St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   apostolic
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

المدخل في علم الباترولوجي -1- بدء الأدب المسيحي الآبائي: كتاب الآباء الرسوليون - القمص تادرس يعقوب ملطي

11- المفاهيم اللاهوتيّة والروحيّة عند القديس أغناطيوس المتوشح بالله

 

محتويات

يرى جولز ليبيرتون Jules Lebreton أنّه من بين كل شهود الكنيسة المسيحيّة في بدء القرن الثاني من أسقف وشهيد ليس من يحمل شهرة مثل القديس أغناطيوس الأنطاكي، ولا من شهد لمسيحه مثله [126]. ومع هذا فإن سرّ شهرته هي اللحظات الأخيرة من القبض عليه واستشهاده؛ فقصّة استشهاده هي سيرة حياتهم التي تبدأ وتنتهي مع وقائع نياحته. استشهاده أعطى لحياتهم حيويّة خاصة، وأبرزه ككاتب ولاهوتي [127].

لا نعرف للقدّيس أعمالًا ثقافيّة سوى رسائله التي كتبها بسرعة في طريقه للاستشهاد وهو تحت حراسة مشدّدة. لم يكتبها بعد إعداد طويل، بل في عجلة شديدة كأسير يترقب موته سريعًا. لهذا لا نتوقّع فيها رسائل لاهوتيّة تشرح العقيدة المسيحيّة، ولا تنظيميّة تصف النظام الكنسي، إنّما نجد فيها شهادة مخلّصة حيّة وملتهبة نحو الإيمان والحياة المسيحيّة إذ كان يستعد بفرح لاحتمال العذابات بل والموت من أجل مسيحه، مشتاقًا أن ينعم الكل معه بأكاليل المجد، كاشفًا عن حبه للكنيسة وخلاص كل نفس.

بالرغم من هذه الظروف قدّمت لنا رسائل القدّيس أغناطيوس مفاهيم إيمانيّة حيّة تمس العقيدة المسيحيّة، خاصة في التجسّد الإلهي وعمل المسيح الخلاصي والافخارستيا والكنيسة والوحدة، تكشف عن نظرة الكنيسة الأولى وعقيدتها، ممّا يجعل دراسة هذه الرسائل شيقة ونافعة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اتسمت مفاهيمه اللاهوتيّة بالآتي:

1. إذ جمع القدّيس أغناطيوس في شخصه البساطة الشديدة بلا تكلف مع الصراحة وعدم حبه للدعاية والمظاهر وأيضًا الصلابة في التمسّك بالإيمان المستقيم، كتب لا كدارس باحث، وإنّما كراعٍ يقظ وأب محب مترفق، يهتم بإبراز الحق في استقامة، وحفظ أولاده من البدع، خاصة المعاصرة له مثل (الخياليّين) أو الدوسيتيّين Docetists [128] الذين حملوا اتجاهًا نحو إنكار التجسّد والصلب بكون الجسد "خيالًا". كتب ليشعل قلوب أولاده بنار الحب الإلهي، ويبعث فيهم الانشغال بالحضرة الإلهيّة، والتمتّع بالكنيسة الجامعة (الكاثوليكيّة) كحياة معاشة واتّحاد مع المسيح.

2. العقيدة -كما تظهر من رسائله- ليست فكرًا فلسفيًا، وإنّما هي حياة معاشة، يختبرها المؤمن دون فصل بين الإيمان بالله (اللاهوت) وعمله الخلاصي وممارسة الحياة الكنسيّة على صعيد الروح خلال الواقع العملي مع انشغاله بخلاص أخوته.

يتحدّث كشاهد حقيقي للسيد المسيح الساكن فيه، وكمختبر للحياة الكنسيّة السرائريّة والعمليّة، يعيش حول المذبح داخل الهيكل، ويمارس الحب والوحدة، كما يكشف عن أبوته العاملة لخلاص كل نفس.

3. يركّز على الوحدة المسيحيّة في كل رسائله، فيحسب نفسه مكرّسا لهذا العمل: [لقد قمتُ بما في وسعي القيام به كإنسان يعيش من أجل الوحدة [129].]

4. خلافًا للقدّيس إكليمنضس الروماني، لا يقتبس من العهد القديم، وإنّما لأنّه تلقى تربية مستقلّة عن مجمع اليهود، بكونه نبتة جديدة ظهرت في أرض وثنيّة من زرع مسيحي تقي [130].

5. كشفت لنا هذه الرسائل عن روح آبائنا من جهة حبهم الملتهب نحو الله، وشوقهم لتمتّع الكل بالروح الكنسيّة الإنجيليّة، ورغبتهم الصادقّة نحو الاستشهاد مع حزمهم الشديد ضدّ الهرطقات ومقاومتهم لها ولأصحاب البدع والمنشقّين عن الكنيسة، وفتحهم باب التوبة على مصراعيه أمام الراغبين منهم في العودة إلى أحضان الكنيسة.

عم حزم القدّيس بخصوص الهرطقات نراه الإنسان الرقيق الوديع والمتضّع، لا يكف عن أن يطلب من الشعوب المقدّسة أن تصلي عنه وعن شعبه، وحينما يتحدّث عن نفسه يرى أنّه أقل إنسان في شعبه!

6. جاءت هذه الرسائل بعد حوالي 15 عامًا من رسالة القدّيس إكليمنضس الروماني، فنجد بينهما بعض التشابه حيث يشترك الكاتبان في رغبتهما من جهة الكنيسة أن تعيش بنظام وترتيب في سلام وخضوع للرئاسات، مع شوق حار نحو الوحدة؛ لكنّه يوجد أيضًا اختلاف واضح بين الأسقفين، فالقدّيس إكليمنضس لا يقف عند النصح بل بسلطان يقدّم مشورةً يلزم إتباعها، أمّا القدّيس أغناطيوس فأخذ اتجاهًا آخر، فمع كونه أسقفًا وما كان له من تقدير خاص لمعترف في طريقه للاستشهاد لم ينته أسلوب السلطة بل المشورة والنصح الأخوي أو الأبوي [131]. ففي رسالته إلى أهل تراليا كتب: [في حبي لكم أكف عن تقديم ملاحظات قاسية أقدّمها لكم بخصوص أسقفكم، لستُ آمركم كرّسولٍ، وإنّما فقط كشخصٍ ينصحكم] [132].

7. كتابته الرسائل وعيناه تتطلّعان لا إلى روما حيث تنتهي حياتهم الزمنيّة بل بالحري إلى السيّد المسيح السماوي وهو يُعد له موضعًا في الأمجاد طبع عليها اتجاهًا اسخاتولوچيًا (أو انقضائيًا). في رسالته إلى روما يقول: [عندئذ أصير تلميذًا حقيقيًا ليسوع المسيح عندما لا يعود يرى العالم جسدي بعد [133]]؛ [عندما اختفي من هذا العالم استطيع أن أُدعى مؤمنًا حقيقيًا [134].] [ليس شيء منظور جميلًا؛ حتى إلهنا يسوع المسيح يعلن بصورة أفضل الآن إذ عاد إلى حضن الآب [135].]

هكذا يرتفع قلبه إلى الدهر الآتي لينعم بالتلمذة الحقيقيّة، ويحسب بالحق مؤمنًا، بل ويرى مسيحه في كمال بهاء لاهوته الذي كان مختفيًا في الجسد.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. المسيح المخلّص

"المسيح المخلّص" هو محور لاهوت القدّيس أغناطيوس، الذي استقاه من القديس بولس الرسول متأثّرا بل ومتمتّعا بدسم لاهوتيات القدّيس يوحنا الإنجيلي [136].

‌أ. السيد المسيح هو المعلّم الذي تتلمذ عليه الأنبياء قبل مجيئه وذلك بعمل الروح القدس الذي سبق فوجّه أنظارهم إلى المعلّم، المسيّا المخلّص، وقد تحقّقت نبوّاته واشتياقهم بمجيئه.

[يسوع المسيح معلّمنا الأوحد... حتى الأنبياء تتلمذوا له بالروح، وقد توقّعوا مجيئه معلّما [137].]

‌ب. أوضح لاهوت السيد المسيح وناسوته بجلاء تام:

[يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه جسم وروح (إنسان وإله)، مولود gennetos، وغير مولود، الله صار إنسانا. حياة حقيقيّة في موت (جسد قابل للموت)، من مريم ومن الله، في البدء كان قابلًا للألم وأصبح الآن غير قابل للألم، هو يسوع المسيح ربّنا [138].]

