس الإمبراطور تأثيرًا جعله يبعث بخطاب إلى جميع الآباء في صور طالبًا إليهم الحضور إلى القسطنطينية فورًا.
* ونظرًا لأن كل التهم السابقة قد فضحت أفكارهم إلا أنهم اتفقوا على تلفيق تهمة أخرى ضد أثناسيوس وعندما مثلوا أمام قسطنطين الملك لم يعيدوا سرد القصص التي ناقشوها في المجمع والتي تتعلق بالكأس والمرأة الساقطة وبأرسانيوس إذ وجدوا أن الإمبراطور لن يقبل هذه الأمور.
سادسًا: لذا اتهموا أثناسيوس باستغلال نفوذه وصمم على منع تصدير القمح من الإسكندرية للقسطنطينية ولقد كانت لتلك التهمة أفظع الأثر في نفس قسطنطين حتى انه أمر بنفي أثناسيوس من القسطنطينية إلى تريف (وهى مدينة تقع جنوب غرب فرنسا على الحدود الفرنسية البلجيكية وهى تابعة لفرنسا الآن) وعندئذ قال القديس للملك "أن الله سيقوم ديانًا بيني وبينك أنت الذي قبلت شكوى أعدائي وصدقتها" وكان هذا أول نفى ذاقه حامى الإيمان وكان الموكب الذي أقل البابا أثناسيوس من القسطنطينية إلى تريف حافلًا بكل الاحترام اللائق حيث استقبله مكسيميانوس أسقف تريف وأبدى له كل الإعجاب بشخصيته الفريدة ودفاعه المجيد عن الإيمان الأرثوذكسي كما كان في استقبال البابا وأساقفته الأرثوذكسيين قائد جنود المملكة الرومانية في الغرب قسطنطين الصغير وكان ذلك في 5 فبراير 335 م. حيث قوبل البابا وأساقفته بحفاوة بالغة وإجلال عظيم.
* عندما نجح الأريوسيون في إبعاد أثناسيوس عن كرسيه الإسكندري ونفيه إلى تريف سعوا لإرجاع أريوس إلى حظيرة الكنيسة فتوسطوا لدى الإمبراطور مدعيين أن أريوس قد تاب فصدق إدعاءهم وأمر بعودة أريوس وأتباعه إلى الإسكندرية لكن الشعب الأرثوذكسي في الإسكندرية أغلق في وجهه أبواب الكنائس وأجبره الوالي على ترك المدينة خشية حدوث ثورة حقيقية فلما أخبروا الإمبراطور قسطنطين بموقف أريوس أرسل يستدعيه للقسطنطينية.
* عندئذ أرسل الإمبراطور إلى ألكسندروس أسقف القسطنطينية يطلب إليه قبول أريوس في كنيسته غير أن أسقف القسطنطينية أرسل للإمبراطور قائلًا إن الذي حرم أريوس مجمع مسكونى فلا يحله الا مجمع مسكونى لكن هذا الرد أهاج قسطنطين الذي أمر الأسقف الجليل بالسماح لأريوس بأن يقيم الصلاة في كنيسته أول يوم من أيام الآحاد. ولعل أعظم وصف لهذه المأساة ذكرها سقراط المؤرخ في (ك1 ف68) فكتب يصف هذا المشهد المؤثر بتفصيلاته يقول:
* ("وكان الكسندر أسقف القسطنطينية... رجلًا ذا تقوى صادقة،.. هذا لما واجه هذه الأعمال دخلت نفسه في ضيقه وخصوصًا لما هدده يوسابيوس النيقوميدى بعنف أنه سيسقطه عن كرسيه إن لم يقبل أريوس وكل شيعته في شركة الكنيسة.
* أما ألكسندر فلم يرعبه التهديد بخلعه من كرسيه بقدر ما أرعبه الخوف على الخراب الذي سيحل بمبادئ الإيمان. الأمر الذي كان يسعى إليه هؤلاء الأريوسيون باجتهاد فاعتبر نفسه إزاء هذا الموقف أنه معين ليكون حارسًا للعقيدة المسلمة إليه بكل مقررات مجمع نيقية، فبدأ يجاهد بكل قوته ليمنع عن الإيمان أي تحريف أو فساد وعندما حصر نفسه في هذا الهدف اعتزل كل محاجاه ومنطق وجعل الله ملجأه وكرس نفسه للصوم المتواصل ولم يكف قط عن الصلاة وأغلق على نفسه الكنيسة المدعوة "إيريني" وصعد إلى المذبح وانطرح على أرضه أمام المائدة المقدسة وسكب دموعًا حارة بصلوات وبكاء وبقى على هذا الحال عدة أيام وليالي متوالية...")
* ويستأنف المؤرخ سقراط حديثه فيعطينا تفصيلات أكثر فأكثر عن نهاية أريوس البشعة إذ يقول:
* (كان الوقت يوم سبت، وكان أريوس يتوقع أن يجتمع بالكنيسة (ودخول الشركة) في اليوم الثاني ولكن النقمة الإلهية أخذت حقها تجاه جرائمه لأنه حالما خرج من قصر الإمبراطور تحيط به زمره من شركاء يوسابيوس كحراس، صار يستعرض نفسه بعظمة وسط المدينة وهو يجتذب أنظار الشعب كله فلما اقترب من القصر المسمى " محكمة قسطنطين " أخذته رعدة وفزع من الضمير فأصابه إسهال عنيف فطلب مكانًا يقضى فيه حاجته فاقتادوه إلى (مرحاض) خلف "المحكمة" وفي الحال أفرغ أحشاؤه فخرجت أمعائه مع نزيف حاد وأصابه إغماء ومات. ولا يزال موقع هذه النقمة يرى إلى هذا اليوم في القسطنطينية... وبسبب هذا الحادث المرعب امتلأ يوسابيوس النيقوميدي وكل شيعته من الخوف والرعب وخرجت الأخبار بسرعة لتملأ المدينة كلها وكل العالم).
* ظل الكرسي الإسكندري شاغرًا طوال نفى أثناسيوس لأن الشعب المسيحي لم يسمح بجلوس غيره عليه وكان الأقباط الأرثوذكس يكررون مطالبهم برجوع أسقفهم وراعيهم وخرجوا في مظاهرة للمطالبة به في الكنائس والتجأوا إلى الأنبا أنطونيوس الذي كتب رسائل في ذلك الموضع إلى الإمبراطور ولكن كل هذا ذهب سدى. لأن العناية الإلهية لم تمهل قسطنطين عمرًا أطول فمات عام 337 م. وقسمت مملكته بين أولاده الثلاثة وكانت مصر تحت حكم قسطنطيوس أما فرنسا والغرب فكانت من نصيب قسطنطين الصغير الذي كان يحب أثناسيوس وتوثقت بينهما صداقة متينة وقد أرسل قسطنطين الصغير رسالة إلى أخيه يطلب فيها إعادة البابا أثناسيوس إلى كرسيه لأن هذه كانت رغبة أبيه قسطنطين الكبير قبل وفاته وبالفعل عاد أثناسيوس على الفور مبجلًا معظمًا عام 338 م. كذلك عاد معه جميع الأساقفة الأرثوذكسيين من منفاهم ووصل أثناسيوس إلى الإسكندرية في نفس السنة بعد غيبه سنتين وأربعة أشهر وأحدى عشر يومًا وقد خرجت الإسكندرية كلها فرحة برجوع باباها العظيم واحتفوا برجوعه احتفاءًا عظيمًا وأقاموا لذلك احتفالًا أقرب إلى الاحتفال باستقبال الملوك والقياصرة ووصف هذا الاحتفال بأنه كان احتفالًا مصريًا بحتًا ومن الاحتفالات التي كلما يجود الزمان بمثلها والتي تبقى صورتها حية في آذان من شاهدها كأنها أبدع ما كان.
* وفي غمرة هذه الأحداث المبهجة لم يترك الأريوسيون البابا أثناسيوس ليستريح ولو لفترة قصيرة إذ سرعان ما قرروا تعيين بطريرك أخر على الإسكندرية هو غريغوريوس الكبادوكي إلا أن الشعب قاوم ذلك مقاومة عنيفة. الأمر الذي جعل الأريوسيين يهجمون على الكنائس مع بعض الجنود واتفقا أن كان ذلك يوم جمعة الصلبوت وقاموا بقتل من كان في الكنيسة واعتدوا على حرمة الفتيات والسيدات اعتداءًا وحشيًا كل ذلك بدون أي سبب إنما لإجبار الشعب على الانضمام للأريوسيين.
