محتويات
* لقد تربى القديس غريغوريوس وسط عائلة مكونة من أب يهودي ولكنه كان معروفًا بين مواطنيه بنزاهته واستقامته، فقدروا فيه ذلك حين تسلم منصبًا عاليًا في بلدية نزينزا، ثم هدته صلوات "نونا" زوجته إلى المسيحية، فتعمد عام 325 م.، وبعد عماده بأربع سنوات انتخب أسقفًا على مدينة نزينزا.
* أما "نونا" الأم فقد كانت من النساء المسيحيات الشريفات في المدينة، وكانت ذات نشاط وأثر فعال في أوساط النساء في الكنيسة المسيحية آنذاك.
* وقد ولد القديس غريغوريوس في إحدى إقطاعيات والديه وتسمى "أريانزا" عام 329 أو 330.
* كانت تربية القديس غريغوريوس الأولى مسيحية صميمة، وقد تعلم مبكرًا القراءة في الكتب المقدسة.
* وفي أثينا عاش في صداقة متينة ومقدسة مع القديس باسيليوس الذي وصل إلى هناك متأخرًا قليلًا عنه.
* وقد أعطى القديس غريغوريوس وهو طالب في جامعات أثينا كل نفسه لرحب الحياة الفكرية بحماسة أكثر من رفيقه الشاب. والحياة الفكرية والشعر والحوار والفن هي الحياة ذاتها في نظر القديس غريغوريوس بشرط تفريغ سموم الوثنية منها ومن المضمون الخلقي للأدب اليوناني الفلسفي وبشرط أن يكون الدارس مهيأ لأن يفضل نور المسيح ومعونته على كل حكمة بشرية: (حكمة الروح القدس التي تأتى من فوق والمستمدة من الله يجب أن تكون سيدة كل نوع من أنواع الثقافة الدنيا).
* في حوالي الثلاثين من عمره، عاد إلى وطنه حيث نال سر المعمودية، ثم قرر الاختلاء والتأمل.
* وهكذا ألقى القديس غريغوريوس بكل نفسه في الحياة النسكية التأملية. وقد أوضح فيما بعد أن قرار مثل هذا لم يكن بالأمر السهل، لكن الذي ذاق الاشتياق لله يستطيع أن يفهم معنى وقوة هذا القرار.
* لقد أراد أن (يتخاطب مع الملائكة، حتى وبينما هو يعيش على الأرض، يؤخذ بعيدًا عنها ويصمد إلى السماء بالروح).
* وقضى القديس غريغوريوس وقتًا ليس بقليل مع القديس باسيليوس في حي هادئ في بنطس، يمارسان الصلاة والتأمل الروحي والعمل اليدوي ويصف القديس غريغوريوس هذه الأيام فيما بعد قائلًا لصديقه (من يحملني راجعًا إلى تلك الأيام السالفة، التي فيها استمتعنا سويًا بالاختلاء؟ لأن الفقر بالمشيئة هو أكثر عظمة من المتع الدنيوية. من يرجع لي هذه التسابيح والسهر؟ والارتفاع إلى الله في الصلاة، وتلك الحياة اللاأرضية اللاجسدية، تلك الصداقة والألفة الروحانية بين إخوة ارتفعوا إلى الحياة المتمثلة بحياة الله؟ من يرجع إلى التفتيش الحار في الأسفار المقدسة، وذلك النور الذي وجدناه هناك ونحن تحت إرشاد الروح؟)
* بداية سنة 362 م. أراد والده أسقف نزينزا أن يساعده في خدمته الرعوية. وهكذا وبناءً على رضى الشعب، تكرس كاهنًا بيد والده رغمًا عنه وبضغط شديد من والده (الطاغي).
* ولكنه لم يلبث حتى ترك الكنيسة محتجًا، واعتكف قليلًا عند نهر الآيرس مع باسيليوس صديقه ليسترجع حلاوة وحدته الأولى وليسترجع بإلهام صديقه شجاعة وقوة فقدهما. وبرجوعه إلى خلوته فإنه يكون قد تغلب على (الجبن والضعف) اللذين أصاباه.
* أما الكنيسة التي سبق أن انتزعته من خلوته، فللأسف لم تتجاوب مع دوافع تقواه التي كانت وراء انسحابه إلى خلوته، فصارت تقاومه.