[هو بالحقيقة من نسل داود حسب الجسد، وهو ابن الله حسب الولادة الآب وقوّته، وقد وُلد حقًا من عذراء وعمَّده يوحنا حتى يتمّم كل برّ [139].]

أنّه فوق الزمن وغير منظور.

[تطلّع إلى ذاك الذي هو فوق الزمن - غير الخاضع للزمن ولا منظور، الذي لأجلنا صار مرئيًا، غير الخاضع للألم صار لحسابنا خاضعًا للألم، محتملًا كل شيء لأجلنا [140].]

‌ج. حياتنا الجديدة هي في المسيح يسوع مصدر الحياة كما سنرى في الحديث عن الخلاص وعن الشركة في المسيح.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخلاص

اهتم القدّيس أغناطيوس بعمل السيد المسيح الخلاصي، معلنًا أن قصد الله هو خلاص البشر، الذي يتحقّق بالتجسّد الإلهي فالصلب والقيامة. ولعلّ سبب تركيزه على ذلك مقاومته للدوسيتيّين Docetists "للخياليّين"، الذين ينكرون حقيقة التجسّد وبالتالي ينكرون الصلب [141].

في رأي القدّيس أغناطيوس [142]: توجد مملكتان: مملكة الله مصدر الحياة والخلود وحده ومملكة إبليس المؤقتة يسودها الفساد والموت. أمّا الإنسان فبذاته لا تتمتّع نفسه بالخلود... أنّه في حاجة أن يتّحد بالمسيح واهب الحياة والخلود. فمن كلماته: [لا تنكر صلاحه (المسيح)، لأنّه لو عاملنا بالمثل كما نعامله لقُضي علينا [143].]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الآن كيف يتحقّق الخلاص؟

‌أ. السيد المسيح كواهب الحياة وحده قادر أن يطهّرنا من سلطان الفساد والموت إذ يقول:

[وُلد واعتمد لكي يطهّر الماء بآلامه [144].]

[ينشر على كنيسته عطر الخلود [145].]

[بدونه ليست لنا حياة حقيقيّة [146].]

St-Takla.org Image: Icon of the Martyrdom of Saint Ignatius of Antioch Theophoros, Aghnatios El Antaky صورة في موقع الأنبا تكلا: Icon of the أيقونة تصور إستشهاد القديس أغناطيوس الأنطاكي الثيوفوروس

St-Takla.org Image: Icon of the Martyrdom of Saint Ignatius of Antioch Theophoros, Aghnatios El Antaky

صورة في موقع الأنبا تكلا: Icon of the أيقونة تصور إستشهاد القديس أغناطيوس الأنطاكي الثيوفوروس

‌ب. لقد صُلب السيد المسيح حقًا [147]، لكي يهبنا بصليبه الحياة، لذا يدعو الصليب "شجرة الحياة [148]"، أغصانها هم المؤمنون الثابتون فيه، يحملون ثمارًا غير فاسدة [149]. الصليب هو أساس الاستشهاد كدعوة لقبول الموت مع المصلوب. إذ يقول: [دعوني اقتدي بآلام إلهي؛ من كان الله معه فليفهم ما أريد... أنا حنطة الله! أُطحن تحت أنيابها لأصبح خبزًا نقيًا للمسيح... حيندئذ أصبح تلميذًا حقيقيًا ليسوع المسيح عندما لا يرى العالم جسدي [150].]

‌ج. بالموت حطّم السيد المسيح الشيطان ونزع عنّا الموت:

[لا تعيشوا كسائر الناس بل بحب يسوع المسيح الذي مات لأجلكم الذي إذا آمنتم بموته تخلّصون من الموت [151].]

‌د. باتّحادنا بجسد المسيح القائم من الأموات نستهين بالموت وننتصر عليه. إذ تكون الحياة المُقامة ليست فقط في متناول يد المؤمن بل عاملة فيه خلال شركته مع مسيحه.

[أما أنا فأعرف وأؤمن أنّه ظل في الجسد حتى بعد قيامته... في الحال لمسوه (لو24: 39) وآمنوا واتّحدوا بجسده وروحه، فاستهانوا بالموت وانتصروا عليه. وبعد قيامته أكل وشرب مثل البشر، لكنّه كان متحدًا بالآب في الروح [152].]

يرى أن الكلمة تجسّد حقًا ووُلد وصُلب حقًا ومات حقًا أمام السمائيّين والأرضيّين والذين تحت الأرض، غايته أن تكون قيامته حقيقة واقعة، ليهبنا جسده المقام فنقوم فيه ومعه. [وقام حقًا من الموت، والآب هو الذي أقامه، وسيقيمنا نحن في يسوع المسيح وكل الذين آمنوا به، فبدونه ليست لنا حياة حقيقيّة [153].]

‌ه. إن كنا لن نتمتّع بالحياة المقامة ما لم نؤمن بالمسيح القائم من الأموات ونتحد به ونسكن فيه، فإن لهذا الإيمان وهذه الشركة وجها عمليًا هو تمتّعنا بالحب كسمة الله الآب بيسوع المسيح الواهبة الغلبة على نتائج الموت، أي على الخطيّة. كأن الإيمان يستلزم اتّحادا مع المسيح الحب؛ بالوحدة والحب ننعم بخلودنا مع الله وفيه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نظرته للموت

يرى الأب رومانيدس في كتابه: [لاهوت الكنيسة عند القدّيس أغناطيوس] أن شوقه إلى الموت ليس عن حماس أخروي ولا عن تعب، إنّما عن فهم كتابي (إنجيلي) للشيطان حيث يرتبط مع الموت (2كو2: 11). ففي نظره الخوف من الموت هو استعباد للشيطان، أمّا من يتحد بالسيد المسيح ويتتلمذ له فلا يخاف الموت، لأنّه يتمتّع بالاتّحاد مع الحياة والخلود وعدم الفساد... بالموت يبلغ الإنسان إلى الآب والسيد المسيح فينعم بالحياة الخالدة.

[أمامنا شيئان: الموت والحياة... توجد عُملتان: عملة الله وعملة العالم، ولكل منهما ختم خاص بها. لغير المؤمنين ختم العالم، وللمؤمنين القائمين في المحبة ختم الله الآب بيسوع المسيح. إن لم نختر بملء حرّيتنا أن نموت معه لنشترك في آلامه، فحياتهم ليست فينا [154].]

[لتأت عليَّ كل هذه: النار والصليب، مجابهة الحيوانات المفترسة، التمزيق والكسر... لتنصب عليَّ كل عذابات الشيطان، على أنّني أبلغ يسوع المسيح [155].]

[رئيس هذا العالم (الشيطان) يفرح بإقصائي بعيدًا عن الله وإفساد اشتياقي إليه؛ ليتكم أيها القاطنون بروما لا تعاونوه بل تكونوا في جانبي، أي مع الله [156].]

[لماذا أسلِّم نفسي إلى الموت، إلى النار، إلى السيف، إلى الوحوش الضارية! القريب من السيف هو قريب من الله، والذي مع الوحوش هو مع الله، على أن يتم ذلك كلّه باسم يسوع المسيح؛ وإنني احتمل كل شيء لاشترك في آلامه [157].]

جاء في حواره مع تراجان: [أنا كاهن سيّدي يسوع المسيح، وله أقدّم الذبيحة كل يوم، وأرغب أن أقدّم حياتي ذبيحة كما قدّم حياتهم ذبيحة، حبًا فيَّ.]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. الكنيسة

 

‌أ. موضع الذبيحة Thysiasterion

إذ كان القدّيس أغناطيوس متهلّلًا بالروح وهو في طريقه للاستشهاد عبر عن نظرته للكنيسة بكونها جسد المسيح المبذول؛ إذ يقدّم المسيح الإفخارستيا، جسده ودمه المبذولين لتعيش الكنيسة تنعم مع عريسها بروح البذل. هذا ما دفعه لتعريف الكنيسة "موضع الذبيحة" في أكثر من موضع [158].

 

‌ب. جماعة حب

بانتصار المسيح على الموت والشيطان، يستطيع المؤمن بجسد المسيح أن يتّحد بحياة الله ومحبّته، بالاتّحاد مع قريبه. الإيمان ومحبّة القريب حقيقة واحدة؛ بداية الحياة في المسيح ونهايتها [159]، إذ أن الوحدة مع القريب بالحب هي [رمز ومثال للخلود [160]]؛ [كل الأمور حسنة على السواء؛ إذا آمنتم وأنتم في المحبة [161].]

السيد المسيح هو الحياة الخالدة، إذ يهبنا الحياة يعطينا الحب الإلهي: [فإن شرابه أي دمه... هو المحبة غير الفاسدة [162].]