* وهنا بعث البابا برسائل إلى أساقفة العالم كله يستنجد بهم من فظاعة هذه الأحداث ويقول: "استغيث بكم وبالأرض وبالسماء مما حل بكنيستي أنى أستغيث بكم استغاثة ذلك اللاوي أفرام الذي عندما ماتت زوجته بعد أن اغتصبها منه أعداؤه قسم جثتها إلى أثنى عشر قسمًا وبعث بكل قسم منها إلى كل سبط من أسباط يهوذا الاثني عشر ليجتمعوا جميعًا ويأخذوا بثأر تلك الزوجة التي تمثل الأسباط كلها..."
* فهو يحذرهم في هذا النداء بأن كلا منهم مهدد باغتصاب كرسيه بهذه الطريقة ويختم كلامه قائلًا فلا تتركوا الأمور تصل إلى هذا الحد ولا تسمحوا أن تداس كنيسة الإسكندرية المجيدة بأقدام الهراطقة...
* وإذ لم تجد الرسائل أي صدى عزم البابا أثناسيوس على عرض قضيته أمام العالم كله فسافر إلى روما وهناك قوبل بحفاوة بالغة من أسقفها يوليوس وعقدا مجمعًا سنة 347 م. في سرديقيا (صوفيا) مكون من 170 أسقفًا (100 من الغرب، 70 من الشرق) ورأس المجمع هوسيوس أسقف قرطبة وقرروا الآتي:
1- براءة القديس البابا أثناسيوس الرسولي حامي الإيمان مما نسب إليه زورًا وبهتانًا.
2- حرم جميع الأساقفة أتباع أريوس.
3- التأكيد على قانونية مجمع نيقية المسكوني الأول.
4- خلع وعزل وطرد غريغوريوس الكبادوكي الذي عين بطريركًا على الإسكندرية بواسطة الأريوسيين.
* ووافق على هذه القرارات حاكم رومية الإمبراطور قسطنطس وطلب من شقيقه قسطنطيوس حاكم الشرق تنفيذها ووافقه قسطنطيوس ورجع البابا أثناسيوس إلى كرسيه دون أي شروط وفي هذه الأثناء قامت ثورة في الإسكندرية ضد غريغوريوس الكبادوكي الأخير أدت إلى قتله الذي عزز من عودة القديس أثناسيوس إلى كرسيه بكل قوة وهكذا رفرفت أجنحة السلام على ربوع كنيسة الله في الإسكندرية مرة أخرى.
* تعتبر الفترة من (24 بابة 21 أكتوبر سنة 346 م) حتى (13 أمشير - 8 فبراير سنة 356 م) وهى حوالي تسع سنوات وثلاثة أشهر وتسعة عشر يومًا - تعتبر أطول فترة سلام قضاها أثناسيوس على كرسي مارمرقس بدون اضطرابات أو قلاقل وكان وقتها قد بلغ الثامنة والأربعين من عمرة المبارك وكان الإكليروس وكان الشعب ينظرون إليه كأحد الشهداء المعترفين لما لاقاه من اضطهاد وظلم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وانتهز أثناسيوس هذه الفرصة فقام برسامة بعض الأساقفة وحرر رسالة دورية لجميع الكنائس المسيحية كما دون الكثير من الرسائل العقائدية القيمة. لذلك نستطيع أن نعتبر كل هذه المدة أي العشر سنوات كفترة عمل هيأها الله للعمل والبناء والتعليم والرعاية.
* وعاد الأريوسيون لمناصبة العداء مرة أخرى لأثناسيوس منتهزين فرصة قتل قسطنطوس قيصر روما (إمبراطور الغرب وصديق أثناسيوس) في انقلاب عسكري عند سفح أحد الجبال (كان خبر موته صدمة أليمة لأثناسيوس لدرجة أنه لم يحتمل الخبر عند حضور مبعوثي قسطنطيس فبكى) وإنفراد قسطنطيوس الأريوسي بالحكم فأوغروا صدر الإمبراطور ضد أثناسيوس وأخذوا يكيلون لأثناسيوس الاتهامات حتى كانت القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون عندما افتتح أثناسيوس كنيسة السيزاريوم يوم عيد القيامة بالصلاة فيها نظرًا لاتساعها للشعب الذي نما كثيرًا ولا تسعه كنيسة أخرى (كانت وقتئذ توجد تسعة كنائس أخرى) وذلك عوضًا عن الانتظار إلى أن يفتتحها الإمبراطور نفسه فجعلوا منها جريمة عيب في الذات الملكية فأمر الإمبراطور نتيجة لذلك بعقد مجمع من الأساقفة الأريوسيين في مدينة أرل وأصدروا حكمًا بنفي أثناسيوس وعقد مجمع أخر في مدينة ميلان حيث صادق على قرار النفي السابق.
* وذهب والى مصر سريانوس إلى البابا أثناسيوس يخبره بحكم النفي شفويًا. إلا أن أثناسيوس رفض هذا الأمر ما لم يكن هناك أمر رسمي من الإمبراطور كتابيًا وعندئذ اغتاظ الوالي جدًا وعاد بعد ثلاثة أسابيع على رأس خمسة ألاف جندي مسلحين حيث حاصروا كنيسة السيدة العذراء التي بناها البابا ثاؤناس وكان البابا يصلي صلاة الغروب مع شعبه وإذ بقائد هؤلاء الجنود يدفع الأبواب بقوة ويدخل جنوده ومعهم بعض المشاغبين إلى داخل الكنيسة.
ويصف لنا أثناسيوس ما حدث في هذه الواقعة فيقول:
* كنت جالسًا على الكرسي المرقسي، وأمرت الشماس أن يتلوا المزمور 136 وكان الشعب يجاوب قائلًا: "لأن إلى الأبد رحمته" ولما حان وقت الانصراف طرق الجنود جميع الأبواب طرقًا عنيفًا! واندفع العساكر في الكنيسة كالسيل الجارف وهرعوا قاصدين إياي. أما أنا فوقفت وأمرت الشعب بالفرار. ولكن بعضهم اعترض العساكر في طريقهم فذبحهم الجنود وداسوهم تحت أقدامهم عندما كانوا يرقدون نحو ردهة الكنيسة للقبض على الفارين!! ولما انصرف أكثر الشعب جاءا الرهبان مع الذين تخلفوا من القسوس وحملوني خارجًا!!
* وغادر الإسكندرية متوجهًا إلى البرية باختياره حيث بقى مع الآباء الرهبان ما يقرب من ستة سنوات تقابل فيها مع الأنبا أنطونيوس كوكب البرية وكم كانت سعادة البابا بوجوده مع الرهبان وعلى رأسهم الأنبا أنطونيوس الذي كانت بينهما صداقة قوية جد
* وهكذا استمر أثناسيوس في إدارة كنيسته من البرية ولم يتوان قط عن تشجيع شعبه بالرسائل لكي يثبت على الإيمان المستقيم. بالحقيقة كان أثناسيوس كما يلقبه البعض "بالبطريرك غير المرئي".
* استغل الأريوسيون فترة ابتعاد أثناسيوس وعينوا رجلًا كبادوكيًا يدعى جورجيوس بطريركًا بدلًا منه على الإسكندرية فرفضه الشعب الأرثوذكسي فأمعن جورجيوس في اضطهاد الشعب بكافة الطرق والوسائل وارتكب أفظع الجرائم كما سجن أثنى عشر أسقفًا لعدم خضوعهم له إلا أن الوثنيين الذين اضطهدهم جورجيوس قاموا بقتله واحرقوا جثته والقوها في البحر!!
* ولم يستمر الحال هكذا فمات الإمبراطور قسطنطيوس وتملك بدلًا منه يوليانوس الجاحد (كان مسيحيًا ولكن أنكرها منذ شبابه خفية وعاد إلى الوثنية) وكان يريد أن يجذب قلوب الشعب فطلب إرجاع أثناسيوس وهكذا عاد القديس أثناسيوس مرة أخرى إلى كرسيه بالإسكندرية.
* انتهز أثناسيوس فرصة عودته للإسكندرية وبدأ في إصلاح ما أفسده الأريوسيون وبذل أقصى جهد لاستتباب أمور الكنيسة ليس في مصر فقط بل خارج مصر أيضًا.