* أن والد القديس غريغوريوس أغوى (وهو أسقف نزينزا) وتنصل من قانون إيمان نيقية، إذ وضع توقيعه على وثيقة "سلام" زائف. وأدى هذا الموقف إلى اضطرابات في الكنيسة. لكن القديس غريغوريوس رجع إلى نزينزا ليقنع أباه أن يكتب وثيقة جديدة يعلن فيها إيمانه الأرثوذكسي، ليعيد السلام ثانية إلى كنيسته. وقد احتفل القديس غريغوريوس بهذا الحدث بخطاب كبير حوالي عيد القيامة عام 362 م.
* وضع في اعتباره أعضاء الكنيسة الضعفاء بالروح، والكنيسة الأرثوذكسية تعبر على أرثوذكسيتها (بالأعمال أكثر مما بالكلام).
* كان القديس غريغوريوس إنسانًا صديقًا صدوقًا، أحب شقيقه الأصغر قيصاريوس محبة شديدة، وعلاقته بالقديس باسيليوس كان يغمرها نوع من الوجدان الروحي (إن كنت قد خرجت من الحياة بشيء فهو صداقتي وألفتي معك). وكم كان يتأذى إحساسه جدًا بأي اختلاف في الرأي مع أصدقائه.
* وقد استجاب القديس باسيليوس بإخلاص لصداقة القديس غريغوريوس، وبعد أن صار القديس باسيليوس أسقفًا على قيصرية شغلته تمامًا أمور السياسات الكنسية. لذا فلا نعجب إذا رأيناه يحاول جاهدًا أن يجتذب صديقه القديس غريغوريوس إلى الخدمة ليشاركه في خدمة الكنيسة والمجاهدة في خضم معاركها.
* وتم ذلك عام 372 م. على يد باسيليوس الكبير وقد تحقق ما كان يخشاه القديس غريغوريوس، إذ أن أنثيموس هذا سبق واستولى على الإيبارشية. ولم يشأ القديس غريغوريوس أن يلجأ إلى القوة أو القضاء في استعادة منصبه، بل هرب وذهب إلى الجبل ليعيش في الخلوة.
* ولم يدم الأمر طويلًا، فقد عجز القديس غريغوريوس عن أن يقاوم توسلات أبيه الشيخ للمرة الثانية وهو لم يكد بعد يلتقط الأنفاس، وهكذا عاد إلى نزينزا لمساعدة أبيه الأسقف.
* فقد القديس غريغوريوس أبويه سنة 374 م
* كان القديس غريغوريوس لا يزال منعزلًا في سلوكية، في أوائل عام 379، حينما عرف بوفاة القديس باسيليوس، في أول يناير من السنة نفسها.
* علي أن انتقال القديس باسيليوس قد أدى إلي نتيجتين:
1- صار القديس غريغوريوس الشخصية الأولى ذات النفوذ وسط النيقاويين من الأجيال الصاعدة في عصره.
2- أصابه هذا الحدث بحزن شديد علي فقدانه أعز أصدقائه ورفقائه الروحيين.
* (بخلاف القانون) في أوائل سنة 379. وفي ثيابه المتواضعة وصحته المتدهورة ونسكه الشديد البادي علي وجهه، ظهر في القسطنطينية لجميع من تبقى من المؤمنين في هيكل صغير بالمدينة، وفي دار أحد أصدقائه أطلق عليه أسم "الأناسطاسيا" أي كنيسة القيامة، وتلقى في الوقت نفسه من مقاومة واستهزاء الأريوسيين، حتى أنهم أغاروا وقت صلاة الليل في عيد الفصح سنة 379 علي "الأناسطاسيا" معبد القيامة الصغير، واعتدوا على المصلين، وأصابت بعض الحجارة القديس غريغوريوس نفسه فأبي أن يشكو أحدًا، بالرغم من إلحاح الكثيرين من خواصه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فكان أن رفع الأريوسين أمره إلى المحكمة واتهموه بالقتل.
* خرج القديس غريغوريوس بريء مما أتهم به، ولم يكف الأريوسيون عن محاولات إيذائه وقتله. أما هو فكان يصفح ويعفو ويقول: أنه لم يأتي في غفوة أمر غريب.
* وبدأ القديس غريغوريوس بالرغم من كل هذا يدأب علي العمل والتعليم وأخذ الأرثوذكسيون بالرغم من المصاعب التي لحقتهم ينهضون ويتقوى إيمانهم بما يسمعونه من مواعظ القديس غريغوريوس. وقد ألقى في هذه الحقبة " عظاته اللاهوتية الخمس " التي تكون أكمل وأسمى وأتقن مجموعة من تعاليمه عن الله وعن سر الثالوث. وقد لقب لدى كنائسنا الشرقية بسبب هذه العظات الخمس ب" اللاهوتي " وبلغ من الشهرة مبلغًا بعيدًا حتى أن القديس جيروم (أيرونيموس) وقد كان متضلعًا في الكتاب المقدس في إنطاكية، جاء خصيصًا إلي سوريا إلي القسطنطينية لكي يتعلم وهو في الخمسين من عمره، بالقرب من القديس غريغوريوس، وأقام زمنًا طويلًا في المدينة، وكان يسره أن يقول: "إن القديس غريغوريوس النزينزي كان دليله ومعلمه في معرفة الكتاب المقدس".