كان الخلاص في مفهومه ليس مجرّد تغيير وضع الإنسان بالنسبة لله، ولا مجرّد إقامة علاقة جديدة بينهما، إنّما هو مشاركة الإنسان في الحياة الإلهيّة وفي حب الآب في المسيح تتجلّى في حبّه للقريب، فيحصل على الخلود ويتجنّب الموت [163].

الخلاص هو عودة الخلود إلى الذين يشركون كجماعة واحدة في المحبّة اللانهائيّة؛ وهو تبرير الإنسان بتدمير الموت وتقييد إبليس؛ والتمتّع بالقوّة لدحر الشيطان لاقتناء الحب اللآأناني لله والقريب.

 

‌ج. جماعة شكر وتسبيح

إذ نجتمع معًا بالحب كهبة إلهيّة لا يستطيع الشيطان أن يهيمن علينا، وتتحوّل حياتنا إلى حياة شكر لله وتسبيح له.

الكنيسة جماعة أفخارستيّا، ترتبط بذبيحة السيد المسيح (الإفخارستيا)، فتحمل طبيعة الشكر عوض الجحود، والتسبيح والفرح بالنصرة والغلبة.

لا يرى القدّيس أغناطيوس في سرّ الشكر أو الإفخارستيا تحقيقًا لواجب كنسي معين وإنّما تمتّع بحياة الحب مع النقاوة، التي تدخل بنا إلى الخلود، كما يف فيه سلاحًا يهب المؤمن غلبة دائمة على عدو الخير.

بمعنى آخر خلال سرّ الشكر تظهر الكنيسة من جانبين:

1. جانب إيجابي: تمتّع بالحب والنقاوة والوحدة وشركة الخلود مع التسبيح والفرح... هذه هي سمات الكنيسة المجتمعة بالحق حول المذبح لتشترك في سرّ الأفخارستيا.

2. جانب سلبي: تقاوم إبليس وتغلبه.

[اهتموا في أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مرارًا معًا في الاجتماع الإفخارستي، تضمحلّ قوى الشيطان، وتنحل قوّته أمام اتفاق إيمانكم وتآلفه [164].]

[لا يخدعن أحد نفسه، فإذا كان الإنسان خارج الهيكل يُحرم من خبز الله... ومن لا يأتي إلى الاجتماع معًا يتكبر ويقطع نفس عن الشركة [165].]

[من كان داخل المذبح فهو نقي، وأما من كان خارج المذبح فهو ليس نقيًا [166].]

 

‌د. كنيسة المسيح

ما دامت الكنيسة هي جماعة حب وشكر وتسبيح تجتمع حول الذبيحة والمذبح، لذا يقول القدّيس أغناطيوس: [حيث يكون المسيح تكون الكنيسة الجامعة (الكاثوليكيّة) [167].] إنّها ليست مجرّد جماعة محبّة لبعضها البعض، ولا شاكرة، وإنّما هي قائمة "في المسيح".

 

‌ه. كاثوليكيّة الكنيسة (جموعيَّة الكنيسة!)

أول من دعي الكنيسة بالكاثوليكيّة هو القدّيس أغناطيوس، هذا لا يعني إنّها من وضعه، لكن سجّل ما كان سائدًا في عصره عن جامعيّة الكنيسة وكلمة "كاثوليكيّة" مركبة من مقطعين، هما "كاث" و"اولو" ⲕⲁⲑ وⲟⲗⲟ، أي الكل معًا في وحدة، وهي كلمة شرقيّة من واقع الخبرة الشرقيّة، لا علاقة لها بالمفهوم الخاص بالكنيسة اللاتينيّة، استخدمت الكلمة في الليتورچيّات الشرقيّة، لا لتعني الوجود في بقعة معيّنة أو الوجود الجغرافي حتى في العالم إنّما الوجود الروحي وارتباطه حول المذبح الواحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. صفة الكاثوليكيّة تقوم على الاتّحاد مع المسيح الواحد الذي يجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد (يو11: 52).

[اجتمعوا في هيكل واحد لله، حول مذبح واحد، في يسوع المسيح الوحيد، الذي خرج من آبٍ واحد، وكان معه واحدًا، وإليه عاد وهو واحد [168].]

إذ تتحقّق الوحدة في سرّ الأفخارستيا، تكرّرت كثيرًا عبارات "جسد واحد"، "مذبح واحد"، "هيكل واحد"... الخ.

إذن كاثوليكيّة الكنيسة ليست هي مجموعة الكنائس المنتشرة في العالم، بل هي جسد المسيح الذي تلتئم فيه كل الشعوب، تتحد معه اتّحاده بالآب.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الوحدة الكنسيّة

يتوق القدّيس أغناطيوس إلى الوحدة، وكأنّه قد كرّس كل حياتهم وخدمته لهذا الهدف، هذه الوحدة إنّما تقوم كأيقونة حيّة للوحدة بين الآب والسيّد المسيح، وكعلاقة للحب.

 

‌أ. وحدانيّة الله:

قلما يشدّد على ذلك، ذلك أنّه لم يواجه مشكلة تعدد الآلهة لدى الوثنيّين... مرّة واحدة قال: [واحد هو الله، أظهر نفسه بابنه يسوع المسيح [169].]

الله الواحد هو الثالوث [170]، الآب أبو يسوع المسيح [171]، والمسيح إلهنا [172]، والروح القدس.

 

‌ب. وحدة الآب والمسيح:

ممّا يسترعي انتباه القارئ تكرار التعبير "الله الآب والمسيح [173]" أو ما يعادلها.

الآب والسيّد المسيح هما رجاؤنا المشترك [174]، مصدرا الحب والرحمة والنجاح [175]، مصدرا سلطان الكاهن [176].

حياتنا هنا هي "في المسيح [177]"، كما "في الله (الآب) [178]"، وغاية حياتنا هو أن "ننال الله [179]" أو "ننال المسيح [180]".

المسيحيّون هم هياكل الله وهياكل المسيح، يسكن الله فيهم وهكذا المسيح [181].

بمعنى آخر تعلن وحدة الآب مع الابن لا مجرّد عقيدة إيمانيّة وإنّما تمس حياتنا المسيحيّة في هذا العالم، وفي غايتنا بل وفي رجائنا في السماء [182]، غير إنّنا لا نجد خلطًا في الرسائل بين الآب والابن بل تمايزًا واضحًا دون انفصال. الابن يخضع للآب حسب الجسد، وبتأنّسه يتألّم دون الآب، هذا التمايز أزلي لا يقوم على أساس التجسّد.

 

‌ج. وحدة شخص المسيح:

وحدة اللاهوت والناسوت، آلامه هي آلام الله، بدمه المهراق على الصليب يحصل المسيحيّون على الحياة [183]. ينسب آلام الناسوت إلى اللاهوت [184]، يصف دم السيّد المسيح أنّه "دم الله [185]".

‌د. [يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه جسم وروح (إنسان وإله) [186].]

 

‌ه. وحدة المسيحيّين والكنيسة:

منذ بداية الكنيسة قامت بين الكنائس رسائل متبادلة وزيارات ولقاءات على مستوى الأساقفة والكهنة واللاهوتيّين. كنيستا أفسس وسميرنا انتابهما القلق على كنيسة أنطاكية التي حرمها الاضطهاد راعيها، وانكبت كنيسة روما تعمل لإنقاذ الأسقف راعي كنيسة أنطاكية من الاستشهاد، كما لو كان أحد أعضائها... أما القدّيس فقد كشف للكل عن مفهوم الاستشهاد معلنًا شوقه الحار للتمتّع به. لقد طلب من شعب روما الصلاة من أجل كنيسة أنطاكية. عادة عندما يعود السلام إلى كنيسة مضطهدة تفرح معها سائر الكنائس وترسل إليها وفودًا للتهاني [187].

هذا من جهة وحدة الكنائس فيما بينهما، وقد سبق لنا الحديث عن كاثوليكيّة الكنيسة أو جامعيتها كأعضاء في جسد المسيح الواحد الذبيح... يجتمع الكل حول مسيحٍ واحد ومذبحٍ واحد!

وتتحقّق الوحدة في الكنيسة المحلّية خلال الأسقف المنظور الذي يمثّل الأسقف غير المنظور [188]، سلطانه ينحدر من الرسل، وهو صورة الله غير المنظور [189].