* وأول عمل قام به أثناسيوس هو إقامة مجمع في الإسكندرية سمى (بمجمع القديسين والمعترفين) لأن كلهم حضروا إما من نفى أو تعذيب!! وحضرا هذا المجمع 21 أسقفًا في صيف سنة 362 م. كما قام بتبشير الوثنيين وعمد عددًا كبيرًا منهم الأمر الذي كان سببًا في غضب الإمبراطور يوليانوس الجاحد لأنه كان يميل إلى الوثنية فطلب القبض على أثناسيوس وعندما سمع القديس بهذا ترك الإسكندرية راكبًا مركبًا إلى طيبة في الصعيد فتبعه والى الإسكندرية في مركب أخر ولما اقتربت من مركب البابا سأل أتباع الوالي عن مركب البابا فقال لهم أثناسيوس بشجاعة عجيبة نادرة "أنها كانت متجهة ناحية طيبة أسرعوا وراءه هو لا يزال أمامكم ليس ببعيد عنكم". فأسرع الوالي بمركبه في طريقه ولم يعثر على أثناسيوس لأنه كان قد اختفى في مكان أخر حتى وصل إلى طيبه وهناك استقبله بعض الرهبان الباخوميين.
* ولم تمض فترة طويلة حتى كان يوم 26 يونيو سنة 363 م. حيث أتم يوليانوس الجاحد حملته وأتجه نحو بلاد الفرس واجتاح جزءًا كبيرًا منها أمامه هادمًا القلاع والحصون واستولوا على مدن كثيرة وعندما دعاه كبرياؤه وصلفه أن يتقدم بجيشه تقدمًا راكبًا على حصانه بدون دروع وإذ بسهم يصيبه في ذراعه وينغرس في جنبه فأخذ ينزف حتى مات!! وقبل أن يموت مباشرة أخذ يوليانوس الجاحد حفنة من دمه وقذفها نحو السماء قائلًا قد غلبتني أيها الجليلي".
* وجلس من بعده "جوفيان" ونادوا به إمبراطورًا لروما فأطلق حربة الأديان وقرر إلغاء الأمر الصادر من يوليانوس الجاحد ضد أثناسيوس فعاد القديس إلى كرسيه بعد أن أرسل إليه الإمبراطور جوفيان خطابًا خاصًا مشجعًا إياه ويدعوه فيه للعودة إلى كرسيه وتدبير شئون الكنيسة.
* بعد ثمانية أشهر فقط من تعيين الإمبراطور جوفيان الطيب القلب الذي أحبه جميع ضباطه وكل الهيئات المدنية والسياسية بالإضافة إلى الكنيسة مات في يوم 17 فبراير سنة 364 م. وتنصب بدلًا منه فالنس الأريوسي إمبراطورًا على الشرق.
* ولم يكد يجلس أثناسيوس على كرسيه ليلتقط أنفاسه ويتراءى وسط شعبه الذي تعلق به وأحبه وذلك في الفترة من فبراير 364 م. إلى مايو 365 م. حتى وصل إلى الإسكندرية منشور من الإمبراطور الجديد فالنسي الأريوسي يأمر جميع الأساقفة الذين كانوا في النفي في حكم يوليان بأن يعودوا إلى منفاهم مهددًا إياهم بالغرامة الثقيلة.
* وبالفعل لم يقاوم أثناسيوس الذي تجاوز عمره 67 عامًا وانسحب تاركًا الإسكندرية والاختفاء في مقبرة أبيه في اليوم الخامس من أكتوبر سنة 365 م. ولمدة أربعة أشهر.
* ولكن الشعب لم يحتمل هذا الأمر فقام بثورة في الإسكندرية عظيمة جدًا لم تستطع قوات الإمبراطور إخمادها وأمام غليان الشعب وثورته أصدر الإمبراطور مرسومًا في أول فبراير سنة 366 م. بإرجاع أثناسيوس إلى كرسيه وبالفعل قام مندوب الإمبراطور بنفسه مع قوة خاصة إلى حيث كان أثناسيوس وأرجعوه بكل كرامة حتى كنيسة ديونيسيوس التي اتخذها أثناسيوس مقرًا له.
* أخذ السلام يعم أعوامًا قليلة استراح خلالها حامي الإيمان الأرثوذكسي من الصراع الدائم الذي دخله اضطرارًا طوال سني حياته.
* وهكذا وفي هدوء الملائكة قد طويت صحيفة حياته بعد أن جاوز من العمر 77 عامًا كانت فترة أسقفيته منها نحو 46 عامًا قضاها بطريركًا للإسكندرية وبحق لا نستطيع أن نقول أنها كانت للإسكندرية أو لمصر بل كانت للعالم المسيحي كله!!
* كفلته أمه وأرسلته إلى مدرسة مسيحية وهكذا مهدت السبيل لتحقيق الإرادة الإلهية في حياة ابنها العظيم الذي لم يلبث أن صار الحصن الشامخ المنيع للإيمان المسيحي.
* ولما بلغ أثناسيوس الخامسة عشر من عمره ساورت أمه المخاوف عليه إذ رأته منشغلا بالكتب أثناء الليل وأطراف النهار ففكرت في أن تزوجه لتشغله عن المطالعة والاستذكار غير أن محاولاتها جميعا ذهبت أدراج الرياح ولما كانت أم أثناسيوس سيدة حكيمة أخذت تفكر في نفسها قائلة "لو تماديت في محاولة إخضاعه لرغبتي لفقدت مودته ألا يحتمل أن يهرب مني إلى الصحراء أو قد ينطوي على نفسه فلا يبوح لي بما في سريرته فخير لي أن أسايره في ميوله لأحتفظ بمحبته وأستطيع أن أسانده وأشاركه أمانيه فأعاونه بذلك على إتمام دراسته". وما أن انتهت إلى هذا القرار حتى استصحبت أثناسيوس إلى الأنبا ألكسندروس وقدمته إليه ليكرس حياته في خدمه الله. ومن ذلك اليوم عاش أثناسيوس برفقه البابا العظيم يهيئ نفسه للجهاد الذي ينتظره.
1- إن مصر بمزاجها الروحاني حفظت التقليد الرسولي من جهة الإيمان بالمسيح منذ القرن الأول بصورة عملية وبإيمان حي ملتهب ومارس شعب مصر من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب جوهر الإيمان المسيحي بسر الفداء والخلاص بصورة تفوق كافة أرجاء العالم.
2- لقد كانت حياة وتراث الآباء والعلماء والشهداء (بالأخص استشهاد البابا بطرس خاتم الشهداء) هي الينبوع الذي استقى منه الشعب حتى الشبع ونما عليه وترعرع وجدانه الروحي والإيماني واللاهوتي، إن هذا الشعب هو أولاد الشهداء وتلامذة المعترفين وشركاء آلام المسيح عن جدارة, لقد رأوا بأعينهم أن آباءهم قبلوا التعذيب والموت معلنين اعترافهم بلاهوت المسيح المصلوب.
3- لذا كان هذا الشعب شبعان باللاهوت وأصبح حياته كلها تنصب فيه لذا استطاعوا أن يميزوا الإيمان الحقيقي ويدافعوا عنه.
4- كثيرًا ما كانوا يحفظون الإيمان في صورة ترانيم, وكثيرا ما كانوا يتجادلون مع الأريوسين في الشوارع والأماكن العامة ويفحمونهم بالآيات والشواهد والمنطق , لقد كانوا رائعين في حماية الإيمان في الجبهة الداخلية والتي ارتكز عليها أثناسيوس وأستطاع أن ينتصر في الجبهات الخارجية.
1- "إنه بأصوات الشعب كله وتشفعاته -وليس بالعنف وإراقة الدماء- بل في وقار رسولي وروحاني أقيم أثناسيوس على عرش مارمرقس" ق. اغريغوريوس النزينزي.
2- "انه قد اختير بأغلبيتنا العظمى في مرآي من جميع الشعب وباستحسانه ونحن الذين أقمناه نشهد بذلك" أساقفة الإسكندرية ومصر وطيبة والخمس مدن وليبيا.
1- أحداث ثورات: ومن أمثلة ذلك
* ثورة حين عاد أريوس للإسكندرية جعلت الإمبراطور يأخذه في الإسكندرية.
* ثورة على غريغوريوس الكبادوكي.
* ثورة على جورج الدخيل أدت إلى موته.
* ثورة عند النفي الخامس أرغمت الإمبراطور بعودة أثناسيوس 366 م.
2- إرسال احتجاجات وشكاوى للإمبراطور للضغط على الإمبراطور لإرجاع أثناسيوس وكان من مظاهر الضغط :
* أن الإمبراطور أرسل رسالة للشعب يوضح فيها موقفة من أثناسيوس في النفي الأول.
* أرسل الإمبراطور قسطنطيوس اثنين من أمناء سره بتكليف شفوي لإعلام السلطات المحلية بأمر نفيه وليس (مكتوبًا) خوفًا من الشعب.