* ترك البطريركية بناء على قرار المجمع وتوجه القديس غريغوريوس بعد ذلك إلى نزينزا أولًا، حيث كانت ومازالت بلا أسقف، وظل هناك يعمل على أن استطاع بعد جهد كبير أن يختار لها من يصلح أن يكون أسقفًا، ثم غادر إلى أريانزا حيث كانت مزارع عائلته، ليقضى فيها بقية سنى حياته في الوحدة والممارسات النسكية والأعمال الأدبية، متابعًا بمراسلاته أحوال الكنيسة في سائر المواضع مبديًا اهتمامًا نشطًا بخير الناس مشاركًا لهم في آلامهم.
* وفي هذه الفترة مضى يؤلف القصائد ويصف حياته وهو يعيش متوحدًا وسط الصخور وبين الوحوش، حافي القدمين، قانعًا بثوب بالٍ وحيد، مفترشًا الأرض وملتحفًا المسوح الخشنة.
* وانتقل القديس غريغوريوس من هذا العالم حوالي 390 أو 391. وقد نقلت عظامه فيما بعد إلى القسطنطينية، ثم حفظت إلى الآن في روما والبندقية.
* برع القديس غريغوريوس في فن كتابة الرسائل، وجمعها ونشرها (243 رسالة).
* كما صاغ في قالب الشعر كثيرًا من أحداث التاريخ والموضوعات اللاهوتية وسيرته الذاتية منظمًا إياها على الأوزان الشعرية اليونانية الكلاسيكية القديمة. وبعض من قصائده كان مقالات نثرية أصلًا حولها إلى شعر. ويبلغ عدد هذه القصائد 507 قصيدة
* وقد كان لدراسات القديس غريغوريوس اليونانية الكلاسيكية في شبابه ميزة في أنها وفرت له إمكانية استخدام الألفاظ المناسبة والتشبيهات والصور الأدبية لأفكاره ومقالاته.
* وقد أراد القديس غريغوريوس بالتزامه القواعد الأدبية السائدة في أيامه أن يثبت أن الفكر المسيحي ليس بأقل مكانة من الوثني في مجال الأدب والفنون.
* إن ما يقف شامخًا من بين أعمال القديس غريغوريوس هو عظاته اللاهوتية الخمس دفاعًا وشرحًا للتعليم الأرثوذكسي الذي قرره مجمع نيقية ضد تعليم الأونوميين والمقدونيين، وقد اكتسب بعد هذه العظات لقب "اللاهوتي" أو "الناطق بالإلهيات" (بالمعنى الضيق للكلمة أي كمدافع عن وحدة جوهر اللاهوت للابن مع الآب).
* تناول اللاهوت عمليًا في كلمات القداس الإلهي المنسوب للقديس غريغوريوس والمستخدم في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية.
4- ومن بين أجمل ما خلفه القديس غريغوريوس خطب في مديح وتخليد ذكرى القديسين، حيث مدح المكابيين وأمهم، والقديس كبريانوس والقديس البابا أثناسيوس الرسولي الذي قال فيه ضمن ما قال: "حين أمدح أثناسيوس فإني أمدح الفضيلة عينها".
5- كما أن له مقالات في تأبين مشاهير الرجال والنساء المعاصرين له. مثل والده الأسقف وأمه القديسة نونا، والقديس باسيليوس الكبير، وشقيقه قيصاريوس الذي حيا فيه مقاومته لمجهودات الإمبراطور الجاحد يوليانوس لتحويله عن الإيمان، وجورجونيا شقيقته الكبرى التي مدحها باعتبارها نموذجًا للأم المسيحية.
6- هذا بالإضافة إلى الخطب والعظات التي ألقاها في مناسبات معينة مثل خطبة الوداع في القسطنطينية، وفي محبة الفقراء، وفي عدم فصم رابطة الزواج، وثلاث خطب في السلام، وعلى أعياد الميلاد والغطاس والقيامة وأحد توما.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/nizenzy.html
تقصير الرابط:
tak.la/bg5f2pj