رأينا أن القدّيس أغناطيوس قد كرّس حياته من أجل الوحدة، ففي نظره الأسقف هو حارس الوحدة بكونه راعٍ يهتم بحياة الرعيّة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هيكل مقدّس

يرى القدّيس أغناطيوس كجماعة مؤمنين تتمتّع بالمقادس الإلهيّة، خلال ذبيحة المسيح الكفاريّة، خاصة عند تقديم سرّ الشكر "الإفخارستيا"... وهو في هذا لا يفصل بين الكنيسة كجسد المسيح الواحد وكحياة "داخليّة" فيرى في المؤمن هيكلًا مقدّسا يحل الله فيه، كقول الرسول بولس: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتريتم بثمن؛ فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو6: 19-20).

نحن هيكله نقتنيه فينا وهو يقتنينا بدمه الثمين.

[لنعمل ما ينبغي علينا عمله، معتبرين أنّه حالّ فينا، ونحن هياكله، وهو إلهنا الساكن فينا. وهذا سيظهر لنا بكل وضوح إن أحببناه باستقامة [190].]

[اعتبرتم نفوسكم حجارة هيكل الآب أُعدت لبناء الله، ورُفعتم إلى فوق بأداة يسوع المسيح، أي بالصليب، وبحبل الروح القدس. إيمانكم يسحبكم إلى فوق، والمحبة هي الطريق الذي يؤدي بكم إلى الله.

أنتم إذن رفاق الطريق، حاملون الله Theophoroi والهيكل Naophoroi والمسيح Christophori والقدسات َAgiaphoroi [191].]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حامل الله (الثيؤفورس)

يلقب القدّيس أغناطيوس نفسه في كل افتتاحيّة من رسائله بالثيؤفورس وعند محاكمته سأله تراجان الإمبراطور: "ماذا تقصد بحامل الله "ثيؤفورس""؟ أجابه: "أن يكون السيّد المسيح في قلبه". ونراه في النص السابق يدعو المؤمن "ثيؤفورس" أي حامل الله، و"ثاؤفورس" أي حامل الهيكل و"خريستوفورس" أي حامل المسيح، و"أجيافورس" أي حامل القدسات.

غاية إيماننا بالسيد المسيح أن نكتشف مركزنا الجديد، صرنا قريبين للغاية من إلهنا ومن قدساته... صرنا نحمله فينا كمقدّسات مكرّسة له، الأمر الذي يحوّل قلبنا إلى ملكوت مفرح وسط الآلام، له سماته السماويّة ونحن بعد سالكون على الأرض، نتمتّع بالشركة مع السمائيّين والقدّيسين. خلال هذه النظرة الجديدة ننعم بمفاهيم جديدة لعل اقتنا مع الله بل مع أنفسنا ومع الطغمات السمائيّة ومع جماعة المؤمنين بل مع كل البشريّة... يصير لنا فكر المسيح المتّسع المملوء حبًا نحو الكل!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الشركة مع المسيح

لا يقف الأمر عند حملنا للسيد المسيح، إنّما ننال اتّحادا معه ووجودًا فيه؛ لذا يكرّر القدّيس أغناطيوس تعبير "في المسيح" أو "الوجود فيه"، يريدنا أن نوجد فيه.

[بكل نقاوة ورزانة أقيموا في المسيح يسوع، بالجسد والروح [192].]

[أصلِّ أن توجد فيهم نعمة الاتّحاد بجسد يسوع المسيح وروحه، الذي هو حياتنا الأبدي؛ وحدة الإيمان والحب، التي لا شيء يفضلها [193].]

[الأمر الوحيد الضروري هو الوجود في المسيح يسوع للحياة الأبديّة [194].]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الاقتداء بالمسيح

يقول J. Quasten [195] أنّه ليس من كاتب في الحقبة المسيحيّة الأولى في بلاغة أغناطيوس عندما كتب عن "الاقتداء بالمسيح". إن أردنا أن نعيش حياة المسيح والله لزمنا قبول مبادئ الله والمسيح وسماتّها.

[لا يستطيع الجسديّون أن يأتوا بأعمال روحيّة، ولا الروحيّون عمل الجسديّين؛ ولا يمكن للإيمان أن يمارس عمل الكفر، ولا الكفر عمل الإيمان والأعمال التي يمارسونها حتى في الجسد هي روحيّة، لأنكم تعملون كل شيء في اتّحاد مع يسوع المسيح [196].]

[تمثلوا بيسوع المسيح كما يتمثل هو بالآب [197].]

[دعوني أتمثل بآلام إلهي [198].]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإفخارستيا

كثيرًا ما تحدّث القدّيس في رسائله عن الإفخارستيا، لأن الدوسيّتين الذين ينكرون التجسّد يرفضون التناول من جسد الرب ودمه: [يمتنعون عن الإفخارستيا والصلاة، لأنّه ينكرون أن الإفخارستيا جسد مخلّصنا يسوع المسيح [199].]

يمكننا تلخيص نظرته إلى الإفخارستيا في النقاط التالية:

1. الإفخارستيا بالنسبة للمؤمن هي:

‌أ. غذاء روحي يشبع النفس، ويهبها الخلود [200].

‌ب. دواء يشفي المؤمن من أمراض الروح وضعفاتها ومن الموت [201].

‌ج. تمتّع بالوحدة مع الله والكنيسة، حيث يجتمع المؤمنون حول الأسقف، وحول مذبح واحد، ليس لربّنا يسوع المسيح سوى جسد واحد وكأس واحدة توحّدنا بدمه [202].

2. يتطلّع القدّيس أغناطيوس إلى الإفخارستيا كذبيحة thysia حقيقيّة، فكثيرًا ما يشير إلى المذبح والذبيحة والهيكل [203].

يؤكّد بعض الدارسين أنّه لا يمكن أن يكون حديثه عن الإفخارستيا كذبيحة مجرّد عرض لارتباطها بجانب آخر من أهم جوانب العقيدة المسيحيّة، وهي وحدة الكنيسة:

[صلاة واحدة، تضرع واحد، عقل واحد، رجاء واحد في المحبة وبفرح لا عيب فيه، هذا هو يسوع المسيح... اجتمعوا في هيكل واحد لله حول مذبح واحد في يسوع المسيح الوحيد [204].]

3. طقس الإفخارستيا هو حياة و"شركة" مع الله خلال الواقع العملي.

يقول الأب چون رومانيدس أن الإفخارستيا -في رسائل أغناطيوس- ليس عملًا سحريًا، بل هو إيمان ومحبّة يتّحدان معًا بجسد المسيح ودمه، بحيث يمكن أن يقال ان الإيمان هو هذا الجسد، والمحبة هي هذا الدم... مؤكّدًا أن الرمز هنا لا ينفي الحقيقة، إذ ننال جسد الرب ودمه المبذولين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

العماد

ذُكر العماد في رسائل القدّيس أغناطيوس أربع مرّات، في اثنتين منها يشير إلى عماد السيد المسيح في الأردن، والأخريّتين إلى سرّ الكنيسة.

1. [وُلد واعتمد ليطهّر المياه بآلامه [205].]

[عمَّده يوحنا حتى يتم كل برّ... [206].]

جاء النصّان الخاصّان بالعماد بين الحديث عن أهم أحداث حياة السيّد المسيح كالحبل به من العذراء والروح القدس، ونسبه لداود، وآلامه، وقيامته؛ ممّا جعل بعض الدارسين يتطلّعون إلى عماد السيد المسيح كأحد بنود الإيمان الحيّة في التقليد الأنطاكي.

فكرة تطهير المياه بآلام المخلّص أو تكريسها بالمصلوب التي وردت هنا، كانت منتشرة بين آباء الكنيسة، نذكر على سبيل المثال:

* لهذه الغاية اعتمد المخلّص هذا الذي لا حاجة به إلى العماد، حتى يقدِّس الماء لأجل الذين سيولدون من جديد [207].

القدّيس إكليمنضس الإسكندري

* اعتمد الرب لا ليتطهّر بل ليطهّر المياه، حتى إذا اغتسلت المياه بجسده الذي لم يعرف الخطيّة، جاز لها أن تُستخدم في العماد [208].

القديس أمبروسيوس

* اعتمد المسيح، أعني طهَّر الماء بعماده [209].

العلامة ترتليان

نحن نعلم أن اليهود يرون الشيطان ثلاثة مراكز رئيسيّة: المياه والبريّة والهواء، فكان الأمر يحتاج إلى تطهير هذه الثلاثة؛ طهر المياه بعماده، وطهر البريّة بنصرته على التجارب التي أثارها إبليس ضدّه، وطهر الهواء بتعليقه على خشبة الصليب.

بعماده طهَّر المياه خلال دفنه كما في القبر ليهب خلال المعموديّة حياة الجديدة المُقامة.