1- في النفي الأول في سنة 336 فيما عاد أريوس وأتباعه إلى الإسكندرية انقلبت المدينة كلها لأن شعب الإسكندرية كان في أشد حالات السخط فلم يجعلوا أريوس يهدأ يومًا واحدًا وأغلقوا الكنائس في وجهه وصارت الإسكندرية في ثورة حقيقية مما أضطر الوالي أن يسحبه من المدينة.... بل أن ثورتهم هذه جعلت الإمبراطور قسطنطين يستدعى أريوس في الإسكندرية على عجل.
2- فرحة الشعب فور سماعه خبر موت أريوس.
1- فرض الأريوسيين "غريغوريوس الكبادوكي" بطريركًا للإسكندرية.
أ - قام الشعب بالاعتصام في الكنائس لمساندة أثناسيوس.
ب - كما رفضوا الصلاة معه...
ج- بل وفي الأعياد تركوا الكنائس خاوية له... وصلوا في الصحراء.
2- رفض جورج الدخيل بطريركًا للإسكندرية.... وانتهت بقتله.
1 - من غريغوريوس الكبادوكي البطريرك الدخيل.
أ - قام بذبح كثير من الشعب.
ب- وضرب بعضهم ضربًا مبرح.
ج - ألقى كثير منهم في السجن.
د - ونفى آخرين..
ه وجر النساء من شعورهن وألقاهن في السجن.
و - جلد في ساعة واحدة 34 عذراء وسيده ورجال من علية القوم.
2 - هجوم 5000 جندي على الكنيسة وارتكاب فظائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى وذلك على شعب أعزل يصلي.... (سنشرحها بالتفصيل).
1- في النفي الأول... بعد موت الملك قسطنطين الكبير عمل أولاده على إعادة أثناسيوس إلى الإسكندرية وكم كان يومًا رائعًا هذا الذي عاشته الكنيسة وهى تستقبل راعيها عائدًا إلى كرسيه بعد نفى دام ثلاث سنوات حتى إن القديس إغريغوريوس النزينزي شبهه بيوم دخول السيد المسيح مدينة أورشليم.
2- في رجوعه من النفي الثاني استقبله جموع غفيرة من الشعب وقد خرجوا لملاقاته في الطريق من فلسطين إلى الإسكندرية على بعد 100 ميل.
1- شهادة أنبا باخوميوس: إن معاناة المحن لا تضرنا بل تنفعنا جدًا إذا قبلناها بالشكر لأنها تكون لغسل الذنوب.
2- شهادة يوليوس أسقف روما: إيمانكم قد سبق وفاق كل ما يمكن أن أقوله لكم وبهذا الإيمان نلتم كل الرجاء المنتظر كثمرة لصلواتكم.
3- شهادة النقاد: المؤرخ الانجليزي جواتكن أكثر من نقد وافترى على أثناسيوس.... ومع ذلك يقول شهادة رائعة عن دور الشعب....."كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى وخطابًا وراء خطاب كتب أثناسيوس من منفاه الذي كان محوطًا بالكتمان والذي كان لا يرقى إلى معرفته أحد حيث كانت الأيدي المخلصة والأمينة تحمل رسائله هذه بصورة سرية إلى أبعد حدود البلاد "
* راجع الباب الثالث (أعمال الرهبنة) من القسم الثالث لترى الدور الرهباني في مساندة القديس أثناسيوس.
* على الرغم من المشاكل الكثيرة التي كانت تعوق القديس أثناسيوس في الكتابة إلا أنه كان ذو إنتاج وفير حيث مكث 16 سنة منفيًا ولكن حياته كان في جهاد متواصل مع الكنيسة ضد الأريوسية... وقد بدأ الكتابة في سن صغيرة (25 سنة) وظل ينتج حتى سن (78 سنة).. وقد ترك التراث الأتي:
م |
المؤلفات |
محتواها |
م |
المؤلفات |
محتواها |
1 |
الدفاعات |
7 |
التفاسير |
* إلى ماركيللنيوس.. * تفسير المزامير.. * شروحات تفسيرية للعهدين القديم والجديد. |
|
2 |
الرسائل |
* الرسائل الاحتفالية (الفصحية) * رسائل خريستولوجية.. |
|||
|
|
* رسائل عن الروح القدس إلى (سرابيون - أبكتيتون - أدولفون). * رسائل دورية بخصوص موضوعات كنسية.. * رسائل مجمعية (رسالة إلى الأنطاكيين، وإلى أساقفة أفريقيا). |
8 |
المقالات (العظات) |
* آلام الرب وصلبه.. * مقالة عن الآية " كل شيء دُفع إلىّ من أبى".. (لو 22:10) (مت 27:11) |
9 |
كتابات منسوبة للقديس أثناسيوس |
* نصوص تحمل اسمه في زمنه.. وأخرى في زمن لاحق له وذلك لكي يضمن كاتبيها شهرة ومعرفة أكثر لمحتوياتها فنسبت له.. |
|||
3 |
رسائل ضد الأريوسيين |
* 3 رسائل ضد الأريوسيين.. * حول ديونيسيوس الإسكندري * إلى أساقفة مصر وليبيا |
|
|
* بقايا من مخطوطات لأعمال له ضاعت نصوصها اليونانية وبقيت في نصوص قبطية وسريانية وأرمنية ولاتينية كثير منها تشير إلى أنه كتبها أثناء فترة النفي |
4 |
* حول نيقية (دفاع عن إيمان نيقية). * الدفاع الثاني ضد الأريوسيين. * حول مجمع أرمينو وسيلوكيا. |
10 |
التراث العربي |
* هو تراث مترجم إما عن القبطية أو عن اليونانية * في أواخر القرن 18 اهتمت الكنيسة القبطية بترجمة جميع كتابات أثناسيوس من اليونانية إلى العربية.. * إضافة بعض الكُتاب من شروحاته على كتبهم مثل (بولس البوشي). * مساهمة المعلم جرجس الجوهري بالمال في ترجمة أعماله.. |
|
5 |
دفاعات عن نفسه |
* دفاع إلى الملك كونستاتتيون * دفاع لأجل هروبه |
|||
6 |
النسكيات |
* حياة القديس أنطونيوس الكبير * إلى الرهبان * إلى أمون * نصوص قبطية عن البتولية ومتنوعات. |
بروفيسور بنايوتيس خريستوس
" أستاذ علم الآباء بجامعة تسالونيكي - اليونان"
مقالة في مجلة دورية (دراسات آبائية ولاهوتية)
للمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية السنة الثانية العدد الثالث يناير 1999
* وفي الواقع لا يمكن تبرير الانطباع العام بأن الصراع بين الأرثوذكسية والأريوسية في القرن الرابع والتعاليم اللاهوتية التي أنتجها، كان يدور فقط حول الاصطلاحات "من نفس الجوهر"، "من نفس جوهر مشابه"، "مشابه"، "غير مشابه". وهذا يتضح ليس فقط من عدم استقرار استخدام هذه التعبيرات بواسطة هؤلاء الذين صاغوها، بل أيضًا تحير القديس أثناسيوس بين التعبيرين الأولون منهما... فالقديس أثناسيوس، البطل الأول للأرثوذكسية ضد الأريوسية، ولكي لا يسبب ردود أفعال فإنه بالفعل أفضل أولًا تعبير "من جوهر مشابه" بدلًا من تعبير "من نفس الجوهر" الذي كان يتسبب في انضمام المسيحيين. لكن عندما أدرك أن أنصاف الأريوسيين أعطوا لتعبير "من جوهر مشابه"، معنى يخالف المعنى الذي قصده هو، اختار التعبير الآخر " من نفس الجوهر " والذي هو تعبير نيقاوي أصيل، وذلك لكي يصل في النهاية إلى الوضع الذي أكد منه أن هذين التعبيرين مناسبين التعبير عن العلاقة بين الأقانيم لذلك يهمنا فقط أن نفهمهما بطريقة صحيحة ونفسر معناهما بطريقة مستقيمة.
* وليس ما أشرنا إليه فقط أدلة أخرى كثيرة تظهر أن هذه التعبيرات والتي تدور حولها تساؤلات كثيرة، لم تحظى حينذاك بهذه الأهمية الكبيرة التي نعطيها نحن اليوم لها.
* وبالرغم أن هذا الاصطلاحات تعكس بالتأكيد بعض وجهات النظر اللاهوتية، وبالأكثر طالما أنها مثلت نقاط مناقشة في المجامع المسكونية التي وضعت قوانين الإيمان، إلا أنها في الواقع كانت بالأكثر "شعارات" في الصراع الدائر، كل كلمة منها تحوى معاني لاهوتية كثيرة كان من الممكن التعبير بها بطريقة كاملة عن التعاليم اللاهوتية الخاصة بعقيدة الثالوث لكل من الأطراف المتصارعة.