2. كتب القدّيس أغناطيوس إلى القدّيس بوليكاربوس: [فليكن لكم عمادكم درعًا، وإيمانكم خوذة، ومحبّتكم حربة، وصبركم سلاحًا] [210].

يُلاحظ أنّه يربط العماد بالإيمان مع السلوك الروحي. العماد ليس نهاية الطريق بل هو درع المؤمن الواقي عبر الطريق كلّه.

3. كتب القدّيس إلى كنيسة سميرنا موضّحًا أنّه لا يمنح العماد بدون علم الأسقف [211].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الاستشهاد

1. لا يتحقّق الموت مع السيّد المسيح والقيامة إلاَّ بقبول الألم حتى الاستشهاد. فالاستشهاد هو شرط التتلمذ الحق للمخلّص الإلهي، لذا دعيت الكنيسة "موضع الذبيحة [212]"، أنّها تجتمع حول السيّد المسيح الذبيح على الدوام، خاصة في سرّ الأفخارستيا حيث تقدّم ذات ذبيحة الصليب على المذبح. وبتناول جسده ودمه المبذولين يتهيّأ المؤمنون لقبول الاستشهاد بفرح. هكذا يربط القدّيس أغناطيوس بين الاستشهاد والإفخارستيا بكونهما وسائل سريّة لتحقيق الاتّحاد مع المسيّا الذبيح.

[إنكم متمثلون بالله، وقد أكملتم عمل الإخوة حتى النهاية بدم الله. وما أن عرفتم بمجيئي من سوريا، موثقًا لأجل الاسم... راجيًا أن أحظى بمعونة صلاتكم، بمجابهة الوحوش في روما لأتمكّن من أن أكون حقًا تلميذ المسيح [213].]

[هيِّجوا هذه الوحوش الضارية لتكون قبرًا لي، ولا تترك شيئًا من جسدي... حينئذ أصير تلميذًا حقيقيًا ليسوع المسيح عندما لا يرى العالم جسدي... صلّوا إلى المسيح من أجلي حتى عندما أعدو بفضل الوحوش الضارية ضحيّة إلهي [214].]

2. يرى البعض أن القدّيس أغناطيوس قد تأثّر بالفكر الميستيكي mysticism (الباطني أو السرّي) الذي للغنوصيّين [215]، إذ يلتهب قلب القدّيس شوقًا نحو الموت أو فداء ذاته ليقتني الله، الله الآب يدعوه في المسيح يسوع وينتظر مجيئه إليه؛ فليمت أغناطيوس ليحيا في المسيح كتلميذ حقيقي يلتقي بمعلّمه وجهًا لوجه. أو بمعنى آخر السيّد المسيح الحال في أغناطيوس، والحاضر في حياتهم إنّما يقتاده عبر الموت إلى حضن الآب فينعم بالحياة الأبديّة.

لقد وُجدت الكنيسة الأولى في كلمات القدّيس أغناطيوس الناريّة بخصوص مفاهيم الاستشهاد والشوق إليه، في رسالته إلى أهل روميّة، فكانت تُقرأ مرّة ومرّات في أوقات الاستشهاد [216]، لتهيئة النفوس بالشوق نحو الاتّحاد مع المسيّا المتألّم وقبول دعوته للانطلاق نحو الآب... [دعوني أمتثِل بآلام إلهي!]

لقد قدّم لنا لاهوتًا حيًّا عمليًا بخصوص فهم الاستشهاد.

3. مع ما أظهره القدّيس من شوقٍ عجيب بعدم الاستحقاق أن يكون شهيدًا للرب غير أن قلبه المنفتح على السماء كان منفتحًا على الكنيسة الكاثوليكيّة (الجامعة). لم ينشغل بالأحداث التي يمر بها في اللحظات الأخيرة، وإنّما اهتم وهو أسير أن يلتقي بالشعوب ويكتب للكنائس والأساقفة، مشتاقًا نحو وحدة الكنيسة وبنيانها وشركتها معًا في المسيح يسوع، وكأن المسيحي الحقيقي وهو يقدّم حياتهم ذبيحة حب لله ينشغل بخلاص اخوته وبنيانهم الروحي وتمتّعهم معه بالمجد. الاستشهاد شهادة حب لله والناس، وانفتاح قلب على السمائيّين والأرضيّين لحساب ملكوت الله!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الشهادة للسيّد المسيح [217]

يكتب القدّيس أغناطيوس عن شهادتنا للسيد المسيح أمام الأمم، كأسقف مختبر عرف كيف يربح نفوسًا كثيرة للسيد المسيح. لذلك لا ننتظر منه كلامًا منمقًا أو حديثًا شيقًا فحسب وإنّما خبرة عمليّة تمس حياتنا العمليّة في الشهادة لإنجيلنا ومخلّصنا.

1. الصلاة من أجل الآخرين: اختبر قوّة الصلاة وعملها في الخدمة والكرازة. لذا لم يكف عن أن يطلب الصلاة من أجل شعبه في رسائله للشعوب الأخرى، كما يطلب الصلاة من أجل النفوس البعيدة لكي تبلغ إلى الله بالتوبة.

[صلّوا بلا انقطاع من أجل الآخرين، فإنّه يُرجى فيهم التوبة ليبلغوا إلى الله [218].]

2. القدوة الصالحة: فالكرازة ليست شهادة فم فحسب، وإنّما هي شهادة حياة، وكشف عن عمل الثالوث القدوس في سلوكنا اليومي.

[علّموهم على الأقل بأعمالكم، فيكونوا لكم تلاميذًا. قابلوا غضبهم بالهدوء، وكبرياءهم بالوداعة، وتجديفهم بالصلاة... كونوا مترفّقين أمام قسوتهم، ولا تطلبوا الانتقام [219].]

[إنّه من الأفضل أن نصمت ونعمل عن أن نتكلم ولا نعمل. فالتعليم حسن، إذا كان المعلّم يعمل بما يعلّم به. ليس لنا سوى معلّم واحد، هو الذي قال وعمل كل ما قاله [220]....]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإكليروس

جاهد القدّيس أغناطيوس ضدّ الهراطقة بكل حزم، محذرًا شعبه وشعوب الأسقفيّات المجاورة منهم بكونهم ذئابًا ترتدي ثياب الحملان، يتسللون إلى الكنيسة للخطف والهدم. وقد طالب الأب أغناطيوس من الشعب أن يلتف حول الإكليروس بروح الحب والطاعة لأجل وحدة الكنيسة كجسد المسيح وتمتّعها بالحياة فيه.

فيما يلي أهم المبادئ التي ذكرها بخصوص الإكليروس:

1. الدرجات الكهنوتيّة الثلاث مع الشعب يلتزمون بالعمل كإرادة الآب، حسب فكر المسيح، بالروح القدس:

[إنّها (الكنيسة) فرحي الأبدي، لاسيما إن ثابر أبناؤها على أن يكونوا واحدًا مع الأسقف والقساوسة والشمامسة الذين أُقيموا معه (مع الأسقف) حسب فكر يسوع المسيح الذي يثبّتهم حسب مشيئته الخاصة وبروحه القدّوس [221].]

[أسقف واحد مع القساوسة والشمامسة رفاق في الخدمة، وهكذا تتمّمون في كل شيء مشيئة الله [222].]

الكنيسة كجماعة ليتورچيّة متعبّدة لله حول المذبح لا يمكن أن تقوم بدون الإكليروس في درجاته الثلاث: [بدون هؤلاء لا توجد كنيسة [223].]

تأكيده على الاتّحاد مع الإكليروس، خاصة الأسقف، كعلامة على الاتّحاد مع السيّد المسيح إنّما يعني أن اتّحاد المؤمن مع مخلّصه وإن تحقّق خلال علاقة شخصيّة لكن ليس بطريقة فرديّة بمعزل عن الكنيسة كجماعة المؤمنين... لنفس السبب كثيرًا ما كرر الحديث عن الإفخارستيا وغيره من الأسرار الكنسيّة كطريق للتمتّع بالشركة مع الله في المسيح يسوع الذبيح.

2. كل ما يتعلّق بالكنيسة ينبغي أن يتم بالاشتراك مع الأسقف والقسوس والشمامسة:

[لازموا الأسقف ملازًمة المسيح لأبيه،

واتبعوا لفيف القساوسة اتباعكم للرسل،

كرموا الشمامسة كاحترامكم لوصيّة الله.

لا يصنع أحد شيئًا يخص الكنيسة بدون الأسقف [224].]