* وعلى وجه الخصوص، فإن القديس أثناسيوس لم يعط أهمية كبرى للألفاظ وهذا يتضح في كتابات كثيرة له نذكر منها ما جاء في رسالته الأولى إلى سرابيون عن الروح القدس: "أنه يكفى أن نعرف أن الروح ليس مخلوقًا". وليس هناك حاجة إلى أمور أكثر. إن هذا يوضح أين يوجد بالضبط أساس الخلاف اللاهوتي بين الأطراف المتصارعة: ماهية الروح، مخلوق أم غير مخلوق؟ ماهية الابن مخلوق أم غير مخلوق؟ وتتوقف على إجابة هذه الأسئلة كل باقي الموضوعات اللاهوتية والخلاصية.
* ومن ناحية أخرى نجد أن القديس أثناسيوس يبنى أساس تعاليمه اللاهوتية، بصفة عامة، على محارب اصطلاحات أريوس الآتية: "من العدم"، "كان وقت لم يكن فيه موجودًا، "طبيعة متغيرة"، "مخلوق"، "مصنوع"، وذلك لأن تلك الاصطلاحات لها علاقة واضحة بعملية الخلق...
* إن القطبين المتناقضين في الكون هما "غير الفاني"، "الفاني" وهما يقابلان طريقين للوجود "غير المخلوق"، "المخلوق". وهذا التمييز له علاقة مباشرة بقدرة الله العلاقة، والتي تربط غير المخلوق بالمخلوق. فإن إحضار كائنات مخلوقة إلى الوجود بواسطة القدرات الخلاقة للكائن غير المخلوق تمثل عنصر أساسي للنظرة المسيحية للأشياء فالمسيحيون يربطون الفكرة عن الله بفكرة الخالق.
* مع أن نفس الشيء لا يحدث بين الفلاسفة اليونانيين، ومن غير الممكن ألا تذكر هنا التفسير الخاطئ الذي يقال دائمًا في هذه النقطة. وإنه لموقف غريب لكثير من الباحثين الذين يظهرون المسيحية كعدو للهلينية، غير أنه لا مجال ف\هنا الآن لمناقشة هذه الأمر.
* على أي حال، فإن الإدعاء المُعتاد بأن رأي الفلسفة اليونانية في هذا الموضوع هو على العكس تمامًا من الرأي المسيحي هو إدعاء يستند على سطحية في البحث غير مبررة. لأن الفلاسفة اليونانيين كانوا يعرفون ليس فقط معنى مصطلح "غير الصائر" كما كان يعرفه أثناسيوس، بل وأيضًا مصطلح "خلق". فبالنسبة لكل النظام الفلسفي اليوناني القديم تقريبًا كان هناك فرق بين الواحد، الكائن غير المتغير، وبين الأشياء الأخرى، المتغيرة والوقتية.
* ورغم تأكيدهم على هذا الفرق وقناعتهم الثابتة به، إلا إن فكر الخالق لم تكن موجودة باستمرار في هذه النظم الفلسفية، وإن وجدت فإنها لا تظهر الخالق مؤديًا عمله ولا بنفس القوة، كما هو الحال في الفكر المسيحي.
* وسوف نقصر الكلام هنا عن أهم لأثتيت يمثلان الفكر اليوناني.
أولًا: أفلاطون يميز بين غير المخلوق والذي هو أزلي، وبين المخلوق والذي هو قابل للفداء. غير أنه يضيف بعد ذلك شيء.
ثالثًا: وهو "الخاص بالمكان" والذي ربما نستطيع أن نطابقه مع ما يسميه أرسطوطاليس بالمادة. فال "المكان" عند أفلاطون هو المادة التي لا شكل لها والتي يمارس فيها الله فعله.
* أما عند أرسطوطاليس فإن المادة تمثل الضرورة والفداء، وهى تمتد أحد معين ومن بعدها يوجد "عالم غير المتغير"، وهو القدرة، فالقدرة فقط هي الفاعل الأول هي الله والذي عن طريق قدرته الفائقة تجبل المادة مرة أخرى متخذة شكلًا ويخلق عالم الفانيات.
* وبالتالي فإن فكرة الخالق ترد عند كل من أفلاطون وأرسطوطاليس. لكن الخليقة عند الاثنين تظهر وكأنها خلقت من مادة موجودة.
* فالمادة بالتأكيد هي " تقريبًا العدم". فالمادة إذن ليس لها نوع ولا مقدار أو أي شيء آخر من الأشياء التي تحدد الوجود، القائم.
* فعند هؤلاء الفلاسفة، وحسب مسلماتهم، فإن الخليقة كان من الممكن أن تعتبر مخلوقة من العدم، لو كانت المادة هي العدم، أي لو كانت هي "غير الموجود".
* غير أن المادة -حسب اعتقادهم- ليست هي بالعنصر السلبي فقط، بل هي عنصر إيجابي أيضًا. لأن داخلها الميل نحو التشكل، نحو الإمكانية في حدوث شيء، المادة هي قدرة. وهنا بالضبط يمكن أن الفرق بين هذه الآراء الفلسفية والتعاليم المسيحية التي تنادى بأن الخليقة خلقت من العدم، أي من " لا شيء". فالخالق -حسب الفلسفة اليونانية- قد قام بعمل محدد بعناصر موجودة خارجة وفي هذا فإن الخليقة لا توصف كما توصف في المسيحية. ولقد كان من الطبيعي أن الفلاسفة اليونانيين في فكرتهم عن الله لا يصلون بالضرورة ولا مباشرة إلى الخالق.
* وكان مناسبًا لهم استخدام مصطلحات "غير الصائر" بدلًا من مصطلحات "غير المخلوق"، و"المخلوق".
* ومع هذا، وكما أتضح مما سبق فإن معاني المصطلحات "غير المخلوق"، "المخلوق" بكل خصائصها توجد ليس فقط في التعاليم اللاهوتية المسيحية بل أيضًا في الفلسفة اليونانية وهنا ما يهمنا في بحثنا الآن.
* وبسبب الأهمية الكبر لمعنى الخليقة في الفكر اللاهوتي المسيحي، فإن القديس أثناسيوس يفضل استخدام مصطلحات "خالق"، "باري" بدلًا من "غير الصائر" وذلك لأن الأخير يشمل معنى سلبيًا ولا يستطيع وصف القدرة الخلاقة لله. ومع هذا فإن القديس أثناسيوس لا يرفض هذا المصطلح "غير الصائر" بل وأحيانًا يستخدمه طالما أنه كان يمثل قدرة على شفاء الأريوسيين في محاولاتهم في التمييز بشدة بين الابن المخلوق والصائر والله غير الصائر". ويستخدم القديس أثناسيوس هذا المصطلح الأخير عادة بتحفظ وفي النادر بغير تحفظ. ومن الجيد أنه يوجه الانتباه إلى أن استخدام هذا المصطلح هو غير مناسب لبيان التميز بين الآب والابن طالما أن هذا المصطلح يدل فقط على التميز بين الخالق والخليقة".
* إن الاصطلاحات "صائر"، "غير صائر" تشير إلى وجود فجوة بين الله والعالم وعدم إمكانية إدراك الله.
* إن الله الذي يوجد بالأكثر في كل جوهر صائر، هو غير مدرك وذلك لأنه هو غير صائر من جهة، بينما الإنسان جاء من العدم وبالتالي فلا تكون هناك "أي شركة أو أي تشابه بين المخلوق والخالق".
* وحسب هذا التمييز فإن القديس أثناسيوس يصف الله مستخدمًا تعبيرات أفلاطون بأنه "غير متغير على كل وجه". بينما توصف المخلوقات على أنها "متغيرة " وذلك لأنها جاءت من العدم عن طريق التغير.
* وبسبب طريقة نشأة هذه المخلوقات فليست هناك وجه شبه حسب الجوهر بينها وبين الخالق. إنما لديها ميل طبيعي نحو الفناء، ميل للنقصان، فطالما أنها أتت من العدم فحتمًا تميل للعودة إلى العدم.
* والعودة هذه ستتم عن طريق الفناء، فالفناء هو نتيجة. هذه النتيجة يمكن التغلب عليها عن طريق إمداد الإنسان بالمشابهة الكبيرة مع الله وحتى إن احتفظ بها بدون تشوه يتمكن من التغلب على حالة الفساد الطبيعي ولأصبح في حالة عدم فساد (عدم فناء).
* لقد أعطى أريوس اهتمامًا زائدًا لموضوع الخلق واضعًا أمامه مدافعي القرن الثاني الميلادي كنماذج له، والمنارخيون المتشددون وبالأكثر أوريجينوس. فليس من السهل تحديد أي مدى استطاع المدافعون عن يميزوا بين مراتب الكيان الإلهي والكشف الإلهي، لكن من المؤكد على أي حال أنهم ربطوا الله (الكلمة) بعمل الخلق بطريقة لا يمكن فصلها.
* فلقد ربط كل من أريوس وأوريجينوس وبطريقة حاسمة ميلاد الابن بصيرورة العالم وإن لم يبنوا على هذا الأساس مفهومهم عن كل من ميلاد الابن، وصيرورة العالم.
* فأوريجينوس وهو يتبع الخط اللاهوتي المسيحي لم يستطع أن يفكر في الله بدون أن ينتقل حالًا إلى فكرة الخلق. ولكنه أخطأ عندما أراد أن يحدد الأمور تحديدًا دقيقًا حينما ركز بشدة على تطابق فكرة الله مع كونه الخالق، وذلك لمواجهة الآراء الغنوسية التي نادت بالفصل التام بين الفكرتين. وبناء على مبدأ أن الخالق لابد وأن يكون هو الله، استنتج أن الله لابد وأن يكون خالقًا. غير أن هذا الاعتقاد قاد إلى أن الله لابد وأن يكون خاضعًا لضرورة ما، بمعنى أن الله كان دائمًا خالق وأن الخليقة هي نتاج أزلي له وانعكاس طبيعي له بشكل ما. لكن إن كانت الخليقة أزلية - وطبيعي أن الكلمة أيضًا أزلي - إذن فكيان الكلمة يرتبط بالخليقة. ولأن أوريجينوس كان يدرك بالتأكيد الخطر المحدق باللاهوت المسيحي من جراء التعليم بأن العالم هو أزلي مثل الله، فقد نسب أزلية العالم ليس إلى طبيعة الله بل إلى إرادته. غير أن أوريجينوس في هذا الشأن، وفي عثرة ثانية له وبسبب العلاقة النظامية القوية (لله) الكلمة بالعالم حسب ما علم، فقد اعتبر أن الكلمة هو أيضًا مولود من الآب حسب الإرادة. ورفض بذلك الرأي بأن الكلمة مولود من الآب حسب الطبيعة وكأنه انسلق وراء تعاليم الغنوسيين عن الله، بدون أن يعلم أنه في تعليمه هذا يجرد الابن من ألوهيته. حيث أن ولادة الابن من الآب بحسب الإرادة لا تعنى أنه من نفس جوهره لكن فقط حسب النعمة..
* إن فكرة أريوس، التي لا تهتم إلا بإيضاح قدرات الله الخلاقة لها أساس من "التعاليم عن العالم" (كوزمولوجيا) وبدلًا من أن يرفع الخليقة إلى الأزلية كما فعل أوريجينوس، أنزل الكلمة إلى دائرة الزمن. فحقيقة أنه قد وضع وجود الكلمة "قبل الأزمنة وقبل الدهور"، انتفت باستخدامه كل تلك التعبيرات والتي أدت إلى وصف الابن على أنه مخلوق. وبالتالي فإن العبارة "قبل الأزمنة وقبل الدهور" هي مجرد تعبير طالما أن الابن في صيرورته وخلقته حدث فيه مثل هذه الصيرورة. وهذه الصيرورة يمكن أن تفهم داخل حدود الزمن فقط والفرق الوحيد في هذه الحالة هو أن خلق (الكلمة) حدث فقط قبل صيرورة باقي الكائنات الأخرى ومن أجل خلقة باقي الكائنات بصفته وسيط ضروري للخلق.
* وهكذا فحسب اعتقاد أريوس، فإن عدم المخلوقية الفريدة قد حُفظت بالنسبة لله الآب فقط. فالله الآب وحده هو غير المخلوق، غير المبتدئ الأزلي. وبهذا وضع أريوس خطًا فاصلًا لا بين الله والمخلوقات، بل بين الله وبين كلمته مع باقي المخلوقات فالكلمة كمخلوق لا يشابه الآب، فهو متحول ومتغير بالرغم من أن ألوهيته أصيلة والفرق بين خط التفكير الأريوسي هذا والخط الأرثوذكسي يكمن في أن هذا الخط الأخير يرسم لنا صورة أعمق وأشمل عن الله فالله هو بالتأكيد خالق، لكنه ليس فقط هذا، لأنه كائن خارج طاقاته الخلاقة هذه، فالشيء الآخر الذي يكون في كيان الله هو الطبيعة، فالله بحسب الخط الأرثوذكسي، هو طبيعة وإرادة في نفس الوقت. والأولى تفوق الثانية "إن في الله شيء أعلى من مشيئته، فهو معًا كيان وإرادة وعندما نستخدم الاصطلاحات اللاهوتية اللاحقة فهو جوهر وطاقة، ونحن هنا بصدد تمييز أساسي وليس اسمي في كيان الله. هذا التميز لم يستطع أن يدركه لا الفلاسفة اليونانيين ولا المدافعين ولا أوريجينوس ولا أريوس.
* ويقابل هذين النوعين من الكيان الإلهي: الجوهر، والإرادة، تميز مماثل، ففي الجوهر هناك تمايز في الكيان أو بعبارة أكثر دقة، تمايز الأقانيم الثلاثة التي لها نفس الجوهر الإله من الداخل، ومن ناحية أخرى يوجد في الإرادة تمايز في العلاقات الخلاقة أي التي تتكشف لنا من الخارج (أي خارج الجوهر الإلهي).
* فما يناسب الجوهر الإلهي من الداخل هو الولادة، وما يناسب الجوهر الإلهي من الخارج هو الخلق.
* ومن ثم فإن الله هو في نفس الوقت أب وخالق. فينما الآب هو أب طبيعيًا أي يُحسب الضرورة الطبيعية، فإنه خالق حسب الإرادة الحرة. وبالتالي كان من الممكن ألا يكون خالقًا وبالتالي كان يكمن أن العالم المخلوق لا يوجد بالمرة.
* فالخط الفاصل في المسيحية، وفي اللاهوت الأرثوذكسي هو بين الله والمخلوقات، هو بين غير المخلوق والمخلوق.
فإن أصل كلمة لوغوس هو أمر خاص بالطبيعة أو الجوهر.
* لقد "اتخذ الله قرارًا" بشأن المخلوقات التي كانت في وقت ما غير موجود حيث إنها هي نتاج لإرادته، أما كلمته المولود طبيعيًا من ذاته فلم يجرى بشأنه طبعًا أي تفكير مسبق. فوجود الكلمة لا يرتبط بالخليقة بشكل مباشر فإن كان الكلمة خالقًا كما هو في الحقيقة فهذا لا يرجع إلى أنه اُستخدم كأداة ضرورية للخلق، بل لأن الكلمة هو الصورة غير المتغيرة لله. ومن ناحية أخرى فإن الله لا يحتاج إلى وسيط أو كما يقول أثناسيوس "لأن كلمة الله لم يصر من اجلنا بل بالحري نحن قد صرنا من أجله وبه خُلقت كل الأشياء. وليس بسبب ضعفنا نحن كان هو قويًا وصائرًا من الآب وحده. لكي يخلقنا بواسطته كأداة! حاشا! فالأمر ليس كذلك. لأنه حتى لو لم يستحسن الله أن يخلق المخلوقات. فالكلمة مع ذلك كان عند الله وكان الآب فيه وفي نفس الوقت كان من المستحيل أن تكون المخلوقات بغير الكلمة لأنها قد صارت به.
* فالكلمة إذن، وهو قد أتى (من الآب) بهذه الطريقة فمن المستحيل أن يتطابق مع الخليقة بل تفصله عن الخليقة نفس الهوة التي تفصل بين الآب والخليقة. فالكلمة مع أنه حاضر في الخليقة إلا أن ذلك بحسب طاقاته فقط، وهو يحفظ الخليقة بقدرته هذه حتى لا تعود إلى العدم. أما بحسب جوهره فهو خارج الخليقة ويرتفع عنها.
* فالكلمة المولود من الآب، وغير المخلوق، يتمتع بكل الخصائص الطبيعية لغير المبتدئ، لغير المتغير، لغير المائت، لغير الفاني. أنه أيضًا من نفس الجوهر الواحد معه. وبالتالي فليس من الممكن أن يوجد أكثر من جوهر واحد غير مخلوق، بمعنى أنه لا يمكن أن توجد جواهر عديدة غير مخلوقة. فالجوهر غير المخلوق هو واحد.
* وبحسب إحدى البديهيات الأساسية للفلسفة اليونانية، فالتعدد في الكيان (الجوهر) يعنى الارتباط بالزمن كما يعنى التغير، بينما الوحدانية تعنى الأزلية وعدم التغير (والثبات). فكون أن الروح القدس هو فريد فهو لا يحسب ضمن قائمة الموجودات المتشابهة. فعدم وجود أرواح كثيرة مقدسة، يدل على أنه (الروح القدس) غير مخلوق وبالتالي فهو من نفس جوهر الآب، كما أن الابن هو أيضًا بالطبع كذلك.