جاء هذا الفكر لمقاومة تصرفات الهراطقة الذين يقيمون اجتماعات باسم السيّد المسيح، غايتها الخفيّة مقاومة الكنيسة، خاصة وأنّه لم يؤمنوا بالإفخارستيا كذبيحة وكجسد الرب واهب القيامة، لذا يقول:

[يكرم بعضهم الأسقف بالكلام فقط ولا يعتبرونه في أعمالهم كلّها. ويبدو لي أن مثل هؤلاء لا يتصرّفون بضمير صالح، إذ لا يعقدون اجتماعات شرعيّة مطابقة لوصيّة الرب [225].]

[لأنّه (المسيح) واحد مع الآب، هكذا أنتم لا تأتوا عملًا بمعزل عن الأسقف والقساوسة... بل اعملوا عملكم حسب الشركة، وهي صلاة واحدة. طلبة واحدة، فكر واحد، رجاء واحد في المحبة وبفرح بلا عيب. هذا هو يسوع المسيح لا يفضله شيء. اجتمعوا في هيكل واحد ومذبح واحد في يسوع المسيح الوحيد [226].]

3. في الخضوع لهم تحقيق للوحدة معًا في المسيح الواحد، وتمتّع بالحياة المقدّسة في الرب.

[ينبغي عليكم... أن تطيعوا الأسقف ولفيف القساوسة، حتى تتقدّسوا في جميع الأمور...]

[إن كنت أنا نفسه في زمن قصير قد ارتبطت بأسقفكم برباط روحي لا جسدي، فكم أنتم مباركون، فأنتم المتحدون معه مثل اتّحاد الكنيسة بالمسيح، ومثل اتّحاد المسيح بالآب، حتى يتآلَف الكل في وحدة [227].]

[ثابروا على الاتّحاد بإلهنا يسوع المسيح وبالأسقف وبوصايا الرسل... من يصنع عملًا بدون الأسقف والقساوسة والشمامسة فضميره غير نقي [228].]

4. الوحدة والخضوع للأسقف هما أيقونة للوحدة والخضوع لله أبي ربّنا يسوع أسقف الجميع... كأن الشعب إنّما يرى في الأسقف السيّد المسيح العامل فيه، لا شخص الأسقف في ذاته.

[لا تستهينوا بحداثة أسقفكم، بل أدُّوا له كل احترام من أجل سلطان الله الآب.

وإني أعرف أن قساوستكم القديسين لم يستخفّوا به بالرغم من حداثة سنه كما يبدو عليه، بل كأناس واعين في الله أظهروا له الخضوع، ليس له، بل لأبي يسوع المسيح أسقف الجميع [229].]

يوضح القدّيس أغناطيوس أن الوحدة مع الأسقف هي صورة حيّة عن الوحدة مع السيّد المسيح:

[كل من ينظر الأسقف صامتًا، عليه أن يوقّره، لأن رب البيت أرسله، ليدبّر بيّته؛ علينا أن نقبله كما نقبل من أرسله. ولذلك علينا أن نقبله كما نقبل من أرسله. ولذلك علينا أن نعتبر الأسقف كما نعتبر الرب نفسه [230].]

[عندما تطيعون أسقفكم طاعتكم ليسوع المسيح يصير هذا برهانًا على أنكم لا تعيشون حسب العالم، بل بحسب يسوع المسيح الذي مات لأجلكم [231].]

يرى أيضًا أن الأسقف مثال الآب:

[على الجميع أن يحترموا الأسقف مثل احترامهم ليسوع المسيح، والأسقف مثال للآب... [232]]

5. الخضوع ليس خنوعًا ولا ضعفًا ولا استخفافًا بالشعب، بل علامة الوحدة؛ مقدّما خضوع السيّد المسيح الواحد في أبيه والمساوي له في الجوهر مثالًا.

[اخضعوا للأسقف، وليخضع بعضكم للبعض الآخر، كما أن يسوع المسيح كان خاضعًا لأبيه [233].]

هنا نلاحظ في كلمات القدّيس تكريمًا لمفهوم الخضوع، أنّه امتثال بالسيد المسيح، بل ممارسة وشركة لطبيعة الحب والطاعة والخضوع التي للسيد المسيح. هذا وإن الخضوع هو سمة المسيح، نلتزم بها ليس فقط من جهة الأسقف بل ويخضع البعض لبعض الآخر... هو سياق للتمتّع بروح الخضوع الذي تتسم به النفس داخليًا! ربّما أردف قوله: "وليخضع بعضكم للبعض الآخر"، ليعني أنّه كم يخضع الشعب للإكليروس يليق بالإكليروس أن يحملوا طبيعة الخضوع والتواضع، فإنّه من الخطورة أن يظن الكاهن في نفسه الآمر الناهي، يأمر فيُطاع. فالطاعة له إنّما هي من أجل السيّد المسيح العامل الذي الكل -إكليروسًا وشعبًا- يلتزمون أن يحملوا وداعته.

يظهر بوضوح أن تشديده على الخضوع للأسقف وطلب مشورته فيما يخص الكنيسة وعدم إتمام الأسرار بدونه مع الاتّحاد به لا يعني تقديم كرامة شخصيّة للأسقف من الآتي:

‌أ. يطالب الجميع باحترام الشمامسة احترامه ليسوع المسيح [234]. إن كان يقول: [لازموا الأسقف يلازمكم الله [235]]، فإنّه في نفس الوقت يحسب كل احترام للشماس احترام للسيد المسيح... وكأن ما يشغله في علاقتنا بالأسقف أو الشماس أو بعضنا البعض هو تلاقينا مع ربنا يسوع المسيح.

‌ب. يدعو الشمامسة شركاءه أو رفقاءه في الخدمة. إن كان للأسقف دور القيادة ففي الرب، يجمع كل العاملين في كنيسة الله كشركاء معه في الخدمة دون استخفاف بدورهم أو وزناته... إنّها تنوع في الخدمة، كقول الرسول بولس: "وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد" (1كو12: 5).

‌ج. أوضح التزام الأسقف الذي يكرِّمه الشعب:

[حافظ على مركزك بكل عناية... وابذل جهدك في سبيل الوحدة التي لا شيء أفضل منها. ساعد الجميع كما يساعدك الله...

اسهر بروح لا يعرف الكسل [236].]

لقد سجّل لنا القدّيس أغناطيوس في رسالته إلى زميله الذي يصغره جدًا في السن بوليكاربوس أسقف سميرنا اختباراته الرائعة في ضرورة اهتمام الأسقف بشعبه بكونه أبًا يقظًا يهتم بكل إنسان على انفراد ليهبه ما يناله من قبل الرب... في أبوته لا يهتم بتلاميذه الصالحين فحسب بل وبالمشاغبين، ليضمِّد جراحاته بلزقة ( (Plaster (ضمادة) الوداعة والحكمة... يهتم بالسادة كما بالعبيد، الذكور والإناث.

6. يعلّمنا القدّيس إكليمنضس الروماني وأيضًا الديداكيّة [237] أن الأسقفيّة ليست مجرّد سلطة تدبيريّة ولكنها أيضًا كهنوت متعبّد، هكذا أوضح القدّيس أغناطيوس نفس المفهوم. ففي فكره تكون تطلّعة بين الأسقف والإفخارستيا (وكل علم ليتورچي) غير منفصمة، إذ أن الوحدة مع الأسقف والوحدة مع الآخرين في الخبز الواحد في الهيكل هما حقيقة واحدة [238].

[ولا تشتركوا إلاَّ في أفخارستيّا واحدة،

لأنّه ليس لربّنا سوى جسد واحد وكأس واحد توحّدنا بدمه، ومذبح واحد، وأسقف واحد مع القساوسة رفاقي في الخدمة، وهكذا تتمّمون في كل شيء مشيئة الله [239].]

يرى القدّيس أغناطيوس أنّه لا يجوز أن تُقام الأسرار بدون الأسقف وعند الضرورة يُسمح للكاهن بإتمام الإفخارستيا. والسبب في هذا أنّه كان لكل مركز ليتورچي أسقف مسئول عنه. وإذ تزايد عدد المؤمنين في المدن اقتضت الضرورة أن يقوم الكاهن بإتمام الإفخارستيا والعماد... الخ، وصار الفارق بين الأسقف والكاهن قيام الأول بالشرطنة. إذ امتدت الكنيسة إلى القرى صار للقرى أساقفة أقل من أساقفة المدن، إذ ليس لهم حق الشرطنة (السيامة). ويرى بعض الدارسين أن أسقف القريّة لا يختلف كثيرًا عن القسوس.