* لقد حول القديس أثناسيوس بتعاليمه عن غير المخلوق (غير الصائر)، والمخلوق (الصائر) كل الخط اللاهوتي المسيحي في القرن الرابع من الحديث عن صيرورة الابن إلى الحديث عن ولادة الابن، ونفس هذا يسرى بالنسبة للروح القدس فطالما أن الخليقة هي خارجة بالنسبة لله ذاته لذلك تستخدم اصطلاحات غير المولود والمولود لوصف العلاقة الثالوثية أي تستخدم الآن نفس الكلمات السابقة مع كتابتها بحرفين (v) بدلًا من (v) واحدة، وبالطبع تختلف في المعنى. وتجدر الإشارة حول أن هاتين الكلمتين "مولود"، "غير مولود". نسج القائلين بعدم المشابهة كل نظرياتهم، فلقد تبنوا هذين الاصطلاحين لكي يخرجوا من المأزق، وذلك بتفسيرهما بطريقة محرفة. فحسب وجهة نظرهم توجد بين هذين المصطلحين هوة كبيرة بسبب حرف الـ(A) الذي يعنى (غير) وبالتالي فهاتين الكلمتين تصفان شخصين ينتميان لعالمين مختلفين تمامًا. الأول ينتمي إلى العالم الأزلي غير المتغير، طالما أن وجوده لم يتطلب ميلادًا ولا تغيرًا، والثاني ينتمي إلى العالم الزمني والمتغير. فطالما أن وجوده تطلب عملية الولادة، يقول أفنوميوس: "إن كان غير مولود فهو ليس ابنًا، وإن كان ابنًا فهو ليس غير مولود".
* فحسب تعاليم أفنوميوس، فإن كان الكلمة غير مولود فلا يمكن أن يكون ابنًا، وإن كان ابنًا فلا يمكن أن يكون غير مولود، وطالما أنه ابن فهو إذن بالضرورة مولود وبالتالي فأنه متحول ومتغير.
* ومن الممكن القول أن المنادين بعدم التشابه يعودون إلى التعاليم الأساسية لأريوس مستخدمين اصطلاحات مختلفة. أي أنهم يستخدمون مصطلح "غير المولود"، بمعنى "غير الصائر" و"غير المخلوق"، ومصطلح "مولود" بمعنى "صائر" و"مخلوق". وبالتالي فإن تغيير المنادين بعدم التشابه للتعبيرات -الأمر الذي فرضته عليهم أسانيد القديس أثناسيوس ضد أن الابن مخلوق- لم يغير في الواقع شيئًا من أفكار الأريوسيين.
* لم يحدث نفس الأمر بالنسبة للأريوسيين المعتدلين الذين أظهروا تعاطفًا شديدًا ليس فقط لهذه الاصطلاحات الجديدة بل أيضًا لمعانيها الدقيقة.
* فقد شدد المجمع المنعقد في أنكيرا سنة 358 م. برئاسة أسقف أنكيرا باسيليوس وبكل وضوح على التمييز بين "غير الصائر"، باعتباره "غير مخلوق" لكنه "خالق"، وبين "غير المولود"، باعتباره "غير مولود"، لكنه "والد".
* "فالخالق والخليقة شيء، والآب والابن شيء آخر". ونجد في هذا التعبير كيفية الوجود الإلهي: حسب الإرادة والتي بها يخلق ولهذا فهو خالق، وحسب الجوهر والتي بها يلد الآب الابن حسب الطبيعة ولهذا فهو آب...
* وهكذا بالنسبة لهم فالتغيير في المصطلحات يتطابق مع خط أثناسيوس اللاهوتي:
* غير أن هذا التطابق لم يشمل إلا نصف الأمر، فلو كانوا أنصاف الأريوسيين قد كفوا عن استخدام معنى ومصطلح "مخلوق" بالنسبة للابن، إلا أنهم لم يكفوا عن استخدامه بالنسبة للروح معتبرين إياه بأنه غير مساو في الجوهر. وأنه "مخلوق ملائكي". فقد كانت تعاليمهم عن أقنوم الروح مثل تعاليم الأريوسيين المتشددين عن أقنوم الابن.
ولقد تسمك القديس أثناسيوس بخط واحد بالنسبة للأقانيم الثلاثة، ولذا واجه بحدة تلك التعاليم السابق ذكرها عن الروح القدس. فلم يكن ممكنًا له أن يقبل وبأي شكل أو حتى مجرد الإشارة إلى أن الروح (القدس) مخلوق، بل إنه أصر على أن الروح منبثق من جوهر الله.
* وطالما أنه -مثله مثل الابن- يصدر من الجوهر الإلهي فالروح القدس إذن غير مخلوق. ورغم أن أثناسيوس لم يستخدم الكلمات "مولود" أو "ولادة" بالنسبة للروح القدس إلا أنه ينسب إليه معنى الولادة. كما أنه هو أمر حقيقي أن القديس أثناسيوس لم يلقب صراحة أو بشكل مباشر الروح القدس بأنه واحد مع الآب في الجوهر أو أنه هو الله. غير إننا هنا بصدد تحفظ، سببه رغبة القديس أثناسيوس في تجنب أسباب صراعات لاهوتية أخرى جديدة وسعيه لإيجاد طرق تقارب بينه وبين الأريوسيين المعتدلين...
* لكن على كل حال فإن ما علم به أثناسيوس عن الروح القدس يشكل كل أبعاد الدفاع عن ألوهيته. فإن كان هو (الروح القدس) فريد في كيانه ومتحد بالآب فإنه بغير شك هو إله. وإن كان هو غير مخلوق فهو بالحقيقة الله. فالقول بأن الروح غير مخلوق يُجمل كل ما نريد أن نقوله عنه، لأن كل ما هو غير مخلوق هو حتمًا الله.
* وبالعكس فإن كل كائن أو كل ما يدعى "إلهًا" ليس بالضرورة غير مخلوق لأن الكلمة "إله" تستخدم أيضًا للدلالة على الشركة في الألوهة. وكانت تستخدم حينذاك للدلالة على الآلهة الكاذبة أو على الآلهة التي صنعها البشر وبالتالي فمن الأكرم أن ندعو الروح القدس بأنه غير مخلوق من أن ندعوه إلهًا.
* إن براهين أثناسيوس هذه ترتبط من ناحية بتعاليمه عن الثالوث، ومن ناحية أخرى بالخبرة الروحية للمسيحيين...
* فمنذ نشأة المسيحية وهى تعتمد على الإيمان بالأقانيم الإلهية الثلاثة، ويمكن القول بأن الثالوث كان هو رؤية المسيحية الأكيدة على الله. فلا توجد مسيحية بالمرة بدون الإيمان بالثالوث.
* فنلاحظ أنه منذ ذلك الحين جرت محاولات لفهم أقانيم الثالوث، لكن في القرن الرابع عندما هُزمت بالكلية تعاليم سابيليوس والمونارخيا التي ألغت وجود الأقانيم الثلاثة نجد أن اللاهوتيين المسيحيين بصفة عامة قد كتبوا بوضوح عن عقيدة الثالوث وقد تمثل بهم في عملهم هذا معاصروهم من الأفلاطونيين الجدد.
* وحينما يعتمد التعليم عن الثالوث على التعليم عن المسيح الذي يركز على خضوع الابن للآب والذي هو أساس التعاليم الأريوسية. فإن فكرة الخضوع هذه تشوه التعليم الصحيح لأن الثالوث، غير أن أثناسيوس، وبالرغم من إنه لم يهجر استخدام هذا المصطلح بل نجده يستخدمه بكثرة في كتاباته وخصوصًا في كتاباته الدفاعية عن مجمع نيقية، فأنه استبعد فكرة خضوع الكلمة للآب وبالتالي كان تعليمه عن الثالوث هو تعليمًا مستقيمًا وهو يرفض تطابق الأقانيم الإلهية الثلاثة لكنه يقبل تطابق جوهر أو طبيعة هذه الأقانيم. فكل أقنوم بكونه غير مخلوق، يملك الطبيعة الإلهية بكاملها. أو الجوهر الإلهي كاملًا ولهذا فهو الله.