[لا يفعلن أحد منكم شيئًا يخص الكنيسة دون إرادة الأسقف. الإفخارستيا هي السرّ الذي يتمّمه الأسقف أو من ينتدبه. لا يجوز أن تُمنح المعمودية ولا تُقام وليمة الأغابي `agapy بدون الأسقف [240].]

يكشف ارتباط الأسقف بالإفخارستيا عن مفهوم رئاسته ووحدة الشعب وخضوعهم له. إن كان الأسقف يمثّل السيّد المسيح فمسيحنا لا تقوم رئاسته على الأمر والنهي، وإنّما على حبه وبذله، ارتفع على الصليب كما على كرسي رئاسته، وبسط يديه ليحتضن العالم كلّه، وفتح جنبه لنجد كل نفس ملجأً لها وسط الأحشاء الإلهيّة الملتهبة في استحقاقات الدم الثمين.

مع كل ممارسة لسرّ الأفخارستيا يليق بالأسقف أن يحمل روح مسيحه الذي يقدّم جسده ودمه ذبيحة حب للآب لحساب العالم... فيشتاق أن يُبذل من أجل الرعيّة... هذا هو مفهوم الرئاسة التي ندركها خلال سرّ الأفخارستيا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رسالة رومية ورئاسة أسقفها [241]

أولًا: يقول الأب فيليب السمرائي الكاثوليكي: [يقدّم القدّيس أغناطيوس في رسائله إلى كنائس آسيا النصح والإرشاد ويتحاشى أن "يأمرها أمرًا" بالرغم من كونه مقيدًا بالسلاسل من أجل المسيح ومسافرًا إلى روما ليُطرح للوحوش حبًا به. وهذا دليل على استقلال كل كنيسة استقلالًا داخليًا إذ لا تخضع مباشرة إلاَّ لأسقفها.

أما في رسالته إلى كنيسة روميّة، فإنّه يتحاشى أن لا يأمر هنا فحسب بل يتحاشى أن يسدي لها النصح والإرشاد. وقد ملأها من عاطفة الاحترام البليغ والاعتبار السامي له، وجل، ما طلبه منها مترجيًا أن لا تحوّل دون استشهاده.]

وبهذا القول يظن هذا الأب أنّه يثبّت رئاسة كنيسة روما على الكنيسة في العالم، لكنّه نسي:

1. أن هناك دالةً قويّة بين أغناطيوس وأساقفة البلاد الآسيويّة، ومعرفة تامة بكل شئونهم... لذلك وإن كان قد مدحهم كثيرًا كما مدح كنيسة روما لكنّه نصحهم وأرشدهم بحكم هذه الدالة.

2. أن أغناطيوس، لكبر سنه وقوّة شخصيته وحكمته الإلهيّة، كان الأساقفة الآخرون وشعوبهم المتّضعة يلجأون إليه... دون التفكير في موضوع الرئاسة أو الخضوع له... لأن حب يسوع والاهتمام بكنيسته، كان يشغلهم حتى لم يبق لهم وقت للحديث عمن هو الأعظم بينهم.

3. كثيرًا ما استخدم أغناطيوس صيغه الأمر في رسالته إلى بوليكاربوس أسقف سميرنا، فهل كان هذا الأسقف خاضعًا لأغناطيوس؟!

4. أن هدف رسالته لروميّة مختلف تمامًا عن هدف رسائله الأخرى، ففي الأولى كان يوجّه كل اهتمامه نحو كسبهم بالمحبة ألا يعيقوا اضطهاده... أما الرسائل الأخرى فهدفها حتى تلك الكنائس التي حوله للجهاد ونزع الانشقاقات... الخ.

5. قد استخدم أسلوب التحذير القاسي الذي لا يليق أن يوجّهه إنسان إلى رئيسه... [رئيس هذا العالم (الشيطان) يفرح بإقصائي بعيدًا عن الله وإفساد اشتياقي له. ليتكم أيها القاطنون بروما ألاَّ تعاونوه... فلا تتحدّثوا عن يسوع المسيح بينما تكون اشتياقاتكم إلى العالم.]

6. الموضوع الرئيسي الذي تعرّض له في أغلب رسائله هو "وحدة الكنيسة"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد طالب الشعب بالخضوع للأسقف القائم مقام الله، والكهنة ممثّلي مجلس الرسل والشمامسة خدام يسوع المسيح، فأين هو موضع الخضوع لأسقف روما؟!

7. لو كان لأسقف روما حق السيطرة على أساقفة الكنائس الأخرى، لما جاز لأغناطيوس أن يأمر الأساقفة الآخرين كما يظن الأب السمرائي لأنّه لم يكن أسقفًا لروما، بل كان الأجدر به أن يطلب من أسقف روما أن يهتم بهذه الكراسي ومشاكلها.

ثانيًا: يقول الأب السمرائي: [ويكفي أن نذكر فاتحتها حتى يبان احترام القدّيس أغناطيوس لها... إلى الكنيسة المترئِّسة في بلاد الرومان... إلى الكنيسة التي تُرأس بالمحبة.]

1. ويجيب الدكتور أسد رستم [242]: والواقع أن هنالك غموضًا في هذين النصين أدى بطبيعة الحال إلى هذا الاختلاف في الرأي. فما هي "أرض الرومان" بالضبط، وما هو مقدار اتّساعها؟ وإذا كانت الكنيسة تترأس في أرض الرومان فما هو نوع هذه الرئاسة؟ هل هي رئاسة سياسيّة أم ثقافيّة أم أدبيّة أو روحيّة؟ وما هو معنى "المحبة" بالضبط؟ ولماذا خص أغناطيوس هذه الكلمة بأداة التعريف في النص اليوناني؟

ويقول الدكتور رستم في كتابه "نحن وروما والفاتيكان" [243] وتميّزت بعض الكنائس في هذا الوقت بميزات معيّنة أفاضت عليها شيئًا من النفوذ لم يكن لغيرها.

فالسيّد نفسه أسس كنيسة أورشليم وجميع الرسل عملوا فيها ويعقوب أخو الرب تولّى أمرها وفيها عُقد أول المجامع. ولا تزال وحدها قبلة (ما تشكيلها؟؟) أنظار المؤمنين في أقطار العالم.

وكنيسة أنطاكية كانت كنيسة عاصمة ولاية الشرق وأكبر مدنه وأهمها... وكانت مركزًا ثقافيًا هامًا.

ومثل هذا يصح إلى حد بعيد عن كنيسة الإسكندريّة، فالإسكندرية كانت لا تزال أكبر مدن الشرق كلّه وأوسعها متجرًا وأسبقها علمًا وثقافةً. وكانت جاليتها اليهوديّة أهم جاليات اليهود خارج فلسطين، ولها كلمتها بينهم. فسبقت كنيسة الإسكندريّة سائر كنائس العالم إلى التذرع بالعلم والفسلفة، والعكف على الأسفار المقدّسة، والدفاع عن العقيدة، فأصبحت هي المعلّمة الأولى.

وإذا كانت أنطاكية عاصمة ولاية الشرق، وأفسس عاصمة آسيا الساحليّة، والإسكندرية عاصمة مصر والقيروان، فإن رومة كانت في هذه القرون الأولى عاصمة الإمبراطوريّة بأسرها، وإليها تشد الرحال وفيها تفصل المشاكل، وعنها تصدر الأحكام. فأمسى أسقفها؛ والحالة هذه له خطورته، إذ أن أي تصرف يصنعه إنّما يراه الحكام كما لو ارتكبه المسيحيّون في الدولة الرومانيّة.

هذا لا يعني أن لأسقف روما السيطرة على أساقفة العالم لكن مركزه في العاصمة قبل انقسام المملكة يجعل تصرّفاته لها خطورتها. مثال ذلك أي تصرّف يصدر من أسقف يقطن بين البوذيّين أو الملحدين... إنّما هذا التصرّف لا يُنسب إلى الأسقف، بل كما لو كان صادرًا عن كل المسيحيّين، لأنّهم لا يحتكّون بأسقف غيره.

هذا قبل انقسام المملكة الرومانيّة، أمّا وقد انقسمت المملكة إلى شرقيّة وغربيّة لم يعد لأسقف روما خطورته الأولى. وهنا لا أقصد بالخطورة السلطة أو السيطرة إنّما كشخص مسئول له مكانته الدينيّة ورتبته الكهنوتيّة بين السلطات المدنيّة.

ولكي نعرف كيف حاولت كنيسة روما أن تستغل (بعد ذلك) السلطان المدني في السيطرة على الكنيسة راجع كتاب "عصر المجامع".