* ومن الناحية الأخرى فإن أثناسيوس يرفض أيضًا انفصال الأقانيم. فالثالوث ليس غير متماثل وليس هو من طبائع مختلفة بل هو طبيعة واحدة. فالثالوث يتكون من أقانيم غير مخلوقة ومتماثلة في الطبيعة والجوهر. وليس من الممكن فصل الأقانيم عن بعضها، ولا يمكن أن نقبل ألوهية الآب وفي نفس الوقت نعتبر أن الابن والروح هما من المخلوقات ولا أن نقبل ألوهية الآب والابن ونعتبر أن الروح القدس من المخلوقات. فلا يمكن أن يختلط بجوهر الثالوث أي شيء آخر غريب أو خارجي.
* فلو كان الكلمة والروح من المخلوقات لكانا خاضعين للزمن وبالتالي فتكون لهما بداية ولو لم يكونا أزليين لصار الثالوث معتمدًا على الزمن ولكان الثالوث هو ثالوث تدبيري فقط فالتدبير الإلهي هو ثمرة للثالوث. فالخلاص وتجديد الخليقة بصفة العامة وكل شخص على حده، هو نتيجة للعمل المشترك للثالوث، ولكنه أيضًا هو عمل كل من الأقانيم الثلاثة على حده.
* فلو لم يكن الكلمة هو الله فكيف كان يمكن للإنسان أن يتأله لو افترضنا أن الطبيعة البشرية -في التجسد- ارتبطت بشيء مخلوق وليس بالله؟ ولو كان ذلك إلى أتخذ جسدًا بشريًا ليس هو ابن بالطبيعة، فكيف يمكن أن يقترب الإنسان من الآب؟ ولو كان الروح القدس مخلوقًا وليس هو الله فكيف يمكن لنا أن نصير من خلال الشركة معه شركاء الطبيعة الإلهية؟
* فالمعمودية التي تتم ليس باسم الآب فقط بل أيضًا باسم الابن والروح القدس، لن تكون لها أية قيمة إن كانت تتم باسم المخلوقات، فالعبد لا يمكن أن يُخلص العبيد نظرائه. فتقديم الكرامة والاحترام إلى المخلوقات يمثل عبادة لها، عبادة أوثان حقيقية.
* فيمكننا أن نرى أن هذه النتائج العملية للتعاليم الأريوسية من جهة التدبير الإلهي وخلاص الإنسان، هي التي دفعت القديس أثناسيوس أكثر من أي دافع آخر أن يواجه الأريوسية بأسلوب حاد أتخذ شكلًا هجوميًا في أحيان كثيرة وذلك بسبب حرصه الشديد وغيرته على بنيان كنيسة الله وخلاص المؤمنين.
* إن ولادة الله لا يجب أن تقارن بطبيعة البشر، وكذلك لا يجب اعتبار ابن الله جزء من الله، أو اعتبار أن الولادة تعنى أي ألم شهوة على الإطلاق... فإن البشر يلدون بالشهوة، حيث إن لهم طبيعة متغيرة، وهم ينتظرون إلى الوقت (الولادة) نظرا لضعف طبيعتهم ذاتها، ولكن لا يمكن أن نقول هذا الكلام بالنسبة لله. لأن الله غير مركب من أجزاء. بل بسبب كونه بلا هوى أو شهوة، كما أنه بسيط غير مركب لذلك فهو آب الابن دون حدوث تغيير فيه ودون انفصال... لأن كلمة الله هو ابنه والابن هو كلمة الآب وحكمته، فإن الكلمة والحكمة ليس مخلوقًا، وليس هو جزء من ذلك الذي له كلمته (أي الآب)، ولا هو مولود بالألم والشهوة. فكلا (اللقبان) وحدهما الكتاب وأعطاهما لقب "ابن" بصورة مؤكدة.
* القديس أثناسيوس الرسولي: (ضد الأريوسيين 1، 28:8).
* أثناسيوس هو حامى الإيمان ومعلم المسكونة وثالث عشر الرسل وقاضى المسكونة لقبوه بالرسولي...... وقالوا عنه أنه لسان الكنيسة. وقد تكلم عنه هؤلاء بصورة رائعة.
* لقد اثبت أثناسيوس إن الإنسان ليس بالمكان وأن المكان لا يحد الشخص مادامت روحه أكبر من المكان فإن مبدأ يقوله شخص أو عقيدة قوية ينشرها قد تنتقل إلى كل مكان ولا يحدها، مكان الذي يعيش فيه وهكذا كان القديس أثناسيوس في كل مكان وأصبح كتابه المشهور "ضد الأريوسيين" يمثل الردود التي يستخدمها المسيحيون في العالم أجمع ضد شكوك أريوس.
* "لم يمت شهيدًا... ولكن عاش في كل يوم شهيدًا للمسيح": لو كان أثناسيوس من حديد لذاب ولو من حجر لتفتت ولكن لم يذب ولم يتفتت بل ظل صامدًا كالجبل الأشم، إنها العناية الإلهية التي جعلته كذلك.
* "أن من يمدح أثناسيوس يمدح الفضيلة نفسه"
* "الصخرة التي لم تقو عليها أبواب الجحيم"
* "شخصية أثناسيوس حجبت شخصية قسطنطين"
* "عين العالم المقدسة"
* "الحبر المنقطع النظير"
* "الصوت العالي للحق"
* "عامود الإيمان"
* "رسول المسيح الجديد"
* "كان في أعماله متساميًا وفي عقله وتفكيره متواضع"
* قال عنه "بطل كنيسة الله"
* "العالم أجمع احترم قداسته ونقاوة تعليمه وأنه ملأ الأرجاء بعبير مؤلفاته".
* "أسقف الأساقفة"
* " إذا قابلت جملة لأثناسيوس ولم يكن لديك ورقة فاكتبها على ثوبك".
* "أثناسيوس هو حجر الزاوية في كنيسة الله".
* (مؤرخ كنسي)
* "إن فصاحة أثناسيوس في المجمع النيقاوي قد جرت عليه كل البلايا التي صادفته في حياته".
* "جاء على العالم لحظة اعتقد فيها أنه سيصبح يومًا يجد نفسه فيه أريوسيًا.
* "أثناسيوس هو المركز الذي كانت تدور حوله الكنيسة واللاهوت في العصر النيقاوي".
* "لقد تحمل أثناسيوس الاضطهاد ولكن لم يضطهد أحد قط".
* "أثناسيوس صار وحده ضد العالم عندما صار العالم كله ضده".
* "أثناسيوس هو المنبر الأعظم".
* "أن هذا الرجل عظيم قد طبع على الكنيسة طابعًا لا يمحوه الدهر".
* " مؤرخ انجليكاني"
* أن الصفات التي أذهلت كل معاصريه بشده كانت حضور مواهبه وسرعة تحولها.
* أثناسيوس يحسب أكبر لاهوتي زمانه وأيضًا لكل العصور والأجيال ولهذا حاز على لقب الكبير من كل العالم وعلى المدى.
* لقد أبلى أثناسيوس على صغر مرتبته الكهنوتية بلاءًا حسنًا في مجمع نيقية وناضل عن الأرثوذكسية بحدة وشدة ونور يقين أوغرت صدور حساده... كما توجته بإعجاب كل سامعيه المرتدين منهم والمبغضين على السواء.
* نحن نصور أثناسيوس كما نتصور النجم في السماء.
* (لاهوتي كاثوليكي) "أن الإنسان عندما يقرأ حياة أثناسيوس يتمنى لو لم يمت".
* "لقد اظهر أثناسيوس من التفوق في الشخصية والمقدرة وسعة الحيلة وحسن التدبير ما يبرهن به على أنه كان أحق من أبناء قسطنطين نفسه في تولى أعباء تلك الدولة العظمى والقيام بإدارة دفة أحكامها خير قيام".
* "أسم أثناسيوس الخالد لا يمكن أن ينفصل أبدًا عن عقيدة الثالوث التي كرس لها حياته وكل قدراته العقلية وكل كيانه.
* "كان أثناسيوس يحكم مصر كلها من المنفى".
* "أثناسيوس صاحب القلب الملكي المدثر بوشاح بولس المبارك".
_____
(*) المراجع:
1- الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة (ج1، ج2) الأسقف إيسوذورس.
2- تاريخ البطاركة ساويرس بن المقفع (1-4).
3- المجامع الكنسية الأنبا يوأنس.
4- تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا.
5- عصر المجامع القمص كيرلس الأنطوني.
6- تاريخ بابوات كرسي الإسكندرية كامل صالح نخلة.
7- مار مرقس مدرسة الإسكندرية أمير نصر.
8- الكنيسة تواجه الوثنية أمير نصر.
9- الكنيسة تواجه الهراطقة أمير نصر.
10- بطاركة عظماء (جزءان) د. جميل فخري.
11- دراسات آبائية ولاهوتية يناير 1999 م. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/acanacioc.html
تقصير الرابط:
tak.la/5tsnc25