2. لو صحّ القول بأن لأسقف روما الرئاسة عليه لوجّه الحديث إليه لا إلى كنيسة روما. وكان الأجدر به أن يذكر في المقدّمة "إلى الأسقف الرئيس على كنيسة العالم"... لا "الكنيسة التي ترأس المكان السائد في بلاد الرومان".

3. لو كان لأسقف روما الرئاسة على الكنيسة الجامعة في العالم، لطلب منه أن يعد أسقفًا لأنطاكية يخلفه. لكنّنا نجده يطلب من شعب روما أن يصلّي لأجل كنيسة أنطاكية، وهو نفس الطلب الذي التمسه في بقيّة رسائله، بل نجده طلب من بوليكاربوس الاهتمام بشئون كنيسة أنطاكية أكثر من طلبه لشعب روما في هذا الشأن.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الزيجة

لا يتحدّث كثيرًا عن الزيجة. طلب أن يكون الاتّحاد في الزيجة بموافقة الأسقف حتى يكون الزواج حسب الرب، يحمل رمز الحب بين السيّد المسيح وكنيسته العروس [244].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

البتوليّة

في نص فريد يجمع القدّيس أغناطيوس بين البتوليّة والتواضع، والعفّة هنا هي إكرام لجسد الرب، وهي ذبيحة مقدّمة من أجل الكنيسة: [البتوليّة ليست احتقارًا للزيجة... ولا نلمح هذا الاستعلاء، لأن تطلّعه بين الرجل والمرأة كعلاقة المسيح بالكنيسة [245].]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الصمت

يقدّم لنا السيّد المسيح مثلًا حيًّا للمعلّم الذي يعمل بكلامه كما بصمته، وكأنّه يليق في عبادتنا كما في كرازتنا أن نسلك في المسيح يسوع ربنا، به ننطق بكلماتنا، وبه نعلن شعبنا بصمتنا.

[من امتلك الحق، يحدثه يسوع، ويستطيع أن يصغي حتى إلى صمته (صمت السيّد المسيح)، فيكتمل ويعمل بكلمته وصمته (صمت المؤمن المدرك لصمت السيّد المسيح) [246].]

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[126] J. Lebreton, Jaques Zeiller: The History of the Primitive Church, London 1944, vol. 2, please 349.

[127] Rev. H. S. Holland: the Apostolic Fathers, SPCK London, p. 116.

[128] كلمة "دوسيت" مأخوذة عن اليونانيّة "ooke’w، تعني "أبدو I seem". ظهر هذا الاتجاه -أكثر منه تعليم محدّد رسمي- منذ القرن الأول، ينادي بأن السيّد المسيح لم يكن له جسد حقيقي بل ظاهري، وبالتالي لم يتألم ولا صُلب... ظهر هذا الاتجاه بأكثر قوة في الغنوسية في القرن الثاني. Cross: Dict. of the Christian Church, p. 413.

[129] Ep. to Phlad. 8.

[130] الأصول المسيحيّة الشرقيّة: (1) رسائل رعويّة، ترجمها قودم لها چورچ صابر، بيروت، 1972م، ص 33.

[131] J. Lebreton, p. 351, 2

[132] Trall. 3:3.

[133] Rom. 4:1-2.

[134] Rom. 3:2.

[135] Rom. 3:3.

[136] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 66.

[137] Magn. 9:1-2.

[138] Eph. 7:2.

[139] Smyrn. 1:1.

[140] Polyc. 3:2.

[141] مغنيسيا 11: 1؛ تراليا 9: 1-10: 1.

[142] الأب يوحنا رومانيدس: لاهوت الكنيسة عند القديس أغناطيوس الأنطاكي، ترجمة الأب ميشال نجم.

[143] مغنيسيا 10.

[144] أفسس 18.

[145] أفسس 17.

[146] تراليا 9: 2.

[147] تراليا 9: 1.

[148] ازمير 1: 2.

[149] تراليا 11: 2.

[150] روما 11: 3؛ 4: 1-2.

[151] تراليا 2.

[152] أزمير 3: 1-3.

[153] تراليا 9: 2.

[154] Magn. 5.

[155] Rom. 5.

[156] Rom. 7.

[157] Smyrn. 4.

[158] Ephes. 5:2; Trall. 7:2; Philad. 4.

[159] Ephes. 14.

[160] Magn. 6.

[161] Philad. 9.

[162] Rom. 7.

[163] Ephes. 20; Rom. 7; Smyrn. 7.

[164] Ephes. 13.

[165] Ephes. 5.

[166] Trall. 7.

[167] Smyrn. 8.

[168] Magnes. 7:2.

[169] Magnes. 8.

[170] Trall. 2:1-2.

[171] Ephes. 2:1.

[172] Ephes. 9:1.

[173] Thilad. inscr. 1:1; 3:2; Polyc. insc.; Ephes. inscr. 21:2; Magnes. inscr.; Trall. 1:1;12:2; Smyrn. inscr.

[174] Ephes. 21:2.

[175] Philad. 1; Trall. 1.

[176] Philad. 1.

[177] Ephes. 3:1; 8:2; 10:3; 11:1, 2; 12:2; 20:2; 21:2.

[178] Ephes. 6:2; Magnes. 3:3; 14; Trall 4:1; 8:2; Plycarb. 1:1.

[179] Ephes. 12:2; Magnes. 14:21; Trall. 12:2; 13:3; Rom. 1: 1; 2:2; 4:1; 9:2; Smyrn. 12:1, Polyc. 12:1; Polyc. 2:3; 7:1.

[180] Rom. 5:3; 6:1.

[181] Philad. 7: 2; Eph. 9: 2; Magn. 12.

[182] Leberton. P. 359.

[183] Ephes. 20.

[184] Rom. 1.

[185] Ephes. 1:1.

[186] Ephes. 7.

[187] Philad. 10; Smyrn. 11; Polyc. 7.

[188] Magnes. 3.

[189] Ephes. 6; Magnes. 6; Tral. 3.

[190] Ephes. 15:3.

[191] Ephes. 9:1, 2.

[192] Ephes. 10:3.

[193] Magnes. 1:2.

[194] Ephes. 11:1.

[195] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 70, 71.

[196] Ephes. 8:2.

[197] Philad. 7:2.

[198] Rom. 6:3.

[199] Smyrn. 7:1.

[200] Ephes. 20:2.

[201] Ephes. 20:2.

[202] Phiald. 4.

[203] Magnes. 7:1; Tral. 8: 1; Rom. 7:1; Philad. 4:1; Smyrn: 7:1.

[204] Magnes. 7:1, 2.

[205] Ephes 18.

[206] Smyrn. 1.

[207] Les Eclgae, 7.

[208] Expositio Evangleii Secundum Lucan, 2:38.

[209] Adv. Judaeos, 8.

[210] Polyc 6.

[211] Samyrn 8.

[212] Ephes. 5:2; Trall. 7:2; Philad 4.

[213] Ephes 1:1, 2.

[214] Rom 1, 2.

[215] Lebreton, p. 357.

[216] St. Irenaeus: Adv Haer. 5: 28: 4; Acts of Perpetua and Felecitus 14; Origen: Der Oratione 20; In Cant. Prolog.

[217] للمؤلف: القدّيسان الشهيدان أغناطيوس و بوليكاربوس، ص 72.

[218] Ephes. 10:1.

[219] Ephes. 10:1, 2.

[220] Ephes. 15:1.

[221] Philad. insc.

[222] Philad. 4.

[223] Tral. 3.

[224] Smyrn. 8.

[225] Magnes. 4.

[226] Magnes. 7:1, 2.

[227] Ephes. 2, 5.

[228] Trall. 7.

[229] Magnes. 3.

[230] Ephes. 6:1.

[231] Trall. 2.

[232] Tarll. 3.

[233] Magnes. 13.

[234] Trall. 3.

[235] Polyc. 6.

[236] Polyc 1.

[237] Clem. 44; Didache 15.

[238] راجع كتاب الأب چون رومانيدس...

[239] Philad 4.

[240] Samyrn. 8.

[241] المؤلف: الشهيدان أغناطيوس و بوليكاربوس، ص 35-41.

[242] الدكتور أسد رستم: كنيسة مدينة اللَّه أنطاكية العظمى، مجلد 1، ص 54.

[243] الحديث التالي مقتطفات عن أقواله، ص 10-13.

[244] Polyc. 6:1; 5:2.

[245] Polyc. 5:1.

[246] Ephes. 15:2.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/apostolic/theology.html

تقصير الرابط:
tak.la/bgh6smj